هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة؟ سورة الكهف يستحب تلاوتها لما لها فضل كبير عند الله وتقرأ سورة الكهف في ليلة الجمعة أو في يومها، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس.. فيكون وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة، قال المناوي: فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي -رضي الله عنه-.

ما سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟


ثبت في السنة النبوية فضل كبير لمن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، وذكر العلماء أكثر من سبب لقراءة سورة الكهف، حيث إن قراءة سورة الكهف تحمي من فتنة المسيح الدجال ومن فضل سورة الكهف أنه «من قرأها في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء»، وقراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها مستحبة، ولها فضل عظيم في الدنيا والآخرة، ويبدأ وقت قراءة سورة الكهف مع غروب شمس يوم الخميس، إلى غروب شمس يوم الجمعة.

سبب نزول سورة الكهف


جاء في سبب نزول سورة الكهف أن المشركين أرسلوا رجلين من اليهود إلى الأحبار ليسألوهم عن رأيهم في دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان رد الأحبار عليهم بأن يسألوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، عن مجموعة من الفتيان، وعن رجل طاف الأرض ووصل مغربها ومشرقها، فنزل الوحي بالرد عن تلك الأسئلة بنزول سورة الكهف، فجاءت سورة الكهف دليل من الأدلة التي جاءت تصديقًا على نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم، ونزلت سورة الكهف في الوقت الذي عانى فيه أهل مكة من الظلم والقهر، كما بيّنت السورة ما عانى منه أصحاب الكهف، فكانت كالفرج بعد الشدة.

سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة


لماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، وذلك لعدة أسباب:-

أولاً: أن قراءة سورة الكهف سبب في العصمة من المسيح الدجال: وهي فتنة عظيمة حذر منها جميع الأنبياء -عليهم السلام-، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»، وقوله -صلى الله عليه وسلّم-: «مَنْ قَرَأَ الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ سُورَة الْكَهْف عُصِمَ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال».
 

ثانياً: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة تنزل عليه السكينة والرحمة وحضور الملائكة،، وروى الإمام مسلم في صحيحه: «قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ، وفي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ قدْ غَشِيَتْهُ، قالَ: فَذَكَرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: اقْرَأْ فُلَانُ، فإنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ القُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ».

ثالثاً: من أسباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عصمة وضياء لقائلها طوال الأسبوع، فعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَن قَرَأَ سورةَ الكَهفِ يومَ الجُمُعةِ أضاءَ له من النورِ ما بَينَ الجُمُعتينِ»، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقوله -صلى الله عليه وسلّم-: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء».

رابعاً: استحقاق شفاعة القرآن لصاحبه يوم القيامة: لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَؤوا القرآنَ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه»، صحيح مسلم.


خامساً: قارئ القرآن له بكل حرف عشر حسنات، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ (الـم) حرفٌ ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ»، حديثُ حسن.
 

- يستحق قارئ القرآن علو الدرجات في الجنة: قال - صلى الله عليه وسلم-: «يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارتقِ، ورتِّلْ كما كنتَ ترتِّلُ في الدنيا، فإنَّ منزلَكَ عند آخرِ آيةٍ.

آداب قراءة سورة الكهف
- قراءة سورة الكهف من المصحف أفضل من قراءتها غيبًا، لأن النظر في المصحف عبادة يؤجر عليها القارئ.

- إخلاص النية لله -عزّ وجل- عند قراءة القرآن الكريم.
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قبل الشروع بالقراءة
- البسملة بقول:«بسم الله الرحمن الرحيم»

- التسوك.. كما ورد في السنة النبوية، بحيث يبدأ من الجانب الأيمن من فمه.
- الطهارة.. فإذا قرأ القرآن محدثًا جاز له ذلك، وإن كان القارئ بفعله هذا قد ارتكب المكروه، وترك الأفضل.
- قراءة القرآن الكريم في مكان نظيف.
- استقبال القبلة عند قراءة القرآن الكريم، والجلوس بخشوع ووقار
- ترديد الآيات للتدبر، فإذا مرّ بآية من آيات العذاب، استعاذ بالله من شر العذاب
- تعظيم القرآن الكريم بتجنب الحديث أثناء تلاوته، وتجنب النظر إلى ما يشتت الذهن.
 

حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
 

يستحب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؛ لما ورد في فضلها من أحاديث، وورد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» [رواه: الدارمي]، وعنه أيضًا، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».

من فاتته قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. لديه فرصة حتى بعد العشاءأسرار في سورة الكهف


ومن السور التي تحتاج إلى تدبر سورة الكهف، حيث إن أغلبنا يقرأ نهاية كل أسبوع سورة الكهف، هل لاحظتم كلمات النهي العشر (لا) ستجعلك تتدبر أكثر.

● اللاء الأولى:
﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا﴾
(الآية ٢٢).
في نقاشك مع الناس لا تدعي إمتلاك الحقيقة ولا تجادل جدالاً عقيماً.

● اللاء الثانية:
﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾
(الآية ٢٢).
فيما يُشكل عليك من أمور لا تطلب الفتوى من شخص غابت عنه حقيقة ذاك الشيء أو يرفض الحق.

● اللاء الثالثة:
﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾
الآيتان (٢٣ / ٢٤).
وأنت تخطط لا توعِدْ نفسك أو غيرك بعمل شيء في المستقبل دون أن تعلق الأمر على مشيئة الله.

● اللاء الرابعة:
﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا﴾
(الآية ٢٨).
وأنت تسير مع الصالحين لا تصرف نظرك عنهم لغيرهم طمعاً بالدنيا.

● اللاء الخامسة:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا﴾
(الآية ٢٨).
خفف من كل شيء لا يقربك إلى الله
لأنه يشغلك
لا تُطِعْ من كان غافلا عن ذكر الله
وآثَرَ هواه على طاعة مولاه
وصار أمره في أعماله ضياعًا وهلاكًا.

● اللاء السادسة:
﴿فلَا تَسْـَٔألنى عَن شَىْءٍ حَتَّىٰٓ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾
(الآية ٧٠).
في ممارستك لفضولك المعرفي لا تستعجل بالسؤال قبل أن تُستكمل لك تفاصيله.

● اللاء السابعة:
﴿لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ﴾
(الآية ٧٣).
تذكر أنهم بشر فلا تحاسبهم على نسيانهم أو ما استُكرهوا عليه.

● اللاء الثامنة:
﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِى عُسْرًا﴾
(الآية ٧٣).
لكل شخص قدرة وطاقة استيعابية فلا تطلب منه ما لا يستطع تحمّله وعمله.

● اللاء التاسعة:
﴿فَلَا تُصاحِبني قَد بَلَغتَ مِن لَدُنّي عُذرًا﴾
(الآية ٧٦).
لا تصاحب من استنفذت معه كل الوسائل..

● بقيت (لاءٌ) أخيرة تُضاف إلى تلك اللاءات التسعة ألا
وهي اللاء العاشرة وهي خاتمة هذه اللاءات
ومِسْكُها في آخر آية من آيات سورة الكهف:

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
(110)}

■ فإن كانت اللاءات التسعة تعتني بتربية المؤمن وتوجيهاته الإيمانية مع من حوله من الناس، فإن اللاء العاشرة جاءت وخُصت علاقة عمل المؤمن بمدى إخلاصه لربه، لتشترط قبول العمل الصالح بألا يراد به إلا وجه الله وحده لا شريك له.

قصة أصحاب الكهف

أهل الكهف هم مجموعة من الفتيان لجأوا إلى كهفٍ خوفًا على أنفسهم من الفتنة في دينهم حين رأوا ما عليه قومهم من عبادة الأصنام والأوثان في يوم عيدٍ لهم، ففتح الله على بصيرة الفتيان، وأيقنوا في قرارة أنفسهم أنّ ما عليه قومهم باطلٌ، فتركوا ما عليه قومهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ، ولجأوا إلى دعاء الله -تعالى- قائلين: «رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا» وناموا في الغار ثلاثمئة وتسع سنوات.
 

