صحيفة الاتحاد:
2025-06-23@15:44:10 GMT

الزلازل.. وزحزحة القارات

تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT

الفاهم محمد

تحت هذا الركام المكسور
هذه الأطراف المتناثرة
مائة ألف بائس تلتهمهم الأرض
دامين، ممزقين، يخفقون
مدفونين تحت أسطح منازلهم
ينهون أيامهم البائسة دون مساعدة
في هول المعاناة.
هذا ما كتبه فولتير في قصيدة رثاء عن زلزال لشبونة سنة 1755، فعندما تهتز الأرض كي تبتلع أبناءها، لا يسع الإنسان إلا أن يتساءل: أي معنى يمكن أن نمنحه لمكابدات الحياة؟
منذ قديم الزمان، ظل الإنسان يحاول دائماً أن يفهم هذه الظواهر التي تستعصي على الفهم، والتي تعبر عن تحديات الطبيعة: براكين، أعاصير، فيضانات، زلازل.

.. وأحياناً كان يعزو الأمر للعنة خفية، أو لأعمال شيطانية. وإذا كان تطور المعارف العلمية قد مكّن من إدراك وفهم بعض الآليات والقوانين التي تكتنف بعض هذه الظواهر، فإن الزلازل بالذات ربما تكون هي الظاهرة الوحيدة التي لم نسبر غورها بعدُ بشكل كافٍ، وذلك بسبب تعقد العمليات التي تحدث في باطن الأرض.
فيجنر ونظرية زحزحة القارات
لنقل باختصار: إن أقدام الإنسان لا توجد تحتها أرض ثابتة مستقرة. فعلم الجيولوجيا يخبرنا بأن القشرة الأرضية تهتز نتيجة الضغط الذي يمارس عليها من الداخل، فتتمزق الصدوع أو ما يسمى بلغة متخصصة الصفائح التكتونية، التي تصطدم وتنزلق فوق بعضها بعضاً، وهذا ما يجعل الأرض تميد في نهاية المطاف غير آبهة بمن يقف فوقها.
كانت هذه هي نظرية عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد فيجنر، التي عرضها في كتابه: «أصل القارات والمحيطات»، حيث رأى أن القارات تقع فوق صفائح تتحرك باستمرار. وأطلق فيجنر على هذه الظاهرة مصطلح «الانجراف القاري» أو زحزحة القارات. ومعناه أن القارات ليست ثابتة في مواقعها، بل هي تتحرك إما بالتباعد أو التقارب، مستشهداً على صحة نظريته، بالتشابه الذي يوجد بين حوافها. فالقارات جميعها في اعتقاده كانت تشكل يوماً ما كتلة واحدة.
وقد لقيت هذه النظرية العديد من الاعتراضات، حيث جرت السخرية والتشكيك في صحتها أحياناً. واعتبر بعض العلماء أن ألفريد فيجنر، المتخصص في الأرصاد الجوية، يريد أن يسقط حركة السماء على حركة الأرض. إلا أن النظرية تم تأكيدها اليوم، بفضل القياس الدقيق للانجراف القاري، بوساطة نظام تحديد المواقع العالمي GPS.
وهكذا كما هي السحب تسير شاردة فوق رؤوسنا، تتحرك وتترجرج الأرض أيضاً بدورها تحت أقدامنا.
محدودية الإنسان وضعفه
ومن بين أغلب الأخطار التي قد تهدد بها الطبيعة الإنسان تعتبر الزلازل الأكثر رعباً، لعدة أسباب نذكر من بينها كونها تتوعده، في المكان الذي يعتقد أنه موثوق وآمن: الأرض التي يقف عليها، والبيوت التي تؤويه. إضافة إلى أنها تأتي دائماً دون سابق إندار، وبدون أية أعراض مسبقة. وما دام هذا الحدث لا يزال إلى حد الآن على الأقل مفاجئاً وغير قابل للتوقع، فإن ردود أفعال الناس اتجاهه تكون غالباً ضعيفة للغاية.
ومن المؤكد أن الحيوانات والطيور تمتلك القدرة على استشعار قدوم الزلازل. مما يمكنها من الهرب، باستثناء الإنسان، الذي يظهر أمام هذا التحدي كما لو أنه من بين كل الكائنات الأكثر هشاشة وضعفاً. والشيء الوحيد الذي نتمكن من قياسه هو الفاقد الذي ينتج عنه. ففي اللحظات الهادئة التي يكون فيها الإنسان مستكيناً في حضن الحياة، مستسلماً لوداعة العيش، قد تأتي الزلازل كي تضرب على حين غرة، محدثة حالة من الخراب والدمار. أصوات تستغيث وأنين خافت، يأتي من تحت ركام الأتربة، والخرسانة المتهالكة. آنذاك يصبح الضحايا عبارة عن أجساد طرية سحقتها الحجارة، وقد استسلمت للنزع الأخير.

