أدباء وشعراء ومبدعون سودانيون قتلتهم مجالس القطيعة والكيد السري المتشفي
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
.” الجمل ما بشوف عوجة رقبته ”
– مثل شعبي سوداني –
والمثل أعلاه يطابق حالتنا السودانية تماما وكمالا . نحن أكثر شعوب الأرض تفردا في إنتفاخة الذات ، والإفراط في مدحها ،
والويل الويل لمن يشير إلينا بمنقصة فينا لم نراها ” تعودنا في حياتنا أن ننظر دائما إلى الداخل وعيوننا منقلبة أي أن نرى أنفسنا من وجهة واحدة وحيدة وضيقة تنبع من تلك التجارب الصغيرة التي خضناها كشعب ” وذلك قول الراحل عبدالرحيم أبو ذكرى في مقالته – حين ننظر بعيون الآخرين – بمحطة الثقافة العدد السادس عشر ديسمبر 1980م .
وقال في مقدمته : ” نحن كشعب له حسنات كثيرة تحدثنا عنها وأطنبنا في الحديث ، وآن الوقت أن نتحدث عن معايبنا وأرجو أن تتسع الصدور لهذا ، والكي يؤلم لكنه يشفي في كثير من الأحيان . لقد تحدثنا عن حسناتنا كثيرا عن إكرامنا للضيف . شجاعتنا عند الشدائد الأنفة الخ .. وكل هذا حق ، فهل نقبل الحديث أيضا عن عيوبنا وهي واضحة لكل منصف محايد ، ومنها الكسل والمزاج المتقلب والحماقة والمسك في سيرة خلق الله مثلا ولا أزيد ” ..
وفي مسألة المسك في سيرة خلق الله للسودانيين فنون وإبداع وكذا النميمة ، التي جعلوا لها مجالسا .
وشاهدنا في ذلك قول الأستاذ محمد المهدي المجذوب في مقالته : النقد في السودان . متحدثا عن مجالس وقعدات القطيعة المتشفية المحملة بشحنات الحسد والكراهية التي مال إليها أغلب سكان القرى والمدن من أهل السودان قائلا :
” فرقعوا الثياب وطيبوا الطعام والشراب . وصار للشاي والبن حفل . وارتقى الناس إلى ذوق يقيسون عليه الكلام ويشنفون أو يشكرون ولما كان لابد من رد اللوم بلوم مثله أو أشد ، والمديح بعطاء أو مديح يوازيه أو يفضل عليه ، فقد رقة الألسنة فهي مصقولة كالسهام تسددها البداهة فتصيب الرمية .
واشتهر ظل الضحى والقعدة فيه حتى قالوا أن الجلوس في ظل الضحى يطيل العمر . فالرمل يرتفق به القوم نظيفا لينا مريحا باردا والنسيم عليل والشمس تقع على كل شيء فتجلوه وينطلق الحديث . وقد يمر عابر فيذكرون أصله وفعله ، ثم يعلقون على زيه ومشيته ولحيته ، ويتغامزون ويضحكون ذلك الضحك العالم وينفسون عن أنفسهم بالونسة والقطيعة ”
ويقول محمد المهدي المجذوب في مقالته :
أصبحت القطيعة في المدن والقرى التي نعمت بالعيش واختلط فيها الحابل بالنابل نقدا خفيا يغتال محدثي النعمة ، وحل محل المبارزات الجهيرة القديمة بالأنفة والحمية والعزة القبلية والعصي والسيوف .
وأصبحت القطيعة كيدا سريا لا يترك واردة ولا شاردة وقد وجد الناس متعة عظيمة في القطيعة المتشفية حتى أسموها ” عنكوليب الحديث ” أي أحلى ما فيه إشباعا وتسلية ..
والقطيعة ضغينة وفتنة تبقي الصدور ولا تزول .
وذلك الواقع البائس الممارس لتلك المجالس السرية المتشفية تسببت في خفوت أصوات أدباء وشعراء ومبدعون بازخون متفردون في تاريخ الإبداع السوداني وشحب إنتاجهم بل وقضت على حياتهم فرحلوا عن الدنيا بحسرتهم ..
