أزهري محمد علي: الحرب الحالية ليست حرب كرامة بل تخص طرفاً واحداً تقاطعت مصالحه
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
أزهري محمد علي: الحرب الحالية ليست حرب كرامة بل تخص طرفا واحدا تقاطعت مصالحه
1-2
في مقابلة مع (التغيير) تحدث الشاعر أزهري محمد علي، عن الواقع الشعري والإجتماعي والسياسي السوداني، وعرج على وضع الساحة الأدبية وقدرة الشعر على الوقوف في وجه الحرب، ودافع محمد علي عن قصيدته الأخيرة (لازم تقيف) التي ووجهت بسيل من الإنتقادات، وعبّر بوضوح عن رأيه في الحملات الموجهة ضد ثورة ديسمبر ورأى أن رحيل نجله زرياب مثّل جرحاً غائراً له ولأسرته، فيما أجاب برحابة صدر عن الكثير من النقاط.
أجرى المقابلة: عبدالله برير
_طقس الغربة كيف أثر عليك وعلى الناس عامة اجتماعيا وروحيا واقتصاديا ؟
هي ليست حالة غربة عاديه بل هو لجوء، الغربة في ذاكرتنا السودانية هي خيار للبحث عن وضع افضل، لكن هذه غربة قسرية فرضتها ظروف سياسية وأمنية على كل الشعب، كنا نرفض دعوات الاصدقاء بالخروج الى الغربة شبابا وفرضت علينا ونحن شيب، الاشجار لا تهاجر كما قال دريد لحام ونحن كالاشجار ونتمنى ان لا نقتلع من جذورنا، اخشى على الاجيال القادمة التي انقطعت بها السبل والعملية التعليمية والعمل و مصادر الدخل وهذا يجعلنا ندعو للسلام وان تعود لنا الكرامة.
( المحتربون صنعوا إله الدعم السريع من العجوة وعبدوه عند الخشوع و جاءوا الآن ليلتهموه عند الجوع )
الغرف الاعلامية المضادة تقول إن ثورة ديسمبر قادت لظرف الحرب الحالي، كيف ترد عليها ؟
الغرف المضادة تلتف حول هذا الكلام ولا تقوله صراحة ولكن يستشف من ذلك أنه وأد لشعارات وروح ثوره ديسمبر العظيمة، هم يتمسحون بعبارات حرب الكرامة ضد الدعم والسريع وهي في مظهرها ضد الدعم.
أزهري محمد عليوهو دعمهم الذي صنعوه وحولوه لإله عجوة ليعبدوه عند الخشوع ويلتهمونه عند الجوع، لذلك نقول هذه ليست حرب بين طرفين بل طرف واحد تقاطعت مصالحه وانقلب على بعضه وأشعل حربا تحمل الشعب السوداني وطأتها، الثورة غير قابله للوأد باي حال لانها ثقافية اجتماعية متجذرة تحمل شعارات العدالة والسلام والحرية ولا احد يستطيع هزمها، دعوتنا لصناع الثورة بان الثورات موجات تعلو وتنخفض والآن الحرب دائرة واصلا يشعلها المتسلطون بينما الثورات يصنعها الضعفاء لاسترداد حقوقهم.
_ أي حرف وأي وتر تراه يمكن ان يخفي ندوب جرح رحيل نجلك العزيز زرياب أزهري والذي لم تقو على إخفائه ؟
حقيقة لم أقو، جرح زرياب عميق، لم يكن شخصا عاديا بل هو حالة وفكره وروح تطوف حولي وحول اسرتي واصدقائي وكل من يعرف قيمه زرياب، رحيله رحيل حسي ووجود ، دائم هذه الروح هي عصية على النسيان لانها ماثلة وحية في الذاكرة والضمير، لا حرف يعبر عن رحيل زرياب رغم ذلك اشعر بحالة من الرضا بان هذا هو امر الله وارادته، زرياب عمل عمل الخير وصبر على المرض والابتلاء وتعامل مع فكرة الموت بصورة عجيبة، فكل هذه التفاصيل ستظل محفورة في الوجدان، رحمه الله وتقبله.
