يعد العارنوت أو الذباب العاض أكثر الحشرات إزعاجا للسياح في محافظة ظفار بمناطق العيون المائية خاصة، إذ إن هذا النوع من الذباب العاض ينشط بكثرة خلال موسم الخريف، مسببا الكثير من الإزعاج بسبب لدغاته المؤلمة التي تترك آثارا حمراء على الجلد وتسبب الحكة الشديدة، وشاع عند بعضهم أن ما يقوم باللدغ هو البعوض، وعلى عكس ذلك فإن العارنوت ينتمي لعائلة الذباب العاض (Ceratopogonidae) التي تعد أصغر حجما من البعوض حيث يمكن إيجاده بطول 1 ملمتر.

وقال أحمد بن خميس السديري، مساعد باحث بمركز الدراسات والبحوث البيئية بجامعة السلطان قابوس: إن عائلة الذباب العاض تضم أكثر من 6200 نوع حول العالم، موزعة على 4 عائلات فرعية و112 جنسا، وسجل وجود 32 نوعا من هذه العائلة في سلطنة عمان، تتوزع في عدة أجناس "Culicoides ـ Leptoconops ـ Forcipomyiـ Dasyhelea" إلا أن العارنوت هو الأكثر شيوعا وإزعاجا في مناطق الجبال والعيون المائية بمحافظة ظفار، حيث يتركز نشاطه خلال المدة من يوليو إلى سبتمبر، التي تشهد موسما سياحيا مزدهرا في المحافظة، ويطلق السكان المحليون في ظفار أسماءً مختلفة على أنواع الذباب العاض، كـ"العارنوت" أو "الخانيوت" يشير إلى النوع "Forcipomyia whitcombei" بينما تسمى حشرة "Lyperosia minuta" محليا بـ"الجيفت" وحشرة "Musca crassirostris" بـ"القصيذت" وهذا التنوع في المسميات يعكس المعرفة المحلية العميقة بهذه الأنواع من الحشرات.

وأشار إلى أن الدراسات العلمية على العارنوت تعد شحيحة، حيث عرج العالم بورمان في دراسته عام 1989 إلى الأهمية الطبية للعارنوت، وقد وصف بالتفصيل شكل الأنثى وخصائصها المورفولوجية، وأعطى وصفا عاما لدورة حياة هذا النوع في جبال ظفار بناءً على ملاحظات الباحث البيئي روبرت وايتيكومب الذي سميت الحشرة على اسمه، وأكد الدكتور طاهر باعمر وزميله الدكتور ديفا في دراستهما عام 1994 على خصائص الجهاز التناسلي لهذا النوع من الحشرات، وفي عام 2020، أكد الدكتور كومار في دراسته على الآثار الطبية للدغات العارنوت التي تسبب حالة تسمى بـ"Popular urticaria" المعروف طبيا باسم الشرى الحطاطي وأطلق عليه اسم "طفح صلالة" بظهور بثور وطفح جلدي حاد مصحوب بالحكة الشديدة في منطقة الأطراف السفلية والعلوية خاصةً، وهو ما يسبب إزعاجًا للسياح وقد يؤثر على الإقبال السياحي في المحافظة.. مشيرا إلى أن ضرر الذباب العاض لا يقتصر على الإزعاج وتقليل متعة السياحة فحسب، بل يمتد ليشمل الحيوانات المستأنسة أيضا، حيث أشار الدكتور الميحي في دراسته عام 2011 إلى أن العارنوت والأنواع الأخرى من الذباب العاض في ظفار لا تلدغ الإنسان فقط، وإنما الحيوانات المستأنسة كالأبقار والإبل كذلك، وذكر أن الرعاة يلجؤون إلى حبس حيواناتهم في أماكن مظلمة خلال ساعات النهار لتجنيبها لدغات تلك الحشرات خلال مدة نشاطها.