وتولّى الله تعالى حفظهم وكان يقلّبهم يمنةً ويسرةً؛ لئلا تأكل الأرض من أجسادهم، وكانوا في مكانٍ واسعٍ في الغار؛ ليصل الهواء إليهم فلا تبلى أجسادهم بانعدامه، وحين أفاقوا من نومهم كان قولهم: «قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف» فلم يعلموا حقيقة أمرهم ولا الزمان الذي هم فيه، فبعثوا أحدهم بالدراهم التي كانت معهم لشراء بعض الطعام من المدينة التي كانوا فيها مع حرصه على ألّا يلفت نظر أحدٍ ممّن حوله؛ حتى لا يفتنوهم عن دينهم، لكن أراد الله -تعالى- بأن يعلم الناس بأمرهم لتقوم عليهم الحجة ويعلموا أن أمر الله حق، أمّا عدد الفتية فلا تتحقّق أي أهميةٍ بمعرفته، ولذلك قال سبحانه: «قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَستَفتِ فيهِم مِنهُم أَحَدًا».
 

ويتبيّن من قصة أصحاب الكهف الأثر الكبير الذي يعود على الدعوة من باب أمر الشباب بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فهم عماد المجتمع، وقد فضّل الله تعالى أمّة محمدٍ وميّزها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ»، كما أنّ الشباب كانوا أكثر الناس استجابةً لدعوة الله تعالى ورسوله، ولذلك فقد نالوا الاهتمام الكبير من النبي -عليه الصلاة والسلام- والخلفاء الراشدين من بعده -رضي الله عنهم-، فحين جهّز أبو بكر -رضي الله عنه- جيش المسلمين بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل الصحابي الشاب أسامة قائدًا للجيش رغم وجود عددٍ من كبار الصحابة.

طباعة شارك هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة قصة أصحاب الكهف

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة قصة أصحاب الكهف

إقرأ أيضاً:

موضوع خطبة الجمعة 14 نوفمبر 2025.. «هلّا شققتَ عن قلبه»

كشفت وزارة الأوقاف عن نص موضوع خطبة الجمعة المقبل 14 نوفمبر 2025، الموافق 23 جمادى الأولى 1447هـ، والخطبة الأولى بعنوان «هلّا شققتَ عن قلبه».

وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من موضوع خطبة الجمعة الأولى، هو التوعية بحقوق الإنسان كما أقرها الإسلام، وأثر ذلك في مواجهة التشدد.

وأضافت الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة الثانية تحت عنوان «خطورة الرشوة»، وهو ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».

نص موضوع خطبة الجمعة

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

أوَّلًا: لَنَا الظَّاهِرُ… وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ

ا لِلإِنسانِ لَهُ ظاهرٌ وباطنٌ، ونَحنُ نَتعامَلُ مع بَني البَشرِ مِن خلالِ الظاهرِ، أمّا الباطنُ فلا يَعلَمُهُ إلّا اللهُ تعالى، لأنَّ القلوبَ لو تَكاشَفَتْ لِلعِبادِ، ما دَفَنَ بَعضُهُم بَعضًا، لِما تَحمِلُهُ القلوبُ مِن حَقدٍ وغِلٍّ وشَحناءِ وبَغضاءَ، وكما قيلَ: لو تَكاشَفتُمْ ما تَدافَنتُمْ!! لِذلكَ اختَصَّ اللهُ تعالى بِما في القلوبِ والصُّدورِ لِنَفسِهِ. قالَ تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر: 19). وقالَ سبحانهُ وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. (ق: 16).

عطور وبخور

وهذا ما أَرشدَنا إلَيهِ الرَّسولُ ﷺ في أَحاديثَ كَثيرةٍ. فَعَنْ أُسامَةَ بنِ زَيدٍ قالَ: بَعَثَنا رَسولُ اللهِ ﷺ في سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحنا الحُرَقاتِ مِن جُهَينَةَ، فَأَدرَكتُ رَجُلًا فَقالَ: لا إلهَ إلّا اللهُ، فَطَعَنتُهُ فَوَقَعَ في نَفسي مِن ذلكَ، فَذَكَرتُهُ لِلنَّبيِّ ﷺ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «أقالَ لا إلهَ إلّا اللهُ وَقَتَلتَهُ؟» قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّما قالَها خَوفًا مِن السِّلاحِ، قالَ: «أفَلا شَقَقتَ عَن قَلبِهِ حَتّى تَعلَمَ أقالَها أم لا؟» فَما زالَ يُكَرِّرُها عَلَيَّ حتّى تَمَنَّيتُ أنّي أَسلَمتُ يومَئذٍ”. (مسلم).

