صحيفة الاتحاد:
2025-11-21@20:35:35 GMT

الزلازل.. وزحزحة القارات

تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT

الفاهم محمد

تحت هذا الركام المكسور
هذه الأطراف المتناثرة
مائة ألف بائس تلتهمهم الأرض
دامين، ممزقين، يخفقون
مدفونين تحت أسطح منازلهم
ينهون أيامهم البائسة دون مساعدة
في هول المعاناة.
هذا ما كتبه فولتير في قصيدة رثاء عن زلزال لشبونة سنة 1755، فعندما تهتز الأرض كي تبتلع أبناءها، لا يسع الإنسان إلا أن يتساءل: أي معنى يمكن أن نمنحه لمكابدات الحياة؟
منذ قديم الزمان، ظل الإنسان يحاول دائماً أن يفهم هذه الظواهر التي تستعصي على الفهم، والتي تعبر عن تحديات الطبيعة: براكين، أعاصير، فيضانات، زلازل.

.. وأحياناً كان يعزو الأمر للعنة خفية، أو لأعمال شيطانية. وإذا كان تطور المعارف العلمية قد مكّن من إدراك وفهم بعض الآليات والقوانين التي تكتنف بعض هذه الظواهر، فإن الزلازل بالذات ربما تكون هي الظاهرة الوحيدة التي لم نسبر غورها بعدُ بشكل كافٍ، وذلك بسبب تعقد العمليات التي تحدث في باطن الأرض.
فيجنر ونظرية زحزحة القارات
لنقل باختصار: إن أقدام الإنسان لا توجد تحتها أرض ثابتة مستقرة. فعلم الجيولوجيا يخبرنا بأن القشرة الأرضية تهتز نتيجة الضغط الذي يمارس عليها من الداخل، فتتمزق الصدوع أو ما يسمى بلغة متخصصة الصفائح التكتونية، التي تصطدم وتنزلق فوق بعضها بعضاً، وهذا ما يجعل الأرض تميد في نهاية المطاف غير آبهة بمن يقف فوقها.
كانت هذه هي نظرية عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد فيجنر، التي عرضها في كتابه: «أصل القارات والمحيطات»، حيث رأى أن القارات تقع فوق صفائح تتحرك باستمرار. وأطلق فيجنر على هذه الظاهرة مصطلح «الانجراف القاري» أو زحزحة القارات. ومعناه أن القارات ليست ثابتة في مواقعها، بل هي تتحرك إما بالتباعد أو التقارب، مستشهداً على صحة نظريته، بالتشابه الذي يوجد بين حوافها. فالقارات جميعها في اعتقاده كانت تشكل يوماً ما كتلة واحدة.
وقد لقيت هذه النظرية العديد من الاعتراضات، حيث جرت السخرية والتشكيك في صحتها أحياناً. واعتبر بعض العلماء أن ألفريد فيجنر، المتخصص في الأرصاد الجوية، يريد أن يسقط حركة السماء على حركة الأرض. إلا أن النظرية تم تأكيدها اليوم، بفضل القياس الدقيق للانجراف القاري، بوساطة نظام تحديد المواقع العالمي GPS.
وهكذا كما هي السحب تسير شاردة فوق رؤوسنا، تتحرك وتترجرج الأرض أيضاً بدورها تحت أقدامنا.
محدودية الإنسان وضعفه
ومن بين أغلب الأخطار التي قد تهدد بها الطبيعة الإنسان تعتبر الزلازل الأكثر رعباً، لعدة أسباب نذكر من بينها كونها تتوعده، في المكان الذي يعتقد أنه موثوق وآمن: الأرض التي يقف عليها، والبيوت التي تؤويه. إضافة إلى أنها تأتي دائماً دون سابق إندار، وبدون أية أعراض مسبقة. وما دام هذا الحدث لا يزال إلى حد الآن على الأقل مفاجئاً وغير قابل للتوقع، فإن ردود أفعال الناس اتجاهه تكون غالباً ضعيفة للغاية.
ومن المؤكد أن الحيوانات والطيور تمتلك القدرة على استشعار قدوم الزلازل. مما يمكنها من الهرب، باستثناء الإنسان، الذي يظهر أمام هذا التحدي كما لو أنه من بين كل الكائنات الأكثر هشاشة وضعفاً. والشيء الوحيد الذي نتمكن من قياسه هو الفاقد الذي ينتج عنه. ففي اللحظات الهادئة التي يكون فيها الإنسان مستكيناً في حضن الحياة، مستسلماً لوداعة العيش، قد تأتي الزلازل كي تضرب على حين غرة، محدثة حالة من الخراب والدمار. أصوات تستغيث وأنين خافت، يأتي من تحت ركام الأتربة، والخرسانة المتهالكة. آنذاك يصبح الضحايا عبارة عن أجساد طرية سحقتها الحجارة، وقد استسلمت للنزع الأخير.

أخبار ذات صلة مؤتمر اللغة العربية واللسانيات التطبيقية ينطلق في أبوظبي توقيع كتاب «محمد بن زايد آل نهيان.. إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية»

الفلاسفة وزلزال لشبونة
كان زلزال لشبونة هو أول زلزال شكل في التاريخ الحديث، ليس فقط اهتزازاً في الأرض، ولكن أيضاً صدمة في الفكر الفلسفي الأوروبي. لقد حطم هذا الزلزال الاعتقاد الراسخ في الفلسفة الأنوارية، حول التفاؤل بمستقبل الجنس البشري، الذي يتحكم في وضعه، ويتجه بخطى حثيثة نحو مستقبل مشرق.
وقع الحدث بشكل متزامن مع عيد مسيحي كبير هو عيد القديسين، حيث دمر تماماً عاصمة البرتغال، وجعل الكنائس تنهار فوق الرؤوس، كما أودى بالآلاف من الضحايا. والعديد من الفلاسفة جعلوه موضوعاً للتأمل الفكري. نجد ذلك على سبيل المثال لدى جان جاك روسو الذي حاول فهم ظاهرة الشر والدمار الذي تحدثه الزلازل، باعتباره من مسؤولية الإنسان. حيث قال: أريد أن «أوضح للبشر كيف يخلقون مصائبهم، وبالتالي كيف يمكنهم تجنبها». فالطبيعة في نظر روسو لم تقم بتكديس المنازل في لشبونة في رقعة محدودة من الأرض، وربما لو كانت تلك الأبنية متباعدة عن بعضها بعضاً لتم تجنب هذه الأضرار، أو على الأقل التخفيف منها.
وهكذا فالشر بالنسبة لروسو ظاهرة أخلاقية، يمكن تدبير أمرها بإيجاد إصلاحات وتعاقدات اجتماعية. كما أن على الإنسان أيضاً أن يتعلم كيف يعيش في انسجام مع الطبيعة، بدل توهم التعالي والسيطرة عليها. فضد النظرة التشاؤمية عند فولتير، يرى روسو أن الحياة تستحق أن تعاش، وأن من الأفضل أن نكون موجودين على أن لا نكون موجودين!
أما ليبنتز فقد رأى ضمن نظريته التيوديسية Théodicée أن الطبيعة عندما تصب علينا جام غضبها، فإن هذا الشر قد يكون أحياناً ظاهرة ضرورية لتحقيق الخير الأسمى! فنحن نعيش إذن في عالم تم خلقه وحساب كل شيء فيه بدقة متناهية، وبالتالي فالعالم الذي نعيش فيه، مهما كانت أحواله يظل أفضل العوالم الممكنة. وقد شكلت هذه النظرية جوهر الرؤية التفاؤلية التي ستهيمن على أغلب فلاسفة الأنوار.
أفضل العوالم
وضد هذه المواقف الفلسفية المتفائلة، سيقف فولتير بكتابه الساخر «كانديد» منتقداً أطروحة ليبنتز حول أفضل العوالم. وحول الاعتقاد بأن كل شيء مرتب. ففي نظر فولتير ليس هناك أي مبرر يمكننا أن نستند إليه لتفسير الخراب الذي أحدثه الزلزال، وبالتالي سيظل عقل الإنسان عاجزاً عن اكتشاف كُنه هذا الشر الذي يسكن أحياناً في الطبيعة الصامتة.وبتزامن مع هذا الحدث سيكتب فولتير القصيدة آنفة الذكر التي تبلغ 700 بيت موجهاً سهام نقده للفلاسفة الذين يعتقدون أن «كل شيء على ما يرام»:
تعالوا هنا وشاهدوا الآثار الرهيبة
الركام والبقايا، وأكوام الرماد تشهد على البؤس
النساء والأطفال مستلقون بعضهم فوق بعض.
وعلى رغم الدمار الذي قد تحدثه الزلازل، تظل دائماً ظاهرة طبيعية لها وجهها الإيجابي أحياناً: إخراج المعادن المخزنة في باطن الأرض، وشق الأنهار والشلالات، وإحداث مرتفعات جديدة... ولكل هذه الاعتبارات قد يصبح الخراب المرافق للزلازل «شراً ملطفاً» في بعض الأحيان إذا ما قورن بالهلاك الذي قد يحدثه الإنسان بفعل «الشر المحض» الذي قد تجنيه يداه، مثل قنبلة هيروشيما، وأوشفيتز وأفران الغاز النازية، والإرهاب وأحداث الحادي عشر من سبتمبر... وعلى رغم أن الزلازل تكشف لنا هشاشة الوضع البشري ووهَنه، وتذكّرنا بعجزنا أمام بعض قوى الطبيعة الجبارة، إلا أنها تنبهنا أيضاً في الآن ذاته، إلى أن علينا الرهان على تحسين القدرة المعرفية والعلمية للإنسان. وتجنب بعض الأخطاء البشرية في التمدُّن. وتطوير معايير السلامة وتقنيات الإنقاذ والإغاثة. وأخيراً استنهاض الجانب الإنساني المتمثل في قيم التضامن والتآزر بين الناس.

