الصراع في الكونغو الديمقراطية.. إرث الاستعمار وإخفاقات الدولة
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
مزيج من إرث الاستعمار البلجيكي وإخفاقات الدولة المركزية في حفظ التوازنات مع الأعراق المختلفة في إحدى أكبر دول أفريقيا مساحة أنتج صراعا معقدا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية التي لم تعرف السلام منذ الاستقلال عام 1960.
أولى الأزمات شهدتها البلاد في عهد رئيس الوزراء باتريس لومومبا المعروف بـ"أبو الاستقلال"، حيث أعلن إقليم كاتانغا الغني بالمعادن الانفصال تحت قيادة مويس تشومبي، ثم شهد إقليم كاساي المعروف بإقليم الألماس محاولة انفصال.
ووُجهت أصابع الاتهام في كلتا المحاولتين إلى المستعمر السابق بلجيكا التي سعت لدعم الطروحات الفدرالية في وجه عقيدة لومومبا الوحدوية.
وبعد اغتيال لومومبا وانقلاب موبوتو سيسي سيكو عام 1965 على حكم الرئيس جوزيف كازافوبو تحولت الدولة الفتية زائير إلى الكونغو الديمقراطية، لكن شرق البلاد ظل مسرحا للقلاقل والاضطرابات.
وتحمل ولايتا كيفو الجنوبية والشمالية شرقي الكونغو تاريخا طويلا مع العنف العرقي الذي كرسه الاستعمار بفعل التقسيم المستمر والتغيير الديمغرافي في أعقاب مؤتمر برلين 1884.
فقد استخدمت بلجيكا الاستعمارية الدراسات الإنسانية منذ نهاية القرن الـ19 لتقسيم السكان في مناطق سيطرتها بالبحيرات العظمى لتحول النظم الاجتماعية والطبقية إلى إثنيات عرقية، لتحول الهوتو الرعاة والملّاك من التوتسي إلى عرقيتين كُرستا في بطاقات الهوية قبيل انهيار سلطتها.
وشهد شرق الكونغو حربين متتاليتين بمشاركة مباشرة من دول إقليمية عدة انتهت باتفاقيات سلام برعاية أفريقية لم تنه العنف في الشرق.
ومن بين الأطراف المقاتلة ما باتت تُعرف بـ"القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" المكونة من بقايا الجيش الرواندي السابق، حيث تتهم كيغالي جارتها كينشاسا بدعم هذه القوات وتمكينها فلول الجيش السابق من شن هجمات على أراضيها وارتكاب الفظائع بحق التوتسي الكونغوليين.
إعلانوترد كينشاسا باتهام مضاد بوقوف رواندا وراء حركة "إم 23" ودعمها، وهي الحركة التي بدأت القتال يدعوى حماية سكان الشرق من عنف كينشاسا كما تقول، ولدرء هجمات القوات الديمقراطية لتحرير رواند على المحليين من عرقية التوتسي.
ورغم الوساطات العديدة فإن مسارات السلام الإقليمية لم تفلح في وقف العنف حتى 18 مارس/آذار الماضي حين أعلنت قطر أن أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني جمع الرئيسين الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي في إطار جهود الوساطة الرامية إلى تحقيق الاستقرار.
وانطلق بعدها مساران للسلام في البحيرات الكبرى، هما مسار كونغولي رواندي، ويسّرت الدوحة بدأه بالاجتماع الثلاثي، ورعت واشنطن جلساته التي أثمرت توقيع اتفاق للسلام بين الدولتين في 27 يونيو/حزيران الماضي، ولا تزال الأطراف منخرطة في إتمام الاتفاقيات الملحقة به.
والمسار الثاني كونغولي كونغولي بين الحكومة المركزية وتحالف نهر الكونغو (إم 23)، وتستضيفه دولة قطر، وأثمر توقيع اتفاق مبادئ لإنهاء الصراع في يوليو/تموز الماضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
اتفاق تاريخي بالدوحة يؤسس مرحلة استقرار جديدة في الكونغو الديمقراطية
الدوحة- شهدت الدوحة اليوم السبت توقيع "إطار الدوحة" للاتفاق الشامل للسلام بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة "إم 23" المتمردة، وذلك بعد مفاوضات جرت بوساطة قطرية واستمرت عدة أشهر تكللت بالتوصل لهذا الاتفاق بهدف دعم مسار السلام وتعزيز الاستقرار في شرق الكونغو.
