ملاحظات قصيرة على معنى الفضيلة
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
أقول ملاحظات قصيرة؛ لأنه لا يمكن أن نأتي في مقال قصير على معنى الفضيلة التي هي أساس الأخلاق، والسؤال عن معنى الفضيلة ينتمي إلى فلسفة الأخلاق التي هي فرع من فروع البحث الفلسفي؛ ولذلك فليس في وسعنا في هذا الصدد سوى إبداء بعض الشذرات عن رؤية بعض كبار الفلاسفة لمعنى الفضيلة.
وربما يكون من المناسب هنا أن نبدأ برؤية كبار فلاسفة اليونان، وهي رؤية يكاد يشيع فيها التوحيد بين الفضيلة والمعرفة: فها هو سقراط يذهب إلى القول بأن «الفضيلة علم والرذيلة جهل»، ومعنى ذلك أن الإنسان إذا عرف معنى الخير اتَبعه، وإذا عرف معنى الشر اجتنبه.
وفي العصر الحديث رأى كانط أن المبدأ الأخلاقي لا يحتمل شكًا ولا جدلًا، وهو يستند إلى معايير أساسية، منها إن المبدأ الأخلاقي هو مبدأ عام لا يجوز فيه الاستثناء، ومنها أن المبدأ الأخلاقي ينبغي أن يكون غاية في ذاته بمعنى أن تُعامل الإنسانية في شخصك أو في أي شخص آخر باعتبارها غاية وليست وسيلة (وهو في ذلك يقول: افعل بحيث يكون فعلك غايةً للناس جميعًا)، ومنها أن مناط الأخلاقية يكمن في الإرادة الخيرة. ولكننا حينما نتأمل موقف كانط في مجمله نجده موقفًا نظريًّا متشددًا لا يستوعب الاستثناءات في السلوك الأخلاقي الذي لا يخضع للقواعد الصارمة، ومن ذلك أن المبدأ الأخلاقي عنده ينبغي أن يكون عامًا لا استثناء فيه؛ فالإحسان يكون من أجل الإحسان باعتباره واجبًا أخلاقيًّا لا يتوقف على شيء آخر كالشعور بالشفقة والتعاطف؛ ومكمن الخطأ هنا هو أن السلوك الذي ينبع من الشفقة أو التعاطف قد يكون أنبل وأكثر إنسانية من السلوك الذي يلتزم بالقاعدة الأخلاقية العامة. وكذلك فإن مخالفة القاعدة الأخلاقية للصدق قد يكون جائزًا في مواقف معينة كأن يكذب المرء من أجل اجتناب شر أعظم وتحقيق خير معين: فيجوز للأسير على سبيل المثال أن يكذب، ويجوز للمرء بوجه عام أن يكذب إن كان صدقه سوف يسبب وقيعة بين الأصدقاء والأحباب، وهكذا.
ولقد ذهب هوبز إلى أن الإنسان بطبيعته تحكمه الأنانية، ومن ثم الشر والعدوان على الآخرين؛ فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وهكذا فإن وضع الإنسان في حالة الطبيعة، أي قبل نشأة الدولة والمجتمع المدني، هو حالة حرب الجميع ضد الجميع. ولذلك رأى هوبز أن القانون الذي تحميه الدولة هو الذي يردع الناس عن الأذى والعدوان والظلم، ذلك أن العهود والمواثيق بلا سيف يحميها ليست سوى كلمات.
أما شوبنهاور فقد اتفق مع هوبز في أن الأنانية متأصلة في الطبيعة البشرية، واتفق مع كانط في أن مناط الأخلاقية هي الإرادة الخيرة، ولكنه يرى أن هذه الإرادة الخيرة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التحرر من الإرادة ذاتها، وهذا الموقف يحتاج إلى شيء من الإيضاح: الإرادة عند شوبنهاور هي إرادة الحياة، وهي قوة عمياء تدفع كل إنسان إلى تحقيق رغباته ومصالحه وتأكيد ذاته، فأن نريد يعني أننا نرغب دائمًا في شيء ما، ولكن الرغبات لا تتوقف ولا تنتهي؛ وهذا هو أصل الأنانية والشر في العالم؛ ومن ثم فإن الأخلاقية تكمن في الشفقة والتعاطف إزاء الآخرين. ولكن الأخلاقية أو التحرر من الإرادة لا تتحقق بشكل تام إلا في حالة الزهد والقداسة. ولقد رأى شوبنهاور أن الفضيلة لا يمكن أن تُعلَّم؛ لأنها تكمن في إرادة المرء المتأصلة في طبيعته أو شخصيته. ولكننا لا يمكن أن نوافق على رأي شوبنهاور الذي يرى أن تمام الأخلاقية تكمن في حياة الزهد، وإلا كنا نطالب الناس بأن يكونوا زهادًا، وهذا يخالف الطبيعة البشرية ذاتها.
