نقد السرديات الليبرالية
تستمر السردية باستمرار النظام الذي تقوم عليه، رغم ما في استمرار ذلك النظام من فادح الغرامات التي تدفعها البشرية.
يُعزى تجدد السردية الليبرالية إلى أن النظام الرأسمالي الذي تستند إليه ما برِح يتمتع بوجودٍ يتأقْلم بنجاح مع أزماته التي تَعْرِض له بين فينة وفينة.
تزعم السردية الليبرالية، في تبرير الرأسمال والتملك، بأن هذين يعبران عن مبدأ أساس في الوجود الإنساني، وعن حق طبيعي، هو الحق في الحرية.
المصلحة العامة - التي تعتقد الليبرالية أن الدولة تتخذها ذريعة للسيطرة على الاقتصاد والإنتاج - فتتحقق من طريق تحقيق المصالح الخاصة وتعظيمها..
مشكلة الإنسانية مع الليبرالية ليست في توفير جواب فكري عن خطابها، بل في الإخفاق في العثور على جوابٍ مادي: اجتماعي- اقتصادي يتجاوزها.
اضطرار الليبرالية، بعد أزمة 1929، لأخذ الاجتماعي بالحسبان، وضخ توازن في توزيع الثروة، وإقرار مبدأ تدخلية الدولة في الاقتصادي الاجتماعي فذلك إعادة إنتاج النظام الليبرالي نفسه.
* * *
لم ينقضِ بعد زمن السردية الليبرالية عن المجتمع والاقتصاد والسياسة منذ بدأ تدبيجُها، في نهايات القرن السابع عشر، مع جون لوك وشُرِع في التنظير لها مع آدم سميث ليُستكمل صوغها، في القرن 19، مع ريكاردو وجون استيوارت مل.
استمرت تنمو وتتكيف مع ظروف الإخفاق أو التحدي، وما برحت تفعل ذلك حتى اليوم رغم الهزات العنيفة التي تعرض لها النظام الاجتماعي- الاقتصادي الذي به اقترنت وعنه دافعت.
وليس في قدرة هذه السردية الليبرالية على التجدد ما يُستغرب له، وإنما هو تجدد يَرد إلى أن النظام الرأسمالي الذي تستند إليها المقالة الليبرالية ما برِح يتمتع بوجودٍ يتأقْلم بنجاح مع أزماته التي تَعْرِض له بين فينة وفينة.
هكذا تستمر السردية الليبرالية باستمرار النظام الذي تقوم عليه، على الرغم مما في استمرار ذلك النظام من فادح الغرامات التي تدفعها البشرية...
تزعم السردية الليبرالية، في تبريرها الرأسمال والتملك، بأن هذين يعبران عن مبدأ أساس في الوجود الإنساني، وعن حق طبيعي، هو الحق في الحرية.
وليس من ترجمة لهذا الحق أجْلى من حيازة الحق في التملك؛ هذا الذي قاد مع الزمن إلى ميلاد الرأسمال وبالتالي، إلى توسع النظام الرأسمالي في معاقله الأوروبية.
إن حب التملك، أو الرغبة فيه، هو - قبل أن يكون حقاً طبيعياً (صار، مع قيام الدولة، حقاً مدنياً) - نزعة طبيعية في الإنسان أو ميل فطري تكون لديه قبل أي اكتساب. لذلك ليستِ المُلكية مجافية للطبيعة الإنسانية ولا اصطناعاً لطبيعة ثانية.
وإذا كان سعي الإنسان الدائب إنما هو لإجابة حاجاته - تقول السردية - فإن الإجابة تلك تتحقق من طريق العمل والتكسب، وليس مثل النظام الاقتصادي الحر ما يشجع المرءَ على الكسب وتعظيم المكاسب وإشباع الحاجات.
ليس للدولة الحق - تقول المقالة الليبرالية - في مصادرة حق التملك، أو حرمان الفرد من حقه في الملكية الخاصة؛ فهذه، في العقيدة الليبرالية، موضع تقديس واحترام لا تضاهيها فيهما إلا الحرية (وحرية التملك فرع منها).