وأضاف: على الصعيد العالمي، تسبب أنواع الذباب العاض أضرارا جسيمة للسياحة وتربية الماشية، حيث تعمل كناقل للعديد من الأمراض الفيروسية والطفيلية كـ"فيروس أوروبوش"، و"حمى الكونغو النزفية"، و"فيروس اللسان الأزرق" وغيرها؛ فاللدغات المتكررة من هذه الحشرات تسبب فقر الدم والهزال في الحيوانات، وتنقل الأمراض بين الحيوانات البرية والمستأنسة والإنسان، الأمر الذي يُلقي الضوء على ضرورة تكثيف الجهود البحثية لإيجاد طرق فاعلة للسيطرة على هذه الآفة، ومن بين هذه الجهود، الدراسات المتعمقة لنوع "Forcipomyia taiwana" في تايوان والصين، التي أعطتها معلومات قيمة حول بيولوجيا هذا النوع، ودورة حياته، وسلوك التغذية، والمواقع التي يتكاثر فيها، وتركيبة مجتمعاته وديناميكيات التعداد على مدار العام، مُستفادًا منها في دراسة الأنواع المحلية في عمان مثل العارنوت.

وأوضح أن العديد من الدراسات أثبتت فاعلية بعض طرق المكافحة، مثل استخدام المصائد الضوئية التي تعتمد على جذب الذباب العاض بالأشعة فوق البنفسجية القريبة، حيث أظهرت دراسة في جامعة كاسيتسارت في بانكوك فعاليتها في جذب 27 نوعا من الذباب العاض، واستخدام الفطريات الممرضة للحشرات كذلك مثل "Entomopathogenic fungus" الذي أثبت فعاليته كوسيلة مكافحة بيولوجية ضد بعض أنواع الذباب العاض.

وأكد أن إدارة المواقع التي تتكاثر فيها هذه الحشرات كذلك مثل "تجمعات السماد الحيواني" و"الأعشاب المتحللة" و"التربة الرطبة"، و"الحفاظ على بيئة نظيفة وجافة" يمكن أن يقلل بشكل كبير من أعدادها، وكذلك استخدام المراوح الهوائية في المواقع السياحية يساعد في إبعاد هذه الحشرات المزعجة، أما بالنسبة للسياح، فينصح ارتداء الملابس الطويلة ذات الألوان الفاتحة لتغطي أكبر قدر من الجسم، واستخدام طارد الحشرات الآمن على الجلد، وقد أثبتت الدراسات كذلك أن لبس بعض الأساور التي تصدر ترددات فوق صوتية تساعد على طرد بعض أنواع الذباب العاض والبعوض بشكل عام، وينصح تجنب الخروج في أوقات ذروة نشاط العارنوت إذا أمكن في ساعات الصباح الباكر وقرب الغروب خاصةً، والابتعاد ـ قدر الإمكان ـ عن مواقع تكاثره كالعيون المائية المحاطة بالأعشاب والأشجار الكثيفة.

وقال: في سبيل تقليل أعداد العارنوت في المواقع السياحية بمحافظة ظفار شكلت البلدية لجنة توجيهية برئاسة رئيس البلدية سعادة الدكتور أحمد الغساني، حيث تتضمن اللجنة فريقا للمكافحة الميدانية وفريقا بحثيا علميا متخصصا، حيث نفذ فريق المكافحة الميدانية حملات مكافحة مكثفة في بعض العيون المائية باستخدام طرق عدة مثل رش المبيدات الحشرية بطائرات بدون طيار؛ للوصول للمناطق الوعرة، والتضبيب الحراري الأرضي؛ لتغطية مساحات واسعة بكفاءة عالية، ورش التربة الرطبة على حواف العيون المائية؛ للقضاء على اليرقات والحد من التكاثر، كما استخدمت البلدية مصائد خاصة تحتوي على مواد كيميائية جاذبة للذباب العاض توضع في أماكن استراتيجية، وقد أسهمت هذه الجهود في تقليل أعداد العارنوت بشكل ملحوظ وتخفيف الإزعاج والأذى لمرتادي هذه الأماكن، وانعكس نجاحها على ردود فعلهم الإيجابية وارتياحهم، إضافة إلى الجهود الميدانية، شكلت البلدية فريقًا بحثيًا علميًا متخصصًا من باحثين بمختلف الجهات البحثية والأكاديمية والحكومية؛ لإجراء دراسة متعمقة حول العارنوت في ظفار، بهدف تطوير استراتيجيات مكافحة فعالة ومستدامة مع الحفاظ على التوازن البيئي، لذا فإننا ندعو إلى مزيد من البحث العلمي المتعمق لدراسة بيولوجيا وبيئة العارنوت والذباب العاض عامةً في سلطنة عمان، تمهيدًا للتوصل إلى طرق إدارة متكاملة وفاعلة تحافظ على بيئة ظفار الطبيعية الفريدة، وتوفر بيئة آمنة ومريحة للسياح والسكان المحليين على حد سواء، ونؤمن بأهمية التعاون بين الجهات الأكاديمية والبحثية والحكومية والمجتمعية تحقيقًا لهذا الهدف، وحماية المقومات السياحية والبيئية لهذه المحافظة الاستثنائية في سلطنة عمان، وهذا ما بادرت إليه بلدية ظفار بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيث طُرح موضوع دراسة العارنوت بشكل علمي مكثف كتحد بحثي في برنامج البحوث الاستراتيجية، وقدمت بعض الجهات البحثية والأكاديمية مقترحات بحثية عدة تنفيذًا للدراسة، وتعد هذه الخطوة مبادرة وطنية لحل أزمة العارنوت في محافظة ظفار.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حمامات ماعين جوهرة السياحة العلاجية في قلب الأردن​

