التنوع العصبي ودعم بيئة الأعمال
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
د. ريم بنت محمد الحشار **
تسعى المؤسسات في بيئة الأعمال إلى تعزيز التنوع الذي يُعدّ ركيزة أساسية للابتكار والإبداع. ويُفهم التنوع بوصفه شمولًا ومساواةً لجميع الاختلافات في مهارات القوى العاملة. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال العديد من المؤسسات تُغفل تضمين التنوع العصبي في سياسات التوظيف والشمول، على الرغم من دوره المهم في دعم نجاحها في بيئات العمل التنافسية.
وتُشير دراسة كلاودر وزملائه (2020) إلى أنَّ التنوع العصبي (neurodiversity) يمثل تباينًا طبيعيًا في كيفية تفكير البشر ومعالجة المعلومات والتفاعل مع العالم. ويضيف هذا التباين قوى فريدة تُمكّن الأفراد ذوي التنوع العصبي مثل المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو التوحد، أو عُسر القراءة من الإبداع والابتكار، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والأعمال التحليلية، ومن بينها مجال تحليل البيانات الذي يشهد توسعًا متسارعًا ونقصًا في المهارات، وتتوافق متطلباته بدرجة كبيرة مع قدرات هذه الفئة.
ومن اللافت للنظر أنَّ شمول الأفراد ذوي التنوع العصبي يبقى محدودًا، ويعود ذلك غالبًا إلى استبعادهم من خلال اشتراط امتلاك مهارات نمطية مثل القدرة على بناء العلاقات أو الامتثال للممارسات القياسية. ويُبرز تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2022) أنّ هذه الممارسات قد تحجب قدرات معرفية قيّمة يتمتع بها الأفراد ذوو التنوع العصبي، مثل التفكير التحليلي والإبداعي. كما يشير التقرير إلى أنَّ المؤسسات بدأت تدرك فوائد دمج هذه الفئة والاستفادة من مواهبهم غير المستغلة بما يُعزز رفاهية الموظفين ويدعم بيئات الابتكار.
ويبرُز دور القادة في تشكيل ثقافة عمل شاملة يلتزم فيها كبار المسؤولين بدعم التنوع العصبي وخلق بيئة يشعر فيها جميع الموظفين بالأمان النفسي للتعبير عن أفكارهم. ويوضح تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ بناء هذه الثقافة يتطلب إعادة تصميم مُمارسات التوظيف لتكون قائمة على تقييم المهارات بدلًا من السمات السلوكية، بما يسمح بإبراز نقاط قوة الأفراد ذوي التنوع العصبي، بعيدًا عن تحيزات التوظيف التقليدية. كما يُشدد التقرير على أهمية توفير التسهيلات العملية؛ مثل مرونة ساعات العمل، واستخدام التقنيات المساندة، وتخصيص مساحات هادئة تُمكّن الموظفين ذوي التنوع العصبي من تحقيق إنتاجية أعلى. إضافة إلى ذلك، يُعد الاستثمار في التوعية والتدريب سواءً للقيادات أو المديرين أو الموظفين خطوة هامة لتبديد المفاهيم الخاطئة وتعزيز فهم أعمق لكيفية العمل بفعالية مع الزملاء ذوي التنوع العصبي، بما يُسهم في ترسيخ ثقافة داعمة للتنوع والمساواة ورفع الرفاه الوظيفي.
وبناءً على ما أسلفنا شرحه؛ فإنّ ضمان شمول الأفراد ذوي التنوع العصبي في الخطط الاستراتيجية الوظيفية للمؤسسات؛ يقدم موردًا بشريًا وطنيًا هائلًا، داعمًا للمواهب والإبداع والابتكار. ويُعزز من تحسن الحياة المهنية للأفراد ذوي التنوع العصبي، كما ويدعم تعزيز الأداء التنظيمي العام ويخلق بيئات عمل آمنة نفسيًا تضمن مستقبلًا اقتصاديًا واجتماعيًا أكثر شمولًا وابتكارًا وإنتاجية.
** مستشارة في رفاهية المؤسسات والأعمال
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العلاقة بين بيئة العمل والاستثمار
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
يهتم العالم بأهمية انسجام سياسات بيئة العمل والعُمال مع البيئة الاستثمارية في أية دولة، الأمر الذي يُساعد على تعزيز الإنتاجية واستقرار العمالة في المؤسسات وقلة دورانها السنوي. وهذا الأمر يؤدي في النهاية إلى تعزيز الناتج المحلي للاقتصادات الوطنية، وتعزيز فرص العمل للمُواطنين، والحصول على التقنيات وتعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعي في الأعمال التي يتم إنجازها من قبل المؤسسات والعاملين بها.
ومن هذا المنطلق تعمل سلطنة عُمان على تعزيز العلاقة بين قوانين العمل والبيئة الاستثمارية من أجل جذب مزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية وتوفير مزيد من فرص العمل التي تناسب أوضاع الخريجين والكفاءات المتوفرة.