المصدر: صحيفة الاتحاد

إقرأ أيضاً:

بيروت بين مطرقتين.. ما الذي يجري خلف الكواليس في ملف سلاح حزب الله؟

يتعرّض الجيش اللبناني الذي كلّفته الحكومة نزع سلاح حزب الله، لضغوط إسرائيلية وأميركية متزايدة، أطاحت بزيارة كانت مقررة لقائده إلى واشنطن هذا الأسبوع، وفق ما أفاد مصدر عسكري وكالة فرانس برس. 

ومنذ سريان وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية، وأنهى في 25 نوفمبر حربا استمرت لعام بين حزب الله وإسرائيل، عزز الجيش انتشاره في الجنوب حيث بات عديده حاليا يتجاوز 9 آلاف عنصر.

وشرع منذ سبتمبر في تفكيك بنى الحزب العسكرية من منطقة جنوب نهر الليطاني، الواقعة على مسافة حوالي 30 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل، تطبيقا لخطة أقرتها الحكومة.

ونصت المرحلة الأولى من الخطة على نزع السلاح من المنطقة الحدودية بغضون 3 أشهر تنتهي مع نهاية العام الحالي.

وقال المصدر العسكري الذي تحفّظ عن ذكر اسمه: "نحن ملتزمون بالخطة ضمن الجدول الزمني المصدق عليه في مجلس الوزراء والذي يعرفه الأميركيون والأطراف المعنية كافة".

وأضاف: "ما يطلبونه اليوم هو نزع سلاح حزب الله من كل لبنان قبل نهاية العام، وهذا أمر مستحيل"، مبديا خشيته من أن تمهّد "الضغوط الأميركية والاسرائيلية الممنهجة لحصول تصعيد في الضربات".

سلاح حزب الله

وتتهم إسرائيل، التي تواصل شنّ ضربات دامية، السلطات اللبنانية بـ"المماطلة" في سحب سلاح الحزب، الذي يرفض بالمطلق تجريده من سلاحه.

ورغم جمعه السلاح وتفكيكه بنى تحتية للحزب وأنفاق، يجد الجيش اللبناني نفسه عاجزا عن تلبية مطالب من بينها تفتيش المنازل في كل قرية، وسط نقص في العتيد والعتاد وخشية من مواجهات مع المجتمعات المحلية. 

وشهد هذا الأسبوع التوتر الأبرز بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة، التي تعدّ أبرز داعميه، بعد تبلّغ قائد الجيش رودولف هيكل إلغاء مواعيد لقاءات مع مسؤولين سياسيين وعسكريين كانت مبرمجة ضمن زيارة مقررة الى واشنطن الثلاثاء.

ودفع ذلك هيكل إلى إلغاء زيارته، قبل ساعات من موعد سفره، وفق المصدر.

وجاء ذلك إثر اعتراض أعضاء في مجلس الشيوخ، بينهم السناتور الجمهوري ليندساي غراهام، على مضمون بيان أصدره الجيش، الأحد، وصف فيه إسرائيل "بالعدو"، في معرض تنديده بإطلاق قوات إسرائيلية النار على عناصر من قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل).

وفي منشور على إكس، الثلاثاء، كتب غراهام الذي كان مقررا أن يلتقي هيكل، "من الواضح أن قائد الجيش اللبناني، بسبب إشارة الى إسرائيل على أنها العدو، وبسبب جهوده الضعيفة أو شبه المعدومة لنزع سلاح حزب الله، يشكل انتكاسة كبيرة للجهود الرامية الى دفع لبنان إلى الأمام".

وأضاف: "هذا المزيج يجعل من الجيش اللبناني استثمارا غير مُجد للولايات المتحدة".

وفي موازاة ضغط واشنطن لتجريد حزب الله من سلاحه، تحض السلطات اللبنانية كذلك على تجفيف مصادر تمويله من داعمته إيران.

"صفر سلاح"

ويتهم لبنان إسرائيل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، عبر مواصلة تنفيذ ضربات وإبقاء قوات داخل أراضيه، في حين تتهم الدولة العبرية حزب الله بالعمل على ترميم قدراته العسكرية. وتستهدف عناصره وبنى عسكرية تابعة له بضربات دامية.

وقال مسؤول في الجيش الإسرائيلي لمكتب فرانس برس في القدس إن لجنة مراقبة وقف إطلاق النار تعمل "لكن ليس بالسرعة التي نرغب بها، ولا في الأماكن التي نرغب بها".

وأضاف "نرى كيف يُعيد حزب الله بناء نفسه.. ولن نسمح بتنامي هذا النوع من التهديدات في منطقتنا. لن يحدث هذا".

ورغم الضربات الهائلة التي نفذتها إسرائيل، منذ فتح حزب الله جبهة ضدها انطلاقا من جنوب لبنان، غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة، لا يزال حزب الله الذي خرج ضعيفا من الحرب يحتفظ بجزء من ترسانته وقدراته الصاروخية.

ويقول المسؤول الإسرائيلي: "عندما أنهينا الحرب، كنا نعلم أنه تبقى لديهم ما بين 20 و30 بالمئة من قدراتهم النارية"، مضيفا "لا يمكن أبدا تحقيق الصفر. هذا مستحيل".

ويشرح: "لتحقيق الصفر، يجب أن نفتش كل منزل في لبنان، وهو ما نتوقعه من الجيش اللبناني، لأننا لا نستطيع فعل ذلك بأنفسنا".

 

مقالات مشابهة

  • خبيرة أسرية: دور المرأة وفق الطبيعة والأصل الاجتماعي رعاية الأطفال وإدارة شؤون البيت
  • «همسات الصحراء».. أعمال فنية وثقافية تكرِّم إيقاعات الطبيعة
  • ماجد القرعان… الصوت الذي يهزّ الصمت ولا ينحني
  • موجة مأساوية حول العالم.. وفيات وحوادث وكوارث تهزّ القارات
  • بيروت بين مطرقتين.. ما الذي يجري خلف الكواليس في ملف سلاح حزب الله؟
  • العراق يستفيد من نتائج القارات ويخوض مباراة واحدة في الملحق العالمي
  • مراسل الجزيرة يرصد آثار الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على غزة
  • من هو منير المقدح الذي نجا من استهدافه بمجزرة عين الحلوة جنوب لبنان؟
  • العقاب الصهيوني مع قساوة الطبيعة على غزة
  • المشاتل الزراعية بجازان.. رحلة سياحية بين الطبيعة الساحرة والمعرفة الزراعية