اتفاق تاريخي بالدوحة يؤسس مرحلة استقرار جديدة في الكونغو الديمقراطية
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
الدوحة- شهدت الدوحة اليوم السبت توقيع "إطار الدوحة" للاتفاق الشامل للسلام بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة "إم 23" المتمردة، وذلك بعد مفاوضات جرت بوساطة قطرية واستمرت عدة أشهر تكللت بالتوصل لهذا الاتفاق بهدف دعم مسار السلام وتعزيز الاستقرار في شرق الكونغو.
ويضع "إطار الدوحة" أسسا واضحة لوقف الأعمال العدائية وتهيئة المناخ لعودة النازحين وتعزيز التنمية في المناطق المتضررة، كما يؤكد على التزام الطرفين بالانخراط في عملية سياسية شاملة تضمن معالجة جذور النزاع وفتح صفحة جديدة من المصالحة الوطنية.
مقتطفات من حفل توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحالف نهر الكونغو "حركة 23 مارس"#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/Zzmbbfl4FO
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) November 15, 2025
وخلال مؤتمر صحفي عقب التوقيع، قال وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي إن هذا الاتفاق تاريخي وسوف يُطبّق على الأرض ضمن آليات اتُفق عليها في إطار الوساطة القطرية، لافتا إلى أن إعلان اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه بالدوحة في 19 يوليو/تموز الماضي، ساهم في تحقيق هذا الإنجاز، وأعطى زخما للمفاوضات.
وشدد الخليفي على أن توقيعه يشكل بداية لتحقيق السلام الشامل، معلنا الاتفاق على تشكيل لجنة للمصالحة وتقديم التعويضات بما يتوافق مع الدستور. وأوضح أن الأشهر الماضية شهدت تقدما ملموسا تمثل في توقيع آلية إطلاق سراح المحتجزين بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول الماضي، وتوقيع آلية الإشراف والتحقق من وقف إطلاق النار في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وأفاد بأن اتفاق السلام الشامل يضم 8 بروتوكولات تنفيذية، تم توقيع اثنين منها بالفعل، بينما ستخضع الستة المتبقية لاستكمال التفاوض خلال الأيام المقبلة، وتشمل:
إعلان بروتوكول وصول المساعدات الإنسانية والحماية القضائية. بروتوكول استعادة سلطة الدولة، والإصلاحات وترتيبات الحكم والمشاركة الوطنية. بروتوكول الترتيبات الأمنية المؤقتة ونزع سلاح الجماعات المسلحة المحلية وإعادة دمجها والتعامل مع الجماعات المسلحة الأجنبية. بروتوكول الهوية والمواطنة، وعودة النازحين واللاجئين وإعادة توطينهم. بروتوكول الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي. بروتوكول العدالة والمصالحة.تتويجًا لأشهر من المفاوضات التي رعتها دولة قطر.. #الدوحة تشهد توقيع اتفاق سلام شامل بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس
التفاصيل مع مراسلة الجزيرة سلام خضر#الأخبار pic.twitter.com/lD7uW6OsD4
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 15, 2025
واتفق الطرفان على إنشاء لجنة مستقلة تعنى بتعزيز المصالحة وتفعيل المساءلة بشأن الجرائم وتقديم التوصيات حول التعويضات المناسبة، في إطار عملية عدالة انتقالية منسجمة مع الدستور والقوانين المعمول بها في الجمهورية.
من جهته، قال مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، الذى حضر التوقيع بالدوحة، إن الاتفاق يعد خطوة تاريخية نحو تحقيق السلام والاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مؤكدا أهمية الشراكة بين دولة قطر والولايات المتحدة في دعم هذا المسار.
وأشاد بالدور الفاعل الذي لعبتاه في تيسير هذا الاتفاق، "الذي يعد خطوة إضافية نحو السلام الذي يسعى الجميع لتحقيقه"، مضيفا أن هذه العملية لم تحدث بين ليلة وضحاها، بل هي نتيجة جهود طويلة ومتواصلة، وأنه يشكل خطوة أولى على طريق طويل يمكن البناء عليها لتحقيق تقدم أكبر في المستقبل.
