قال الدكتور عبدالوهاب الفيلالي الاستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس  خلال مشاركته في فعاليات الملتقي العالمي للتصوف الذي ينظم في الفترة من ٢٣إلي ٢٩سبتمبر، إن السعي إلى القيم فطرة في الإنسان، والحاجة إليها أبدية عنده عبر التاريخ، وهي من ثمة أصول وكليات مشتركة بين الناس تتخذ خصوصياتها حسب خصوصيات الإنسان التاريخية والدينية والثقافية، والاحتكام إليها تخطيطا وإنجازا وتنظيرا وممارسة من أسرار نهوض الأمم وبنائها الحضاري السامي، ومواكبة مسارها الناجح والناجع في مختلف مجالات الحياة.

 
والمؤكد عندنا أن الاحتكام إلى الدين والوطن في بناء منظومة القيم هو أنجع السبل لتحقيق ذلك البناء السامي، وأوضح المسالك إلى المجتمع الإنساني القوي والقويم والموحد في ظل مواطنة شاملة إنسانية كونية مشتركة، ومنسجمة ومتعايشة مع فطرتها؛ فطرة النقاء والصفاء والطهر والسمو، أساسها الارتباط الروحي بالأمة الإنسانية ارتباط محبة والتزام، وانخراط في خدمتها بصدق وإخلاص وإيثار، تمكينا لفضائل الألفة والتواصل المجدي والبناء ولروح الإنسانية السمحاء، استنادا إلى منظومة القيم الدينية وما يحكمها من مبادئ ويتربى عنها من أخلاق وسلوكيات.


وتابع: ولن يوارب المطلع المتمكن، إذن، في أن القيم الدينية الإسلامية قيم إنسانية أخلاقية وطنية شاملة، وأن حياة التصوف نموذج سام لها ولفاعليتها في بناء إنسان المواطنة الشاملة الناجمة عن اشتغال منظومة القيم ومركزيتها في تحديد هوية الإنسان فردا وجماعة، مبادئ وأخلاقا، معرفة وسلوكا والمناسبة شرط اليوم، إذ السياق العالمي المعاصر مرتع خصب للفقر القيمي ولمثبطات الوطنية الشاملة، ومرعى منبت للشقاء والصراع والخلاف والتشتت... واقعا قائما، فماذا عن الواقع الممكن المخالف لهذا الواقع القائم؟.


واضاف "الفيلالي" هذا فعلا ما يسعى هذا الملتقى لبيانه وتبيانه بقناعة إيمانية خلقية مفادها كفاءة التصوف في التمكين للوطنية الشاملة من خلال منظومته القيمية الدينية الإنسانية الأخلاقية الثرية الناسجة للألفة بين العام والخاص والذاتي والجماعي، وليكن إسهامي في هذا المضمار كشف مجموعة من القيم الإنسانية الأصول الكامنة في الأدب الصوفي، وهي بعض من الكل ترتبط في عمومها وفي تفاصيلها بالمشترك الإنساني فطرة وامتدادا في السلوك والوجود، مما يؤهلها لتكون فعلا من أصول وثوابت بناء المواطنة الشاملة، والضامنُ لنجاعتها هويتها الأخلاقية الإسلامية النابعة من هوية التصوف الأخلاقية التزكوية المتنامية.