بل ليس للدولة حتى إن تزاحم الأفراد ( الخواص) في التملك والانخراط في عملية الإنتاج؛ لأن ميدان الإنتاج والاقتصاد - في نظر هذه العقيدة - ليس ميدان الدولة ولا من مشمولات عملها، وإنما هو مجعول، حصراً، للمجتمع وأفراده.
كل ما على الدولة أن تفعله - تقول السردية - هو أن تحميَ الحق في الملكية الخاصة وبالتالي، الحق في تنمية المصالح الخاصة، أما المصلحة العامة - التي تعتقد الليبرالية أن الدولة تتخذها ذريعة للسيطرة على الاقتصاد والإنتاج - فتتحقق من طريق تحقيق المصالح الخاصة وتعظيمها...
هذه هي الفكرة الأساس التي تقوم عليها السردية الليبرالية ويقوم عليها، في الوقت عينِه، تسويغها مشروعيةَ نظام الاقتصاد الحر. ومع أن الليبرالية قدمت نفسها، كنظام اجتماعي- اقتصادي، في عدة طبعات (ليبرالية تنافسية، ليبرالية احتكارية، ليبرالية اجتماعية، ليبرالية متوحشة)!
ومع أن بعض تلك الطبعات/النماذج مزج فيه بين المبدأين الليبرالي والاجتماعي، بين التملك الخاص وتدخل الدولة، فأنجب تجربة فريدة في تاريخ الليبرالية هي تجربة دولة الرعاية الاجتماعية، إلا أن الأساس الفلسفي للفكرة الليبرالية ظل هو نفسه من غير أن يشهد على تعديلٍ كبير.
أما أن تكون الليبرالية قد انتبهت، بعد أزمة العام 1929 أو في ظل صيغتها الكينزية، إلى ضرورة أخذ الاجتماعي في الحسبان، وضخ بعض التوازن في عملية توزيع الثروة، وإقرار مبدأ تدخلية الدولة في الميدان الاقتصادي- الاجتماعي فما ذلك كله إلا من باب إعادة إنتاج النظام الليبرالي نفسه، لا للحد منه..
تعرضت هذه السردية الليبرالية لنقد حاد منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ أي منذ اكتمل بناؤها الذهني كنظرية في الاقتصاد والاجتماع، ثم منذ اكتملت سيطرتها على المجال الأوروبي، منتقلة من معقلها البريطاني، وصيرورتها النظام الاجتماعي الاقتصادي السائد.
وفي كل مرحلةٍ من مراحلها، كانت تجد مَن يفند دعواها: كارل ماركس/إنغلز في طور المنافسة الحرة؛ لينين في طور الاحتكار؛ ماركيوز وبيتلهايم وسويزي في مرحلتها الكينزية؛ ثم سمير أمين في مرحلتها العولمية...إلخ.
هؤلاء مجرد أمثلة لجهد نظري نقدي بُذِل على مدار مئة وسبعين عاماً في مقارعة السردية الليبراليّة وإماطة النقاب عنها. لكن مشكلة الإنسانية مع الليبرالية ليست - أو قل لم تعد - في توفير جواب فكري عن خطابها، بل في الإخفاق في العثور على جوابٍ مادي: اجتماعي- اقتصادي يتجاوزها.
*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الدولة الاجتماعي الاقتصادي الاحتكار الحرية الملكية المصلحة العامة الحق فی
إقرأ أيضاً:
الحق نفسك.. آخر موعد لصرف الـ500 جنيه الإضافية على بطاقة التموين
يتساءل الملايين من المواطنين عن الموعد الأخير لصرف الدعم الإضافي على بطاقات التموين، الذي يصل إلى 250 جنيهًا شهريًا، حيث أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن تمديد فترة صرف الدعم حتى نهاية مايو 2025.
500 جنيه دعمًا إضافيًّاتتواصل عمليات صرف الدعم المزدوج، حيث يتم صرف مبلغ 500 جنيه دعمًا إضافيًا عن شهري مارس وأبريل 2025 للذين لم يقوموا بصرفها، وذلك ضمن حزمة الحماية الاجتماعية التي أعلنت عنها الحكومة في إطار دعم الفئات الأولى بالرعاية.
