موقع 24:
2025-05-23@22:03:32 GMT

قرصنة سياسية تلبي الغايات الإيرانية

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

قرصنة سياسية تلبي الغايات الإيرانية

في التاسع عشر من نوفمبر الماضي وبرفقة فريق تصوير سينمائي هبطت طائرة مروحية حوثية من مخلفات الجيش اليمني السابق على سطح سفينة الشحن غالاكسي ليدر. وفي مشهد "هوليوودي" بثه الحوثيون لاحقاً، انتشر مسلحون ملثمون في أرجاء السفينة العملاقة قبل اقتيادها إلى ميناء الحديدة، لتدشن الجماعة المرتبطة عقائديا وسياسيا بإيران بذلك أول عملياتها لاستهداف ممر الملاحة الدولي في البحر الأحمر، في محاولة للإعلان رسميا عن ولادة لاعب إقليمي جديد في المنطقة، قادر على إحداث ضرر يتجاوز اليمن ومحيطه إلى تهديد اقتصاد العالم.


لم يكن هذا التطور الدراماتيكي في مسار الأحداث مفاجئاً لمن يراقبون رسائل الحوثي المشفرة التي طالما تسربت من بين ثنايا خطابه الإعلامي الموجه الذي كان يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن التصعيد التالي سيكون بحرياً، في أعقاب التصعيد الجوي والصاروخي خلال السنوات الماضية الذي حمل توقيعه وبصمات الحرس الثوري الإيراني.
قبل هذه العملية التي كانت فاتحة للكثير من الهجمات التي طالت سفن التجارة العابرة بالقرب من مضيق باب المندب خلال الأيام الماضية، كان الحوثيون قد جسّوا نبض العالم عبر سلسلة متتالية من الهجمات التي استهدفت منشآت مدنية واقتصادية في السعودية، والإمارات، كان أخطرها الهجمات التي وقعت على منشأتي النفط في بقيق، وهجرة خُرَيص السعوديتين، في منتصف سبتمبر 2019، حيث لم يبد المجتمع الدولي وخصوصا واشنطن حينها أيّ ردة فعل تتناسب مع حجم هذا الاعتداء الهائل الذي ألحق الضرر بمصادر إنتاج الطاقة ويشير إلى أن التالي سيكون أكثر فداحة، بل إن موقف واشنطن كان مخيبا للآمال أكثر مما يُحتمل في الحسابات السياسية، بعد تدشين إدارة الرئيس جو بايدن عهدها بإلغاء تصنيف الجماعة الحوثية من قائمة المنظمات الإرهابية في منتصف فبراير 2021. حدث ذلك في الوقت الذي كان فيه الحوثيون يحتجزون العشرات من موظفي السفارة الأميركية والأمم المتحدة في صنعاء ويجرون الاستعراضات العسكرية التي تهتف بشعار “الموت لأمريكا”!