برامج تعلم العربية

وهذا الحديثُ والمَوقِفُ النبويُّ الشَّريفُ مع أُسامَةَ بنِ زَيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ، فيهِ دَلالةٌ واضِحةٌ على وُجوبِ الحُكمِ بالظاهرِ، والتحذيرِ الشديدِ مِن تَجاوُزِ الظاهرِ إلى السَّرائرِ، والحُكمِ على ما في القلوبِ دونَ بَيِّنَةٍ ودَليلٍ. قالَ الخَطّابيُّ: “فيهِ مِن الفِقهِ أنَّ الكافِرَ إذا تَكلَّمَ بالشَّهادَةِ وإن لَم يَصِفِ الإيمانَ وَجَبَ الكَفُّ عنهُ والوُقوفُ عن قَتلِهِ، سَواءٌ أكانَ بَعدَ القُدرَةِ أم قَبلَها”. وقالَ ابنُ حَجرٍ: “وفيهِ دليلٌ على تَرَتُّبِ الأحكامِ على الأسبابِ الظاهرةِ دونَ الباطنةِ“.

وقالَ النَّوويُّ: “مَعناهُ: أنَّكَ إنَّما كُلِّفتَ بالعَملِ بالظاهرِ وما يَنطِقُ بهِ اللسانُ، وأمّا القلبُ فليسَ لَكَ طريقٌ إلى مَعرِفَةِ ما فيهِ، وفيهِ دليلٌ للقاعِدةِ المعرُوفةِ في الفِقهِ والأُصولِ: أنَّ الأحكامَ يُعمَلُ فيها بالظَّواهِرِ، واللهُ يَتَوَلّى السَّرائرَ“.

ويُوضِّحُ هذا الأمرَ الرَّسولُ اللهِ ﷺ في واقِعَةٍ وقِصَّةٍ مُشابِهةٍ في حديثٍ آخَرَ فيقولُ ﷺ: «إنّي لم أُؤمَرْ أن أَنقُبَ عن قلوبِ الناسِ ولا أَشُقَّ بُطونَهُم». (متَّفقٌ عليه). قالَ النَّوويُّ: “مَعناهُ إنّي أُمرتُ بالحُكمِ بالظاهرِ واللهُ يَتَوَلّى السَّرائرَ”. وقالَ الشَّوكانيُّ: “لم أُومَر أن أَنقُبَ عن قلوبِ الناسِ، فإنَّ ذلكَ يَدُلُّ على قَبولِ ظاهرِ التَّوبةِ وعِصمةِ مَن يُصَلّي، فإذا كانَ الزِّنديقُ قد أظهرَ التَّوبةَ وفَعَلَ أفعالَ الإسلامِ كانَ مَعصومَ الدَّمِ“.

فنَحنُ نَتعامَلُ مع الناسِ مِن خلالِ ظَواهِرِهِم، أمّا البَواطنُ فأمرُها إلى اللهِ، وهذا ما كانَ يَفعَلُهُ الرَّسولُ ﷺ مع قَومِهِ.

ثانيًا: الحُكْمُ على ما في القلوبِ تَشَدُّدٌ في الدِّينِ

إنَّ الحُكمَ على ما في قلوبِ العبادِ دونَ مَعرفةِ نواياهم تَشَدُّدٌ في الدِّينِ، لِذلكَ عاتَبَ الرَّسولُ ﷺ سيِّدَنا أُسامَةَ لَمّا فَعَلَ ذلكَ، ونَدِمَ أَشَدَّ النَّدَمِ لَمّا أَحَسَّ بِخُطورَةِ الأَمرِ حتّى قالَ: (حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ)، قالَ ابنُ حَجَرٍ”: أَيْ: أَنَّ إِسْلامي كانَ ذلكَ اليَومَ، لِأَنَّ الإِسلامَ يَجُبُّ ما قَبلَهُ، فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذلكَ الوَقتُ أَوَّلَ دُخولِهِ في الإِسلامِ لِيَأمَنَ مِن جَريرَةِ تِلكَ الفَعلَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لا يَكُونَ مُسلِمًا قَبلَ ذلكَ”. (فَتحُ الباري).

