الولايات المتحدة – في عالم المال والأعمال، حيث تحكم الأرقام والفرص والحسابات الدقيقة في عقول باردة، ظهرت شخصية حطمت كل قواعد النجاح وقلبت الموازين رأسا على عقب.

إنه تيموثي ديكستر، ذلك الرجل الذي دخل التاريخ كأغبى رائد أعمال على الإطلاق، وأكثرهم حظا بشكلٍ يبعث على الحيرة والدهشة. لو شاهدته في رحلته الغريبة، لظننت أنه قد باع روحه للشيطان مقابل هذا الحظ الملازم، لكن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيدا وإثارة، فلعل الشيطان نفسه هو من باع روحه لتيموثي ديكستر، أو ربما كان الرجل، بطريقته الخاصة، يستحق كل هذا النجاح المبهر.

انطلقت رحلته من نقطة بعيدة كل البعد عن مؤشرات النجاح. وُلد عام 1747 في كنف أسرة فقيرة، محروما من نعمة التعليم، ليعمل كعامل منذ كان طفلا في الثامنة من عمره. في السادسة عشرة تدرب على مهنة الدباغة، ليتمكن لاحقا من افتتاح ورشته الخاصة. لكن المنعطف الحقيقي في حياته كان زواجه من الأرملة الثرية إليزابيث فروثينغهام، التي كانت تكبره بتسع سنوات. هنا، بدأت الملحمة المذهلة.

بدلا من محافظته على ثروة زوجته، انطلق تيموثي في مخاطرة يراها أي خبير مالي انتحارية. أنفق الثروة بأكملها على شراء “الدولارات القارية”، وهي أوراق نقدية لم تكن تساوي الحبر الذي طُبعت به.

هذه الأوراق كانت صدرت بقرار من الكونغرس الأمريكي خلال الحرب الأهلية من دون أي غطاء مالي يضمن قيمتها. في عام 1778، كان كل مائتي دولار قاري لا يساوي أكثر من دولار عادي واحد، وبحلول عام 1781، انهارت قيمته إلى ألف دولار قاري مقابل دولار واحد. في ذروة الانهيار، قام تيموثي بشرائها!

كان الجميع يرى أن هذا هو الإفلاس التام بعينه، لكن القدر كان يخبئ مفاجأة مذهلة. في عام 1790، استقرت الدولة وأعلنت استبدال هذه الأوراق عديمة القيمة بسندات حكومية بمعدل 100 إلى 1. فحصل ديكستر، بين عشية وضحاها، على عشرة أضعاف ما استثمره، محولا ثروة زوجته إلى ثروة أسطورية. الغريب أن جيرانه الأثرياء كانوا يشترون هذه الدولارات بدافع الشفقة والإحسان، بينما هو جنى الثروة، ربما بدافع الغباء أو البصيرة الخارقة.

لم يتوقف جنون هذا الرجل عند هذا الحد. فبالأموال التي كسبها، قرر دخول عالم التجارة الدولية بصفقات يبدو ظاهرها كالحماقة في أسوأ أطوارها، لكن باطنها كان نجاحا باهرا. أرسل شحنة من دفايات الأسرّة إلى جزر الهند الغربية في منطقة البحر الكاريبي، وهي منطقة استوائية حارة! لكن المفاجأة كانت أنه وجد سوقًا لها. بل والأعجب، زوّد الجزر بقفازات دافئة، ثم باع الحيوانات التي جمعها هناك، بما في ذلك الفئران، محققًا أرباحا إضافية وساهم، عن غير قصد، في حل مشكلة انتشار القوارض.

مع تضخم ثروته، نصب نفسه “لوردا”، وأغدق الهدايا بسخاء على كل من يناديه بهذا اللقب. بل وامتد غروره ليشمل شراء كلب مكسيكي أصلع نادر، كان يصطحبه في كل مكان كرمز لمكانته الفريدة.

لم يتردد هذا الرجل غريب الأطوار في اقتناء أربعين تمثالا بألوان زاهية لشخصيات عظيمة في ممتلكاته، لم ينسَ بينها أن يضع تمثالا ضخما لنفسه. وكأنه يريد أن يخلد أسطورته بطريقته الخاصة. بل تجاوز ذلك إلى تأليف كتاب أسماه “هراء للحكماء، أو الحقيقة المجردة في ثوب خشن”، وكأنه يعلن للعالم أن الحكمة السائدة لا تعني شيئا أمام حظه الطيب.

حتى حين حصل على منصب حكومي بعد إلحاح شديد كـ “حارس غزلان”، كان المنصب شكليا بحتا، إذ قُتل آخر غزال في منطقته قبل عشرين عاما من تعيينه!