تجاهلت أمريكا والدول الغربية عموماً الكثير من تعقيدات الأزمة اليمنية، وفي مقدمتها طبيعة الجماعة الحوثية ذاتها التي تعمل كتنظيم عقائدي وضعته الأيديولوجيا الدينية والموجهات السياسية الإيرانية الصارمة على مسار تصعيدي ثابت، يلبي مقتضيات الحاجة الإيرانية ولا يتوقف إلا ليلتقط أنفاسه قليلاً أو ليراوغ الضغوط الدولية الناعمة، ليعاود السير مجدداً في طريقه المرسوم الذي لا يبدو أن له نهاية معلومة أو إشارات مرور أو خط نهاية، كما هو حال الجماعات العقائدية التي لا تؤمن بالحلول السياسية.
كانت الهجمات الحوثية على ممر الملاحة الدولي مآلاً متوقعاً، وورقة ظلت طهران تلوّح بها في وجه العالم، لكنها لم تعمد إلى تحريك هذا البيدق الشرس على رقعة الصراع الإقليمي إلا في الوقت الذي يلبّي حاجاتها الإستراتيجية ويمنح ذراعها الحوثي في نفس الوقت شيئا من البريق الإعلامي والوهج الأخلاقي الذي كان يفتقد إليه كثيراً، جراء تاريخ طويل من الانتهاكات والممارسات العنيفة والشعارات الخادعة التي كانت إحدى أبرز نقاط ضعف الحوثيين القاتلة على الصعيد الداخلي، في ظل حالة رفض متفاقمة تعتمل وتتصاعد في الشارع اليمني وأسئلة تكبر كل يوم على ألسنة اليمنيين وفي قلوبهم حول شعار “الموت لأميركا الموت إسرائيل” الذي كانت الجماعة تمارس القتل والتخوين تحت رايته، والذي وصفه الشقيق الأكبر لزعيم الجماعة ووزير تعليمها يحيى الحوثي، قبل تمكن الحوثيين، بأنه مجرد "كلام"!
اختبأت الهجمات الحوثية على سفن الشحن في البحر الأحمر تحت رداء "مظلومية" غزة، وهي مظلومية حقيقية وفرصة سانحة للتحشيد، والتصعيد المضاد، وفّرتها الوحشية الإسرائيلية والازدواجية الغربية. واستطاع الحوثيون ومن خلفهم محور إيران توظيف هذه الحالة واستغلالها بشكل جيد، استناداً إلى تاريخ طويل من الخبرة في الاختفاء خلف شعارات المظلومية والبكائيات التي تحوّلت في الكثير من الأحيان إلى غطاء أيديولوجي لتبرير آلة القتل التي استمدت منها أذرع إيران في المنطقة قوتها لسحق خصومها السياسيين والعقائديين على حد سواء. غير أن الارتباط الحوثي بمظلومية فلسطين ومحاولة تلبسها كانا الحيلة الأخطر والأوسع مدى التي انطلت على الكثير ممن لا يعرفون تاريخ هذه الجماعات أو حتى بعض من عاصروا ممارساتها الوحشة.

وبينما منحت هذه الهجمات وما رافقها من استعراض إعلامي الحوثيين الجانب الدعائي الذي كان ينقصهم يمنياً وعربياً ويقرب بين شعاراتهم الزائفة وأفعالهم على الأرض، كان الجانب الخفي في ما يحدث يلبّي تماماً الرغبات المستترة لطهران خلف شعار مناصرة فلسطين.

