الخليج الجديد:
2025-05-14@21:45:35 GMT

ماذا بعد وثيقة العدل والإحسان السياسية؟

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

ماذا بعد وثيقة العدل والإحسان السياسية؟

ماذا بعد وثيقة "العدل والإحسان" السياسية؟

لم يحمل المحور السياسي لوثيقة "العدل والإحسان" جديداً، بل حافظ على كل التراث القديم للجماعة في تعاطيها مع السلطة.

توزّعت الوثيقة السياسية، بعد التقديم، وتفاصيل تتعلق بالمنطلقات الكبرى للجماعة، إلى ثلاثة محاور كبرى: السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.

نجحت المؤسّسة الرسمية بالمغرب في ترويض مارد الجماعات الدينية، على الأقل من ناحية التصورات الكبرى، إلى جانب تقزيم سقف توقعاتها وطموحها.

هل استطاعت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، أخيرا، الدائرة السياسية للجماعة، أن تفاجئ توقّعات متابعي الشأن العام، وتكسر مناخ الصمت الجاثم على الواقع السياسي المغربي؟

صارت الدولة بالمغرب أكثر مغايرة للمتوقع من سقف الجماعات الإسلامية ولم يعد السؤال: كيف نتعامل مع المد الإسلامي ونواجهه؟ بل: ماذا يعني وجود الإسلاميين اليوم؟

"التمادي في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني وتوسيعه ليشمل الأسلحة والاستخبارات والتدريبات العسكرية والمنظومة المعلوماتية؛ يهدّد الأمن القومي للمغرب ويشكّل خطراً على استقرار المنطقة".

* * *

قال عرّاب الإسلاميين في المغرب (حسب وصف بعضهم) وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، في حوار أجرته معه يومية المساء، نشر في 1-11-2006،

"لو نجح ذلك الحوار في تقديري، لكنا اليوم قد انتهينا من هذا المشكل، ولكانت "العدل والإحسان" انخرطت في العمل السياسي، ولم يبق هناك مشكل قط".

ويقصد بالحوار الخطوة الطموح التي كان قد طرحها على الملك الراحل الحسن الثاني، وحصل على موافقته للشروع فيها في ذلك الوقت، وهي سلسلة مفاوضات جمعت الوزير صحبة لجنة رسمية سنة 1991 بمرشد الجماعة الراحل، الشيخ عبد السلام ياسين، وأعضاء هيئة الإرشاد فيها، من داخل سجن مدينة سلا.

وكان موضوعها الأساس، حسب تصريح آخر للوزير في حوار أجراه معه الباحث سليم حميمينات، في 25- 11- 2008، "موقف الجماعة من الملك والمؤسّسة الملكية"، وأفضت، في المحصلة، إلى انتزاع نتائج مهمة، في نظر الوزير.

وتلخّصت في موافقة الجماعة على الانخراط في العمل السياسي من داخل حزب سياسي، ووفق المشروعية الدستورية، والابتعاد عن العنف، والابتعاد كذلك عن التبعية لأي جهةٍ خارجية.

نتائج أكدتها وثيقة بخطّ شيخ الجماعة وتوقيعه، إلى جانب توقيع أعضاء هيئة الإرشاد.

وإذا كانت هذه الخطوة قد تمت تحت إشراف الوزير المدغري، فإنها كذلك، ليست إلا تعبيرا عن رؤية الحسن الثاني تجاه الجماعات الإسلامية، رغبة في احتوائها وتوجيه مسارها، ومنحها خصوصيّتها المغربية، حتى لا تتّسع دائرة تأثيرها خارج نفوذ السلطة، أو تتحوّل إلى مشكل لا يمكن التعامل معه.

فتوافقت رؤية الملك مع تطلعات المدغري، مؤلف كتاب "الحكومة الملتحية"، فوجدت طريقها إلى التجسد بعد ذلك. ورغم حديث باحثين كثيرين عن تدخل طرف ثالث لإفشال هذه الحوارات التي كانت قاب قوسين أو أدنى من ضمّ الجماعة لجناح الدولة، فإننا نرى أنها خلفت أثرا إيجابيا كبيرا على توجّهات الجماعة.

فقد أذكت فيهم روح الخصوصية المغربية، وأشعرتهم بأنهم يتعاملون مع نظامٍ يختلف عن الأنظمة الأخرى، التي راكمت مشكلاتها مع المد الإسلامي، إلى درجة أصبح فيها وجود أحدهما مقترنا ضرورة بفناء الآخر.

وإذا كانت كل هذه التفاصيل جزءا من أرشيف الذاكرة السياسية المغربية، فإن لحظة الثورات الديمقراطية سنة 2011 في المنطقة جعلت الحديث عن موضوع الجماعة في المغرب، وأفق ما ينتظره كثيرون منها، يتّجه نحو الاختلاف والتطّلع إلى الإبداع، بعيدا عن كل حلقات الحوار والمفاوضات المفرغة السابقة، والتي كانت تعود دائما إلى نقطة البداية.