وقالَ الإِمامُ النَّوويُّ: “مَعناهُ: لَم يَكُن تَقَدَّمَ إِسلامي بَلِ ابتدأتُ الآنَ الإِسلامَ لِيَمحُوَ عَنّي ما تَقَدَّمَ، وقالَ هذا الكلامَ مِن عِظَمِ ما وَقَعَ فيهِ“.

لِذلكَ أَمَرَنا الشَّرعُ الحَكيمُ بِالتَّثَبُّتِ مِن الأَمرِ وعدمِ السُّرعَةِ في الحُكمِ على الآخَرينَ. قالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا }. [النِّساء: ٩٤]. يقولُ الطَّاهِرُ ابنُ عاشورٍ: “التَّبَيُّنُ: شِدَّةُ طَلَبِ البَيانِ، أَيِ: التَّأَمُّلُ القَويُّ، …فَتَبَيَّنُوا.. أَي: تَثَبَّتُوا واطلُبوا بَيانَ الأُمورِ، فَلا تَعجَلوا فَتَتَّبِعوا الخَواطِرَ الخاطِفَةَ الخاطِئَةَ”. [التَّحريرُ والتَّنوير].

وسَبَبُ نُزولِ الآيَةِ الكَريمَةِ ما رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قالَ: “مَرَّ رَجُلٌ مِن بَني سُلَيمٍ على نَفَرٍ مِن أَصحابِ رَسولِ اللهِ ﷺ ومَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عليهِم، قالوا: ما سَلَّمَ عليكُم إِلّا لِيَتَعَوَّذَ مِنكُم، فَقاموا فَقَتَلوهُ وأَخَذوا غَنَمَهُ، فَأَتَوا بِها رَسولَ اللهِ ﷺ. فَأَنزَلَ اللهُ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } [النِّساء: 94]”. «الترمذيُّ وحَسَّنَهُ».

لِذلكَ أَمَرَنا اللهُ تعالى بِالتَّثَبُّتِ والتَّبَيُّنِ فقالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. [الحُجُرات: ٦].

فَكَم مِن أُناسٍ مِن خَوارِجِ العَصرِ قَديمًا وحَديثًا لَم يَتَثَبَّتوا أو يَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وأَحكامِهِ حتّى كَفَّروا الناسَ وخَرَجوا عليهِم بِأَسيافِهِم. يقولُ الإِمامُ مالِكٌ رحمهُ اللهُ: “إِنَّ أَقوامًا ابتَغَوا العِبادَةَ وأَضاعوا العِلمَ، فَخَرَجوا على أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِأَسيافِهِم، ولَو ابتَغوا العِلمَ لَحَجَزَهُم عَن ذلكَ”. (مِفتاحُ دارِ السَّعادةِ لابنِ القَيِّم).

فَالتَّشَدُّدُ في الدِّينِ والفَتوى بغيرِ عِلمٍ، أو الفَهمُ المَغلُوطُ لِنُصوصِ الشَّريعةِ الغَرّاءِ، قد يُؤدّي إلى الشَّقاءِ، بَل إلى الهَلاكِ والمَوتِ. فَعَنْ جابِرٍ قالَ: خَرَجنا في سَفَرٍ فَأصابَ رَجُلًا مِنّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ في رَأسِهِ، ثُمَّ احتَلَمَ فَسَأَلَ أَصحابَهُ فقالَ: هَل تَجِدونَ لي رُخصَةً في التَّيَمُّمِ؟ فقالوا: ما نَجِدُ لَكَ رُخصَةً وأَنتَ تَقدِرُ على الماءِ فاغتَسَلَ فماتَ، فَلَمّا قَدِمنا على النَّبيِّ ﷺ أُخبِرَ بِذلكَ فقالَ: «قَتَلوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ أَلا سَأَلوا إذ لَم يَعلَموا فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يَكفيهِ أن يَتَيَمَّمَ ويَعصِرَ على جُرحِهِ خِرقَةً، ثُمَّ يَمسَحَ عليها ويَغسِلَ سائِرَ جَسَدِهِ». (أبو داودَ وابنُ ماجَةَ بسَندٍ حَسَنٍ).

