تشو شيوان

في الآونة الأخيرة، أثارت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي كثيرًا من الجدل بتصريحاتها المتكررة حول تايوان في مناسبات عامة ومناقشات برلمانية، حيث بالغت عمدًا في مقولتها "إذا حدث لتايوان شيء، حدث لليابان شيء" بل وذهبت بعيدًا بالإيحاء بأن اليابان قد تتدخل في قضية تايوان تحت ذريعة "الأمن القومي".

ومن وجهة نظري، فإن هذا الخطاب ليس مجرد رأي سياسي؛ بل محاولة مكشوفة للضغط على الصين، وتعدٍّ واضح على شؤونها الداخلية، وانحراف عن الأساس السياسي الذي تقوم عليه العلاقات الصينية اليابانية، مما يستوجب نقدًا صارمًا.

وأجدُ أن تصريحات تاكايتشي تحمل تضليلًا متعمدًا، فهي تعمل على تدويل قضية تايوان وإضفاء بُعد أمني وهمي عليها رغم أنها- كما يعلم الجميع- قضية داخلية صينية خالصة وجوهر من جواهر السيادة الوطنية وسلامة الأراضي الصينية، ولا يحق لأي قوة خارجية التدخل فيها. إن مبدأ "الصين الواحدة" ليس مجرد موقف صيني، بل هو إجماع دولي راسخ، وهو الشرط الأساسي الذي قامت بموجبه اليابان نفسها بإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين. ومن هذه الزاوية، فإن تصريحات تاكايتشي تتعارض مع القانون الدولي ومع أبسط قواعد العلاقات بين الدول، وتبدو باطلة من الناحية القانونية ومن ناحية الممارسات المتعارف عليها في المجتمع الدولي.

ومن منظور تاريخي وقانوني، لا يمكن إنكار أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين منذ القدم، وقد مارست أسرتا مينغ وتشينغ سلطة فعلية عليها. وبعد الحرب العالمية الثانية، وبموجب وثائق القانون الدولي مثل "إعلان القاهرة" و"إعلان بوتسدام"، عادت تايوان إلى الصين رسميًا، وقد اعترفت اليابان- بوصفها دولة مهزومة آنذاك- بهذه الحقائق وتعهدت بالالتزام بها. لذلك، من وجهة نظري، فإن تشكيك رئيس الوزراء الياباني اليوم في سيادة الصين على تايوان هو تلاعب مكشوف بالحقائق التاريخية وإنكار للوثائق الدولية التي التزمت بها اليابان نفسها، وهو تصرف سيضر بمصداقية اليابان الدبلوماسية على المدى الطويل.

أما على المستوى الجيوسياسي، فأرى أن تصريحات تاكايتشي لا تُفاقم التوترات الإقليمية فحسب، بل تدفع المنطقة نحو مواجهة غير ضرورية، وتُغذي ما يسمى بـ"نظرية التهديد الصيني"، وتمنح اليابان ذريعة لمواصلة توسعها العسكري. فاليابان في السنوات الأخيرة تعمل بوضوح على "تطبيع" سياستها الدفاعية عبر زيادة ميزانيتها العسكرية وتعزيز تعاونها مع قوى خارجية، وفي هذا السياق تبدو تصريحات تاكايتشي إشارة سياسية مدروسة تستهدف الداخل والخارج؛ فهي من جهة تُهيئ الرأي العام لقبول مراجعة الدستور وتوسيع القدرات العسكرية، ومن جهة أخرى تستغل قضية مضيق تايوان لتبرير دور أكثر عدوانية في الشؤون الإقليمية، لكن برأيي فإن هذه الاستراتيجية لن تعود بالنفع على اليابان، بل ستعمّق انعدام الثقة بين دول المنطقة، وتُهدد الاستقرار الذي تحقق بصعوبة في آسيا، وتجعل من اليابان طرفًا يسهم في خلق الأزمات بدلاً من أن يكون عامل استقرار في محيطه الإقليمي.

في الواقع، تشكك أصواتٌ كثيرة داخل اليابان في نهج تاكاشي المتشدد. وقد أشارت بعض وسائل الإعلام اليابانية إلى أنه ينبغي على اليابان التركيز على التنمية السلمية بدلا من الاعتماد على التوسع والتدخل العسكري في مضيق تايوان لضمان أمنها. يخشى بعض الباحثين من أن تُجرّ تصريحات تاكاشي، اليابان إلى مواجهة جيوسياسية غير ضرورية، مما يُفقدها حيادها واستقرارها في الشؤون الإقليمية. ويمكن القول إنه كلما ازداد تشديد تاكاشي تجاه قضية تايوان، ازدادت الشكوك حول نواياه السياسية على الصعيدين المحلي والدولي.