مع استمرار تداعيات الأحداث في قطاع غزة في ظل التصعيد الإسرائيلي الوحشي ضد الفلسطينيين الذي خلق حالة غير مسبوقة من التعاطف الشعبي على الصعيد العالمي، كانت الأنظار تتجه إلى حزب الله وأذرع إيران المباشرة في سوريا والعراق باعتبارها جزءاً من مشروع إيراني يتصدر قائمة الانتقام الإسرائيلية والأمريكية المحتملة، في سياق مخطط لإضعاف إيران وتفكيك نفوذها المتنامي في المنطقة. وفي هذا التوقيت الحاسم قامت طهران بنقلة غير متوقعة، تمثلت في تحريك بيدقها الحوثي أو من تسميهم “شيعة الشوارع”، لصرف الأنظار عن أذرعها المباشرة. واكتسبت هذه النقلة التكتيكة أهميتها من عامل التوقيت، حيث كان الحديث يجري في كواليس المجتمع الدولي عن قرب التوصل إلى اتفاق وشيك ينهي الحرب في اليمن ويطوي صفحة الصراع الذي كاد يتحول إلى صراع إقليمي مستعر بفعل التأجيج الإيراني.
نجح الحوثيون إلى حد كبير وبتكتيك وتدبير إيراني صرف، في استغلال حالة التعطش الدولي لانتزاع اتفاق سلام في اليمن، فأخذت الجماعة تسير في مسارين متوازيين، أحدهما يتماشى مع الرغبة الدولية الجامحة وخصوصاً الولايات المتحدة، وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، في تحقيق انتصار دبلوماسي في ملف الأزمة اليمنية، والمسار الآخر ظلت تواصل الجماعة عبره عملياتها في البحر الأحمر التي تزعم بأنها تأتي ردا على الاجتياح والحصار الإسرائيلي لغزة، بهدف تضييق الخناق اقتصاديا على تل أبيب القابعة على البحر المتوسط من خلال تضييق الخناق عليها في خليج العقبة! غير أن الكثير من البيانات والحقائق على الأرض كانت تشير إلى أن جل السفن التي استهدفها الحوثيون لا تمتّ لإسرائيل بصلة، ولم تكن في طريقها أصلاً إلى ميناء إيلات الذي يتحدث الحوثيون يومياً عن رشقه بزخات من الصواريخ والطائرات المسيّرة، التي تضلّ طريقها أو يتم إسقاطها في البحر الأحمر من قبل السفن العسكرية التي ملأت البحر الأحمر، وتتزايد كل يوم مع التحركات الأمريكية لتشكيل تحالف دولي يتصدى للقرصنة الحوثية بالقرب من باب المندب.
ومن مراقبة طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية مع تداعيات الهجمات الحوثية على سفن الشحن في البحر الأحمر وطريقة تعاطي المجتمع الدولي معها، يبرز حجم الارتباك الذي تعاني منه الدول الفاعلة في العالم التي أهدرت منذ سنوات فرص استكشاف وتحجيم خطر ذراع إيران الحوثي، في خاصرة إمدادات الطاقة العالمية، ومضيق باب المندب، إما نتيجة للجهل بحقيقة الجماعة الحوثية التي ظلت تبادل طيلة السنوات الماضية ما بين تصدير خطاب المظلومية وخطاب القوة، أو بسبب حسابات أخرى انتهازية على الأرجح، كانت تهدف إلى خلق حالة مستدامة من التوتر في المنطقة بهدف ابتزاز الحلفاء.


رفع الغرب في العام 2018 وخصوصاً واشنطن ولندن البطاقة الحمراء في وجه قوات المقاومة المشتركة المدعومة من التحالف العربي، التي كانت على وشك تحرير الساحل الغربي لليمن، وموانئ الحديدة، ورأس عيسى، والصليف، التي يشن منها الحوثيون اليوم هجماتهم على سفن الشحن في ممر الملاحة الدولي، وهو الموقف الذي يصعب تفسيره والذي تشي تصريحات المسؤولين الغربيين اليوم، إلى أنه تم استبداله بحالة من الندم المتأخر والارتباك إزاء الطريقة المثلى للتعامل مع التطورات المتسارعة التي لم تكن في الحسبان، والتي وضعت الكثير من الدول الغربية الفاعلة في الملف اليمني بين مقصلة حديثها خلال السنوات الماضية عن الدواعي الإنسانية لوقف الحرب في اليمن وبين الذهاب اليوم نحو تشكيل تحالف دولي جديد يشن حربا جديدة.
واليوم في ظل الغيوم الملبدة بالشكوك، وغبار حرب ربما تلوح في أفق المنطقة، يجمع المجتمعان الدولي والغربي على وجه التحديد حصاد فشلهما في التعامل مع ميليشيات مسلحة ظناً أن بإمكانهما ترويضها، فيما تشهد تصريحات المسؤولين الغربيين تراجعاً لافتاً في منسوب التفاؤل المفرط الذي كان يغرق أحاديث المبعوثين الأممي والأمريكي المتعطشة لتوقيع اتفاق سلام في اليمن، بينما يغلب اليوم على تلك المواقف الرغبة في إرجاء مثل هذا الاتفاق، واستثمار خبرة التحالف العربي في مواجهة الحوثيين، وجره للانضمام إلى تحالف دولي جديد، غير واضح المعالم، ولا يبدو أن جهود إخراجه إلى النور تسير بالتوازي مع تحولات حقيقية وجادة في الموقف الدولي وتحديدا الأمريكي تجاه إيران وأذرعها في المنطقة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة البحر الأحمر فی البحر الأحمر فی المنطقة الکثیر من الذی کان فی الیمن

إقرأ أيضاً:

علي صدر الدين البيانوني يروي كواليس توحيد اخوان سورية ومعركة حماة الكبرى

في حلقة جديدة من سلسلة شهادته التي خصّ بها صحيفة "عربي21"، يواصل المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، المحامي علي صدر الدين البيانوني، رواية فصول من أخطر محطات العمل الإسلامي والمعارض في تاريخ سورية الحديث.