أخبار ذات صلة مؤتمر اللغة العربية واللسانيات التطبيقية ينطلق في أبوظبي توقيع كتاب «محمد بن زايد آل نهيان.. إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية»

الفلاسفة وزلزال لشبونة
كان زلزال لشبونة هو أول زلزال شكل في التاريخ الحديث، ليس فقط اهتزازاً في الأرض، ولكن أيضاً صدمة في الفكر الفلسفي الأوروبي. لقد حطم هذا الزلزال الاعتقاد الراسخ في الفلسفة الأنوارية، حول التفاؤل بمستقبل الجنس البشري، الذي يتحكم في وضعه، ويتجه بخطى حثيثة نحو مستقبل مشرق.
وقع الحدث بشكل متزامن مع عيد مسيحي كبير هو عيد القديسين، حيث دمر تماماً عاصمة البرتغال، وجعل الكنائس تنهار فوق الرؤوس، كما أودى بالآلاف من الضحايا. والعديد من الفلاسفة جعلوه موضوعاً للتأمل الفكري. نجد ذلك على سبيل المثال لدى جان جاك روسو الذي حاول فهم ظاهرة الشر والدمار الذي تحدثه الزلازل، باعتباره من مسؤولية الإنسان. حيث قال: أريد أن «أوضح للبشر كيف يخلقون مصائبهم، وبالتالي كيف يمكنهم تجنبها». فالطبيعة في نظر روسو لم تقم بتكديس المنازل في لشبونة في رقعة محدودة من الأرض، وربما لو كانت تلك الأبنية متباعدة عن بعضها بعضاً لتم تجنب هذه الأضرار، أو على الأقل التخفيف منها.
وهكذا فالشر بالنسبة لروسو ظاهرة أخلاقية، يمكن تدبير أمرها بإيجاد إصلاحات وتعاقدات اجتماعية. كما أن على الإنسان أيضاً أن يتعلم كيف يعيش في انسجام مع الطبيعة، بدل توهم التعالي والسيطرة عليها. فضد النظرة التشاؤمية عند فولتير، يرى روسو أن الحياة تستحق أن تعاش، وأن من الأفضل أن نكون موجودين على أن لا نكون موجودين!
أما ليبنتز فقد رأى ضمن نظريته التيوديسية Théodicée أن الطبيعة عندما تصب علينا جام غضبها، فإن هذا الشر قد يكون أحياناً ظاهرة ضرورية لتحقيق الخير الأسمى! فنحن نعيش إذن في عالم تم خلقه وحساب كل شيء فيه بدقة متناهية، وبالتالي فالعالم الذي نعيش فيه، مهما كانت أحواله يظل أفضل العوالم الممكنة. وقد شكلت هذه النظرية جوهر الرؤية التفاؤلية التي ستهيمن على أغلب فلاسفة الأنوار.
أفضل العوالم
وضد هذه المواقف الفلسفية المتفائلة، سيقف فولتير بكتابه الساخر «كانديد» منتقداً أطروحة ليبنتز حول أفضل العوالم. وحول الاعتقاد بأن كل شيء مرتب. ففي نظر فولتير ليس هناك أي مبرر يمكننا أن نستند إليه لتفسير الخراب الذي أحدثه الزلزال، وبالتالي سيظل عقل الإنسان عاجزاً عن اكتشاف كُنه هذا الشر الذي يسكن أحياناً في الطبيعة الصامتة.وبتزامن مع هذا الحدث سيكتب فولتير القصيدة آنفة الذكر التي تبلغ 700 بيت موجهاً سهام نقده للفلاسفة الذين يعتقدون أن «كل شيء على ما يرام»:
تعالوا هنا وشاهدوا الآثار الرهيبة
الركام والبقايا، وأكوام الرماد تشهد على البؤس
النساء والأطفال مستلقون بعضهم فوق بعض.
وعلى رغم الدمار الذي قد تحدثه الزلازل، تظل دائماً ظاهرة طبيعية لها وجهها الإيجابي أحياناً: إخراج المعادن المخزنة في باطن الأرض، وشق الأنهار والشلالات، وإحداث مرتفعات جديدة... ولكل هذه الاعتبارات قد يصبح الخراب المرافق للزلازل «شراً ملطفاً» في بعض الأحيان إذا ما قورن بالهلاك الذي قد يحدثه الإنسان بفعل «الشر المحض» الذي قد تجنيه يداه، مثل قنبلة هيروشيما، وأوشفيتز وأفران الغاز النازية، والإرهاب وأحداث الحادي عشر من سبتمبر... وعلى رغم أن الزلازل تكشف لنا هشاشة الوضع البشري ووهَنه، وتذكّرنا بعجزنا أمام بعض قوى الطبيعة الجبارة، إلا أنها تنبهنا أيضاً في الآن ذاته، إلى أن علينا الرهان على تحسين القدرة المعرفية والعلمية للإنسان. وتجنب بعض الأخطاء البشرية في التمدُّن. وتطوير معايير السلامة وتقنيات الإنقاذ والإغاثة. وأخيراً استنهاض الجانب الإنساني المتمثل في قيم التضامن والتآزر بين الناس.

المصدر: صحيفة الاتحاد

إقرأ أيضاً:

علي جمعة يكشف علامات رضا الله على الإنسان | 4 دلائل واضحة

علامات رضا الله على الإنسان تعد من أكثر الموضوعات التي تشغل بال كثيرين حيث يتساءل عدد كبير من المؤمنين عنها لمعرفة هل يرضى الله عنهم، لذا نعرض لكم في السطور علامات رضا الله على الإنسان والتي حددها الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق.

كيف تعرف أن الله راضٍ عنك؟

وفي السياق قال الدكتور علي جمعة، في تصريحات سابقة له، إن الإنسان يمن أن يكون مجتهدًا في عبادته لله ومواظب على الصلاة والصوم والزكاة، ويظن نفسه أنه من المقبولين وممن رضي الله عنهم ، ولكنه يفعل من المعاصي والذنوب ما يمحو به هذه الحسنات لذا كيف تعرف أن الله راضٍ عنك؟.

توفيق الله في أداء العبادات

وأوضح الدكتور علي جمعة، أن التوفيق في أداء العبادات والطاعات من علامات رضا الله على الإنسان، منوها بأنه إذا كنت تصلي ومواظبا على الصلاة باستمرار من دون انقطاع، فهذا توفيق من الله بسبب رضاه عنك.

وتابع توفيق الله لعبده بأن يداوم على فعل العمل الصالح تقربا لله، فذلك يدل على رضا الله عليك كأن تداوم على صلاة ركعتين يوميا قبل نومك، حيث إن أحب الأعمال إلى الله أدومها.

استجابة الدعاء

استجابة الدعاء من أبرز علامات رضا الله على الإنسان، هكذا أكد الدكتور علي جمعة، موضحا أن عدم استجابة الدعاء ليست دليلا على عدم رضا الله على الإنسان؟

ذكر الله كثيرا

وأ:د علي جمعة أن من بين علامات رضا الله هو منع عبده من ارتكاب المعصية ولو قهرا، مشيرا إلى أن الله تعالى من بين علامات رضا الله عن عبده ان يكون لسان العبد رطبا من كثرة ذكر الله.

علامات غضب الله على الإنسان

في حين قد يتساءل آخرون عن علامات غضب الله على الإنسان والتي يمكن أن تكون بمثابة جرس إنذار في حياتك لتنتبه قبل فوات الأوان، وفي السطور التالية نتعرف على أبرز علامات غضب الله على العبد..

علي جمعة يوضح علامات الساعة الصغرى والأحاديث الواردة فيهاعلي جمعة: اصبر على طلب الحق وتمسك به ولو كنت وحدك

قسوة القلب من علامات غضب الله

تدل قسوة القلوب بسبب الذنوب على غضب الله تعالى، حيث يتحول القلب إلى حالة من الصلابة والجمود، فينزع الله من العاصين الرحمة من قلوبهم عقوبة لهم.

وجاء عن مالك بن دينار أنه قال: "قسوة القلب عقوبةٌ للعاصي، ونزع الرحمة منه دليلٌ على غضب الله -تعالى- من صاحبه"، ومن مظاهر قسوة القلب هي : "الغفلة عن ذكر الله، وعدم الخشوع، وعدم التأثر بكلام الله، وقلة الحياء من الله".

زيادة العبد بالنعم وإمهاله

يعد من علامات سخط الله على الإنسان هو إمهال العبد بالنعم، وعدم التوفيق لشكر الله على النعم فهي من علامات غضب الله.

وقد يدل استدراج العبد بالنعم على سخط الله على العبد، بأن يزيده من النِعم وهو على المعصية، وقد وصف الله سبحانه وتعالى الطغاة بقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ).

عدم التوفيق للتوبة

عدم توفيق الإنسان في أداء العبادات والطاعات، والابتعاد عن التوبة تدل على بعد الإنسان عن ربه وعقاب الله تعالى له على معاصيه وذنوبه.

وقد أخبر الله عز وجل عن حال الإنسان الغافل عن طاعته وذكره، وانشغل بمعصيته، فقال الله تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

الدكتور علي جمعة يكشف علامات غضب الله

من جانبه بيّن الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، علامات غضب الله في تصريحات سابقة له ومنها ما يلي:

صدّ العبد عن أداء الواجبات الشرعيّة التي افترضها الله عليه.مداومة العبد على ما يُسخط الله سبحانه؛ من قتل النفس أو الظلم والطغيان.توسيع الله تعالى على العبد في رزقه، ومن ثمّ حرمانه من أداء شكرها، فذلك من علامات سخط الله على عبده. طباعة شارك علامات رضا الله على الإنسان علامات رضا الله رضا الله كيف تعرف أن الله راضٍ عنك علي جمعة الدكتور علي جمعة

مقالات مشابهة

  • في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة
  • داء القلق
  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • على الخريطة.. مواقع الضربات الأمريكية التي دمرت تماما أبرز منشآت نووية
  • ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟
  • ما السلاح الذي قصفت به أميركا منشآت إيران النووية؟
  • لماذا؟
  • في ذكرى ميلاده.. علي الشريف "دياب الأرض" الذي خرج من السجن إلى قلوب الجماهير
  • سامسونغ تكشف عن نظام تنبيه للزلازل في هواتف غالاكسي.. أسرع وأكثر دقة من غوغل!
  • علي جمعة يكشف علامات رضا الله على الإنسان | 4 دلائل واضحة