سودانايل:
2025-10-09@16:33:32 GMT

تلافيف محنتنا المزمنة

تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT

بقلم عمر العمر

على الرغم من انبثاق الحركة الوطنية السودانية قبل غيرها في افريقيا وأسبقهن في الفوز بالاستقلال، إلا أنها لم تبرأ بعد من متلازمتين مزمنتين منذ مرحلة الطفولة المبكرة؛ التشظي والتعلق بالخارج. كما أنها ظلت تقاسي معضلتين بيئيتين؛ تباين قومياتها تباين تضاريس بلدها الجغرافية وتعرض بنيانها السياسي لعدوان عنف البادية في فترات متباينة منذ تدمير ممالكها في القرن الرابع عشروالسادس عشر.

تلك الرزايا جعلت عملية التعافي الذاتي ثم الإصلاح العام مهمتين عصيتين عالقتين فوق رؤوس الطبقة السياسية من الأجيال المتعاقبة. كذلك معضلة أخرى ،فمع أن العاطفة الإسلامية لعبت دورا في إذكاء الروح الوطنية إبان النضال المهدوي إلا أنها تحولت لاحقا إلى إسفين تشقيق في قاعدة النضال الوطني.
*****

من صدف التاريخ أن الاستعمار التركي لم يكن منتج ويلات فقط . فمن غير الممكن إنكار انجازه دولة موحدة وضعت لبنات جهاز إداري أفادت منه الدولة المهدية. لكن من مفارقات التاريخ أن الدولة الوطنية الاولى ألحقت أضرارا ماحقة بقطاعات واسعة من السودانيين . حتى إذا ما نجح الاستعمار البريطاني في تصفية دولة الخليفة التعايشي تفشى قدر من الارتياح بين تلك القطاعات. لعل أبرزها زعماء الطوائف، رؤوس قبائل ، كما الشيوخ ،العلماء بالاضافة إلى الطبقة الوسطى من سكان المدن المتحررة من ممارسات عنف البادية القادم في ظل القبائل الزاحفة من الغرب فعودة الصفوة إلى مواصلة انفتاحها على الثقافة الغربية.
*****

لعل هم البريطانيين ارتكز في مهمة الفتح على صد فرنسا عن التوغل في السودان(فاشودة) أكثر من ردهم المستعمرة إلى مصر وقد تحمّلت عبء التمويل والتجييش.كما استأنفت سلطة الاستعمار البريطاني من حيث انتهى الأتراك . لكن الصفوة السودانية لم تتخل وهي تواصل انفتاحها على الثقافة الأجنبية عن مشاعرها الوطنية .غير أنها علقت في التشظي إذ طغى ولاؤها المقسم بين بريطانيا ومصر على مهمة غرس ،بث وتكريس الروح القومية.منذ تحليق(جمعية الاتحاد السوداني) في الفضاء السياسي الوطني ظلت كل الاحزاب السودانية في حالة تناسل اميبي ،ولا تزال.جمعية الاتحاد بقيادة عبيد حاج الامين نشأت في العام ١٩٢٠ انشطرت في مهدها جناحين ؛احدهما سياسي يتبنى العمل االعلني والآخر ثقافي ينحو إلى السرية. لعل أول مظاهرة شهدتها العاصمة المثلثة في ١٩ يونيو ١٩٢٤تعكس وله أبكار الحركة الوطنية بالخارج أذ كان شعارها (تحيا مصر).!فثمة قطاع سوداني آخر مناهض ميال للتعاون مع بريطانيا.
*****

من جينات وأعراض التشظي نشوء الحركة الوطنية على ثلاثة محاور ؛ جماعة الفجر ونادي الخريجين في ام درمان، والجمعية الأدبية بودمدني. هذا المثلث زادت أضلاعه وتباعدت مع الأحداث دون التوجه لجهة التقارب بغية تشكيل كتلة وطنيةموحدة البتة.ربما يتساءل المرء عن حال ذلك الجيل فيما لو لم يكن محظوظا بوجود جورج سايمنز الحاكم العام وقتئذٍ وماتمتع به من حنكةسياسية وادارية!والسيد عبد الرحمن المهدي بكل ثقل هيبته،نفوذه وطموحه؟ كلاهما ساهما دون تلاق- كل من منطلقه و لغاياته - في توفير بيئة ملائمة مشجعة على بلورة مؤتمر الخريجين وعاء لحركة وطنية. غير أن هذه الحركة الوليدة لم تنج من متلازمة الوله بالخارج إذ تنازعت مصر وبريطانيا ولاء أعضائها فسقطت الحركة برمتها في فخاخ التشظي.
*****

الردة من الدولة الوطنية في العام ١٨٩٨ أدخل السودان بأسره في حالة تنازع بين مصر وبريطانيا على نحو متشعب . تلك حالة زادت من ارتباك صفوة الافندية على درب العمل الوطني.لذلك جاءت مقالات حسين شريف (السودان للسودانيين) معلما فكريا بارزا في تاريخ الحركة السياسية حسب توصيف الدكتور العالم جعفر محمد علي بخيت،ملأ الله قبره بالنور والمغفرة.فتلك المقالات توجهت إلى استنهاض الروح القومية . في كتيب دكتور بخيت المعنون( الادارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان)جهد باحث منقب راصد صبور ثاقب الرؤية في تتبع ودراسة تشكل الحركة السياسية وعناصر تنازعها الذاتية في ظل السلطة الاستعمارية وانعكاساتها عليها سلبا وإيجابا .كما ترصد الدراسة تأثيرات الارستقراطية الطائفية في الاتجاهين على قوى الحراك الوطني.
*****

لو توسم أحد الباحثين منهج دكتور بخيت في متابعة رصد مسار الحركةالسياسية المعاصرة منذ فجر الاستقلال لوجدها لاتزال مثقلة بأمراض مرحلة الطفولة و النشوء عاجزة عن تشكيل جبهة وطنية موحدة،مهجوسة بوله الخارج حد ترقبه يأتي إليها د وماً بحلول لأزمات الوطن ولو كانت بصنع أيديها. محنة الحركة السياسية انها خلت إلا شحيحا من المساهمات الفكرية.أسوأ من ذلك لم ينصب جهد الجائلين فيها على الركض في المضمار السياسي دون بوصلة عقلانية فقط بل ظل جل تركيزهم على المناصب والمكاسب الضيقة.هذا القصور الفكري أفضى بدوره إلى تغييب ثقافة الحوار. مما زاد الأزمة استحكاما اعتصار قبضة الأنظمة العسكرية المتعاقبة ماتبقى من فرص بناء تنظيمات سياسية تتحصن بالحد الأدنى بشروط العمل الوطني البناء.
*****

كأنما توارثت القوى السياسية جينات هذه المحنة إذ لاتزال قياداتها غير قادرة على تكريس ثقافة الحوار، لا تزال عاجزة عن انتاج أدب سياسي منير ،لا تزال تمارس التشظي الأميبي ،من ثم ضاعت أدوات ومنابر العمل الجماعي الناجح وبالتالي غاب وجود كتلة وطنية موحدة تستهدي بمشروع وطني شامل.بل لا تزال قيادات العمل السياسي تنتظر انفراجات وحلولا ترد من الخارج. حتى في سياق هذا الوله المزمن لا يزال لكل وجهة موليها في المحيط الإقليمي أو على الصعيد الدولي.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الوطنیة لا تزال

إقرأ أيضاً:

المنشاوي يتفقد مشروع المعمل الوطني لأبحاث الأمراض المعدية ذات الأمان الحيوي بجامعة أسيوط

تفقد الدكتور أحمد المنشاوي، رئيس جامعة أسيوط، صباح اليوم الأربعاء الموافق ٨ أكتوبر، سير العمل في مشروع إنشاء المعمل الوطني لأبحاث الأمراض المعدية بالجامعة، والممول من هيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار (STDF)، وذلك لمتابعة معدلات التنفيذ والاطمئنان على سير العمل بالمشروع وفقًا للجدول الزمني المحدد.

جاءت الجولة بحضور الدكتورة أسماء عبد الناصر، أستاذ الأمراض المشتركة بكلية الطب البيطري، والباحث الرئيس للمشروع، ووفد من إدارة الحرب الكيميائية ايضاً إلى جانب حضور الدكتور شحاته الضبع المستشار الهندسي لجامعة أسيوط، والمهندس محمد ثابت مدير عام الشئون الهندسية، والمهندسة مروى محمد أسامه بإدارة الشئون الهندسية.