في هذه الحلقة، يكشف البيانوني تفاصيل دقيقة عن توحيد جماعة الإخوان المسلمين مع جناح الأستاذ عصام العطار والطليعة المقاتلة، وهو حدث مفصلي مهّد لتحولات كبيرة في مسار الجماعة. كما يتوقف عند معركة حماة الكبرى عام 1982، تلك اللحظة الدامية التي شهدت أعنف مواجهة بين النظام السوري والجماعة، وانتهت بكارثة إنسانية ودمار شامل للمدينة، سُجلت في التاريخ بوصفها واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين السوريين.

في سرده، يُبرز البيانوني كواليس القرارات المصيرية، والخيارات الصعبة التي واجهتها القيادة في الخارج، في ظل تزايد الضغط الأمني، وتشتت فصائل المعارضة، وتخاذل الموقف الدولي.

12 ـ توحّد الجماعة مع جناح الأستاذ عصام العطار والطليعة:

في أوائل السبعينيات، حصل انشقاق في الجماعة، بسبب الخلاف حول ضرورة وجود المراقب العام للجماعة داخل سورية، بينما كان الأستاذ عصام العطار يقيم في ألمانيا، فتدخّل بعض الإخوان من غير السوريين، وأجروا انتخابات عامة تحت إشرافهم، فاز فيها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، بينما لم يقبل طرف الأستاذ عصام بنتائجها، مما أدّى إلى انقسام الجماعة إلى فريقين: أحدهما يقوده الأستاذ عصام العطار المقيم في ألمانيا، وعُرف باسم طرف دمشق، حيث كان يتركّز معظم أتباعه، والآخر على رأسه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وبعده الأستاذ عدنان سعد الدين، وعُرف باسم طرف حلب، حيث كان يتركّز معظم أتباعه، بينما توزّع الإخوان في المدن الأخرى بين الطرفين بنسبٍ متفاوتة.

كما أن عدم الوصول إلى تفاهم واتفاق مع الطليعة - كما أشرتُ قبل قليل، أدّى إلى استمرار كل فريق في العمل مستقلاً.

وكان واضحا خلال عام 1980 أن المنحنى البياني للثورة لم يكن صاعداً، وأن الموقف الدولي ليس مشجعاً، وأن حملات البطش والتنكيل والقتل والاعتقال أضعفت مسارات الثورة، وأضعفت دور مؤيديها. واضطرت العديد من قادة الطليعة على الأرض، إلى مغادرة مواقعهم عبر المعابر الحدودية المتاحة، والالتحاق بدول الجوار..

مع بداية شهر شباط 1982، بدأت الأخبار تأتي من حماة من خلال المسافرين، تصف المعارك والقصف الشديد على المدينة، والفظائع التي ترتكبها قوات النظام. وأعلنت الجماعة النفير العام، وبدأ الإخوان يتوافدون إلى المعسكر في بغداد، استعداداً للتدخّل لإنقاذ المدينة، إذا أتيحت الفرصة، لكن بعض العقلاء في الجماعة، تدخّلوا لوقف هذه العملية التي كان محكوماً عليها بالفشل، والتسبب في مقتل المتدخّلين، دون جدوى. وعاد الإخوان المتجمّعين في المعسكر، إلى أقطارهم التي قدموا منها.ولما كانت ظروف المعركة التي تخوضها الأطراف الثلاثة مع النظام، تستدعي التنسيق والتعاون، فقد نجحت مساعي بعض الإخوان من مختلف الأطراف، وفي مقدّمتهم الشيخ منير الغضبان رحمه الله، في الوصول إلى اتفاق في شهر آذار 1981، وحّد الأطراف الثلاثة في جماعة واحدة، بقيادة المراقب العام الدكتور حسن هويدي (من فريق الأستاذ عصام العطار)، وشكلت قيادة واحدة ضمّت أربعة ممثلين عن كل طرف. وبالمناسبة فقد تمت محاولة اغتيال الأخ الأستاذ عصام العطار في ألمانيا، في نفس الأسبوع الذي تمّ فيه توقيع الاتفاق، واستشهدت في المحاولة زوجته الأخت الفاضلة بنان الطنطاوي رحمها الله.

