مديرك كما تراه.. أم كما تتعامل معه؟
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
خالد بن حمد الرواحي
في بيئة العمل، لا يكمن التحدي الحقيقي في حجم المهام أو صعوبة الأهداف، بل في فن التعامل مع البشر؛ فالموظف لا يُواجه الملفات وحدها؛ بل يواجه مزاج مديره، وطبيعة شخصيته، وطريقة تفكيره، والعكس صحيح. وبين مديرٍ لا يعرف ما يُريد، وموظفٍ يجهل كيف يتعامل، تضيع الطاقات في محاولات الفهم أكثر مما تُبذل في الإنجاز.
العلاقة بين المدير والموظف ليست ساحة صراعٍ أو اختبار نفوذ، بل مساحة من الفهم والذكاء العاطفي. وكما يواجه الموظف أنماطًا مختلفة من المديرين، فإن المدير بدوره يتعامل مع شخصيات متنوّعة من الموظفين، لكلٍ منهم أسلوبه في التفكير ومفاتيحه الخاصة التي ترسم ملامح العلاقة بين الطرفين.
ومن بين أنماط المديرين، نجد المدير الذي يتظاهر بالانشغال ليصنع حول نفسه هالةً من الأهمية تمنع الآخرين من الاقتراب، والمدير النرجسي الذي لا يتحرك إلا حين يسمع المديح، والمدير المتردد الذي يخشى اتخاذ القرار أكثر من خوفه من الخطأ، والمدير العصبي الذي يرى في كل اختلافٍ تمردًا. وبين هذه الشخصيات المتباينة، يقف الموظف أمام اختبارٍ يوميّ لقدرته على التكيّف دون أن يفقد حماسه أو احترامه لذاته.
وفي المقابل، يواجه المدير أنماطًا متعددة من الموظفين؛ فهناك الثرثار الذي يتحدث كثيرًا ولا ينجز، والمتشائم الذي يطفئ الحماس بكلماته، وناقل الإشاعات الذي يهدم الثقة دون أن يشعر، والمتنمّر الذي يلقي بأعماله على غيره ثم ينتقدهم من بعيد. ومن بين هذا التنوع البشري، يتضح أن التحدي الحقيقي لا يكمن في موقع القيادة أو حجم الصلاحيات، بل في قدرة المدير على إدارة العلاقات والحفاظ على توازن الفريق.
وغالبًا لا تكون المشكلة في المدير بقدر ما تكون في طريقة تعامل الموظف معه. فبعض المديرين لا يملكون الإجابة، لكن كبرياء المنصب يمنعهم من الاعتراف بذلك. وهنا يظهر الموظف الذكي الذي يختار الحوار لا المواجهة، فيقترح الحلول بأسلوبٍ يحفظ للمدير مكانته، مستخدمًا عباراتٍ مثل: "مثل ما أنت عارف أستاذي، يمكن نجرب الطريقة الفلانية"؛ فالمسألة ليست خضوعًا، بل وعيًا مهنيًا يدرك أن الهدف هو استمرار العمل بروحٍ من الثقة والاحترام المتبادل.
وفي عالم الإدارة، تبقى الثقة العملة الأندر والأسرع فقدانًا. فكم من علاقةٍ مهنية انهارت لا بسبب ضعف الأداء، بل بسبب تساهلٍ بسيط في حفظ أسرار العمل. يروي أحد المديرين أنه تحدّث مع موظفةٍ عن صعوبات تمر بها الشركة، ليجد الخبر في اليوم التالي على ألسنة الجميع. لم يكن غضبه من المعلومة، بل من كسر الثقة التي يصعب ترميمها. فالثقة حين تهتز لا تُصلَح بالاعتذار، لأنَّ القدرة على حفظ السرّ أحيانًا أهم من الكفاءة نفسها.
وقد لخّص ستيفن كوفي هذه الفكرة حين قال إن الموظف إذا نقل مشكلته كما هي فهو مراسل، وإذا نقلها مصحوبةً ببعض الحلول فهو مستشار، أما إذا بدأ في حلها قبل أن تصل إلى مديره، فهو قائد. فالإدارات الناجحة لا تحتاج إلى من يكتفي بنقل المشكلات، بل إلى من يصنع الفرق ويضيف قيمة في كل موقف، ليكون وجوده مصدر راحةٍ لا عبئا.
وتُبنى الثقة على تفاصيل صغيرة تتكرر كل يوم. فحين يضطر مديرك لتذكيرك بمهامك أكثر من مرة، فاعلم أنَّ هناك خللًا في الصورة التي كوَّنها عنك. وسرعة الإنجاز والمبادرة قادرتان على تغيير تلك الصورة وإعادة رسمها بثقة. أما إذا ارتبطت زياراتك له بالمشكلات والشكوى، فسيبدأ في رؤيتك كمصدر إزعاج لا إنجاز. فصورتك في ذهنه لا يرسمها ما تقوله عنه، بل ما يُكرّره سلوكك أمامه.
ومن أسرار الراحة النفسية في العمل ألا تأخذ الأمور على محملٍ شخصي. فالمدير حين ينتقد العمل لا ينتقدك أنت، وإن كان صعب المزاج في يومٍ ما، فلا تجعله سببًا في تعبك. فالموظف الذي يفصل بين ذاته وعمله يملك نضجًا يحميه من الاحتراق، ويحوّل الخلاف من جدارٍ يفصل بين النَّاس إلى جسرٍ من الفهم والاحترام.
وفي النهاية، لا تقوم بيئة العمل على الذكاء المهني وحده، بل على ذكاء التعامل مع البشر؛ فالمدير يحتاج إلى موظفٍ يسانده، والموظف يحتاج إلى مديرٍ يسمعه. وحين يدرك كل طرفٍ أن نجاحه لا يكتمل إلا بالآخر، تولد بيئة عملٍ تُبنى على الثقة لا الخوف، وعلى الشراكة لا السيطرة؛ فالمؤسسات لا ينهض بها الأذكى دائمًا، بل الأقدر على الفهم والتقدير والتوازن.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ترامب يحذر .. ستكون هناك عقوبات شديدة على أي دولة تتعامل تجارياً مع روسيا
صراحة نيوز- قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الجمهوريين يعملون على إعداد مشروع قانون يفرض عقوبات صارمة على أي دولة تجري تعاملات تجارية مع روسيا، مشيرًا إلى أن إيران قد تُدرج أيضًا ضمن تلك القائمة.
وأضاف ترامب للصحفيين: “كما تعلمون، أنا من قدّم هذا المقترح… وأي دولة ستتاجر مع روسيا ستواجه عقوبات شديدة للغاية، وقد يضيفون إيران أيضاً”.