من قلب الطبيعة الخلابة لمحافظة مأدبا الأردنية، وعلى بُعد 58 كيلومترا جنوب العاصمة عمّان، تتدفق مياه حمامات ماعين من بين 63 ينبوع مياه طبيعيا كشلالات هادرة، تحمل معها مزيجا فريدا من الجمال الطبيعي والخصائص العلاجية، التي قل نظيرها في العالم.

فهناك تنخفض المنطقة، التي تضم البحر الميت، قرابة 120 مترا عن مستوى سطح البحر، حيث تعد المنطقة أكثر نقطة انخفاضا على وجه الأرض، مما يمنحها مناخا دافئا حتى في أشهر الشتاء الباردة. ​

وتُعد حمامات ماعين من أبرز الوجهات العلاجية في الأردن، ومنطقة الشرق الأوسط، حيث تصل درجة حرارة مياه ينابيعها إلى 60 درجة مئوية، وتتميز بغناها بالمعادن المفيدة والنادرة التي تُستخدم في علاج أمراض الجلد والمفاصل والدورة الدموية.

متعة زيارة حمامات ماعين لا تقتصر على الفوائد الصحية فقط بل تمتد لتشمل مناظرها الطبيعية الساحرة (الجزيرة)

ولا تقتصر جاذبية حمامات ماعين على فوائدها الصحية فحسب، بل تمتد لتشمل مناظرها الطبيعية الساحرة، حيث تتناغم الشلالات المتدفقة مع الجبال المحيطة، مما يجعلها مقصدا مثاليا للباحثين عن الهدوء والاسترخاء وتجديد الأنفاس في أحضان الطبيعة.

فوائد علاجية فريدة

تتميز شلالات ماعين بمواصفات علاجية عديدة لوجود نسبة عالية من المياه الكبريتية الغنية بالأملاح والمعادن الطبيعية النادرة، وتظهر على شكل أيونات داخل المياه مما يساعدها على الدخول إلى الجسم عن طريق المسام عبر الخاصية الأسموزية (انتقال الماء من منطقة ذات تركيز أقل إلى منطقة ذات تركيز أعلى للمواد الذائبة)، بالنظر إلى درجة حرارة المياه العالية. ​

شلالات ماعين تمتاز بمواصفات علاجية عديدة لوجود نسبة عالية من المياه الكبريتية الغنية بالأملاح والمعادن (الجزيرة)

كما تشتهر مياه حمّامات ماعين بخصائصها العلاجية الفريدة، حيث تحتوي على عناصر معدنية نادرة مثل الصوديوم والكالسيوم والكلوريد، بالإضافة إلى غاز الرادون وكبريتيد الهيدروجين، وتصل درجة حرارة هذه المياه إلى أكثر من 63، مما يجعلها فعّالة في علاج العديد من الأمراض، بما في ذلك:

إعلان أمراض الروماتيزم المزمنة تشنّج العضلات وآلام العظام والمفاصل أمراض الدورة الدموية والدوالي الأمراض الجلدية مثل الأكزيما والصدفية التهاب الجيوب الأنفية المزمن اضطرابات إفراز الغدد الصماء الإرهاق العصبي والنفسي. مرافق سياحية

كما تضم حمامات ماعين مجموعة من المنتجعات الفاخرة والمرافق المتكاملة، بما في ذلك مراكز صحية وغرف ساونا ومسابح، ومطاعم تطل على الشلالات والمناظر الخلابة، ليتيح هذا التنوع للزوار تجربة استرخاء واستجمام فريدة، تجمع بين العلاج الطبيعي والراحة النفسية في بيئة هادئة ومفعمة بالجمال الطبيعي.

