تعرف على كيفية معاملة المخلوق مع الخالق
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
التوحيد من صفات المتقين وأمّا في معاملة الخالق -عز وجل-: فاعلم أنّ المخلوق ليس له حق على الله -تعالى- كما يجب له على المخلوقين.
وما جاء في الحديث الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: «يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا».
قال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله- في شرح الطحاوية: فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير.
قال ابن القيم -رحمه الله- واصفا حال الصحابة -رضي الله عنهم- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به. فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه، فأجابهم.
فنعم الدنيا وأنواع الرزق فيها والفرح بذلك، قد يحمد وقد يذم، وذلك بحسب سببه الحامل عليه، وعاقبته وما يؤول إليه، ومن الواضح أن محل حرمة الفرح بها ما إذا كان جارا إلى الخيلاء والفخر والتكبر... أما الفرح بها ليستر بها عرضه ويصون بها ماء وجهه ووجه عياله من التطلع لما في أيدي الناس أو ليواسي منها المحتاج فهذا فرح محمود.. قال ابن جزي في التسهيل: الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان، ولذلك قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وقيل: السرور بالدنيا، لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة، ويدل على هذا قوله: وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ. انتهى.
وقال الراغب في المفردات: الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموماً، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفي الوضع الذي يجب. انتهى. وقد سبق أن نبهنا أنه لا يدخل في هذا الفرح المذموم من آتاه الله مالاً وجاهاً ونحو ذلك، إذا لم يحمله ماله أو جاهه على الكبر والبطر والتعالي على الناس.
هذا وإن كان الفرح بالدنيا لا يذم إذا انضبط واعتدل، إلا أن الأكمل أن يتعلق القلب بالآخرة، ولا يكترث بأحوال الدنيا، كما قال تعالى: اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ {الرعد:26}، وقال: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد:23}، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الفرح إذا ورد مقيداً في خير فليس بمذموم... وإذا ورد مقيداً في شر أو مطلقاً لحقه ذم، إذ ليس من أفعال الآخرة، بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على ذنبه وخوفه لربه.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
لا تُصادِر فرح الآخرين
سلطان بن ناصر القاسمي
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (الأعراف: 156).
في خِضمّ زحمة هذه الحياة التي نعيشها، وبين تقلباتها المتتالية، وما يمرّ أمامنا من قصص تحمل في طياتها دروسًا وعِبَرًا، ينسى بعضنا حقيقة ثابتة لا تتغير: أن البشر لا يتشابهون في نصيبهم من النِّعم، ولا في حجم ما يمتلكونه من أسباب الفرح، ولا حتى في طريقة استقبالهم للحياة ذاتها. فهناك من أُفيض عليه من الخيرات ما لا يُحصى، حتى بات لا يرى في التفاصيل الصغيرة معنى يُذكر، ولا يلتفت إلى الإنجازات البسيطة لأنها لا توازي في نظره ما اعتاد عليه من وفرة.
وفي المقابل، هناك من لا يملك في هذه الدنيا سوى ومضة أمل صغيرة، يتشبث بها كما يتشبث الغريق بطوق النجاة، فرحٌ بسيط في حجمه، لكنه عظيم في أثره، لأنه يشعره أنه ما زال حيًّا، وما زال قادرًا على الفرح رغم قسوة الطريق.
وحين نرى إنسانًا يفرح بشيءٍ نراه نحن عاديًا أو متواضعًا، فليس من العدل أن نُسقِط عليه مقاييسنا، ولا أن نحتقر فرحته لأننا نملك ما هو أكبر منها. فما دام الإنسان لا يملك في هذه الحياة إلا سببًا واحدًا يفرح به، فليس من الحق أن نستكثر عليه تلك الفرحة، ولا أن نقلّل من شأنها، ولا أن نرى صاحبها أقل قيمة ممن حوله. فكل إنسان يحمل في داخله حكاية لا نعرف تفاصيلها، وأوجاعًا لا نرى آثارها، وأحلامًا قد تكون صغيرة في أعيننا، لكنها عظيمة في قلبه.
والحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الفرح ليس معيارًا واحدًا، ولا يخضع لميزان ثابت يُقاس به عند جميع البشر. فقد يفرح أحدهم بابتسامة عابرة صادفها في وقت ضيق، وقد يفرح آخر بتحقيق هدفٍ عمل لأجله سنوات طويلة، وقد يكون الفرح في كتابٍ عثر عليه مصادفة، أو في عبارة قرأها في لحظة ضعف فانتشلته من حزنه، وبدّلت مزاجه، ومنحته دفعة جديدة للحياة. وفي المقابل، هناك من لا تحرّكه كل هذه الأشياء، فتراه متجهمًا حتى في أجمل لحظاته، متشائمًا حتى وهو غارق في النِّعم. ومن الخطأ الكبير أن نحاكم الآخرين بما نراه نحن كبيرًا أو صغيرًا؛ فكل قلب أعرف بحاجته، وأدرى أين يختبئ أمله.
وتكمن قيمة الفرح الحقيقية في كونه عنصرًا أساسيًا من عناصر الصحة النفسية والجسدية، ومحفّزًا للنفس، ولبناء العلاقات الإنسانية المتوازنة. فالفرح ليس مجرد شعور عابر، بل هو طاقة داخلية تمنح الإنسان قدرةً على التحمّل، ومرونة في مواجهة التحديات، ومعنى أعمق للحياة. وهو ليس بالضرورة ضحكة عالية أو احتفالًا صاخبًا، بل قد يكون سكينة هادئة تنبع من الداخل، ورضًا يتكوّن بصمت، وإحساسًا بالطمأنينة لا يراه أحد، لكنه يملأ القلب.
وحين نحتقر فرح الآخرين، فإننا في الحقيقة لا نُسقِط نقصًا فيهم، بل نفضح نقصًا فينا. فاحترام المشاعر يحتاج إلى رُقيٍّ في التعامل الإنساني، وتقدير حاجات الناس ورغباتهم يحتاج إلى قلبٍ واسع يحب الخير للآخرين كما يحبه لنفسه. وما أجمل أن نكون ممن يباركون نجاحات غيرهم، ويشاركونهم أفراحهم، حتى لو بدت لنا بسيطة، فربما كانت عندهم أغلى من كل ما نملك.
فالأرزاق تُقسَّم بإرادة الله وبحكمةٍ لا تُدرَك، ومنها تُوزَّع مواطن الفرح في القلوب. فلا تستهِن بما يُسعد الآخرين، ولا تحرمهم لحظة يجدون فيها أنفسهم أحياء من الداخل. دع كل إنسان يفرح بما لديه، فليس من العدل أن نُطالب الجميع أن يفرحوا بالطريقة ذاتها، ولا أن نُجبر القلوب على مقاييس لا تشبهها.
وهنا تحضرني قصة تختصر هذه المعاني كلّها. في أحد الأيام، كانت هناك عزومة عند إحدى الأسر، وقد قامت ابنتهم بإعداد القهوة وتقديمها للضيوف. وعند تقديمها، وجّهت إحدى الحاضرات انتقادًا لطريقة إعدادها. فما كان من تلك المرأة إلا أن قامت بإعداد القهوة مرةً أخرى على عجل، وقد بدا عليها الارتباك. وعندما أعادت تقديمها، بادرت أمّ البنت إلى مدح القهوة والثناء عليها أمام الجميع، وكأنَّها تريد أن تُعيد لتلك المرأة ثقتها بنفسها. وبعد انصراف الضيوف، تساءل أهل البيت عن سبب موقف الأم، فقالت لهم بحكمة موجعة: "هذه المرأة، للأسف، لا تملك من مقومات الجمال ولا من المال، ولم تنل حظًا وافرًا في علاقاتها الاجتماعية، وكل ما تملكه لتفرح به هو أنها تُجيد إعداد القهوة وتخدم من حولها، فلماذا نستكثر عليها تلك الفرحة؟ حتى لو كانت في فنجان قهوة".
هذه القصة وحدها تكفي لتعلّمنا درسًا عظيمًا: أن بعض الناس لا يملكون إلا أسبابًا صغيرة للفرح، لكنها بالنسبة إليهم كل الحياة. فلماذا نكسر خواطرهم؟ ولماذا نصادر ضحكاتهم؟ ولماذا نُضيّق عليهم مساحات الضوء القليلة التي يملكونها؟
إنَّ زرع الفرح في قلوب الآخرين لا يحتاج إلى مالٍ كثير، ولا إلى جهدٍ عظيم، بل إلى كلمة طيبة، ونظرة رحيمة، وموقفٍ يُشبه الإنسان في نقائه. فدع للناس أفراحهم، صَغُرَت أم كبُرَت، ودَع قلوبهم تُكمل طريقها بما تملك، لا بما نملك نحن.
رابط مختصر