وأشار: ولما كان المبدع لا يبدع إلا بإيعاز مما يسكن وجدانا ويشغله وجودا، وكان الإبداع الأدبي الصوفي نموذجا متفردا لعلاقة الفناء والتماهي بين الكتابة والسلوك، حيث تتجاوز الكتابة الدلالة على الذات إلى الدلالة على المعنى القائم في الذات، وتنتقل اللغة فيها من لغة الوجدان إلى لغة الوجود، ومن الوسيلة والآلة إلى كينونة التجربة، فتكون الكتابة هي التجربة عينها ؛ لما كان كل هذا غدا يقينا أن ما يؤثث فضاء الإبداع الصوفي من قيم هو نفسه قيم الممارسة الصوفية، تأصلت في السلوك والكتابة، وطبعت شخصية الإنسان الصوفي فجعلته بفعل نفعيتها الأخلاقية وكفاياتها البنائية إنسان القيم النموذج وطنيا وكونيا، وبات خطابه خطابا سلوكيا قيميا متميزا لا تقتصر قيمته النفعية على الوسط الصوفي وحده بقدر ما ثبتت هذه القيمة وتثبت عند كل من يتواصل معه تواصل تفاعل، ويتقاطع معه تقاطع جلب للمصلحة أو درء للمفسدة أو تحسين وتجميل، والكل يتحقق بفضل المنظومة القيمية الصوفية بأبعادها الدينية والوطنية القمينة بتجاوز كل الحدود الضيقة في المكان والزمان، إلى الشمول الإنساني أمس واليوم وغدا، والسر في ذلك دائما هو هذه العلاقة المتماهية بين السلوك والكتابة، التي تفيد أن الهوية القيمية في الكتابة من صلب الهوية القيمية في التجربة، أو أنها هي ذاتها وزيادة، كما أن الإبداع في الكتابة الصوفية يستقي خصوصياته من مقومات الإبداع الكامنة في ماهية التصوف وجوهره السلوكي. وهذا بطبعه يكنز القصدية القيمية الصوفية ويكشف طاقتها الفعلية في التمكين للوطنية الشاملة، علما أن التصوف ذو طبيعة شمولية في ذاته؛ إذ هو نزعة إنسانية ذاتية واجتماعية وكونية، في علاقة الصوفي بذاته وبخالقه، وبمجتمعه، وبكل البعد الإنساني والوجودي، وذلك استنادا إلى مقوماته الراسخة فيه والمولدة لقيمه، من قبيل مقومات الوجدان والإلهام والخيال وغيرها في تفاعل مع الأصل الديني الشرعي، مما يجعل التصوف فعلا مجال إبداع لفن الحياة () في توافق مع طبيعة الإنسان وفطرته وطموحه إلى التكمل.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

السنعوسي يستعرض «سِفر العنفوز» ورحلة الكتابة

استعرضت «دردشات إعلامية» مكانة السرد في المشهد الإعلامي العربي، مع استضافة الروائي الكويتي سعود السنعوسي، صاحب ثلاثية جلسة «الميتاسرد في أسفار مدينة الطين»، في حوار أدارته الكاتبة والإعلامية بروين حبيب، حول أحدث إصدارات الثلاثية، وهو «سِفر العنفوز».
وخلال الجلسة، أكد الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» عن روايته «ساق البامبو»، أن في «أسفار مدينة الطين» أخذت المواضيع المطروحة امتداداً تاريخياً أكبر.
وأكد أن هذه الرواية أيضاً رحلة عميقة عبر الزمن، وتعيد تشكيل مرحلة ما قبل النفط، حيث تتناول بأسلوب «الفنتازيا»، جوانب من التاريخ الكويتي ما قبل النفط، وتسرد حكايات من حياة الغواصين من صيادي اللؤلؤ، والبيوت البسيطة، وموانئ الصيد.
وقال الكاتب: «تستهويني التفاصيل بنحو غير معقول، لا في الكتابة فحسب، بل حتى في مطالعتي أحب الرواية التي تمعن بالتفاصيل»، مؤكداً ضرورة أن يتّسم العمل الأدبي بما يُطلق عليه «الوعي الذاتي» أو الميتافيكشن، فحينما يكون الفعل الكتابي حاضراً، يخلق وعياً ذاتياً للقارئ.
وقد صدرت الرواية في ثلاثة كتب هي: السِّفر الأول: «سِفر العباءة» 2023، والسِّفر الثاني: «سِفر التبَّة» في 2023، ثم السِّفر الثالث: «سِفر العنفوز» في 2024.. حيث مغامرة كتابة نص يعتمد على البحث التاريخي وتقصي الوقائع وتأمل التحولات.

مقالات مشابهة

  • فنان مغربي يثير الجدل لرغبته في إقامة جنازة لكلبه.. فيديو
  • وزير الاستثمار يقدّم عرضًا بشأن إعداد خريطة استثمارية وطنية شاملة
  • شَبَه الكتابة بالطبخ
  • السنعوسي يستعرض «سِفر العنفوز» ورحلة الكتابة
  • مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالدوحة يدعو لتكنولوجيا تحترم القيم الإنسانية العالمية
  • الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تشارك في حوار السياسات العالمي
  • شيخ الأزهر: الإعلام العربي مطالب بمواجهة تحديات أخلاقية كبرى
  • مُحافظ جدة يُدشّن فعاليات اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية
  • إيران تهاجم فرنسا: لا تملكون الأهلية الأخلاقية للحديث عن حقوق الإنسان
  • مسؤولية أخلاقية.. مالطا تعترف بالدولة الفلسطينية في الشهر المقبل