تضمّ الحمامات مجموعة من المنتجعات الفاخرة والمرافق المتكاملة والمسابح والمطاعم (الجزيرة)

وحول مكانة وأهمية حمامات ماعين، قال الخبير السياحي مراد أرشيدات إن المكان "يسهم في عملية الاسترخاء والحصول على الهدوء المطلوب، من خلال معالجة الكثير من الإشكاليات التي يعاني منها السائح أو الزائر لوجود المياه المعدنية النادرة والحارة التي تساعد في علاج الإجهاد العصبي والجسدي والنفسي، والقضاء على الإجهاد والتوتر بشكل عام".

وأضاف أرشيدات في حديثه للجزيرة نت أن الأسباب التي تدفع السائح لزيارة حمامات كثيرة، إلا أن أبرزها العلاج بالطين، إذ يتوفر في حمامات ماعين الطين الطبيعي الذي يُستخدم في العديد من العلاجات الطبيعية للجسم.

الشلالات الساخنة في ماعين تساعد الزوار على التخلص على الإجهاد العصبي والجسدي والنفسي (الجزيرة)

أيضا يتوفر التدليك العلاجي في حمامات ماعين من خلال خدمة التدليك العلاجي التي يمكن أن تساعد في تخفيف التوتر والضغط، والتنفس بالغازات الحارة حيث يمكن للزوار الاستفادة من تأثير الغازات الطبيعية الموجودة في حمامات ماعين من خلال التنفس بها لتحسين صحة الجهاز التنفسي.

سمعة خارج البلاد

وتستقطب حمامات ماعين آلاف الزوار سنويا من داخل المملكة وخارجها، لا سيما من دول الخليج العربي، وينعكس ذلك إيجابا على الاقتصاد المحلي من خلال إنفاق الزوار وتوفير فرص عمل لسكان المنطقة.

قرب وادي حمامات ماعين من منطقة البحر الميت يجعلها وجهة مناسبة لمن يريد الجمع بين أكثر من وجهة سياحية (الجزيرة)

كما أن قرب وادي حمامات ماعين من منطقة البحر الميت يجعلها وجهة مناسبة للزوار الذين يرغبون في الاستمتاع بالعلاجات الطبيعية والاسترخاء على شواطئ البحر الميت الفريدة أيضا، إذ أن وادي ماعين من أهم الأودية الجيولوجية في المنطقة حيث توجد طبقات رسوبية نادرة.

إعلان

وتقول روعة أبو صافي للجزيرة نت خلال زيارة لحمامات ماعين إنها "مندهشة من جمال وروعة المكان"، مضيفة أن "شلالات ماعين لا مثيل في العالم من حيث مياهها الحارة المعدنية، وجمالها الطبيعي".

مقالات مشابهة

  • هند عصام تكتب: الملك والذباب
  • لقاء يستعرض مسابقة القيمة المحلية ودورها في تمكين الابتكار بمحافظة ظفار
  • أمانة عمان تطلق حملتها الصيفية لمكافحة الحشرات والقوارض
  • 47 مليون ريال تكلفة سدين جديدين في ظفار
  • جامعة ظفار تستعرض استعدادات استقبال الدفعة الأولى من طلبة الطب
  • ختام دوريي أشبال وناشئي الهوكي بمحافظة ظفار
  • حمامات ماعين جوهرة السياحة العلاجية في قلب الأردن​
  • ختام مسابقات المناظرة باللغة الإنجليزية لمدارس تعليمية ظفار
  • إنطلاق أعمال مؤتمر المسؤولية الطبية وصناعة السياحة العلاجية
  • مجلس النواب الفرنسي يصوّت على قانون جديد لمكافحة معاداة السامية