فلولا تلك المكائد والدسائس والأحقاد التي لاحقتهم لبرز هؤلاء للعيان وأثروا الوجدان والذهن السوداني والعربي والعالمي .. ولكن للأسف ذهبوا باكرا ومنهم :
الدكتور أحمد الطيب أحمد مؤسس ورائد المسرح السوداني ومن مؤسسي معهد التربية بخت الرضا المؤسسة التعليمية المعروفة ، أحمد الطيب أحمد أول من ينال درجة دكتوراة الفلسفة من الجامعات البريطانية في علم فن المسرح ، على نطاق عالمنا العربي ، ترجم معظم نصوص وليم شكسبير ، مارس ” الدراتورجية ” قبل أن يستقر هذا المصطلح أو يعرف في الدراسات المسرحية .
صدر له عن دار نشر جامعة الخرطوم كتاب ” أصوات وحناجر ” كما له ديوان شعر . وهو يمت بصلة قربى للبروفيسور عبدالله الطيب وصديقه الأحب وأكثر الناس شبها به في المواهب والقدرات ..
لاحقته مكائد الأقران ، وانفجر حزنا وكآبة وانهى حياته بتناول كميات كبيرة من العقاقير في أوائل ستينيات القرن العشرين .
وسبقه في النهاية الدرامية أيضا في الأربعينيات الكاتب السوداني معاوية محمد نور ” ، أعظم أدباء السودان وناقد الحداثة المفن الأول ..
ولد معاوية محمد نور في أم درمان حي الموردة عام( 1919م ) ….
كان معاوية السوداني الأول الذي حصل على درجة البكالوريوس من قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة الأمريكية ببيروت .
قال عنه أستاذه السوري المسيحي البروتستاني ” أدوارد عطية ” :
” معاوية فتى مسلم ، فتى أسود ، إنه ليس عربيا فحسب ، ولكنه إفريقي أيضا ، لم يعرف بلده أي ثقافة اللهم إلا شكلا ضيقا ومتوقفا عن النمو …
شعرت نحوه بتعاطف عميق .. هو وأنا إلتقينا معا في ذلك الموطن العظيم : الأدب الإنجليزي ” ..
” الطيب صالح “متحدثا عن الناقد معاوية محمد نور قال :
كان معاوية ، يقول القول ويمضي عليه اكثر من خمسين عاما ، فيظل صادقا كانه قيل لساعته .
وعن الحالة المأساوية التي انتهت حياة معاوية قال :
كان معاوية ، أديبا صرفا ، وكان مفكرا صرفا ، ولم يكن يرضي لحياته في الأدب والفكر بديلا ، ولم يكن مستعدا للمساومة وقبول أنصاف الحلول .
وقال :
هذه العبقرية الفذة التي احترقت كالشهاب وهي في شرخ الشباب .
أصيب معاوية محمد نور بمرض عقلي وقال الرشيد عثمان خالد في كتابه الأعمال الأدبية لمعاوية محمد نور ” أنه لمن المرجح أن إختلال قواه العقلية جاء نتاجا لفشله في أن يوفق بين حياته وطموحه الفكري وواقع بيئته .
ومن المفارقات كما قال عبدالرحيم أبو ذكرى : مات معاوية محمد نور تحت تأثير السياط في خلوة فكي .
ولن نغفل في هذا المقال – بالطبع – الشاعر إدريس جماع الذي مات نفسه بالجنون الذي أصابه بسبب الضغط النفسي تحت تأثيرات المكائد ودسائس الحاسدين من الأقران والصحاب والأقارب أنفسهم .
ومن أكثر النماذج إلتماعا من الذين خبا نجمهم وذهبوا من الحياة مدفعوا بالتآمر والكيد من داخل تنظيمه السياسي هو الأديب والشاعر المرهف محمد عبدالرحمن شيبون الذي كان يتميز بالشفافية والرقة وقد كان سياسيا متفرغا بالحزب الشيوعي السوداني – كما قال عنه محمد أحمد يحي – وخرج عنه واصبح معلما ولاحقته مكائد الرفاق تشفيا وانتحر شنقا عام 1960م بمدينة الحصاحيصا
ومن أقواله :
” لقد رماني من كنت أعلمه الرماية حتى اشتد منه الساعد ، لقد أدار لي البعض ظهورهم الباردة والتي لم تكن ساخنة في يوم من الأيام .