فهذان العنصران في الواقع مترابطان بشكل وثيق في التنمية الاقتصادية، ويتحقق ذلك من خلال تحقيق مجموعة من السياسات والإجراءات منها تحسين بيئة العمل وظروف العمال، ووضع تشريعات تحمي حقوق العمال مثل الأجور، وساعات العمل، والسلامة المهنية، إضافة إلى وجود مؤسسات لحل النزاعات العمالية بسرعة وعدالة، والاستمرار في دعم مشاريع التدريب والتأهيل لرفع إنتاجية العاملين. كما أن ذلك يتحقق مع تعزيز منظومة الاستقرار الاجتماعي والمهني ليشعر العامل بالأمان الوظيفي والعدالة، ولتزداد إنتاجيته واستقراره، الأمر الذي يؤدي إلى استقرار بيئة العمل وتقليل الإضرابات والمشكلات، وهو عامل جذاب جدًا للمستثمرين. كما أن ذلك يؤدي إلى تحقيق توازن بين مصالح أصحاب العمل والعمال؛ حيث إن التشريعات المتوازنة تخلق بيئة عادلة تجذب المستثمرين المحليين والأجانب، وأن ذلك يقلل من تكاليف دوران العمالة، وتحسين جودة الإنتاج. وهذا يتحقق من خلال العمل بالشفافية وتسهيل الإجراءات، خاصة في وجود قوانين واضحة، وأن تكون المعاملات في المؤسسات الحكومية سريعة وشفافة، بحيث يشعر المستثمر بالثقة في البيئة الاقتصادية.
لقد بذلت سلطنة عُمان خلال العقود الماضية جهودًا كبيرة لبناء بيئة عمل واستثمار متكاملة من خلال تطوير التشريعات العمالية والاستثمارية، حيث تم صدور قانون العمل الجديد في عام 2023 الذي يوازن بين حقوق العمال وأصحاب العمل. كما صدر قانون استثمار رأس المال الأجنبي في عام 2019، والذي يمنح تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب، ويسمح بالملكية الأجنبية الكاملة في عدة قطاعات اقتصادية بجانب عملها المستمر في إنشاء مناطق اقتصادية خاصة حرة في كل من الدقم، وصحار، وصلالة بجانب محافظات عُمانية أخرى، وهي مناطق توفر بيئة عمل منظمة، وبنية تحتية متقدمة، وتعمل على تطبيق معايير عمل دولية، بجانب اهتمامها بأعمال التحول الرقمي في الخدمات الحكومية من أجل تقليل البيروقراطية وتسريع إجراءات الترخيص وتسجيل الشركات، الأمر الذي يسهّل على المستثمرين بدء أعمالهم وزيادة ثقتهم بالبيئة الاقتصادية. كما أنها في الوقت نفسه مهتمة في تأهيل القوى العاملة العُمانية وتعزيز برامج "التعمين" لتأهيل الكفاءات الوطنية وإحلالها، وإيجاد شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص للتدريب المستمر ورفع كفاءة العمال، إضافة إلى تحسين بيئة العمل والمعيشة، والاهتمام بالسلامة المهنية، والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي. ومن المبادرات الاجتماعية التي طرحتها الجهات والمناطق الصناعية "رفاه العامل" لتعزيز إنتاجية العاملين في تلك المؤسسات.
وتحسين بيئة العمل والعمال وجذب الاستثمار أصبحت ملموسة في عُمان، خاصة وأن المستثمرين يفضلون الدول ذات استقرار تشريعي واجتماعي، وتلك التي لديها عمالة مؤهلة ومدربة ومستقرة، الأمر الذي يزيد من كفاءة المشاريع وانتاجية القطاعات. كما أن وجود قوانين مرنة وواضحة يعطي المستثمرين الثقة في استدامة أعمالهم. وقد أشارت تقارير بعض المنظمات الدولية إلى أن سلطنة عُمان تتمتع بسهولة بممارسة الأعمال والتنافسية العالمية، الأمر الذي أدى إلى تحسين ترتيب السلطنة في مؤشرات تتعلق ببيئة الأعمال والاستثمار.
والعلاقة بين بيئة العمل والعمال والبيئة الاستثمارية، علاقة تكاملية، بحيث كلما تحسنت الأولى، أصبحت الثانية أكثر جذبًا، فيما تعمل سلطنة عُمان بجد على هذا التكامل من خلال تطوير القوانين، وتمكين القوى العاملة، وتحسين الخدمات الحكومية، بجانب قيامها بمساهمة فعّالة في جذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في الاقتصاد العُماني.
إنَّ العلاقة بين بيئة العمل والعمال والبيئة الاستثمارية في سلطنة عُمان تعدّ من الركائز الأساسية في بناء اقتصاد متوازن ومستدام نتيجة استمرار الجهات المعنية في تطوير التشريعات العمالية وتعزيز البيئة الاستثمارية؛ الأمر الذي يعزز من الثقة في الاقتصاد الوطني ويجذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية. وهذا الأمر يعزز من تحقيق توازن بين متطلبات سوق العمل وتطلعات المستثمرين، ويعكس توجهًا استراتيجيًا نحو بناء بيئة عمل جاذبة وآمنة في البلاد.
رابط مختصر