توفي تيموثي ديكستر عام 1806، وقسم ممتلكاته بين أبنائه وزوجته وأصدقائه، مختتما قصة حياة أقرب إلى الخيال. فهل كانت قصته عن أحمق ينعم بحظ نادر؟ أم أنها قصة رجل فهم قواعد اللعبة بطريقة مختلفة، فاستطاع أن يكتب نجاحه بأحرف من جنون خالص، محولا كل ما يلمسه إلى ذهب، ببراعة قد تكون أعمق بكثير من كل حكم العالم؟

المصدر: RT

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

الأواني الحجرية في جازان.. تحفٌ صخريةٌ تحكي عبق الزمن والهوية

تزخرُ منطقة جازان بتراثٍ عميقٍ يجمع بين التاريخ العريق والطبيعة الساحرة والإنسان المبدع، لتظلّ شاهدةً على روح الجبال وهوية جازان الأصيلة، المتوارثة جيلًا بعد جيل، وعلامةً بارزةً من علامات المنطقة الثقافية.
ومن بين ملامح هذا الإرث، تبرز الأواني الحجرية تحفًا صخريةً حيّة للذاكرة المحلية، وواحدةٍ من العادات المتجذرة على موائد الزمن والمطابخ الشعبية، إذ ما زالت تحتفظ بمكانتها في تقديم أشهى المأكولات التي تعبق برائحة الأجداد ونكهة الجبال.
وتُصنع هذه الأواني من الحجر الصابوني بعنايةٍ فائقة، وبمقاساتٍ مختلفةٍ تناسب الاستخدامات المتنوعة، مع زخارف دقيقة تعكس مهارة الصانع وذائقته الفنية, وتُعدّ من المهن الصعبة التي تتطلّب صبرًا وقوةً وإبداعًا إذ يجمع الحرفي بين الدقة والخبرة ليحوّل الحجر إلى قطعةٍ فنيةٍ هندسيةٍ تنبض بالجمال.


ويُستخرج الحجر الصخري باستخدام أدواتٍ تقليدية مثل الأزميل والقدّوم والفرس والمرزبة والسكاكين، لا سيّما من جبال قيس بمحافظة العارضة، المشهورة بأحجارها الصابونية، إذ يُنحت الحجر بدقةٍ ليخرج على شكل أوانٍ دائرية وبيضاوية تُعرف محليًا باسم “المغشّات”، وتُستخدم لطهي الوجبات الشعبية التي تشتهر بها منطقة جازان، محافظةً على حرارة الطعام لساعاتٍ طويلة.

اقرأ أيضاًUncategorizedنائب أمير حائل يدشّن منصة رقمية تتضمن عددًا من البرامج الإعلامية المتخصصة


والتقت وكالة الأنباء السعودية خلال جولتها بسوق الثلاثاء الأسبوعي بمحافظة صبيا بأحد بائعي الأواني الحجرية عبده مكي الذي أشار إلى أن هذه الصخور الحجرية تُصنع منها العديد من الأواني التي تتنوع بين “المغشّ” و”الحِسّية” و”القدور” و”الفناجيل”، ويكون للطعام نكهته الخاصة التي يفضلها الأهالي، وتجيد استخدامها الأمهات اللواتي أصبحن على معرفة وخبرة كافية بأنواعها المختلفة من خلال طهي وتقديم الطعام، لأنها تضيف نكهةً خاصةً على الأطعمة ومظهرًا جماليًا مناسبًا للسفرة الجيزانية.


وبيّن أن هذه الأواني تحظى برواج واسع من قبل أهالي وزوار المنطقة، وتتفاوت أسعارها بحسب حجمها وما تتميز به من جودةٍ عالية وجمالٍ فريد وقيمةٍ تراثية تحفظ نفحات الزمن وتخلّد حكاية الأجداد، وتظلّ الأواني الحجرية في جازان شاهدًا حيًا على انسجام الإنسان مع الطبيعة وبراعة الحرفيين، الذين حوّلوا الصخر إلى تحفةٍ تنبض بالأصالة، لتروي للأجيال قصة هويةٍ لا تذوب مع الزمن.

مقالات مشابهة

  • تحذير متشائم من “إيكونوميست”: لا إعمار في غزة.. والمؤقت قد يصبح دائماً
  • عندما يخونك GPS.. مسن فرنسي يجد نفسه في كرواتيا بدلا من عيادة الطبيب المجاورة لمنزله!
  • تقرير إسرائيلي: حزب الله يعيد بناء قدراته.. لكنه في مأزق
  • الرجل يفضل العمل في صمت وتجرد… ويكره الأضواء والظهور
  • عبد العاطي: مخطط تقسيم السودان وارد لكنه سيكون أمرا خطيرا
  • الأواني الحجرية في جازان.. تحفٌ صخريةٌ تحكي عبق الزمن والهوية
  • هل يصبح تقسيم غزة واقعًا دائمًا.. ومَن سيقبض على أسلحة حماس قبل المرحلة الثانية؟
  • الشرعية من الدستور لا من التوافقات.. رسالة فائق زيدان إلى من يقرأ بين السطور
  • «اعتبرته قدوة لكنه خذلني».. البلوجر أمنية حجازي تطالب عبد الله رشدي بالاعتراف بابنته