علاوة على ذلك، من منظور عملي، تُلقي تصريحات تاكاشي بظلال جديدة على العلاقات الصينية اليابانية، وتُزيد من غموض التعاون الاقتصادي والتبادلات الشعبية بين البلدين. تُعدّ الصين واليابان اقتصادين آسيويين مهمين، يتمتعان بتكامل اقتصادي كبير وسلاسل توريد متشابكة بعمق؛ لذا، فإن الحفاظ على تعاون مستقر يصب في المصلحة الأساسية لكلا الجانبين. ومع ذلك، إذا أصرت اليابان على السير في الاتجاه الخاطئ بشأن قضية تايوان، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تقويض الثقة المتبادلة، وإضعاف مساحة تعاونها في آسيا، بل وحتى عزل نفسها. في ظل تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي وإعادة هيكلة السلاسل الصناعية، ينبغي على اليابان أن تُقدّر أسس التعاون التي اكتسبتها بشق الأنفس، بدلاً من المضي قدمًا في الطريق الخطأ.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تكرار تاكايتشي استخدام مصطلحات متطرفة مثل "أزمة وجودية" و"تهديد وطني" في تصريحاته بشأن تايوان، والتي لا يمكن تجاهل نواياها السياسية الكامنة.

تاريخيًا، استخدمت النزعة العسكرية اليابانية خطابًا مشابهًا لإثارة المشاعر القومية، مما أدى في النهاية إلى التوسع الخارجي والحرب. والآن، يستخدم تاكايتشي قضية تايوان لإضفاء "شرعية" على عسكرة اليابان، وهو أمرٌ جليّ الخطورة. للدول الآسيوية ذكريات تاريخية ضاربة في أعماق التاريخ؛ وأي محاولة لإحياء أفكار الحرب الباردة أو إثارة مواجهة بين الكتل لن تلقى ترحيبًا من شعوب المنطقة.

يجب التأكيد هنا بوضوح أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، وقضية تايوان شأن داخلي صيني خالص، لا يقبل أي تدخل من أي قوى خارجية، وأنَّ إرادة الحكومة الصينية في حماية السيادة الوطنية وسلامة أراضيها ثابتة لا تتزعزع، وتحقيق إعادة التوحيد الوطني الكامل مهمة تاريخية لا تتزعزع للشعب الصيني بأكمله. أي محاولة لعرقلة عملية إعادة توحيد الصين من خلال التدخل الخارجي محكوم عليها بالفشل في نهاية المطاف.

كما نحث اليابان على احترام الحقائق التاريخية والالتزامات الدولية بصدق، والالتزام بروح الوثائق السياسية الأربع بين الصين واليابان، ومبدأ الصين الواحدة، والتعامل بحذر مع القضايا الرئيسية والحساسة المتعلقة بالصين. ينبغي على اليابان أن تدرك أن مفتاح السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان يكمن في معارضة انفصالية "استقلال تايوان" والتدخل الخارجي، وليس في التدخل في قضية تايوان بحجة ما يسمى "التهديدات الأمنية". لا يمكن للعلاقات الصينية اليابانية أن تتقدم بثبات، وأن تحافظ منطقة آسيا والمحيط الهادئ على استقرارها على المدى الطويل إلّا بالالتزام بالتنمية السلمية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

تُذكرنا تصريحات ساناي تاكايتشي الخطيرة بأن السلام الإقليمي صعب المنال، ويتطلب ضبط النفس والالتزام بالقواعد الأساسية من جميع الأطراف، وخاصة قادة الدول المهمة. أي محاولة لاستفزاز سيادة الصين لن تنجح؛ أي تصريحات تتدخل في الشؤون الداخلية للصين لن تكشف إلا عن تحيز صاحبها وقصر نظره. يمر العالم بتغيرات جذرية، وعلى الدول العمل معًا بدلًا من إثارة المواجهات والتوترات.