وأشار بولس إلى أهمية الدور الذي سيلعبه كل من الاتحاد الأفريقي وتوغو والشركاء الدوليين في متابعة التنفيذ وضمان تحقيق الاستقرار على الأرض، لافتا إلى أن الهدف النهائي هو تحقيق السلام الدائم والازدهار لشعب الكونغو الديمقراطية.
مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس:
????نحن على تواصل مع طرفي النزاع في السودان
????السودان يعاني من أصعب أزمة إنسانية في العالم
????نعمل مع قطر ودول أخرى للتعامل مع الأزمة في السودان#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/Bc1DZ5GvrL
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 15, 2025
أكبر أزمة إنسانيةوحول الوضع في السودان، قال المسؤول الأميركي إنه يمثل أكبر أزمة إنسانية في العالم، وإن ما يحدث اليوم، وما حدث خصوصا خلال الأسبوعين أو الثلاثة الماضية، يثير قلقا كبيرا ليس فقط لدى واشنطن وترامب، بل لدى المجتمع الدولي بأسره.
وأضاف بولس أن الولايات المتحدة تعمل بهذا الشأن عن كثب مع أعضاء اللجنة الرباعية، التي تضم الإمارات والسعودية ومصر، بالإضافة إلى شركاء آخرين من بينهم قطر وتركيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وأكد أنه يتم التواصل مع كلا الطرفين في السودان، موضحا أن واشنطن قدمت مقترحا لوقف إنساني لإطلاق النار لمدة 3 أشهر، وقد رحبا به، إلا أنه لم يتم بعد التوقيع عليه رسميا أو تنفيذه على الأرض، وأن العمل مستمر في هذا الإطار بالتنسيق مع الشركاء الدوليين.
توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو#الخارجية القطرية pic.twitter.com/beERTHsh6Z
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) November 15, 2025
من ناحيتها، قالت سفيرة جمهورية الكونغو الديمقراطية في الدوحة فاليري لوسامبا للجزيرة نت إن جهود دولة قطر في تيسير عملية السلام في بلادها كانت ذات تأثير هائل وإن دورها كان حاسما من البداية، مشيرة إلى أن النزاع مستمر منذ عدة عقود.
إعلانوأوضحت أن كينشاسا واثقة تماما من قدرة الدوحة وخبرتها المثبتة على قيادة عملية التيسير وتحقيق نتائج ملموسة، وأن تأثير هذا الاتفاق على بلادها عميق وسيستمر للأجيال القادمة.
وأضافت أن الوصول إلى مرحلة يوجد فيها أمل لتحقيق السلام، مدعوما بإجراءات عملية وملموسة، يمثل خطوة مهمة في إنهاء نزاع متواصل، وأثنت على الدور الفاعل الذي تلعبه الجهات الدولية، بما في ذلك دولة قطر، لضمان تقدم عملية السلام بشكل فعّال وتحقيق نتائجها المرجوة.
وأكدت السفيرة على أن النتائج الإيجابية لهذا الاتفاق ستؤثر على مستقبل جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي القارة الأفريقية ككل، وأن تحقيق السلام يعد خطوة هامة وبارزة للبلاد والقارة، ومؤشرا على الالتزام الجماعي بمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
بدوره، أثنى السفير الصومالي لدى الدوحة، محمد أحمد شيخ، في تصريح خاص للجزيرة نت، على الاتفاق، موضحا أنه يمثل نجاحا جديدا يُضاف إلى سجل دولة قطر الحافل في مجال الوساطة الدولية، وأنه يعكس الحياد والنزاهة اللذين تتمتع بهما الدوحة، إلى جانب قوتها الناعمة وشبكة علاقاتها الإقليمية والدولية التي تؤهلها للقيام بهذا الدور بثقة واحترام من جميع الأطراف.
وأكد أن الاتفاق سيترك أثرا بالغ الأهمية على الوضع في القارة الأفريقية، خصوصا في منطقة البحيرات الكبرى، موضحا أن الوضع في الكونغو الديمقراطية معقد للغاية بسبب تشابك الصراعات وتعدد الأطراف المنخرطة فيها، لكنه شدد على أن ما يجري الآن يمثل مرحلة جديدة من التوافق والسلام ويُعد تحولا مهما نحو تهدئة النزاعات وتعزيز الاستقرار.
وبيّن أن انعكاسات الاتفاق لن تشمل كينشاسا فحسب، بل ستمتد لتؤثر إيجابيا على المنطقة بأكملها، بما في ذلك الدول المجاورة التي لطالما تأثرت بالصراع، سواء على مستوى الأمن أو الاقتصاد أو حركة اللاجئين.
وفي تصريح للجزيرة نت، رحب السفير البريطاني في الدوحة ناراف باتيل بتوقيع الاتفاق، مشيدا بالدور الذي قامت به واشنطن ودولة قطر في تيسير هذه الخطوة المهمة نحو تحقيق السلام الذي يسعى إليه المجتمع الدولي، ووصفها بأنها خطوة إيجابية على طريق طويل يمكن البناء عليها، معربا عن ثقته في إمكانية إحراز تقدم إضافي في المستقبل.
وأكد أن المملكة المتحدة تدعم هذا الاتفاق بالكامل وتهنئ جميع من ساهموا في تحقيقه، موضحا أنها لم تكن وسيطا مباشرا داخل غرفة التفاوض، لكنها لعبت دورا داعما لمن هم داخل النقاشات وخارجها، وساعدت في التنسيق وتشجيع الحوار والإسهام في إيجاد حلول للقضايا المعقدة التي تؤثر على الناس على الأرض.
كما أشار إلى إسهام بلاده "الكبير" كجهة مانحة للمساعدات الإنسانية في دعم سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة الخارجیة القطریة تحقیق السلام هذا الاتفاق فی السودان على الأرض بین حکومة موضحا أن دولة قطر pic twitter com
إقرأ أيضاً:
محللون: مراوحة اتفاق غزة إستراتيجية إسرائيلية لفرض وقائع جديدة
رغم مرور أكثر من شهر على دخول اتفاق وقف الحرب في غزة حيّز التنفيذ، فإن المشهد الميداني لا يوحي بسلام يتكرّس، بل بمسرح تتحرك فيه إسرائيل وفق خطة مدروسة لإعادة رسم الوقائع على الأرض تحت غطاء الهدنة.
فالقصف المتواصل، وعمليات النسف الممنهجة، والتجريف داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، تكشف جميعها عن نهج محسوب، لا عن خرقٍ عرضي لاتفاق هش.
إسرائيل -كما يرى محللون- لا تتعثر في تنفيذ الاتفاق، بل تتعمّد إبقاءه في حالة المراوحة، لتكسب الوقت وتفرض واقعا ميدانيا يصعب التراجع عنه لاحقا.
فبينما تنشغل واشنطن بمعالجة "أزمات جزئية" مثل ملف مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في رفح أو مشروع القوة الدولية، تعمل تل أبيب في صمت على حسم معركة السيطرة على الأرض، ميدانيا لا تفاوضيا.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور إياد القرة، الكاتب والمحلل السياسي من خان يونس، إن ما يحدث في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية هو "هندسة مقصودة لواقعٍ جديد"، فعمليات المسح والنسف لم تعد تقتصر على الرد العسكري، بل تهدف إلى تفريغ نحو نصف مساحة القطاع من سكانها، وتحويلها إلى نطاق أمني مغلق.
ويضيف في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن إسرائيل "تريد عندما تنتهي المراحل السياسية للاتفاق أن تكون قد سبقت الجميع بخطوات على الأرض"، بحيث يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام أرضٍ محروقة لا عودة إليها، ولا بنية تحتية تؤهلها للحياة.
هذا التصور يتقاطع مع تحليل الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي، الذي يرى أن تل أبيب تدير الاتفاق بوصفه "أداة تحكم لا خطة سلام".
الجمود الموجّهفنتنياهو -كما يوضح- يدرك أن تفجير الاتفاق محظور أميركيا، وأن العودة إلى الحرب ستُفقده الغطاء الدولي، لذلك يتبنى نهج "الجمود الموجّه"، أي الإبقاء على الوضع القائم دون تقدم نحو المرحلة الثانية التي تتضمن انسحابا أوسع أو ترتيبات دولية جديدة.