وهنا أختم مقالي بقول أحد الإنجليز الذين خدموا في السودان إبان عهد إحتلالهم
قال : السودانيون شعب عظيم فى كل شيء إلا أنهم عديموا ” الوطنيه ” ،
السوداني على كامل الإستعداد ليتنكر لوطنه ويبيعه بأبخس الأثمان ،
السودانيون شعب موبوء وممتلئ ” بالحسد ” ، يحسد بعضهم بعضاً بشكل بغيض ومنفر ،
شعب يحب الخير كل الخير للأجنبي .. ولا يحب الخير حتى لأخيه شقيقه ،
وأضاف الخواجه الكلام الصادم قائلا :
هل تصدق يا مستر ، كان كبار موظفو الدولة السودانيون يأتون لرؤسائهم الإنجليز لتقديم تقارير سيئة للغاية ضد أبناء جلدتهم ،
بل كانوا يكتبون تقارير سريه ضد بعضهم البعض والوشاية بالإنتماء سراً للمقاومة ضد الحكم البريطاني ،
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
قانون الأوقاف لعام 2025 تشريع أثار مخاوف المسلمين في الهند
تشريع أصدرته الحكومة الهندية عام 2025، تضمن تعديلات جوهرية في البنية القانونية والإدارية التي تحكم نظام الوقف الإسلامي، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والمجتمع الإسلامي، رغم زعم الحكومة أن هدف التعديلات تعزيز الشفافية وزيادة كفاءة إدارة الوقف.
وعبّر العديد من القيادات الدينية وأعضاء المجتمع المدني وأحزاب المعارضة الهندية عن قلقهم من انتهاك القانون حقوق المسلمين الدينية التي يكفلها الدستور الوطني، لتعارضه الصريح مع مبادئ المساواة وروح التعددية التي تحمي حقوق الأقليات في إدارة شؤونها ومؤسساتها الدينية.
ويرى المعارضون أن القانون يهدف إلى تقويض استقلالية الأوقاف وتهميش المسلمين في الهند، وبسط سيطرة الدولة على ممتلكاتهم الوقفية، بسبب ما تضمنه القانون من أحكام مثيرة للجدل، أبرزها فرض مشاركة أفراد غير مسلمين في هيئات إدارة الأوقاف، وإلغاء العمل بنظام "الوقف بالاستخدام".
وقد فتح قرار إلغاء "الوقف بالاستخدام" الباب على مصراعيه أمام احتمالات الاستيلاء على ممتلكات الأوقاف، مما يثير القلق بشأن مصير العديد من المساجد والمقابر وغيرها من عقارات الوقف وأراضيه غير المسجلة رسميا، والتي تعود ملكيتها لمئات السنين، حيث باتت مهددة بالهدم أو المصادرة، رغم ما تحمله من قيمة تاريخية للمسلمين.
وحذر المعنيون من أن القانون يُضعف المشاركة المجتمعية في إدارة الأوقاف، وهو ما تترتب عليه آثار اجتماعية وقانونية تضرّ بالطائفة المسلمة التي تعتمد اعتمادا كبيرا على مؤسسات الوقف في توفير خدمات حيوية مثل التعليم وإقامة الشعائر الدينية وتوفير أماكن الدفن والرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والمحتاجين.
خلفية تاريخيةنشأ نظام الوقف الإسلامي في الهند مع مطلع القرن 13 الميلادي، حين خصص السلطان معز الدين محمد بن سام الغوري أراضي واسعة لبناء مسجد جامع في ملتان. ومع ازدهار سلطنة دلهي لاحقا، ثم الدول الإسلامية الأخرى في الهند، ازدهرت ممتلكات الوقف في البلاد وزاد عددها.
وكان المسلمون يديرون أملاك الوقف وفق التعاليم الإسلامية، ويُكرّسون ريعها لخدمة المجتمع المسلم عبر بناء وصيانة المدارس والمساجد والمؤسسات التعليمية والمقابر والمراكز الصحية وغيرها من الأعمال الخيرية.