فهؤلاءِ تَشَدَّدوا في الدِّينِ والحُكمِ في المَسأَلَةِ، فَأدّى ذلكَ إلى هَلاكِ الرَّجُلِ ومَوتِهِ!! فَلابُدَّ مِن الرُّجوعِ إلى أهلِ الذِّكرِ والتَّخَصُّصِ في كُلِّ مَجالٍ.

ثالثًا: حَقُّ الحَياةِ والكَرامةِ لِلإِنسَانِ.

إنَّ الإِسلامَ كَفَلَ لِلجَميعِ حَقَّ الحَياةِ والكَرامةِ أَحياءً وأَمواتًا مُسلِمينَ وغَيرَ مُسلِمينَ، قالَ تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. (الإِسراء: 70).

وعَنْ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُما، قالَ: مَرَّ بِنا جِنازَةٌ، فَقامَ لَها النَّبيُّ ﷺ وقُمنا بِهِ، فَقُلنا: يا رَسولَ اللهِ إِنَّها جِنازَةُ يَهُوديٍّ، قالَ: «أَلَيسَتْ نَفسًا». (البُخاري).

فَمَعَ أَنَّها جِنازَةُ يَهُوديٍّ، قامَ الرَّسولُ ﷺ وقامَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم مَعَهُ تَكريمًا لِلنَّفسِ الإِنسانيَّةِ.

لِذلكَ يُشَدِّدُ الإِسلامُ على حُرمَةِ الدَّمِ، وأنَّهُ لا يَجوزُ قَتلُ إِنسانٍ ما دامَ يَنطِقُ بالشَّهادَتينِ، بِغَضِّ النَّظرِ عن سَبَبِ النُّطقِ، سَواءٌ كانَ خَوفًا أو غَيرَهُ. فَالظّاهِرُ هو ما يَقبَلُهُ الشَّرعُ، ولا يُفتَرَضُ فيهِ حُكمٌ باطِنٌ، إلّا إذا جاءَ دَليلٌ واضِحٌ على ذلكَ. لِهذا شَرَعَ الإِسلامُ القِصاصَ لِبَقاءِ حَياةِ الإِنسانِ، فقالَ تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}. (البَقَرَة: 179). يقولُ الإِمامُ ابنُ كَثيرٍ:” وفي شَرعِ القِصاصِ لَكُم - وهو قَتلُ القاتِلِ - حِكمَةٌ عَظيمَةٌ لَكُم، وهي بَقاءُ المُهَجِ وصَونُها، لأنَّهُ إذا عَلِمَ القاتِلُ أنَّهُ يُقتَلُ انكَفَّ عن صَنيعِهِ، فَكانَ في ذلكَ حَياةُ النُّفوسِ. وفي الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ: القَتلُ أَنفى لِلقَتلِ. فَجاءَتْ هذه العِبارَةُ في القُرآنِ أَفصَحَ وأَبلَغَ وأَوجَزَ. وقالَ أَبو العالِيَةِ: جَعَلَ اللهُ القِصاصَ حَياةً، فَكَم مِن رَجُلٍ يُريدُ أن يَقتُلَ، فَتَمنَعُهُ مَخافَةُ أن يُقتَلَ“. أ.هـ

فَالدَّمُ الإِنسانيُّ مِن أَعظَمِ وأَجَلِّ ما يَنبَغي أَن يُصانَ ويُحفَظَ، قالَ القُرطُبيُّ رحمهُ اللهُ: «إِنَّ الدِّماءَ أَحَقُّ ما احتِيطَ لَها، إذِ الأَصلُ صِيانَتُها في أَهبِها «جُلُودِها»، فلا تُستَباحُ إلّا بِأمرٍ بَيِّنٍ لا إِشكالَ فيهِ». (تَفسيرُ القُرطُبي).