وأكد الدكتور أحمد المنشاوي أن مشروع المعمل الوطني لأبحاث الأمراض المعدية يأتي في إطار حرص جامعة أسيوط على تطوير بنيتها التحتية العلمية وتعزيز قدراتها البحثية، بما يدعم جهود الدولة في الارتقاء بالبحث العلمي والتعامل مع التحديات الصحية المعاصرة، موضحًا أن المعامل الوطنية ذات الأمان الحيوي (Biosafety Laboratories) تمثل أحد أهم مقومات الدول المتقدمة، إذ تُعد خط الدفاع الأول في مواجهة الأوبئة ودعامة أساسية للبحث العلمي في مجالات الفيروسات والبكتيريا.

وأشار رئيس الجامعة إلى أن المعمل الجديد يُعد إضافة نوعية لمقومات البحث العلمي بجامعة أسيوط، ومن المنتظر أن يسهم في جعلها مركزًا متميزًا على المستويين الإقليمي والعالمي في تنفيذ المشروعات البحثية الخاصة بالأمراض المعدية والفيروسات، فضلًا عن دوره في تطوير وسائل التشخيص والعلاج الحديثة، مؤكدًا أن تجهيزات المعمل وإمكاناته البحثية ستُضاهي ما هو موجود في أعرق الجامعات العالمية.

وخلال جولته الميدانية داخل موقع المشروع، تابع الدكتور أحمد المنشاوي حجم الأعمال المنجزة ونسب التنفيذ الحالية في الجوانب الإنشائية والفنية، موجّهًا بضرورة تسريع وتيرة العمل والالتزام بالجدول الزمني المعتمد للانتهاء من المشروع في أقرب وقت، تمهيدًا لافتتاحه رسميًا خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن افتتاح المعمل سيمثل نقلة نوعية في منظومة البحث العلمي بجامعة أسيوط، ويعزز مكانتها كمركز إقليمي رائد في أبحاث الأمراض المعدية.

ومن جانبها، أوضحت الدكتورة أسماء عبد الناصر أن المعمل يستهدف دعم أبحاث الأمراض الوبائية والمعدية الناشئة، وتطوير لقاحات وعلاجات وتشخيصات حديثة، إلى جانب المساهمة في الإنذار المبكر والاستجابة السريعة لتفشي الأمراض، فضلاً عن تدريب الكوادر البحثية والطبية على أساليب العمل الآمن داخل المعامل.

وأضافت أن المعمل الوطني لأبحاث الأمراض المعدية يضم منظومة متكاملة للأمان والسلامة الحيوية تشمل أنظمة تهوية متطورة ومناطق عزل وبروتوكولات دقيقة للتعقيم والتعامل مع النفايات البيولوجية، مؤكدة أن المشروع سيُسهم في تطوير تشخيصات وعلاجات مبتكرة للأمراض المعدية ليس فقط على مستوى مصر، بل على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، مما يعزز مكانة جامعة أسيوط كمركز تميز بحثي في هذا المجال الحيوي.

مقالات مشابهة

  • تعيين محققين عدليين في الاغتيالات السياسية.. نصّار: العمل القضائي أولوية لا مساومة عليها
  • انطلاق الحملة الوطنية للتطبيق الوطني الشامل "توكلنا" بمشاركة 250 جهة
  • محافظا الغربية والمنيا يهنئان القيادة السياسية والشعب المصري بتأهل المنتخب الوطني إلى كأس العالم 2026
  • اتفاق بين “العمل” و”المعونة الوطنية” لرفع تشغيل المنتفعين إلى 15%
  • "اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة" تشارك في اجتماع اللجنة التشريعية لإعداد مشروع قانون العمالة المنزلية
  • المنشاوي يتفقد مشروع المعمل الوطني لأبحاث الأمراض المعدية ذات الأمان الحيوي بجامعة أسيوط
  • الحركة اللبنانية الديموقراطية.. لدعم الجيش وإلغاء الطائفية السياسية
  • اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات تشدد على الالتزام الصارم بالآلية في جميع المنافذ
  • وزير المجاهدين يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لكبار معطوبي حرب التحرير الوطني
  • ورشة عمل في الدوحة تناقش خطة العمل الوطنية للأمن الصحي