طوفان الأقصى.. ما سوف يحصل قد حصل
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
المهمّ ما حصل، وما سوف يحصل قد حصل. هذه هي الإجابة على الأسئلة كلّها التي تُطرح باستمرار في المجال العربي، عمّا فعلته كتائب القسام صبيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وما سوف تصير إليه معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها.
كلّ الأسئلة السابقة على هذه المعركة سقطت، تماماً كسقوط "إسرائيل" المدوّي، سقطوها هيبة، وجيشاً قالت دائماً إنّه لا يقهر، واستخبارات أوهمت نفسها، قبل أن توهم العرب والعالم، بأنّها تحيط علماً بكلّ شيء، فالسؤال اليائس عن إمكان هزيمتها سقط، كما سقط كلّ سؤال كافر بقدرتنا، وسقطت كلّ جهالة بمعنى مقاومة الفلسطينيين وجدواها، واتضحت لاحبة الطريق الصحيحة نحو فلسطين.
سقط اليأس، وانفتحت بوابة التاريخ، والفضل في ذلك فقط لمانح المعنى، مُجّدد الحقيقة، مزيل الغبار والأتربة عن الصواب الحادّ والخالص والمطلق. وذلك لأنّه باختصار، كان يمكن لنا أن نرى فلسطين من موضع مقابل، لنرى بعد ذلك ماذا يعني "طوفان الأقصى".
ما الموضع المقابل لـ"طوفان الأقصى"؟
سقط اليأس، وانفتحت بوابة التاريخ، والفضل في ذلك فقط لمانح المعنى، مُجّدد الحقيقة، مزيل الغبار والأتربة عن الصواب الحادّ والخالص والمطلق. وذلك لأنّه باختصار، كان يمكن لنا أن نرى فلسطين من موضع مقابل، لنرى بعد ذلك ماذا يعني "طوفان الأقصى"
من الأوصاف التي سادت في الآونة الأخيرة للحالة الفلسطينية في مستوييها الداخلي، وفي العلاقة الصراعية مع الاحتلال، وصف "الانسداد التاريخي"، ويمكن تلخيص هذا الوصف بأنّ القضية الفلسطينية بدت وكأنّها قد صارت خلف العالم، لأنّها أولاً وقبل العالم تبدو وكأنّها خلف العرب، حينما يتحوّل الموقف العربي من موقف خطابيّ مساند، إلى حليف فعليّ للاحتلال. فالعلاقات التطبيعية المستجدّة تأخذ موقف التحالف، وهو الأمر كامل السفور في بيانات بعض الدول العربية إزاء المعركة الجارية الآن، والتي تردّدت ما بين إدانة فعل المقاومة وبين المساواة بين الضحية والجلاد ليكون الأمر في النتيجة انحيازاً للجلاد.
تبلورت في الذهن صورة ما نسمّيه "الانسداد التاريخي" في حقبة ترامب، ومع ما عُرِف إعلاميّاً بـ"صفقة القرن"، وإعلان بنيامين نتنياهو في تلك الفترة عن مشروعه لضمّ الضفّة، واتضاح الترتيبات للمنطقة بما يقضي بتصفية القضية الفلسطينية بإخراجها من أدنى اهتمام عربيّ رسميّ، من خلال صفقات التطبيع التحالفيّ، ثمّ تالياً مع حكومة نتنياهو الحالية المتحالفة مع الصهيونية الدينية الفاشية صاحبة مشروع "الحسم"، والاستهتار الكامل بالفلسطينيين في الاقتحام المكثف للمسجد الأقصى الهادف إلى فرض تقسيمه، مع ضيق الإمكانات النضالية في الضفّة الغربيّة بالرغم من أهمّية المقاومة التي ظلّت تتشكّل في الضفّة في حدود ظروفها، والتي ساهمت في تسهيل عملية "طوفان الأقصى" لاستهلاك جيش الاحتلال عديده داخل الضفّة الغربية.