تايوان جزء من الصين؛ هذه حقيقة تاريخية راسخة وواقع لا يتزعزع. أي تصريحات أو أفعال تحاول تحدي هذه الحقيقة ستُعارض بشدة، وسيُمحى تاريخيًا في نهاية المطاف. تمتلك الصين العزيمة والقدرة على حماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها، كما تمتلك الحكمة اللازمة لدفع قضية إعادة التوحيد الوطني سلميًا. نأمل أن تُدرك اليابان وسياسيوها هذا التوجه العام، وأن تتجنبوا السماح للحسابات السياسية قصيرة النظر بتعريض مستقبل الأمة للخطر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تدهور علاقات وتشنج دبلوماسي.. اليابان تحذر رعاياها في الصين.. ماذا يحدث؟

أصدرت اليابان تحذيرا لمواطنيها المقيمين في الصين أو الزائرين لها لزيادة اليقظة وتجنب الأماكن المزدحمة، مع تصاعد التوترات بين البلدين بشكل حاد في نزاع ناجم عن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان.

وقوع حادث في خط أنابيب الغاز بمنطقة أومسك الروسيةتركيا تكشف النتائج الفنية الأولى لحادث سقوط طائرتها العسكرية في جورجياإلغاء جميع الاجتماعات المقررة لقائد الجيش اللبناني في واشنطن اليومالجيش الروسي يقتل 20 جنديا أوكرانيا بغابة قرب نهر أوسكول في مقاطعة خاركوفترامب يشيد بتصويت أممي "تاريخي" يؤيد تشكيل "مجلس السلام" لإدارة غزةالجارديان: "مجلس السلام" بقيادة ترامب لإدارة غزة يثير الجدل دوليًاالتحذير الأمني

يأتي هذا التحذير الأمني، الصادر عن سفارة اليابان في الصين، في خضم ما وصفه المسؤولون بأنه أحد أخطر التوترات الدبلوماسية منذ سنوات .

ويحثّ التحذير المواطنين اليابانيين على توخي الحذر الشديد في محيطهم، وتجنب السفر بمفردهم، وخاصةً مع الأطفال، والابتعاد عن الأفراد أو الجماعات التي تبدو "مثيرة للريبة ولو قليلاً".

تدهور العلاقات
تأتي هذه الخطوة لتنبيه المواطنين في أعقاب تدهور العلاقات بعد أن أبلغت رئيسة الوزراء تاكايتشي المشرعين اليابانيين أن أي هجوم صيني على تايوان - والذي قالت إنه قد يهدد بقاء اليابان - قد يُؤدي إلى رد عسكري.

أثارت تصريحاتها رد فعل غاضبًا من بكين، شمل تعليقات لاذعة في وسائل الإعلام الرسمية الصينية ومنشورات استفزازية على مواقع التواصل الاجتماعي من دبلوماسيين صينيين.


في محاولة لتهدئة الوضع، أوفدت اليابان مسؤولاً رفيع المستوى من وزارة الخارجية إلى بكين اليوم الثلاثاء. ومن المتوقع أن يلتقي المبعوث بنظرائه الصينيين لتهدئة التوتر الدبلوماسي.

الاحتكاك الدبلوماسي يعرقل علاقات أخرى

ومع اتساع الخلاف الدبلوماسي، أصبح من الصعب تجاهل ردود الفعل السلبية.

أفادت التقارير أن الصين نصحت مواطنيها بتجنب السفر إلى اليابان، وهو ما قد يشكل ضربة موجعة لاقتصاد طوكيو، نظرًا لأن الزوار الصينيين يمثلون ما يقرب من ربع إجمالي السياح في اليابان.

وبالفعل، تراجعت أسهم الشركات المرتبطة بالسياحة في اليابان.
 

طباعة شارك اليابان رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي تايوان نزاع الصين التوترات البلدين بشكل حاد سفارة اليابان

مقالات مشابهة

  • اليابان تدعو مواطنيها الموجودين في الصين إلى الحذر وسط توترات مع بكين بشأن تايوان
  • وسط تحركات دبلوماسية لاحتواء الأزمة .. اليابان تدعو مواطنيها في الصين إلى الحذر
  • اليابان تحذر مواطنيها في الصين وسط توتر مع بكين
  • تدهور علاقات وتشنج دبلوماسي.. اليابان تحذر رعاياها في الصين.. ماذا يحدث؟
  • اليابان تحذر مواطنيها الموجودين في الصين وسط التوترات بشأن تايوان
  • اليابان تحذر مواطنيها في الصين وسط تصاعد التوتر حول تايوان
  • طوكيو: تحذير الصين لرعاياها من السفر إلى اليابان قد يعيق التبادلات الشعبية
  • الصين تتوعد اليابان باتخاذ خطوات انتقامية
  • انقسام اليابانيين حول الرد العسكري على الصين بشأن تايوان