ويضع "إطار الدوحة" أسسا واضحة لوقف الأعمال العدائية وتهيئة المناخ لعودة النازحين وتعزيز التنمية في المناطق المتضررة، كما يؤكد على التزام الطرفين بالانخراط في عملية سياسية شاملة تضمن معالجة جذور النزاع وفتح صفحة جديدة من المصالحة الوطنية.
مقتطفات من حفل توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحالف نهر الكونغو "حركة 23 مارس"#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/Zzmbbfl4FO
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) November 15, 2025
وخلال مؤتمر صحفي عقب التوقيع، قال وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي إن هذا الاتفاق تاريخي وسوف يُطبّق على الأرض ضمن آليات اتُفق عليها في إطار الوساطة القطرية، لافتا إلى أن إعلان اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه بالدوحة في 19 يوليو/تموز الماضي، ساهم في تحقيق هذا الإنجاز، وأعطى زخما للمفاوضات.
وشدد الخليفي على أن توقيعه يشكل بداية لتحقيق السلام الشامل، معلنا الاتفاق على تشكيل لجنة للمصالحة وتقديم التعويضات بما يتوافق مع الدستور. وأوضح أن الأشهر الماضية شهدت تقدما ملموسا تمثل في توقيع آلية إطلاق سراح المحتجزين بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول الماضي، وتوقيع آلية الإشراف والتحقق من وقف إطلاق النار في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وأفاد بأن اتفاق السلام الشامل يضم 8 بروتوكولات تنفيذية، تم توقيع اثنين منها بالفعل، بينما ستخضع الستة المتبقية لاستكمال التفاوض خلال الأيام المقبلة، وتشمل:
إعلان بروتوكول وصول المساعدات الإنسانية والحماية القضائية. بروتوكول استعادة سلطة الدولة، والإصلاحات وترتيبات الحكم والمشاركة الوطنية. بروتوكول الترتيبات الأمنية المؤقتة ونزع سلاح الجماعات المسلحة المحلية وإعادة دمجها والتعامل مع الجماعات المسلحة الأجنبية. بروتوكول الهوية والمواطنة، وعودة النازحين واللاجئين وإعادة توطينهم. بروتوكول الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي. بروتوكول العدالة والمصالحة.تتويجًا لأشهر من المفاوضات التي رعتها دولة قطر.. #الدوحة تشهد توقيع اتفاق سلام شامل بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس
التفاصيل مع مراسلة الجزيرة سلام خضر#الأخبار pic.twitter.com/lD7uW6OsD4
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 15, 2025
واتفق الطرفان على إنشاء لجنة مستقلة تعنى بتعزيز المصالحة وتفعيل المساءلة بشأن الجرائم وتقديم التوصيات حول التعويضات المناسبة، في إطار عملية عدالة انتقالية منسجمة مع الدستور والقوانين المعمول بها في الجمهورية.
من جهته، قال مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، الذى حضر التوقيع بالدوحة، إن الاتفاق يعد خطوة تاريخية نحو تحقيق السلام والاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مؤكدا أهمية الشراكة بين دولة قطر والولايات المتحدة في دعم هذا المسار.
وأشاد بالدور الفاعل الذي لعبتاه في تيسير هذا الاتفاق، "الذي يعد خطوة إضافية نحو السلام الذي يسعى الجميع لتحقيقه"، مضيفا أن هذه العملية لم تحدث بين ليلة وضحاها، بل هي نتيجة جهود طويلة ومتواصلة، وأنه يشكل خطوة أولى على طريق طويل يمكن البناء عليها لتحقيق تقدم أكبر في المستقبل.
وأشار بولس إلى أهمية الدور الذي سيلعبه كل من الاتحاد الأفريقي وتوغو والشركاء الدوليين في متابعة التنفيذ وضمان تحقيق الاستقرار على الأرض، لافتا إلى أن الهدف النهائي هو تحقيق السلام الدائم والازدهار لشعب الكونغو الديمقراطية.
مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس:
????نحن على تواصل مع طرفي النزاع في السودان
????السودان يعاني من أصعب أزمة إنسانية في العالم
????نعمل مع قطر ودول أخرى للتعامل مع الأزمة في السودان#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/Bc1DZ5GvrL
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 15, 2025
أكبر أزمة إنسانيةوحول الوضع في السودان، قال المسؤول الأميركي إنه يمثل أكبر أزمة إنسانية في العالم، وإن ما يحدث اليوم، وما حدث خصوصا خلال الأسبوعين أو الثلاثة الماضية، يثير قلقا كبيرا ليس فقط لدى واشنطن وترامب، بل لدى المجتمع الدولي بأسره.