ما يُسمى "مشروع التسوية" أو "عملية السلام"، وصل بالفلسطينيين إلى خطّة التصفية تلك المسماة "صفقة القرن"، و"الاتفاقيات الإبراهيمية" و"التطبيع دون حلّ القضية الفلسطينية"، وفي الأثناء تنتشر الوقائع الاستيطانية في الضفة الغربية انتشار السرطان في الجسد. وقد كان هذا المشروع "التسوية"، بقطعه مع المسار النضالي الفلسطيني، وتأسيسه سلطة في ظلّ الاحتلال، السبب الجوهري في الانقسام الفلسطيني، وفي تدمير جزء أساس من جسد الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي مصادرة الإمكانات النضالية للفلسطينيين، وقد تحوّلت هذه الوقائع كلّها، لا سيما سلطة في ظلّ الاحتلال، إلى جسر للتمدّد الإسرائيلي في المنطقة والعالم.
بدا في المقابل أنّ المقاومة في غزّة، بسبب الحصار وبسبب تلبّس التنظيم الرئيس للمقاومة، وهو حماس، بإدارة شؤون الناس، مأزومة بدورها، وألا مخارج ظاهرة في الأفق لهذه الأزمة، وهو التصوّر الذي تعزّز لدى كثيرين، بالامتناع الظاهر لحركة حماس عن الدخول في آخر مواجهتين فُرضتا على غزة قبل معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حماس نفسها.
هذا تلخيص مكثّف، ومخلّ في الوقت نفسه، لما يمكن أن نسمّيه بـ"الانسداد التاريخي"، ولنتخيل حين الحديث عن هذا الانسداد، لو كان الفاعل الوحيد في الحالة الفلسطينية، والخيار المتسيّد فيها خيار التسوية، إلى جانب الرداءة العربية الراهنة غير المسبوقة، كيف ستكون الحالة الفلسطينية حينها، وقد خلت من أيّ توازن داخلي يدفع نحو خلخلة الأوضاع المتكلسة، ويقدّم ممارسة سياسية مناقضة للمشروع الذي أفضى بالفلسطينيين والمنطقة نحو الدخول المطلق في الإرادة الإسرائيلية؟! هذه هي بالضبط القيمة الأساس لقضية المقاومة، وما يجعلنا نقول إنّ المقاومة هدف في ذاتها، هدف سياسي، واستراتيجي، وأخلاقي، وقيمي، وتعبوي، ومعنوي، بمجرّدها، وهو ما لا يفهمه الكثيرون ممن يعتقدون أنّها مجرّد أداة تكتيكية في استراتيجية تفاهمية، أو يعجزون عن رؤية الإنجاز الذي يصنعه الصمود، وما يُبنى عليه من مراكمة للقوة والقدرة.
لم تكن المقاومة في غزّة، والحالة هذه، فكرة مسلّمة بحدود العقل المحافظ من التفكير، ولم تكتف بمراكمة القوّة والقدرة، بل كانت تفكّر في الفعل العسكري ذي المغزى السياسي، الرامي إلى خلق انقلاب في الواقع المتكلّس والمستسلم داخل الإرادة الإسرائيلية، فدفعت نحو عملية كبرى غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال (هي عملية أهمّ من حرب تشرين/ أكتوبر 1973 حين النظر إلى الفرق بين جيوش دول بعمق جغرافي وبين تشكيل مسلّح صغير في مساحة ضيقة منبسطة ومكشوفة).
كانت المقاومة أكثر ثورية وجذريّة، بهذا الفعل الاستثنائي، من كل ما سبق في تاريخ الصراع، لكنّها لم تكن كذلك فحسب، بل حصّلت فوق ذلك إنجازها سلفاً، فهي تدرك قوّة النار الهائلة للعدوّ وتفوقه الجوّي وكل ما يختبئ خلفه، فكان لا بدّ من تحقيق الإنجاز سلفاً، حصيلة عسكرية، ومباغتة أمنية، وصورة دعائية من وجهين؛ وجه القدرة الفلسطينية المجبولة من العدم والمستحيل، ووجه الحقيقة الإسرائيلية المحدودة ونفي إطلاقها وإثبات أنّها قابلة للهزيمة، وأنّ جيشها يُقهر واستخباراتها تفشل وعقولها البحثية والإستراتيجية تعمى وجهازها يتخبط.
المقاومة أكثر ثورية وجذريّة، بهذا الفعل الاستثنائي، من كل ما سبق في تاريخ الصراع، لكنّها لم تكن كذلك فحسب، بل حصّلت فوق ذلك إنجازها سلفاً، فهي تدرك قوّة النار الهائلة للعدوّ وتفوقه الجوّي وكل ما يختبئ خلفه، فكان لا بدّ من تحقيق الإنجاز سلفاً، حصيلة عسكرية، ومباغتة أمنية، وصورة دعائية
في ضربة واحدة، حقّقّت المقاومة ذلك كلّه، فما سوف يحصل قد حصل، فسؤال اليوم التالي إجابته اليوم الأوّل. وفي الأثناء، كانت العملية خلخلة كبرى لكل الحسابات الإقليمية والدولية، وتعرية كاملة ونهائية لكلّ الدعايات السياسية التي شوشت الرؤية الصحيحة إلى الأوضاع الفلسطينية، وضربة موغلة في السياسات الصهيونية اليمينية الفاشية الرامية إلى حسم الصراع في الضفة وتقسيم المسجد الأقصى، وفتح الباب على مصراعيه لإنهاء ملف الأسرى المفتوح منذ بداية الصراع، وكسر لإرادة تركيع غزّة برغيف الخبز. وإذا كانت ثمّة خطّة لمفاجأة المقاومة بضربة يستعد لها جيش العدوّ بترتيب أمريكي وعربي متحالف مع الصهاينة، فقد سبقتهم المقاومة وأنجزت حصيلتها، ثمّ صار اليوم التالي تحصيلاً حاصلاً.
هنا المقاومة صارت أكبر من غاية بمجرّدها فكرة وفعلاً من الصمود والمشاغلة أو المراكمة، بل هي غاية، وفعل سياسي، وإنجاز استراتيجي، بالجرأة الثورية التي لا تُمثّل فقط قلباً للأوضاع القائمة، ولكنّها تمثل انقلاباً كاملاً في الفكر السياسي الفلسطيني والعربي المحافظ.
ما سوف يحصل قد حصل، لكن التفكير ينبغي أن ينصبّ بعد التشبع بإنجاز المقاومة وتمثّله والتخلّق به والاندراج في إطاره نموذجاً للتفكير، هو النظر في كيفية غلّ يدّ العدوّ عن مجزرته المفتوحة في غزّة.
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الفلسطينيين المقاومة حماس غزة إسرائيل فلسطين حماس غزة المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طوفان الأقصى الضف ة
إقرأ أيضاً:
إرادة المقاومة سلاح فلسطين الأبدي
تبرز في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، المقاومة الفلسطينية كظاهرة سياسية وأيديولوجية معقدة، تتشابك فيها الأبعاد التاريخية والإنسانية مع الروايات الإعلامية.
اختارت المقاومة لأكثر من سبعة عقود، الاحتفاظ بسلاحها كخيار استراتيجي للدفاع عن الأرض والكرامة، في مواجهة احتلال متفوق عسكريا وسياسيا. يُثير موضوع تسليم السلاح جدلا عميقا: هل هو بوابة للسلام أم تنازل قد يُطيح بالقضية الفلسطينية؟
سأحاول أن أقوم بعرض معمق من الناحية السياسية والأيديولوجية والصحفية، لنكشف معا كيف يُشكل صمود المقاومة وعدم تسليم سلاحها للصهاينة سر قوتها، ولماذا يُمثل التخلي عنه تهديدا وجوديا للنضال الفلسطيني، ومخاطر التنازل، لنختتم بتأكيد أهمية الصمود كضرورة استراتيجية.