وقد أقرّ مجلس شورى الجماعة هذا الاتفاق بالإجماع، لكن عدنان عقلة لم يلبث أن انشقّ عن الجماعة، ثم تمّ استدراجه من قبل أجهزة الأمن إلى الداخل السوري، حيث اعتقل مع حوالي سبعين من شباب الطليعة، ثم أعدموا واستشهدوا جميعا، رحمهم الله.

13 ـ أحداث حماة الكبرى 1982

في أواخر عام 1981، وبداية عام 1982، ازداد الضغط والحصار على المقاتلين في مدينة حماة، ووصلت رسالة من المسئول عنهم إلى القيادة، تشير إلى صعوبة الوضع، وأنه ليس أمامهم إلاّ المواجهة، والدخول في معركة حاسمة مع قوات النظام. فكان جواب القيادة أن وضع المدن الأخرى لا يسمح بالمشاركة في مثل هذه المعركة، وأن عليهم الانسحاب من مواقعهم، وعدم الدخول في معركة مكشوفة، وأنّ بإمكان الملاحقين والمطلوبين التسلّل والخروج من المدينة، ومغادرة البلاد مؤقتاً، ريثما يعاد ترتيب الأوضاع. لكن عدنان عقلة كان قد دخل إلى حماة، قبل شهر واحد، ووعدهم بالدعم والإمداد، وعلمنا أنه أرسل إليهم عبر الإذاعة إشارة تؤكد جاهزيته لمساندتهم.

ومع بداية شهر شباط 1982، بدأت الأخبار تأتي من حماة من خلال المسافرين، تصف المعارك والقصف الشديد على المدينة، والفظائع التي ترتكبها قوات النظام. وأعلنت الجماعة النفير العام، وبدأ الإخوان يتوافدون إلى المعسكر في بغداد، استعداداً للتدخّل لإنقاذ المدينة، إذا أتيحت الفرصة، لكن بعض العقلاء في الجماعة، تدخّلوا لوقف هذه العملية التي كان محكوماً عليها بالفشل، والتسبب في مقتل المتدخّلين، دون جدوى. وعاد الإخوان المتجمّعين في المعسكر، إلى أقطارهم التي قدموا منها.

لقد تسبّب القرار المرتجل في استنفار الإخوان، وتجميعهم في المعسكر، للتدخّل لإنقاذ مدينة حماة، في ظروفٍ لا تسمح بمثل هذا التدخّل، بل كان سيؤدّي ـ لو تمّ ـ إلى نتائج كارثية، ثم إيقاف عملية التدخّل.. لقد تسبّب كلّ ذلك بخيبة أملٍ كبيرة، وكان له انعكاسات سلبية على الصف الداخلي، امتدّت آثارها لعدّة سنوات، انتهت بانقسام الجماعة في عام 1986، لا سيما بعد أن تبيّن أن قوات النظام قامت بتدمير معظم أحياء المدينة، وقتل عشرات الآلاف من سكانها، وارتكاب أفظع الجرائم بحق سكان المدينة، وتهجير عشرات الآلاف منهم.. دون أن تتمكن الجماعة من تقديم أيّ مساعدة لوقف هذه المجزرة، أو التخفيف من معاناة سكان المدينة..