إعلانوقد أبقت السلطات البريطانية في الحقبة الاستعمارية على الممارسات الوقفية السائدة، وفي عام 1913 أصدرت حكومة الهند البريطانية أول قانون لتنظيم الأوقاف الإسلامية، عُرف باسم قانون توثيق الوقف الإسلامي، وقد أُجريت عليه تعديلات لاحقة في عامي 1923 و1930، بهدف تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأوقاف. وبعد انفصال الهند وباكستان عام 1947، أُعيد النظر في شؤون الأوقاف الإسلامية، وعدلت الحكومة الهندية عام 1954 قانون الأوقاف، وأنشأت لأول مرة مجالس أوقاف حكومية في مختلف الولايات، أوكلت إليها مهمة الإشراف على ممتلكات الأوقاف ضمن نطاق كل ولاية.
وصُنف الوقف الإسلامي حينها وفق الغرض من استخدامه، مثل: أوقاف المقابر وابن السبيل، وأوقاف نهاية الخدمة للموظفين، وأوقاف القضاة والأئمة والخطباء، وأوقاف ذوي القربى، وغيرها من الأوقاف الخيرية والدينية.
وفي عام 1964 أسست الحكومة مجلس الأوقاف المركزي الذي بات يشرف على عمل الأوقاف في عموم البلاد بالتنسيق مع مجالس الأوقاف الحكومية في الولايات، وأُجريت تعديلات طفيفة على القانون في السنوات 1959 و1969 و1984.
وكان قانون الوقف لسنة 1995 من أبرز القوانين ذات الصلة، إذ نص على إنشاء محاكم الأوقاف التي تتمتع بصلاحيات مماثلة للمحاكم المدنية، وتُصدر قرارات نهائية ولا يجوز الطعن فيها أمام المحاكم المدنية.
وحدد هذا القانون صلاحيات الهيئات الإدارية الرئيسية للأوقاف ووظائفها، وهي:
مجلس الأوقاف المركزي: ومهمته تقديم المشورة للحكومة ومجالس الأوقاف بشأن السياسات المتعلقة بالأوقاف، وإن كان لا يتحكم بشكل مباشر في ممتلكات الأوقاف. مجالس الأوقاف الحكومية: ووظيفتها إدارة ممتلكات الأوقاف في كل ولاية وحمايتها. محاكم الوقف: وهي هيئات قضائية، تختص بالفصل في النزاعات المتعلقة بملكية الوقف وإدارته.وفي عام 2013 أُجريت تعديلات إضافية على القانون، كان أبرزها:
تشكيل المحاكم الوقفية من 3 أعضاء، على أن يكون من بينهم خبير في القانون الإسلامي. اشتراط وجود امرأتين ضمن عضوية كل مجلس وقف. تمديد الحد الأقصى لإيجار العقارات الوقفية من 3 سنوات إلى 30 سنة.وتضم الهند أكبر عدد من الممتلكات الوقفية في العالم، وتشكل مجالس الأوقاف أكبر مالك للأراضي الحضرية في الهند، والثالثة من حيث الحجم بعد كل من الجيش ومؤسسة السكك الحديد.
ووفق بيان مكتب معلومات الصحافة الحكومي الصادر في سبتمبر/أيلول 2024، تضم الأوقاف الإسلامية أكثر من 872 ألف عقار، بمساحة إجمالية تزيد على 400 ألف هكتار، وتقدر قيمتها بنحو 14.2 مليار دولار.
وتشمل العقارات مساجد ومدارس دينية وأضرحة وعقارات أخرى وأراضي شاسعة، تديرها مجالس الأوقاف الموزعة على 30 ولاية وإقليما اتحاديا.
قانون الأوقاف لعام 2025في أغسطس/آب 2024، قدّم حزب بهاراتيا جاناتا، الحزب القومي الهندوسي الحاكم، مشروع تعديل قانون الأوقاف الإسلامية، وفي مطلع أبريل/نيسان 2025 أُقرّ المشروع مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، قبل أن تصادق عليه رئيسة الهند، دروبادي مورمو.
وأعلنت وزارة شؤون الأقليات أن الأهداف من التعديلات التي أقرها القانون هي:
إعلان معالجة القصور في قانون عام 1995. تعديل قانون عام 2013. تعزيز الشفافية وحماية أصول الأوقاف بمنع التعدي أو إساءة الاستخدام. تسهيل إدارة ممتلكات الوقف، عن طريق تحديث الإدارة، والحد من النزاعات القانونية وتحسين الكفاءة.وقد لاقى القانون معارضة واسعة في البلاد، قادها حقوقيون وأكاديميون وأحزاب من المعارضة. واعتبر معارضو القانون أنه مخالف للدستور، ويشكل هجوما على الأقلية المسلمة التي يبلغ تعدادها 200 مليون نسمة.