500 جنيه دعمًا إضافيًا على بطاقة التموين.. آخر موعد للصرف والمستحقين
احصل على 500 جنيه دعمًا إضافيًّا على بطاقة التموين.. آخر موعد للصرف والمستحقين
محافظ بني سويف يعتمد دعما إضافيا لاستكمال طريق بدهل - منشأة أبو مليح بمركز سمسطا
وقد صرح الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن قرار تمديد فترة صرف الدعم الإضافي يأتي في إطار الجهود التي تبذلها الوزارة لتسهيل عملية توزيع الدعم على المواطنين الذين لم يتمكنوا من صرف كامل مستحقاتهم خلال شهري مارس وأبريل.
وأكد الوزير أن الدعم سيستمر حتى نهاية الشهر الجاري (مايو 2025)، لتلبية احتياجات المستفيدين.
اقرأ أيضًا:
وجاء هذا القرار في إطار جهود الوزارة لتخفيف العبء عن المواطنين من الفئات الأولى بالرعاية الذين لم يتمكنوا من صرف كامل مستحقاتهم خلال شهري مارس وأبريل.
10 ملايين بطاقة تستفيد من الدعم الإضافيأوضح وزير المالية، أحمد كوجك، أن الدعم المضاف يتم صرفه للشهر الثاني على التوالي، بدءًا من مارس الماضي، ويتفاوت بين 125 و250 جنيهًا حسب عدد الأفراد في كل بطاقة.
وبحسب تصريحات الوزير، فإن 10 ملايين بطاقة تستفيد من هذا الإجراء، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمبادرة أكثر من 4 مليارات جنيه.
رسائل جديدة على بونات الخبزأدرجت وزارة التموين رسالة جديدة على بونات صرف الخبز تفيد بأنه تم إضافة دعم أبريل إلى البطاقة التموينية للمستفيدين الذين تم تحديدهم مسبقًا بناء على قواعد بيانات الوزارة.
وتوضح الرسالة القيمة المحددة لكل بطاقة حسب عدد الأفراد وعدد الأشهر غير المصروفة.
يصرف الدعم لمن لم يستلموا منحة مارس بشكل مجمع، حيث تحصل البطاقة التي تستحق 250 جنيهًا شهريًا على إجمالي 500 جنيه، وتلك التي تستحق 125 جنيهًا تحصل على 250 جنيهًا عن الشهرين، ويمكن صرف المبلغ من خلال بدالي التموين حتى نهاية شهر مايو.
يتم صرف الدعم الإضافي على هيئة سلع غذائية حرة من المنافذ التموينية، وفقًا لاختيارات المواطن، وحددت الوزارة سقفًا معينًا حسب عدد الأفراد على البطاقة:
للبطاقات الفردية (125 جنيهًا): صرف 2 كيلو سكر حر وزجاجة زيت حر.
للبطاقات متعددة الأفراد (250 جنيهًا): صرف 4 كيلو سكر حر و2 زجاجة زيت حر.
بإمكان المواطن استكمال بقية مبلغ المنحة بشراء سلع غذائية أخرى من قائمة تشمل أكثر من 30 صنفًا.
قائمة السلع المتاحة في المنافذ التموينيةيشمل الدعم الإضافي سلعًا غذائية متعددة يمكن للمواطن اختيار ما يناسبه منها، وتتضمن القائمة: السكر، الزيت، الأرز، المكرونة، الفول، العدس، الجبن، الحليب المجفف، التونة، الصلصة، المربى، وغيرها.
آلية صرف السلع حسب عدد الأفرادتم تقسيم قيمة الدعم بناءً على عدد الأفراد في البطاقة:
فرد واحد: دعم شهري بقيمة 125 جنيهًا.
فردان أو أكثر: دعم شهري بقيمة 250 جنيهًا.
الموعد النهائي لصرف الدعم الإضافيأكدت وزارة التموين أن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على بطاقات التموين هو نهاية شهر مايو 2025، وعلى المواطنين المستحقين الإسراع بصرف مستحقاتهم قبل انتهاء المهلة.
خطوات صرف الدعم الإضافي من المنافذ التموينيةالتوجه إلى البدال التمويني الأقرب.
تقديم البطاقة التموينية.
اختيار السلع من القائمة المتاحة حسب مبلغ المنحة.
استلام إيصال الصرف المؤكد لقيمة الدعم المصروف.