فهل استطاعت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، أخيرا، الدائرة السياسية للجماعة، أن تفاجئ توقّعات متابعي الشأن العام، وتكسر مناخ الصمت الذي يجثم على الواقع السياسي المغربي؟

رغم إصدار الوثيقة في فبراير/ شباط الجاري، فإنها موثقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتضم 198 صفحة، توزّعت، بعد التقديم، وتفاصيل تتعلق بالمنطلقات الكبرى للجماعة، إلى ثلاثة محاور كبرى: السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.

ولعل أول حاجزٍ يقف أمام الاطلاع السلس عليها، حجمها الكبير، والذي نعتقد أنه سببٌ كافٍ لعدم التفاعل معها بالشكل المطلوب، إلى جانب الصياغة الجافّة، التي تقتفي أثر كتابة الخبراء في المجالات الثلاثة المذكورة.

فصارت أشبه بصياغة الوثائق التي تُصدرها الدولة، التي تغرق القارئ في كمٍّ مهول من المقترحات والحلول والمشكلات، فبدل أن تختزل له الصورة، وتزيل ما فيها من لبس، تزيد من فرط غموضها والتباسها!

وإذا أردنا التدقيق أكثر، لم يحمل المحور السياسي للوثيقة جديداً، بل حافظ على كل التراث القديم للجماعة في تعاطيها مع السلطة، ما وضعها في صورة مشوّشة، لا تميل إلى أيٍّ من الطرفين، سواء وجه الجماعة القديم، أو واقع العالم المتغيّر اليوم، وهو ارتباك في استشراف مستقبل الجماعة وأفقها السياسي.

ولعل الجماعة اتكأت على ملفّ قضية فلسطين التي توزّع الحديث عنها داخل الوثيقة، معلنة رفضها كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومصرّحة إن "التمادي في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني وتوسيعه ليشمل الأسلحة والاستخبارات والتدريبات العسكرية والمنظومة المعلوماتية؛ ما يهدّد الأمن القومي للمغرب ويشكّل خطراً على استقرار المنطقة" (ص 74).

ورغم هذا التنديد، لم تنل قضية فلسطين حظّها المستحق داخل هذه الوثيقة السياسية، وهو أمرٌ شديد الغرابة، ويطرح استفهامات كثيرة، حول نجاعة الخبراء السياسيين الذين أشرفوا على تنسيق مواد هذه الوثيقة وتحريرها.

أما الجانب الاقتصادي والاجتماعي منها، فلم يختلف، من حيث الانتقادات والحلول المقترحة، عن بقية الوثائق التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط، أو مجلس المنافسة، أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وغيرهم من المؤسّسات الرسمية.

وربما كانت وثائق هذه المؤسّسات أكثر دقة، نظرا إلى تضمّنها نسبا وأرقاما للظواهر التي تعالجها، بعكس وثيقة الجماعة، التي برغم طولها، غلب عليها طابع تعميمي لا يتناسب مع حجمها الكبير، وإن صرح القيادي البارز فيها، فتح الله أرسلان، بأن ذلك متعمّد، حتى تتخذ أسلوبا وسطا بين الأفكار العامة وبرامج الأحزاب السياسية (جاء تصريحه في حوار معه نشرته هسبريس الإلكترونية في 18- 2- 2024).

ورغم هذا التصريح، يؤكد الملاحظة السابقة تناول الوثيقة موضوع التنمية، والذي كان تكرارا تعميميا لمقترحاتٍ عديدة تقدمها مؤسّسات الدولة، وإن جاءت الوثيقة على مسألة عدم تفعيل هذه المقترحات، غير أنه كان منتظراً من وثيقة الجماعة أن ترفع سقف التوقّعات التنموية، والمبادرات المبدعة في هذا المجال، باعتبارها من التجمّعات السياسية في المغرب، التي تلتحف بصورة المعارضة وامتلاك الحلول، إلى جانب أنها بعيدة عن مزاولة الشأن العام، الأمر الذي قد يمنحها أريحيّة وفرصاً أكبر في القدرة على الابتكار والتفكير في مغرب المستقبل.

وأخيراً، ليس للمراقب غير أن يسجل أن المؤسّسة الرسمية في المغرب نجحت، إلى حد بعيد، في ترويض مارد الجماعات الدينية، على الأقل من ناحية التصورات الكبرى، إلى جانب تقزيم سقف توقعاتها وطموحها.