وعبر المؤتمر الوطني، أبرز أحزاب المعارضة، عن رفضه للقانون، معتبرا إياه غير دستوري وينطوي على طابع تمييزي ضد المسلمين.
وحذّرت جماعات مسلمة، مثل "مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند"، من أن القانون يشكّل تدخلا في الشؤون الدينية وانتهاكا صريحا للحقوق الدستورية، ونبّهت على خطورة استخدام القانون أداة لمصادرة أراضي المسلمين تحت ذرائع إدارية أو قانونية، وأدان "مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند" التشريع ووصفه بأنه غير دستوري، وقدّم التماسا للطعن فيه أمام المحكمة العليا.
وقد أثار مشروع القانون منذ طرحه موجة من السخط في أوساط المسلمين الذين نظموا احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء البلاد بهدف منع إقراره، وفي 24 مارس/آذار 2025 أطلقوا حملة وطنية رافضة للمشروع.
وفي أعقاب إقرار القانون اندلعت مظاهرات واسعة النطاق، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية المسلمة بولاية البنغال الغربية شرقي البلاد، وأسفرت عن وقوع قتلى وتوقيف أكثر من 100 شخص.
وفي أواخر يونيو/حزيران احتشد مئات الآلاف من المسلمين في ساحة "غاندي ميدان" بمدينة باتنا، احتجاجا على القانون الذي اعتبره المتظاهرون غطاء قانونيا لنهب الأوقاف الإسلامية وهدم المساجد والمقابر والمدارس الدينية.
أحكام مثيرة للجدلقانون الأوقاف لعام 2025 نسخة معدّلة من قانون عام 1995، وقد تضمّن أكثر من 40 تعديلا، شملت ضوابط تنظيمية أكثر صرامة على تأجير ممتلكات الوقف أو نقلها أو التصرف فيها.
ويفرض القانون تحويل وثائق الوقف إلى نسخ رقمية، واعتماد نظام تسجيل مركزي بدلا من النظام الذي كان يقتصر على مستوى الولايات، كما فرض إنشاء نظام وطني موحّد لإدارة ممتلكات الوقف، وحدد أعضاء المحكمة الوقفية بعضوين، مع إمكانية الاستئناف على قراراتها أمام المحكمة العليا في أجل لا يتعدى 90 يوما.
وقد أُعيدت تسمية القانون ليحمل اسم "قانون الإدارة الموحدة وتعزيز كفاءة الوقف وتطويره"، وشمل مجموعة من الأحكام المثيرة للجدل، أبرزها:
إعادة تعريف "الوقف" بأنه العقار الذي يمتلكه شخص يمارس الإسلام لمدة لا تقل عن 5 سنوات، مع إثبات ملكيته للعقار. اشتراط ضم مجلس الأوقاف المركزي عضوين غير مسلمين، وأن يضم على الأقل امرأتين مسلمتين، مع عدم الإلزام بأن يكون أعضاء المجلس المعينين من النواب السابقين أو القضاة أو الشخصيات البارزة مسلمين. إلزام مجالس الولايات بترشيح أعضاء من خلفيات متنوعة، تشمل غير المسلمين، مع ضمان تمثيل الشيعة والسنة، والطبقات المسلمة الأقل حظا، بما في ذلك امرأتان مسلمتان على الأقل. نزع سلطة تحديد وضع الممتلكات المتنازع عليها والفصل في النزاعات من مجالس الأوقاف ونقلها إلى محصلي الأوقاف في المقاطعات. إنشاء مجالس أوقاف منفصلة لطوائف إسلامية محددة، مثل البهرة والأغاخانية، وإدارة ممتلكاتهم الوقفية بشكل مستقل. تشديد شروط تسجيل الوقف وتوثيقه بحيث لا يكفي الاعتماد على الوقف الشفهي، بل يجب أن يكون مصحوبا بصك وقف سار ووثائق ملكية داعمة. الانتهاكات الدستوريةأثار قانون الأوقاف الهندي لعام 2025 جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والطائفة المسلمة في البلاد، وذلك بسبب التعديلات التي لها أثر بالغ في تقويض مبادئ الدستور الوطني وحرمان المسلمين من حقوق أساسية يكفلها القانون.