وأضاف بولس أن الولايات المتحدة تعمل بهذا الشأن عن كثب مع أعضاء اللجنة الرباعية، التي تضم الإمارات والسعودية ومصر، بالإضافة إلى شركاء آخرين من بينهم قطر وتركيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وأكد أنه يتم التواصل مع كلا الطرفين في السودان، موضحا أن واشنطن قدمت مقترحا لوقف إنساني لإطلاق النار لمدة 3 أشهر، وقد رحبا به، إلا أنه لم يتم بعد التوقيع عليه رسميا أو تنفيذه على الأرض، وأن العمل مستمر في هذا الإطار بالتنسيق مع الشركاء الدوليين.
توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو#الخارجية القطرية pic.twitter.com/beERTHsh6Z
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) November 15, 2025
من ناحيتها، قالت سفيرة جمهورية الكونغو الديمقراطية في الدوحة فاليري لوسامبا للجزيرة نت إن جهود دولة قطر في تيسير عملية السلام في بلادها كانت ذات تأثير هائل وإن دورها كان حاسما من البداية، مشيرة إلى أن النزاع مستمر منذ عدة عقود.
إعلانوأوضحت أن كينشاسا واثقة تماما من قدرة الدوحة وخبرتها المثبتة على قيادة عملية التيسير وتحقيق نتائج ملموسة، وأن تأثير هذا الاتفاق على بلادها عميق وسيستمر للأجيال القادمة.
وأضافت أن الوصول إلى مرحلة يوجد فيها أمل لتحقيق السلام، مدعوما بإجراءات عملية وملموسة، يمثل خطوة مهمة في إنهاء نزاع متواصل، وأثنت على الدور الفاعل الذي تلعبه الجهات الدولية، بما في ذلك دولة قطر، لضمان تقدم عملية السلام بشكل فعّال وتحقيق نتائجها المرجوة.
وأكدت السفيرة على أن النتائج الإيجابية لهذا الاتفاق ستؤثر على مستقبل جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي القارة الأفريقية ككل، وأن تحقيق السلام يعد خطوة هامة وبارزة للبلاد والقارة، ومؤشرا على الالتزام الجماعي بمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
بدوره، أثنى السفير الصومالي لدى الدوحة، محمد أحمد شيخ، في تصريح خاص للجزيرة نت، على الاتفاق، موضحا أنه يمثل نجاحا جديدا يُضاف إلى سجل دولة قطر الحافل في مجال الوساطة الدولية، وأنه يعكس الحياد والنزاهة اللذين تتمتع بهما الدوحة، إلى جانب قوتها الناعمة وشبكة علاقاتها الإقليمية والدولية التي تؤهلها للقيام بهذا الدور بثقة واحترام من جميع الأطراف.
وأكد أن الاتفاق سيترك أثرا بالغ الأهمية على الوضع في القارة الأفريقية، خصوصا في منطقة البحيرات الكبرى، موضحا أن الوضع في الكونغو الديمقراطية معقد للغاية بسبب تشابك الصراعات وتعدد الأطراف المنخرطة فيها، لكنه شدد على أن ما يجري الآن يمثل مرحلة جديدة من التوافق والسلام ويُعد تحولا مهما نحو تهدئة النزاعات وتعزيز الاستقرار.
وبيّن أن انعكاسات الاتفاق لن تشمل كينشاسا فحسب، بل ستمتد لتؤثر إيجابيا على المنطقة بأكملها، بما في ذلك الدول المجاورة التي لطالما تأثرت بالصراع، سواء على مستوى الأمن أو الاقتصاد أو حركة اللاجئين.
وفي تصريح للجزيرة نت، رحب السفير البريطاني في الدوحة ناراف باتيل بتوقيع الاتفاق، مشيدا بالدور الذي قامت به واشنطن ودولة قطر في تيسير هذه الخطوة المهمة نحو تحقيق السلام الذي يسعى إليه المجتمع الدولي، ووصفها بأنها خطوة إيجابية على طريق طويل يمكن البناء عليها، معربا عن ثقته في إمكانية إحراز تقدم إضافي في المستقبل.
وأكد أن المملكة المتحدة تدعم هذا الاتفاق بالكامل وتهنئ جميع من ساهموا في تحقيقه، موضحا أنها لم تكن وسيطا مباشرا داخل غرفة التفاوض، لكنها لعبت دورا داعما لمن هم داخل النقاشات وخارجها، وساعدت في التنسيق وتشجيع الحوار والإسهام في إيجاد حلول للقضايا المعقدة التي تؤثر على الناس على الأرض.
كما أشار إلى إسهام بلاده "الكبير" كجهة مانحة للمساعدات الإنسانية في دعم سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية.