النظريات الاقتصادية بين المفهوم والتطبيق
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
النظريات الاقتصادية تمثّل الموجهات للسياسة الاقتصادية ومرجعا لفهم تحولات السوق وتغيّراته؛ فهي البوابة لفهم العلاقات الاقتصادية وتحليل عناصرها، والإطار الفكري لتفسير الظواهر الاقتصادية وتحليل الأسواق والمتغيّرات التي تطرأ عليها عبر تحليل سلوكها ودراسة أبعادها والعوامل المؤثرة عليها. ورغم تنوّع النظريات الاقتصادية ومنهجيّات استخدامها، فإن نظرية العرض والطلب في تحديد أسعار السلع والخدمات التي أسّسها آدم سميث هي السائدة بين المحللين والنقّاد الاقتصاديين والمهتمين بالمجالات الاقتصادية وحتى المراقبين للمتغيرات الاقتصادية ومدى أثرها على مكوّنات الاقتصاد الكلي عموما؛ لتبنّيها التوجيه الاقتصادي الكلاسيكي القائم على أفكار ومفاهيم عديدة مثل اليد الخفية ونظرية القيمة ونظرية التوظيف الكامل.
ورغم تشبّع الأفكار والتحليلات والمعارف بالنظرية الكلاسيكية ومسوغاتها ودوافعها، فإن النظريات الاقتصادية تطوّرت مع التطور التكنولوجي والعولمة التي يشهدها العالم بأساليب ومنهجيات وطرق متطوّرة؛ فمثلا بعض النظريات الحديثة تأخذ في الحسبان تطبيقات الاقتصاد السلوكي الذي بدأ يؤثر على ديناميكية السوق ويربك مؤشراته من حيث العرض والطلب على السلع والخدمات؛ لأسباب مرتبطة بمحدودية اطلاع الأشخاص على المعلومات المتوفّرة عن السلع، فيتخذون قرارات غير عقلانية عند الشراء أو عند الاستفادة من خدمة معيّنة، وهي قرارات في مجملها غير عقلانية؛ كونها تعتمد على الجانب النفسي والعاطفي للأشخاص، لكن في المقابل أدى ذلك إلى انفتاح الأسواق على المنهجيات التسويقية والترويجية وتفعيل الجانب الدعائي والإعلاني للوصول إلى ذائقة الأشخاص ودراسة الأبعاد النفسية والفسيولوجية للمجتمع عموما، مما ساعد على قياس قوى العرض والطلب وفقا لتلك المعطيات، وكذلك شجّع التجّار وروّاد الأعمال على إيجاد منهجيات جديدة للتسويق عن منتجاتهم وخدماتهم.
فاعلية تطبيق النظريات الاقتصادية مرتبطة تماما بالزمان والمكان وهي قابلة للانتقاد وتعدد الآراء حولها؛ نظرا للاختلافات الفكرية للاقتصاديين ومتخذي القرار الاقتصادي، وصعوبة إيجاد نموذج اقتصادي متكامل يحقّق كل التطلعات المرجوة من تطبيق النظريات، إلا أن الاستفادة من فحوى النظريات الاقتصادية ربما يقتصر على فهم بعض السياسات الاقتصادية المتخذة في مرحلة ما، إضافة إلى أنها مرجع لتفسير بعض الأحداث الاقتصادية وتحليلها وفهم السياقات المرتبطة بها وزمن حدوثها ودوافعه، رغم أنه من المسلَّم به هو ارتباط الأحداث السياسية بالمتغيّرات الاقتصادية؛ لذلك من الصعب إسقاط النظريات الاقتصادية الكلاسيكية على المتغيّرات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم حاليا بسبب اختلاف المنهجيات المستخدمة والأدوات والطرق التي أدت إلى وجود المتغيّرات وعدم فاعلية النظريات الاقتصادية الكلاسيكية.