فلنبدأ معا هذه الرحلة مع:
1- الجذور التاريخية: بناء صمود المقاومة
لنفهم صمود المقاومة الفلسطينية، يجب أن نعود إلى نقطة البداية مع ظهور خطورة المشروع الصهيوني والتي نادى به قادة الرأي في العالم العربي، نتج عن هذا الوعي ثورة البراق والثورة الفلسطينية في عام 1936 وجهود الكثير من قادة العمل الميداني مثل الشيخ عز الدين القسام ومن تلاه من قادة الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، ثم أتت النكبة عام 1948 وتهجير أكثر من 700,000 فلسطيني وإعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أراضيهم، وهذا وضع الأساس لنضال طويل. منذ ذلك الحين، تطورت المقاومة من احتجاجات شعبية إلى حركة مسلحة منظمة، مُثبتة قدرتها على الصمود في وجه تحديات هائلة، وهناك الكثير من الكتب التي تحدثت عن المقاومة التي أحدثت أثر في القضية الفلسطينية، مثل كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق والأردن تحت قيادة أحمد عبد العزيز ومصطفي السباعي ومحمد الصواف ومصطفي الزرقا، مع حفظ الالقاب لهؤلاء القامات.
- تأسيس منظمة التحرير (1964):
أعلنت المقاومة الفلسطينية حمل السلاح كاستراتيجية لتحرير الأرض، مما جعل السلاح جزءا من الهوية النضالية.
- حرب 1967 (النكسة):
دفع احتلال الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية المقاومة لتكثيف عملياتها النوعية على ساحات الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- الانتفاضتان (1987 و2000):
تجسدت انتفاضة الحجارة في عام 1987 وانتفاضة الأقصى في عام 2000 في مقاومة شعبية وعسكرية، وأكدتا أن السلاح ليس خيارا عابرا بل ضرورة مستمرة، كما نتج عن الأولى تأسيس حركة حماس وجهازها العسكري، والثانية بكثرة الأعمال النوعية التي أجبرت الاحتلال لأول مرة الانسحاب من قطاع غزة في عام 2005.
التحديات
لم تنثن المقاومة أو تحيد عن مسارها رغم التفوق العسكري للاحتلال والحصار الاقتصادي على غزة منذ 2007، والضغوط الدولية.
هذا الصمود ليس مجرد رد فعل، بل استراتيجية متجذرة في إرادة شعب يرفض النسيان والتفريط في أرضه عبر عقود من الزمن تقترب الآن من العقد الثامن للاحتلال.
2- البعد السياسي: السلاح كورقة قوة
يشكل السلاح في المشهد السياسي أداة تفاوضية لا غنى عنها، وفي عالم تحكمه توازن القوى، يمنح السلاح المقاومة حضورا لا يُمكن تجاهله، مما يجعلها لاعبا رئيسا في أي حوار سياسي، حيث إن هذا العالم لا يعرف إلا لغة القوة وما المقاومة في فيتنام والصومال وجنوب أفريقيا عنا ببعيد.
المفاوضات: دروس من التاريخ
تظهر مخاطر اتفاقية أوسلو (1993) في التنازل دون ضمانات، حيث وافقت السلطة الفلسطينية على الاعتراف بإسرائيل مقابل وعود بإقامة دولة، فتنازلت منظمة التحرير أولا عن سلاحها ثم عن 77 في المئة من الأرض مقابل 23 في المئة، فتفاجأت بتفاوض الاحتلال على المساحة التي رضيت بها منظمة التحرير وأبو عمار ياسر عرفات حينها بالإضافة إلى مواصلة الاحتلال في التوسع الاستيطاني. هذا الواقع يُبرز أن السلاح يُعزز الموقف التفاوضي، بينما غيابه قد يُحول الفلسطينيين إلى طرف ضعيف يسهل تهميشه، وهذا ما حدث فيما يسمى باتفاقية أوسلو.
الضغوط الدولية
تضغط الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، على المقاومة لنزع سلاحها، وهذا ما تظهره وسائل الإعلام العربية والعالمية إنهاء الحرب مقابل السلاح وإدخال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر، لكن هذه الضغوط تُقابل برفض فلسطيني بغض النظر عن موقف السلطة الفلسطينية المخزي المتمثل في التنسيق الأمني مع أجهزة الاحتلال وتتبع المقاومين في الضفة.
ويعد السلاح آخر خطوط الدفاع في مواجهة الاحتلال المدعوم عالميا بكل سبل الدفاع وأحدثها.
سياسيا، يُعد الاحتفاظ بالسلاح ردا على اختلال موازين القوى، وتأكيدا على أن السلام لا يُمكن أن يُبنى على الاستسلام.
استراتيجية الردع
لا يعد إطلاق الصواريخ من غزة، كما في حروب 2008 و2014، وما تلاها من حروب على القطاع حتى الطوفان، مجرد عمل عسكري، بل رسالة سياسية فحواها أن أي عدوان إسرائيلي سيكون له ثمن. هذا الردع يُجبر إسرائيل على التفكير مرتين قبل كل هجوم، مما يُعزز من مرونة المقاومة في المفاوضات غير المباشرة.
3- البعد الأيديولوجي: السلاح كرمز للكرامة
يتجاوز السلاح دوره العسكري أيديولوجيا ليُصبح رمزا للهوية والكرامة، في ظل مساعي احتلال يسعى دائما إلى طمس الوجود الفلسطيني، فيأتي هنا دور السلاح فيمثل تعبيرا عن الرفض والأمل.
السلاح في الوعي الجمعي
يُمجَد السلاح في الثقافة الفلسطينية، كأداة للتحرير والدفاع عن الأرض والعرض، فتجد في الأغاني "موئيل الهوارة" والشعارات الشعبية تُصور المقاومين كرموز للعزة. هذا البعد الأيديولوجي يُغذي الروح المعنوية، مُلهما الأجيال لمواصلة النضال.
رفض التنازل: مسألة مبدأ
تتفق فصائل المقاومة، سواء القومية كفتح أو الإسلامية كحماس والجهاد، على أن تسليم السلاح يُعادل الخيانة. أيديولوجيا، السلاح ليس مجرد خيار تكتيكي، بل تجسيد لمبدأ "المقاومة حتى التحرير". التخلي عنه قد يُفسر كتخلٍ عن الحلم بفلسطين المستقلة من النهر الى البحر.
الصراع على الهوية
تسعى إسرائيل لفرض رواية تُلغي الهوية والرواية الفلسطينية مع محاولة الاحتلال فرض سردية منافسة للسردية الفلسطينية التي نجحت في فرض نفسها بعد بداية الطوفان.
يشكل السلاح درعا ضد هذا المسعى، ويعزز الاحتفاظ به الإحساس بالسيادة، حتى في ظل الاحتلال، ويُرسخ فكرة أن الفلسطينيين ليسوا ضحايا فقط، بل مقاتلون من أجل حقهم.
4- البعد الإعلامي: الإعلام وتشكيل الرواية
يلعب الإعلام دورا محوريا في الصراع، حيث تتصارع الروايات على كسب الرأي العام. والتغطية الصحفية للمقاومة تتراوح بين الشيطنة والتمجيد، مما يؤثر على صورتها ودعمها.
الرواية الغربية
يركز الإعلام الغربي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، على العمليات المسلحة للمقاومة دون سياقها، مُصورا إياها كـ"إرهاب"، في حين أنه يتجاهل الوجه الآخر للاحتلال فيتجاهل آلة القتل والتنكيل والحصار في حق الشعب الفلسطيني.
هذا التحيز يتجاهل جذور الصراع -الاحتلال والنكبة- ويُبرر الدعم الغربي لإسرائيل. على سبيل المثال، تغطية حرب 2014 ركزت على الصواريخ الفلسطينية، بينما قللت من تأثير القصف الإسرائيلي على المدنيين.
الرواية العربية
في المقابل، يُظهر الإعلام العربي تعاطفا مع المقاومة، مُبرزا صمودها كرمز للنضال العربي. قنوات مثل "الجزيرة" والقنوات الأخرى التي تُسلط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية وفضح الاحتلال وممارساته ضد الشعب الفلسطيني المحتل على مدار ما يقرب من 8 عقود من الزمن.
التأثير على الدعم الدولي
تشكل التغطية الصحفية الرأي العام، وبالتالي السياسات الدولية. فالرواية الغربية تُضعف التعاطف مع الفلسطينيين، بينما الرواية العربية تُعزز التضامن الإقليمي. لكن غياب تغطية متوازنة يُعيق فهم الصراع بعمق، مما يُقلل من فرص الضغط لإيجاد حل عادل.
الحاجة إلى صحافة موضوعية
نحتاج إلى صحافة تلك التي تتجاوز الاستقطاب، مُقدمة تحليلا يُبرز تعقيدات الصراع: لماذا تحتفظ المقاومة بالسلاح؟ ما هي مخاطر التخلي عنه؟ هذا النهج قد يُساهم في تغيير النظرة العالمية للقضية.
5- تسليم السلاح: تهديد سياسي وأيديولوجي
تسليم السلاح للصهاينة قد يكون كارثة وجودية للقضية الفلسطينية، سياسيا وأيديولوجيا.
الضعف السياسي
تفقد المقاومة بدون سلاحها القدرة على المواجهة، مما يُعزز سيطرة الاحتلال. يظهر التاريخ أن إسرائيل لا تُقدم تنازلات إلا تحت الضغط، كما في انسحابها من لبنان عام 2000. فتسليم السلاح يُتيح لإسرائيل فرض حلول تُلغي الحلم بالدولة الفلسطينية.
الانهيار الأيديولوجي
يمثل السلاح شعبيا شعورا بالأمل والتخلي عنه قد يُشعر الفلسطينيين بالعجز، مُهددا التضامن الداخلي.
أيديولوجيا، سيُنظر إليه كاستسلام يُناقض مبادئ النضال، مما قد يُضعف الروح المعنوية ويُلهم الانقسامات.
التأثير الدولي
يعتمد الدعم الإقليمي من دول مثل إيران ولبنان واليمن على صورة المقاومة كقوة صامدة. ويعد تسليم السلاح تقليلا من هذا الدعم، مُعرضا الفلسطينيين لمواجهة أحادية في مواجهة إسرائيل وحلفائها.
6- الدعم الدولي والإقليمي: شبكة الصمود
يشكل الدعم الخارجي رافعة للمقاومة، لكنه يعتمد على قوتها المسلحة.
- إيران: تُقدم دعما عسكريا لحماس والجهاد، مُعززة قدراتها في مواجهة إسرائيل.
- تركيا والشعوب العربية: تُظهر تضامنا سياسيا وشعبيا، يتغذى على صورة المقاومة الصامدة.
تسليم السلاح قد يُضعف هذه الشبكة، حيث ستفقد المقاومة جاذبيتها كقوة نضالية.
7- الصمود كضرورة حتمية
في النهاية، صمود المقاومة الفلسطينية وعدم تسليم سلاحها للصهاينة ليس خيارا، التنازل عنه دون السعي لاستراتيجيات سياسية تُكمل هذا المسار لتحقيق العدالة والحرية؛ قد يُنهي النضال.