هذا إن لم نقل إن الدولة في المغرب صارت أكثر مغايرة للمتوقع من سقف الجماعات الإسلامية. وأمام واقع كهذا، لم يعد السؤال متجسّداً في القول: كيف نتعامل مع المد الإسلامي ونواجهه، بل في القول: ماذا يعني وجود الإسلاميين اليوم؟

*عبد الله هداري كاتب وباحث مغربي

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: المغرب العمل السياسي عبد السلام ياسين الحسن الثاني الوثيقة السياسية جماعة العدل والإحسان وثيقة العدل والإحسان حزب سياسي الوثیقة السیاسیة العدل والإحسان فی المغرب إلى جانب

إقرأ أيضاً:

العراق يسجل أعلى معدل لتفريخ الكيانات السياسية

12 مايو، 2025

بغداد/المسلة: ارتفعت وتيرة التساؤلات في الشارع العراقي مع تصاعد عدد الأحزاب السياسية إلى مستويات غير مسبوقة، ما دفع مراقبين إلى التشكيك في جدوى هذا التعدد وفاعليته في تعزيز الديمقراطية.

وأعلن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان مطلع هذا الأسبوع، أن عدد الأحزاب المسجلة رسمياً في العراق تجاوز 333 حزباً، في حين تجاوز عدد الأحزاب قيد التأسيس 60 حزباً، وهو ما يفوق عدد أعضاء البرلمان العراقي البالغ 329 نائباً.

وأكدت مفوضية الانتخابات العراقية من جانبها أن القانون الحالي لا يربط عدد الأحزاب بعدد المقاعد البرلمانية، وأن لكل حزب الحق بترشيح عدد من الأفراد يعادل ضعف عدد المقاعد، ما يعني أن وفرة الأحزاب لا تتناقض مع الإطار القانوني، لكنها تثير قلقاً سياسياً واسعاً.

واستند الرد على هذه الظاهرة إلى دعوات متكررة من خبراء قانونيين وسياسيين بضرورة تعديل قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، خصوصاً بعد مرور عشر سنوات على إقراره.

ودعا حازم الرديني، نائب رئيس المركز، إلى فرض شروط أكثر صرامة تتضمن سحب إجازة الحزب الذي لا يشارك في عمليتين انتخابيتين متتاليتين، وتشديد الرقابة على الخطاب السياسي للأحزاب التي تميل إلى التحريض على المقاطعة أو بث روح الانقسام.

واشتدت المخاوف من أن يتحول المشهد الحزبي في العراق إلى مساحة لتسجيل الكيانات الورقية أو المتاجرة بالمشاركة الانتخابية، خصوصاً في ظل تزايد التحالفات الجديدة التي بلغ عددها 66 تحالفاً حتى مايو الجاري، بينها ستة فقط قامت بتحديث بياناتها.

وانطلقت على منصات التواصل الاجتماعي سلسلة تعليقات ساخرة، حيث كتب أحدهم: “في العراق فقط، عدد الأحزاب أكثر من عدد المقترعين”، بينما تساءل آخر: “هل نحن بحاجة إلى كل هذه الأحزاب أم أنها سباق على الغنيمة وليس على البرنامج؟”.

وانعكست هذه الظاهرة في تجارب مشابهة بدول عربية، إذ شهد لبنان بعد الحرب الأهلية انفجاراً في عدد الأحزاب المرخصة، حيث تجاوز عددها 100 حزب، دون أن ينعكس ذلك على الاستقرار السياسي.

وتكررت الظاهرة في تونس بعد ثورة 2011، عندما ارتفع عدد الأحزاب المسجلة إلى أكثر من 200 حزب، معظمها لم يستطع تجاوز نسبة الحسم الانتخابية، ما أثار نقاشاً واسعاً حول دور المفوضيات المستقلة في ضبط شروط تأسيس الأحزاب.

وواجهت الهند، أكبر ديمقراطيات العالم، مشكلة مشابهة في التسعينيات، ما دفعها إلى سنّ قوانين تفرض شروطاً مالية وتنظيمية دقيقة، وأدت هذه الخطوات إلى تقليص عدد الأحزاب الفعالة في البرلمان إلى نحو 35 من أصل أكثر من 900 حزب مسجل في تلك المرحلة.

وتتجه الأنظار حالياً إلى الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني 2025، في ظل مشهد حزبي متشظٍ قد يعيد إنتاج الخلافات المزمنة، أو يكشف عن ضعف البنى السياسية في اختبار وطني مفصلي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • وزير العدل: عقوبات صارمة للأغاني التي تروج للمخدرات..وغلق الفنادق في هذه الحالة
  • تأجيل محاكمة 64 متهما في قضية خلية القاهرة الجديدة
  • طارق حجي: ذُهلت عندما فاز مرسي في الانتخابات
  • عضو السياسي الأعلى الزايدي يعزّي في وفاة الشيخ أحمد الزايدي
  • نصار: لنأخذ العدل بعيدا من التجاذبات السياسية
  • العدل: إصدار132 ألف وثيقة صلح في عام 2024
  • العراق يسجل أعلى معدل لتفريخ الكيانات السياسية
  • نتنياهو: الإفراج عن عيدان ألكسندر بفضل ضغوطنا العسكرية وضغوط ترمب السياسية
  • للنار معنى آخر .. في القاموس السياسي ..!
  • بنسبة نمو 1200 %.. “العدل”: مركز المصالحة يصدر 132 ألف وثيقة صلح خلال 2024