لذلك بات وجود نظريات اقتصادية حديثة أمرا واقعيا وحتميا وملحّا لفهم الأحداث والظواهر الاقتصادية الحالية تتوافق مع المتغيّرات الاقتصادية، وتعطي إجابات واضحة وتفسيرات منطقية للأحداث الاقتصادية، ولن يتحقق ذلك إلا بتعاون المؤسسات العلمية والبحثية في استحداث نظريات اقتصادية تُبنى عليها سياسات اقتصادية متزّنة وتتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية التي تشهد إرباكا لمكوّنات الاقتصاد الكلي، وقلّلت من فاعلية النظريات الاقتصادية الكلاسيكية؛ بسبب الصراعات والنزاعات في مختلف بقاع العالم، والاختلافات الفكرية بين علماء الاقتصاد وكثرة الانتقادات على النظريات الاقتصادية التي تستند إليها السياسة الاقتصادية في بعض الدول.
إن الاقتصاد بنظرياته وسياساته هو الأساس لفهم سلوك الأشخاص والمؤسسات والأسواق؛ فهو الذي يدرس التفاعلات والمتغيّرات المؤثرة عليه والداعمة له، ويدرس أيضا العلاقة بين مكوّناته سواء على المستوى الكلي أو الجزئي، مع ضرورة الاستفادة من جميع المدارس الاقتصادية في صنع السياسات العامة والتحليل الاقتصادي وبناء السياسة الاقتصادية المناسبة للزمان والوقت، وعدم بنائها وفقا لتجارب دول تختلف ظروفها الاقتصادية ودوافع اتخاذ سياسة اقتصادية معيّنة. وفي رأيي من الجيد مراجعة نتائج السياسات الاقتصادية المتخذة بين فترة وأخرى؛ لضمان عدم تأثيرها على السياق الاجتماعي على وجه الخصوص، وألا نعتمد على مسلَّمات فكرية في المضي لتنفيذها أو توجهات اقتصادية أو مالية دون الوضع في الحسبان الآثار الاجتماعية والمالية المترتبة على اتخاذها.
أيضا من المهم ألا يقيس الشخص نظرته الاقتصادية كفرد على المجتمعات؛ لاختلاف العرض والطلب بين الطرفين وفقًا لما أوضحه عالم الاقتصاد ملتون فريدمان عندما أشار في نظريته الاقتصادية إلى أنه عندما يذهب الفرد للتسوّق فإن كمية الطلب على السلع قليلة وسيكون سعرها ثابتا، أما في حال رغب مجموعة من الأشخاص شراء نفس المنتج بكمية أكبر فإنها لا تكفي لتلبية طلبهم؛ فمن الطبيعي ارتفاع السعر، هذه النظرية التي نعيشها يوميًّا أن الطلب والعرض يعتمدان على الكمية المطلوبة، وفي حال عدم تساويهما فإن السعر سيتغيّر بالارتفاع أو الانخفاض حسب توفّر السلع والطلب عليها.
أخيرا.. يعد علم الاقتصاد أحد العلوم التي تستند في تحليلاتها إلى الفهم العميق والدقيق، ويبني نتائجه وفقا للمتغيرات والعلاقات العكسية والطردية وتنوّع الخيارات؛ لذلك من الضرورة أن يتصف المنغمس في العلوم الاقتصادية بالعقلانية والرشد في اتخاذ القرارات الاقتصادية لحساسيتها وتأثيراتها على مكوّنات الاقتصاد الكلي.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رات الاقتصادیة العرض والطلب
إقرأ أيضاً:
CIB يمول اقتصادية قناة السويس بقيمة 30 مليار جنيه
أعلنت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن نجاحها في الحصول على تمويل مصرفي طويل الأجل بقيمة إجمالية 30 مليار جنيه من البنك التجاري الدولي – مصر سي أي بي (CIB)، تمتد فترة سداده إلى سبعة عشر عاماً، ويشمل هذا التمويل سداد واعادة هيكلة التمويل السابق الحصول عليه بقيمة 10 مليارات جنيه، بالإضافة إلى تمويل جديد بقيمة 20 مليار جنيه، ليصل إجمالي التمويل إلى 30 مليار. وذلك في إطار استراتيجية الهيئة الهادفة إلى تطوير ورفع كفاءة الموانئ التابعة، واستكمال أعمال البنية التحتية والمرافق في المناطق الصناعية، ودعم مشروعات إمدادات الطاقة ومحطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي ومحطات الوقود وأنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات ومشروعات النقل.
قال وليد جمال الدين، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن هذا التمويل المصرفي يأتي في إطار الإسراع بوتيرة العمل داخل المنطقة، والانتهاء من أعمال البنية التحتية والمرافق المتبقية في المناطق الصناعية والموانئ التابعة، مشيرًا إلى أن التمويل يعكس ثقة القطاع المصرفي في خطط الهيئة ودورها المتنامي في دعم تنمية الاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات الدولية، تنفيذًا لرؤية فخامة رئيس الجمهورية مصر 2030، التي تستهدف زيادة الصادرات لتتجاوز 145 مليار دولار، مؤكدًا أن هذا التمويل المصرفي يُجسّد إيمان ودعم القطاع المصرفي لجهود تعزيز التنمية الصناعية وتحسين البيئة الاستثمارية على مستوى الجمهورية بوجه عام، وفي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بوجه خاص، بما يُسهم في تحقيق توجهات الدولة ورؤية القيادة السياسية الرامية إلى تعزيز مكانة مصر في الاقتصاد العالمي.
وأوضح وليد جمال الدين أن الإسراع باستكمال المشروعات التي تقوم بها الهيئة يستهدف جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن أن التمويل المصرفي يُعد أحد أذرع التمويل الهامة نظرًا لاستقلال ميزانية الهيئة عن ميزانية الدولة، حيث تعتمد الهيئة في رؤيتها المستقبلية على التدفقات النقدية الناتجة عن عوائد مشروعاتها في سداد التزاماتها دون تحميل موازنة الدولة أية أعباء إضافية، كما تنفذ المنطقة الاقتصادية حاليًا أعمال تطوير وتوسعات في عدد من الموانئ تماشيًا مع سياسات الدولة المصرية في رفع كفاءة الموانئ وتطويرها، بما يساهم في جذب المزيد من الخطوط الملاحية العالمية لموانئ المنطقة الاقتصادية المطلة على البحر الأحمر والبحر المتوسط.
وأضاف عمرو الجنايني، نائب الرئيس التنفيذي و عضو مجلس الإدارة التنفيذي بالبنك التجاري الدولي – مصر سي أي بي (CIB)، إن البنك يحرص على تمويل المشاريع القومية الكبرى، ويؤكد على دوره الريادي في دعم الاقتصاد الوطني عبر توفير الاحتياجات التمويلية اللازمة لها ويهدف من خلال هذا التمويل المصرفي على المساهمة في دعم مشروعات الهيئة الاقتصادية لقناة السويس واستكمال أعمال البنية التحتية وتطوير الموانئ التابعة لها، مشيدًا بالدور المحوري الذي تقوم به الهيئة في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات.
وأكد الجنايني حرص البنك التجاري الدولي على توفير التمويل اللازم للمساهمة في تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بأكملها وتهيئة البنية التحتية للموانئ الستة التابعة (غرب بورسعيد، شرق بورسعيد، الأدبية، العين السخنة، العريش، والطور) وفقًا للمعايير الدولية، بما يساهم في رفع كفاءة الموانئ المصرية وتعزيز تصنيفها عالميًا، خاصة في ظل التطور الكبير الذي تشهده الموانئ الإقليمية المنافسة.
وأضاف أن هذا التمويل لن يسهم فقط في تعزيز البنية التحتية والمرافق التابعة للمنطقة الاقتصادية، بل سيمتد أثره إلى الاقتصاد القومي ككل من خلال توفير فرص عمل جديدة، وزيادة القدرات التنافسية، ودعم مكانة مصر على المستويين الإقليمي والدولي، بما يحقق أهداف رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.