14 ـ التحالف الوطني لتحرير سورية:

كانت جماعة الإخوان المسلمين تدرك أنها لا يمكن أن تنفرد بقيادة الثورة، وأنه لا بدّ من التوافق على هيئة وطنية جامعة لكل قوى المعارضة السورية، تعبّر عن تطلّعات الشعب السوري بكلّ شرائحه ومكوّناته.

وكانت العراق والأردن تشكلان حزاماً عربياً مؤيداً لثورة الشعب السوري، وقد اجتمع فيهما نخبة من القيادات الوطنية السورية، من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، المهجّرة بفعل الملاحقات والتصفيات ومختلف وسائل القمع الأسدي..

لقد تسبّب القرار المرتجل في استنفار الإخوان، وتجميعهم في المعسكر، للتدخّل لإنقاذ مدينة حماة، في ظروفٍ لا تسمح بمثل هذا التدخّل، بل كان سيؤدّي ـ لو تمّ ـ إلى نتائج كارثية، ثم إيقاف عملية التدخّل.. لقد تسبّب كلّ ذلك بخيبة أملٍ كبيرة، وكان له انعكاسات سلبية على الصف الداخلي، امتدّت آثارها لعدّة سنوات، انتهت بانقسام الجماعة في عام 1986وقد شهدت الأشهر الأخيرة من عام 1981، والأشهر الأولى من عام 1982، لقاءات سياسية، وحوارات بين شخصيات معارضة إسلامية ويسارية وقومية وبعثية.. انتهت إلى الاتفاق على إعلان تشكيل (التحالف الوطني لتحرير سورية) في شهر آذار 1982، وتمّ التوافق على ميثاق وطني له، وتحوّل إلى مؤسّسة وطنية. وقد دعمت الحكومة العراقية تشكيل هذا التحالف، الذي كان مقرّه بغداد. وقام بعقد مؤتمرات وأنشطة سياسية وإعلامية في بعض الدول الأوروبية، وكانت الجماعة طرفاً وطنياً فاعلاً ومؤثّراً فيه. كما كان أول تحالف تلتقي فيه هذه القوى السياسية المختلفة، وشكّل تجربة وطنية ناجحة ومستقرّة.

كان من هذه القوى التي شكّلت التحالف: حزب البعث العربي الاشتراكي (جناح القيادة القومية)، وعلى رأسهم الأستاذ شبلي العيسمي الذي اختطفه نظام بشار الأسد من لبنان، مع بداية الثورة السورية الحالية، ومن ورائه الأستاذ ميشيل عفلق، مؤسّس حزب البعث، والرئيس الأسبق أمين الحافظ الذي دخل التحالف كشخصية مستقلة، وأكرم الحوراني عن الحزب العربي الاشتراكي، واللواء محمد الجراح وزير الداخلية السوري الأسبق، من الاتحاد الاشتراكي.. وغيرهم.

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ "عربي21".. هذه بدايتي

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي تفاصيل تجربته في سجون الأسد

إقرأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي شهادته.. من سجون الأسد إلى مفاوضات الطليعة


مقالات مشابهة

  • أبرز الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثيين على إسرائيل عام 2025
  • فينيسيوس يودع لوكا مودريتش: كانت كرة القدم التي تقدمها فنا
  • إزدهار جرائم قتل الأقارب في مناطق سيطرة الحوثيين ...تسجيل 3 حوادث خلال 48 ساعة
  • علي صدر الدين البيانوني يروي كواليس توحيد اخوان سورية ومعركة حماة الكبرى
  • السفير المصري ببرلين: لدينا حجم عمالة شابة ماهرة تلبي احتياجات السوق الألماني
  • ميناء حيفا بوابة إسرائيل التي يتوعدها الحوثيون
  • هل تُعلن الجماعة الإسلامية الانفصال عن حماس؟
  • الحوثيون يقصفون دولة الاحتلال بصاروخ باليستي.. وجيش الاحتلال يعلن اعتراضه
  • ماهر فرغلى: الإخوان في فرنسا يسيطرون على 240 مسجدا
  • تصعيد يلوح في الأفق: الحوثيون يُمهدون لعودة استهداف السفن