إعلانويسمح الدستور الهندي بموجب المادة 26 لكل طائفة دينية بإدارة شؤونها الدينية الخاصة، وهو عنصر مهم في الإطار العلماني والتعددي للدولة، ويحافظ الدستور كذلك على حقوق الأقليات بمقتضى المادتين 29 و30 اللتين تنصان على حماية الهويات الثقافية والتعليمية والدينية للأقليات.
وبموجب الدستور، يحق لأي فئة من المواطنين على الأراضي الهندية تتمتع بلغة أو دين أو ثقافة مميزة الحفاظ عليها، ويدخل نظام الوقف في هذا الإطار، إذ يمثل أهمية جوهرية للمسلمين من الناحيتين الدينية والثقافية.
وتتمثل الانتهاكات التي ينطوي عليها هذا القانون في جوانب عدة، من أبرزها:
يعد اشتراط إشراك أعضاء غير مسلمين في تشكيل مجالس الأوقاف تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية لأقلية دينية، وتهديدا للطابع الحقيقي للوقف، إذ يحوله إلى كيان حكومي يضطلع غير المسلمين بدور رئيسي في إدارته، وذلك يمنع من إدارته وفق التعاليم الإسلامية ويقوض استقلاليته.
كما يُشكّل هذا البند انتهاكا لمبدأ المساواة الذي يكفله الدستور الهندي، إذ لم يُفرض على أي من مجالس الطوائف الأخرى في البلاد، سوى المسلمين، إشراك أفراد من خارج ديانتها في إدارة مؤسساتها الدينية.
يعزز القانون من سيطرة الحكومة المركزية على ممتلكات الأوقاف الإسلامية التي كانت تُديرها سابقا مجالس الأوقاف على مستوى الولايات، ويُخشى أن يؤدي هذا التحوّل إلى التأثير على طبيعة إدارة الأوقاف، وربما إلى تحويلها عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أُنشئت من أجلها.
وسع القانون صلاحيات محاكم الأوقاف، وهي مؤسسات خاضعة لسيطرة السلطة التنفيذية، وجعل قراراتها نهائية مع نطاق محدود للمراجعة القضائية، وتعد هذه المحدودية في الرقابة القضائية مساسا بحق المجتمع المسلم في الوصول إلى العدالة، لا سيما في حالات التعدي على الممتلكات أو سوء إدارة الأوقاف.
ولا يعتبر المعارضون هذه التعديلات مجرد إجراء إداري محايد، لأنه يضعف بشكل مباشر قدرة المجتمع المسلم على حماية أراضيه أثناء النزاعات والتعديات والهجمات السياسية الممنهجة.
ويؤكد خبراء قانونيون هذه المخاوف، مشيرين إلى أن التعديلات تستهدف تقويض الإطار القانوني والدستوري الذي نظّم تاريخيا شؤون الأوقاف في الهند.
يشترط القانون مرور 5 سنوات على اعتناق الشخص الإسلام قبل السماح له بإنشاء وقف، وهو ما يُعد شرطا تعسفيا وتمييزيا، وينتهك مبدأ المساواة في الدستور الهندي، إذ لم يُفرض شرط مماثل على أتباع أي طائفة دينية أخرى.
ويمنع القانون كذلك غير المسلمين من إنشاء أوقاف إسلامية، رغم أن التشريعات السابقة كانت تتيح لهم ذلك في إطار دعم الأقليات.
يلغي القانون مبدأ "الوقف بالاستخدام"، وهو بند أساسي في قانون الوقف لعام 1954، كان يُقرّ باعتبار العقارات التي استُخدمت تاريخيا لأغراض دينية أو خيرية أوقافا، حتى عند عدم تسجيلها رسميا، وقد مكّن هذا المبدأ من حماية مساجد ومقابر ومدارس قديمة يعود استخدامها لمئات السنين.
وبإلغاء هذا البند، يُفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيلاء على ممتلكات الوقف، خصوصا في القرى والمناطق التي تفتقر إلى وثائق ملكية رسمية، وهو ما يُعرّض العديد من الأوقاف، حتى ذات الأهمية التاريخية، لخطر المصادرة أو الهدم، بما يؤثر بشكل مباشر على الممارسة الدينية والاستمرارية الثقافية للمجتمعات الإسلامية.
يحدّ القانون -بنصه على مركزية إدارة الأوقاف في ظل حكومات الولايات والحكومات المركزية- من إمكانات الحوكمة المجتمعية، ويقلل من مشاركة المجتمع المسلم المحلي والمنظمات المجتمعية في كيفية إنفاق دخل الأوقاف، وتتصرف به الدولة من دون تشاور كاف مع المسلمين، وذلك من شأنه أن يتعارض مع النية الأصلية للواقف، وينتهك روح الوقف في الشريعة الإسلامية.
وتُستخدم ممتلكات الوقف دينيا وتاريخيا لتمويل التعليم والرعاية الصحية والإسكان والرعاية الاجتماعية للفئات الأضعف اقتصاديا في المجتمع الإسلامي، ومع إمكانية تحويل دخل أراضي الوقف إلى نفقات إدارية أو مشاريع تنموية تقودها الحكومة قد يُقلل ذلك من أثر الرعاية الاجتماعية بين المسلمين المهمشين.
أخلّ القانون بالتوازن الفدرالي الذي أرساه الدستور، إذ يوزع الدستور الهندي السلطات التشريعية بين الاتحاد الفدرالي والولايات، وبموجبه تقع ممتلكات الوقف الدينية ضمن الاختصاص التشريعي للولايات.
إعلانيُلزم القانون مجالس الأوقاف بتسجيل جميع ممتلكاتها لدى سلطات المقاطعات التي باتت تملك صلاحية تقرير ما إذا كانت هذه الممتلكات تُعد أوقافا شرعية أم لا، وذلك ما يقلص من صلاحيات مجالس الأوقاف، ويمنح المسؤولين الحكوميين سلطة التحقيق في أملاك الوقف، واسترداد الأراضي غير الموثقة، أو ما يُزعم أنها أراض حكومية أو "مُعتدى عليها".
دخول القانون حيز التنفيذبعد مصادقة الحكومة على قانون الأوقاف لعام 2025، قدم العديد من الأفراد والمنظمات التماسات إلى المحكمة العليا الهندية للطعن في القرار، بحجة انتهاك أحكام الدستور الهندي والاعتداء على حقوق الأقلية المسلمة.
وذكر موقع المحكمة العليا أنها استقبلت عددا قياسيا من الالتماسات، تجاوز 65، وكان من بينها طلبات قدمها سياسيون ومنظمات مدنية ومناصرون، وأعلنت المحكمة في الأول من مايو/أيار 2025 أنها لن تقبل أي التماسات أخرى في هذه الشأن.
وأثناء جلسات الاستماع المتعددة، قدم الملتمسون أدلة على أن القانون يخالف مواد دستورية، مؤكدين أن تطبيقه سيؤدي إلى أضرار لا يمكن إصلاحها.
ومن جانبها، ردت المحكمة على الاعتراضات، مؤكدة أن إنشاء الوقف ليس جوهريا في الإسلام، بل هو نوع من المؤسسات الخيرية ذات الطابع العلماني، وتخضع لإدارة الدولة بموجب الدستور، واعتبرت أن "الوقف بالاستخدام" كان امتيازا قانونيا وليس حقا ثابتا.
وأفادت المحكمة بأن وجود أعضاء غير مسلمين في مجالس الأوقاف يشكل أقلية، واعتبرت هذا الإدماج يُحسّن من أداء الإدارة، لا سيما أن هذه المجالس لا تمارس وظائف دينية، بل تدير شؤونا دنيوية مثل التدقيق والملكية والقضاء.
وأكدت المحكمة أن القانون لا يُمثّل تهديدا جسيما يستدعي وقف تنفيذه، مشيرة إلى أنه لم تُسجَّل أي دعاوى قانونية من قبل متضررين بشكل مباشر. وأضافت أن التحديات المرتبطة بالحفاظ على المواقع ذات القيمة التاريخية لم تؤثر على استمرار استخدامها للأغراض الدينية.
ورغم تصاعد الاعتراضات، دخل القانون حيز التنفيذ ابتداء من 8 أبريل/نيسان 2025، وأسفر عن هدم عدد من المساجد والمدارس الدينية، خصوصا في المناطق الريفية.