وفي السُّنَّةِ النبويَّةِ المُشرَّفةِ توجيهٌ شَريفٌ في واقِعَةٍ أُخرَى تُبَيِّنُ حَقَّ الحَياةِ لِلإِنسانِ. فَعَنِ المِقدادِ بنِ عَمرٍو أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللهِ ﷺ: أَرَأَيتَ إن لَقيتُ رَجُلًا مِن الكُفّارِ فَاقتَتَلنا، فَضَرَبَ إحدَى يَدَيَّ بِالسَّيفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ مِنّي بِشَجَرَةٍ، فَقالَ: أَسلَمتُ لِلَّهِ، أَأَقتُلُهُ يا رَسولَ اللهِ بَعدَ أن قالَها؟ فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقتُلهُ». فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إنَّهُ قَطَعَ إحدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قالَ ذلكَ بَعدَ ما قَطَعَها؟ فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقتُلهُ، فإن قَتلتَهُ فإنهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبلَ أن تَقتُلَهُ، وإنَّكَ بِمَنزِلَتِهِ قَبلَ أن يَقولَ كَلمَتَهُ التي قالَ». (مُتَّفِقٌ عليهِ).

ومعنى: (بِمَنزِلَتِكَ) أي: مَحقونُ الدَّمِ يُقتَلُ قاتِلُهُ قِصاصًا. و(بِمَنزِلَتِهِ): مُهدَرُ الدَّمِ تُقتَلُ قِصاصًا لِقَتلِكَ مُسلِمًا.

فَالدِّماءُ مُصانَةٌ لا يَجوزُ الاعتِداءُ عَلَيها. يقولُ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسلِمٍ، يَشهَدُ أن لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وأنِّي رَسولُ اللهِ، إلَّا بِإِحدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلقَماعَةِ». (مُسلِمٌ).

أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ: منَ المفاهيمِ الخاطئةِ المنتشرةِ في المجتمعِ (الرشوةُ)، حيثُ يعتقدُ الكثيرونَ أنَّها هديَّةٌ، ولكنَّها من أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ. قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}. [النِّساءُ: ٢٩].

وعن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ قالَ: مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي؟ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلَاثًا[البخاري].

قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ: «في هذا الحديثِ بيانٌ أنَّ هدايا العُمّالِ حرامٌ وغُلولٌ، لأنَّه خانَ في ولايتِهِ وأمانتِهِ، ولهذا ذُكِرَ في الحديثِ في عقوبتِهِ حَملَهُ ما أُهديَ إليهِ يومَ القيامةِ، كما ذُكرَ مثلُهُ في الغالِّ…».[شرحُ النَّوَوِيِّ على مُسلمٍ].

لذلكَ لعنَ اللهُ كلَّ منِ انتسبَ إلى الرشوةِ، فعن ثَوْبانَ رضي اللهُ عنهُ، عنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: “لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا”. [أحمدُ، وابنُ ماجةَ، والحاكمُ — واللفظُ له].

وهكذا يتبيَّنُ لنا أنَّ الرشوةَ سُحْتٌ وحرامٌ، فعلينا أنْ نتعاونَ جميعًا في القضاءِ على هذهِ الظاهرةِ المُشينَةِ.

نسألُ اللهَ أنْ يلهمنا رشدنا، وأن يرزقنا الحلال ويبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

اقرأ أيضاً«هلّا شققتَ عن قلبه» و «خطورة الرشوة».. موضوع خطبة الجمعة المقبل

الأوقاف تفتتح مسجد محمد الخطيب بالفيوم.. وخطبة الجمعة تحذر من إدمان السوشيال ميديا

«إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي».. نص خطبة الجمعة المقبلة

مقالات مشابهة

  • صلاة الاستسقاء .. اعرف كيفيتها ودعاءها وفضلها
  • تأملات قرآنية
  • هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ.. نص خطبة الجمعة 14 نوفمبر 2025
  • هل يجوز الإنابة في العمرة؟ .. أمين الفتوى يوضح الضوابط الشرعية
  • هل يجوز بيع الأب هدية ذهبية أُهديت لطفله الصغير؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي
  • موضوع خطبة الجمعة 14 نوفمبر 2025.. «هلّا شققتَ عن قلبه»
  • هل يجوز للإمام أداء صلاة الجمعة 3 مرات بمصلين مختلفين لضيق المكان
  • ما حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين؟.. الإفتاء: يجوز بشرطين
  • متى يتحول المهر إلى المغالاة؟.. أمين الإفتاء يحدد المعيار الصحيح