إعلانويضيف مصطفى أن هذا الجمود يخدم هدفا إستراتيجيا، وهو ترسيخ تقسيم فعلي لغزة إلى منطقتين، واحدة تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، وأخرى تديرها حماس شكليا، لتبدو الهدنة طويلة الأمد وكأنها تسوية أمرٍ واقع، لا اتفاق سلام.
من جهته، يرى الدكتور إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، أن واشنطن ليست مراقبا بريئا لهذه المراوحة، بل طرف مندمج في منطقها.
فالإدارة الأميركية -كما يقول- تعرف تماما أن الخروقات الإسرائيلية ممنهجة وليست دفاعا عن النفس، لكنها تتعامل معها كأمرٍ يمكن احتواؤه ما دام لا يهدد جوهر خطتها السياسية.
ويضيف أن إسرائيل تنتهج سياسة "استنزاف متدرّج" للجهود الدبلوماسية الأميركية، تدفعها إلى الانخراط في تفاصيل ثانوية كقضية المقاتلين، وتبعدها عن القضايا الجوهرية كالانسحاب وإعادة الإعمار، وهي إستراتيجية خبرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد أوباما حتى اليوم.
ويؤكد القرة من جانبه، أن ملف المقاتلين في رفح تحوّل إلى "ذريعة جاهزة" لتأجيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، فإسرائيل –بحسب تقديره– افتعلت الأزمة لتبرير استمرارها في العمليات الميدانية، واستثمار الوقت في إحكام قبضتها على المناطق الحدودية والأنفاق.
ويشير إلى أن واشنطن، رغم وعيها بذلك، تميل إلى إدارة الأزمة لا حلّها، لأن أي ضغط جاد على إسرائيل قد يهدد استقرار الاتفاق الذي تعتبره إنجازا دبلوماسيا للإدارة الأميركية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن دفع مشروع "قوة الاستقرار الدولية"، تبدو ملامح القوة المقترحة أقرب إلى صيغة ترضي تل أبيب أكثر مما تلبي احتياجات الفلسطينيين.
رفض أوروبي عربيفبحسب فريحات، تواجه الخطة الأميركية رفضا أوروبيا وعربيا واسعا لمفهوم "القوة التنفيذية" التي تنزع سلاح غزة، في حين تصر هذه الدول على دورٍ يقتصر على حفظ السلام، هذا الانقسام يمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لتكريس واقعها على الأرض، وتثبيت حدودٍ جديدة تحت مسمى "مناطق آمنة".
ويرى مصطفى أن إسرائيل تستخدم هذا التأخير لمصلحتها، إذ تدرك أن أي فشل في تشكيل القوة الدولية سيبقي السيطرة الفعلية بيدها، ويحول غزة إلى منطقة منقسمة فعليا بين شرقٍ تهيمن عليه إسرائيل وغرب محاصر تديره حماس.
ويضيف أن هذه النتيجة، وإن بدت مؤقتة، تمثل بالنسبة لنتنياهو "أفضل صيغة لإدارة الصراع دون تحمل تكلفة الحسم أو إعادة الإعمار".
أما في واشنطن، فيحاول المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم المبعوث جاريد كوشنر، إنقاذ الاتفاق بتعديلات شكلية على مسودة قرار مجلس الأمن، لكن الخلافات العميقة حول طبيعة القوة الدولية ودورها تبقي السيناريو غامضا.
ويشير فريحات إلى أن فشل واشنطن في تمرير القرار سيجعلها في مأزق حقيقي: إما القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل، أو المخاطرة بصدامٍ دبلوماسيّ مع حليفتها الأبرز في المنطقة.
في المحصلة، لا تبدو مراوحة الاتفاق فشلا تفاوضيا بقدر ما هي سياسة مقصودة، توظّفها إسرائيل لتقنين ما حققته بالقوة. فكل يومٍ يمر دون انتقال إلى المرحلة التالية يعني تثبيت خرائط جديدة، وتآكل فرص إعادة الإعمار، وشرعنة تقسيمٍ ميداني يتغذى على الصمت الدولي.
إعلان