_ إلى أي مدى يتأثر شعر أزهري العامي بالأشعار الفصيحة والمدارس المختلفة ؟
الشعر هو الشعر واللغة هي الرافع للشعر سواء كان دارجا او فصيحا، انا اتجه للعامية لانها اقرب إلى حياة الناس ويمكنها الوصول بسهولة في التعبير عن قضاياهم واحلامهم لكن بالتاكيد اتعاطى الشعر الفصيح وانتمي له بشكل كبير باعتباره واحدا من روافد الثقافة المهمة، لا يخلو يومي من الرجوع الى درويش او مريد البرغوثي او المتنبي او اي مدرسه شعرية مختلفة لكن عندما اكتب اجد نفسي اقرب للعامية، توحشني مكتبتي و اشتاق لها وللحظة انتقاء كتاب يكون زميلك ليحرضك على المعرفة والاستنارة في ايامنا الطيبة التي تركناها لنبحث عن الامان.
_ هل من الممكن أن يتصالح المبدع مع الدعوة للحرب وحالة عسكرة الحياة؟
الحرب ليست اصلا في الحياة بل استمرارها والسلام هما الاصل، الحروب ضرورة لكن دور المبدع لا يمكن ان يكون الدعوة للحرب والدمار ، العسكرة ايضا ليست اصلا بل وسيله للحفاظ على السلام والحياة والدولة وهكذا، لا يمكن ان تتحول الوسيله لغاية، المؤسسة العسكرية في حياه كل الشعوب هي مثلها مثل كل المؤسسات الاخرى مثل الصحية والتعليمية والقطاعات المختلفة ، القطاع العسكري له واجباته المختلفه التي تصب في خدمه الشعب والدوله ، لكن انتشار السلاح وخطاب الكراهية و مصادرة حق الناس في الحياه الطبيعية لا يستقيم، اذا دعا اي مبدع للحرب والدمار بالتاكيد سيدعو لنهاية الحياة، أعتقد أن آفة البشرية انها تنفق على ادوات الدمار اضعاف ما تنفقه على الحياة، حرب 15 ابريل هذه لو تحول ما انفق فيها على الترسانة العسكرية الى الزراعة في السودان والسدود والشوارع والمطارات والمدارس والمستشفيات ماذا يضير؟ لكنها الرغبة في الدمار والحرب والاستبداد، عموما لابد من تجاوز هذا المربع لنعود مثل غيرنا من الدول ونرجع لرشدنا وهذه دعوة للعقلاء من أبناء السودان.
الوسومأزهري محمد علي الحرب القصيدةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أزهري محمد علي الحرب القصيدة
إقرأ أيضاً:
أمامة اللواتي ليست وحدها
شاركت أمامة اللواتي في أسطول الصمود العالمي بهدف كسر الحصار عن غزة، وكنتُ قد تحدثتُ سابقًا عن الأسطول في مقال منشور (جريدة عمان، 9 سبتمبر 2025) فهذا ليس حديثا عن الأسطول، لكنه حديث عن أمامة التي واجهت المخاطر في سبيل قضية إنسانية عادلة، لكن بعد أن تم أخذها مع آخرين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، اختلفت ردات الفعل بين مؤيد ومناصر وبين معارض لاعتبارات الواقعية السياسية و«المحرمات الدينية»، لكن المهم في ذلك، هو أن أمامة اللواتي التي غامرت بنفسها استطاعت أن تجسد -مثل الآخرين الذين شاركوا في أسطول الصمود كذلك- صفات العارف المسؤول، وتكون وسيطًا بين المرء ونفسه ليعلم كيف يُمكن أن يكون كائنًا عارفًا (إبستيميًا) ومسؤولًا في الأزمنة الرمادية.
ناقشت ليندا زاجزيبسكي الفضائل الفكرية والتي تتحقق في العارف المسؤول، فالمعرفة تكتسب من الرغبة التي تنبع من ضمير حي للوصول إلى الحقيقة، مما يحقق لدى المرء مزايا مكتسبة منها الفضائل التي تكتسب بجهد مثل الشجاعة والرحمة والأمانة الفكرية والانفتاح الذهني، ومن هنا يمكن النظر إلى أن المعرفة ليست تلك المتعلقة بحيازة أكبر قدر من المعلومات، بل المعرفة باعتبارها فعلًا أخلاقيًا ومسؤولًا اتجاه المعرفة ذاتها أولا، واتجاه ما يُفعل بها ثانيا، وهذا يتطلب في العموم صدقًا وشجاعةً للوصول إليه، ودربة نفسية مستمرة. وهكذا يُمكن القول إن معرفة أمامة اللواتي وحسها الأدبي والأخلاقي دفعها لأن تخاطر بكل ما عندها، وبأغلى شيء يملكه الإنسان- حياته- من أجل قضية عادلة تؤمن بها، فحولت هذه الفضائل الفكرية إلى واقع، وجعلت من نفسها في موقع المسؤولية عن كسر الحصار.
وفي محاولة تحليل للمقطع الأخير الذي ظهرت فيه أمامة بعد أن تم اختطافها من قبل إسرائيل مع آخرين في أسطول الصمود، يمكن تلمس أنها قد استخدمت جمل مثل «محاولتي للقيام بمهمة إنسانية ملتزمة بالقانون الدولي وذلك لكسر الحصار عن غزة» والضمائر في هذه الجملة تدل على الفاعلية في إنتاج الفعل، ما يشير إلى مسألة الوعي بخطورة المهمة والمخاطرة فيها، مع الوعي بالدافع الإنساني والقانون الدولي وأهمية كسر الحصار عن غزة، وهو تحدٍّ واضح لسردية عدم القدرة على القيام بأي شيء سوى الأفعال الناعمة، بل يتعدى الأمر ذلك إلى الفعل الحقيقي وقدرة هذه التحركات على كسر الحصار، فضلا عن ذلك تبدو النبرة في المقطع هادئة دالة عن المعرفة المسؤولة لا الانفعال العاطفي فقط. وفي العموم، تتضح الصورة الإطارية الأكبر أن امرأة عربية من عمان تواجه جميع السلطات الكولونيالية والتعسف الإسرائيلي، وأهمية موقعها في المشاركة في كسر هذا الحصار، متحدية بذلك القوى الكبرى في العالم.
إن المنتقدين لها بعد ظهور المقطع في مواقع التواصل الاجتماعي ينطلقون من منطلقين هما الواقعية السياسية و«التحريم الديني»، والمنطلق الأول يفترض أن هذه المهمة فاشلة من البداية لذا لا يجب الذهاب فيها، وهذا منطلق تبريري لا معنى له، لأنه يفترض أنه يجب حساب موازين القوى في أي تحرك، إضافة لإلقاء المسؤولية على صنّاع القرار فقط دون الفاعل الاجتماعي، فكيف يكون كذلك والمهمة تقع على الجميع من حيث هي مسؤولية تاريخية وإنسانية وأخلاقية لا يُمكن التملص منها، فهي واقعة على كل كائن عارف، ويدرك مقدار ما يحدث من ظلم وإبادة جماعية في غزة. وكذلك تنطلق هذه الفرضية من أن الواقع لابد أن يبقى كما هو دون القدرة على تغييره، مما يصنع أشخاصًا يلغون وجودهم تمامًا وقدرتهم على الاختيار الحر، مع تفويض آخرين للاختيار بدلا منهم، ليتماهوا بذلك في وسط هلامي يحسبونه موجودًا في الواقع، وليس له وجود إلا في الخيال.
أقول إن أمامة ليست وحدها لسببين، الأول أنها ليست وحدها من شاركت في هذا الأسطول، بل عشرات الأشخاص الذين آمنوا بأهمية دورهم في كسر الحصار عن غزة وقدرتهم على التأثير في العالم الذي بقي في حالة المتفرج دون أن يقوم بأي شيء، فهؤلاء آمنوا بمعرفتهم وإنسانيتهم وأخلاقياتهم وانطلقوا منها. أما الثاني فهو أن حالة أمامة الحالية في السجون الإسرائيلية يجعلنا أمام مسؤوليتنا في الحيلولة دون تمادي الاحتلال الصهيوني أن يتمادى أكثر، فكل منطلق يُمكن أن يعرف المرء به نفسه من خلاله يحتم عليه هذه المسؤولية، فالعماني ينطلق من عمانيته للمطالبة بتحرير المختطفين الذين من بينهم عمانية، والإنسان ينطلق من إنسانيته في هذا التحرك كذلك، والمتدين، بل وحتى الذي لا يجعل هويته إلا منطلقة من حيث هو كائن عقلاني، عليه أن يتحمل مسؤوليته العقلانية. أمامة ليست وحدها المسؤولة، وليست وحدها في قبضة الاحتلال، وفي الوقت نفسه ليس عليها أن تبقى وحدها، بل ألقت الصوت وعلينا أن نكون الوسيط بين هذا الصوت وبين التحرك لتحريرها ومن معها للعودة إلى أوطانهم سالمين، ولا يجب أن تكون هذه المبادرة هي الأخيرة لكسر الحصار على غزة، لأن المسؤولية الفردية والجماعية ليس لأحد أن يعتذر منها، بل هي واجب على الجميع حتى تزول إسرائيل.