وبطبيعة الحال، فإن مواقف الفلاسفة من الأخلاق تتعدد إلى ما لا نهاية، ولكنني أردت أن أتناول فحسب بعض النماذج من مواقف الفلاسفة التي يتبدى فيها الجدل حول مسألة الفضيلة. والرأي عندي في هذه المسألة أن الفضيلة يمكن أن تُعَّلم، لا بالمعنى النظري السقراطي، وإنما بمعنى أن الفضيلة ترتبط بالنشأة والتربية ومجابهة نزعات الأنانية في أنفسنا، ومن ثم فإنها تسعى إلى التعالي على إرادتنا ونوازعنا اللاأخلاقية، وترتبط أيضًا بمعرفتنا بطبيعة الحياة والغاية منها من خلال الفهم والتجربة؛ لكي نحيا في النهاية حياة تليق بإنسانيتنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لا یمکن أن یمکن أن ت ذهب إلى وسط بین
إقرأ أيضاً:
لدعم الحرب في أوكرانيا.. إيران تستعد لتسليم راجمات صواريخ قصيرة المدى إلى روسيا
قد يؤدي نشر هذه الصواريخ إلى تعقيد جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوسط في وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا. اعلان
أفاد مسؤولان أمنيان غربيان ومسؤول إقليمي لوكالة رويترز، بأن إيران تستعد قريبًا لتسليم روسيا راجمات صواريخ من طراز فتح-360، بعد أن كانت واشنطن قد أعلنت في وقت سابق أن طهران قد زوّدت موسكو بهذه الصواريخ العام الماضي لاستخدامها ضد أوكرانيا.
إذا تمت عملية التسليم، فإن هذه الراجمات ستعزز الهجوم الروسي المتواصل على الجارة الغربية، وتؤكد على عمق العلاقات الأمنية المتنامية بين موسكو وطهران.
يبلغ مدى صواريخ فتح-360 حوالي 120 كيلومترًا، ما يمنح قوات الكرملين سلاحًا جديدًا لاستهداف الجيش الأوكراني في الخطوط الأمامية والأهداف العسكرية القريبة وحتى مراكز التجمعات السكانية القريبة من الحدود الروسية، وفقًا للمحللين.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت في أيلول/ سبتمبر الماضي أن إيران سلّمت هذه الصواريخ إلى روسيا عبر تسع سفن تحمل العلم الروسي – وهي سفن فُرضت عليها لاحقًا عقوبات – لكن ثلاثة مصادر أبلغت وكالة رويترز حينها بأن الراجمات لم تكن مشمولة في الصفقة.
ويبدو أن تسليم الراجمات بات وشيكًا، وفق المصادر الجديدة التي امتنعت عن تقديم مزيد من التفاصيل حول أسباب التأخير أو سبب عدم تسليم الراجمات مع الصواريخ سابقًا.
جدير بالذكر أن موسكو وطهران سبق أن أنكرتا إرسال أسلحة أو صواريخ لدعم الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في شباط/ فبراير 2022. لكن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وأوكرانيين أكدوا أن الجمهورية الإسلامية زوّدت روسيا بآلاف الطائرات المسيّرة وقذائف المدفعية.
وفي إشارة محتملة إلى صواريخ فتح-360، كان الجنرال الأمريكي كريستوفر كافولي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قد أبلغ المشرّعين الشهر الماضي أن إيران زوّدت روسيا بأكثر من 400 صاروخ باليستي قصير المدى.
عقبة محتملة أمام جهود السلامقد يؤدي نشر هذه الصواريخ إلى تعقيد جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوسط في وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك جهوده لعقد اتفاق منفصل مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وأشار المسؤول الإقليمي إلى أن المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، بوساطة عمانية، هي من بين "عدة أسباب" أخّرت تسليم الراجمات. وقد شهدت هذه المفاوضات بعض الاضطرابات مؤخرًا، رغم أن إيران أعلنت يوم الجمعة موافقتها على عقد جولة رابعة من المحادثات في عمان يوم الأحد.
وصرّح جاك واتلينغ، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، بأن المسؤولين الإيرانيين يعتبرون مسألة إرسال الأسلحة إلى روسيا منفصلة تمامًا عن المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة. وقال: "الإيرانيون لا ينظرون إلى التفاوض على القضايا النووية باعتباره مرتبطًا بما يمكن أن يفعلوه بالتعاون مع الروس".
Relatedإيران تكشف عن صاروخ جديد بعيد المدى وسط توترات مع الولايات المتحدة إيران تتوعّد أمريكا وإسرائيل بردّ قوي وتكشف عن صاروخ باليستي نوعي جديدوأشار المحللون إلى وجود تعقيد آخر محتمل، إذ اضطرت إيران سابقًا إلى تعديل شاحنات تجارية أوروبية لتركيب راجمات فتح-360 الخاصة بها، وقد تكون مضطرة للقيام بالتعديلات نفسها لصالح روسيا، خصوصًا في ظل الخسائر الكبيرة للمركبات التي تكبّدها الجيش الروسي في أوكرانيا.
برأي الخبراء، فإن وصول هذه الراجمات سيتيح لروسيا تكثيف الضغط على أوكرانيا. وقال فابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "سيصبح بإمكان القوات الروسية تنفيذ ضربات بشكل أسرع بكثير ضد أهداف عالية القيمة، لأن فتح-360 لا تحتاج إلى الكثير من التحضيرات قبل الإطلاق، ووقت طيرانها قصير جدًا".
كما أشار المحللون إلى أن نشر فتح-360 قد يسمح لروسيا بالحفاظ على صواريخها الأكثر تقدمًا، مثل صواريخ إسكندر، للضربات طويلة المدى ضد البنية التحتية الحيوية، مما يشكل ضغطًا إضافيًا على أنظمة الدفاع الصاروخي الأوكرانية المحدودة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة