تُعد المكافحة الحيوية واحدة من أهم الأساليب المستدامة والفعالة لمكافحة الآفات الزراعية، حيث تعتمد على استخدام الكائنات الحية الطبيعية مثل الطفيليات والكائنات الدقيقة (الفطريات، البكتيريا، الفيروسات) لمكافحة الآفات الزراعية.

في سلطنة عمان، تُعتبر المكافحة الحيوية من الأساليب الحديثة التي تُستخدم لحماية المحاصيل الزراعية في البيوت المحمية من الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي.

حيث تعتبر هذه الطريقة من الوسائل الصديقة للبيئة التي تساهم في تقليل التلوث الكيميائي الناتج عن استخدام المبيدات، كما تعزز التنوع البيولوجي في البيئة الزراعية.

وقالت المهندسة سامية بنت جمعة الناعبية رئيسة قسم بحوث المكافحة الحيوية بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية: "تواجه سلطنة عمان العديد من التحديات في الزراعة، خاصة في البيوت المحمية حيث تتطلب المحاصيل حماية مستمرة من الآفات. حيث إنه من أبرز الآفات التي تهدد المحاصيل في البيوت المحمية في سلطنة عمان الذبابة البيضاء، والتي تمتص عصارة النبات، ما يسبب ضعف نمو النبات ونقل الأمراض الفيروسية مثل مرض الموزاييك. بالإضافة إلى المنّ، الذي يتسبب في نفس المشكلة عبر امتصاص العصارة وتوقف نمو النبات، والعناكب التي تسبب تلف الأوراق وتقلل الإنتاجية. كما تهدد صانعات الأنفاق النباتات بحفر أنفاق في السطح العلوي للنبات، بينما تتسبب الديدان القارضة في تدمير الجذور والأوراق والثمار.

حماية المحاصيل

وأشارت الناعبية إلى أن المكافحة الحيوية تُعد أسلوبًا مهمًا للحد من استخدام المبيدات الكيميائية في الزراعة، وهو أمر أصبح ذا أهمية متزايدة في سلطنة عمان. وذلك باستخدام الأعداء الطبيعية للآفات مثل المفترسات والطفيليات، حيث يمكن تقليل أعداد الآفات بشكل فعال دون الحاجة إلى المواد الكيميائية السامة. كما يتسم هذا الأسلوب بأنه أكثر أمانًا للبيئة وذو تأثيرات أقل ضررًا على الصحة العامة مقارنة بالمبيدات الكيميائية. علاوة على ذلك، يؤدي تقليل استخدام المبيدات إلى تحسين جودة المحاصيل وزيادة قيمتها السوقية، وهو ما يعود بالفائدة على المزارعين.

كما أكدت رئيسة قسم بحوث المكافحة الحيوية بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية أن سلطنة عمان تعتبر من الدول الرائدة في تطبيق المكافحة الحيوية، حيث بدأت هذه الممارسات في ثمانينات القرن الماضي. ففي عام 1984، تم استيراد الطفيليات لمكافحة ذبابة المانجو وذبابة الموالح السوداء. وبعد تأقلم هذه الطفيليات مع البيئة العمانية، تم نقلها وإطلاقها في مناطق أخرى من السلطنة. وفي عام 1990، تم استخدام فيروس ممرض لمكافحة خنفساء النارجيل، وقد أظهر هذا الفيروس فعالية كبيرة في تقليل أعداد الحشرات دون أن يصل الضرر إلى المستوى الاقتصادي. كما تم استخدم طفيل الترايكوجراما لمكافحة فراشة ثمار الرمان في الأعوام 2003 و2004 و2005، وقد تم إنشاء مختبرات في السلطنة لإكثار هذه الطفيليات محليًا، مما أسهم في تسهيل إطلاقها في الوقت المناسب للحد من انتشار الآفة.

وفي عام 2007، تم استخدام طفيل الجينوزس العماني لمكافحة آفة الحميرة التي تصيب ثمار النخيل. الطفيل الجينوزس هو طفيل مستوطن في السلطنة وقد تم توثيقه دوليًا. حيث يتم تكاثره وتوزيعه في مواقع مختلفة في السلطنة للتقليل من الإصابات. ومنذ عام 2012، بدأ استخدام المفترسات المحلية مثل أسد المن وأبو العيد في مكافحة العديد من الآفات الزراعية، بما في ذلك آفات البيوت المحمية وآفات النخيل.

الفوائد البيئية والاقتصادية

وأضافت الناعبية إن المكافحة الحيوية تُعد أداة فعالة لتحسين البيئة الزراعية وحماية النظم البيئية في سلطنة عمان. كما أنه من أبرز الفوائد البيئية للمكافحة الحيوية تقليل التلوث الناتج عن المبيدات الكيميائية، وبالتالي تحسين نوعية الهواء والمياه والتربة. كما تسهم المكافحة الحيوية في تعزيز التنوع البيولوجي، حيث يتم الحفاظ على الكائنات الحية المفيدة في البيئة الزراعية، مما يعزز توازن النظام البيئي. ومن خلال الحد من استخدام المبيدات، تزداد مقاومة التربة للأمراض، مما يحسن خصوبتها ويزيد من قدرتها على دعم المحاصيل على المدى الطويل.

أما على الصعيد الاقتصادي، فتؤدي المكافحة الحيوية إلى خفض تكاليف شراء المبيدات الكيميائية، حيث تعد الأعداء الحيوية وسيلة مستدامة ومتجددة يمكن استخدامها مرارًا وتكرارًا. كما أن استخدامها يعزز جودة المحاصيل ويزيد من قيمتها السوقية، مما ينعكس بشكل إيجابي على دخل المزارعين. بالإضافة إلى ذلك، تساعد المكافحة الحيوية في تقليل خسائر الإنتاج الناتجة عن الآفات، وهو ما يسهم في زيادة العائدات الزراعية.

كما تشير المهندسة سامية الناعبية إلى أن المكافحة الحيوية تسهم في تعزيز صحة التربة، إذ تساعد في تقليل تراكم المواد الكيميائية الضارة التي قد تؤثر سلبًا على الكائنات الدقيقة المفيدة في التربة. حيث يُعد هذا أمرًا بالغ الأهمية لتحسين خصوبة التربة وتعزيز قدرتها على مقاومة الأمراض. كما أن المكافحة الحيوية تسهم في تحسين جودة المحاصيل الزراعية بشكل عام، من خلال تقليل الأضرار الناتجة عن الآفات، ما يجعلها أكثر صحة وأمانًا للاستهلاك البشري.

وأوضحت المهندسة سامية الناعبية رئيسة قسم بحوث المكافحة الحيوية بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية أن وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تلعب دورًا محوريًا في تعزيز استخدام المكافحة الحيوية في سلطنة عمان، وذلك من خلال تبني برامج المكافحة الحيوية لأهم الآفات الزراعية بالشراكة مع المزارعين، كما تقدم الوزارة الدعم الفني والتدريب للمزارعين المهتمين بهذا المجال. كما تسهم الوزارة في دعم الأبحاث والدراسات التي تسعى لتطوير أساليب المكافحة الحيوية وتوسيع نطاق استخدامها في مختلف أنحاء السلطنة.

التحديات

وأوضحت الناعبية أنه بالرغم من فوائد المكافحة الحيوية، تواجه هذه الاستراتيجية بعض التحديات في سلطنة عمان. ومن أبرز هذه التحديات نقص الوعي بين المزارعين حول أهمية المكافحة الحيوية وفوائدها. إذ إن الكثير من المزارعين يفضلون استخدام المبيدات الكيميائية للحصول على نتائج سريعة، دون النظر إلى العواقب البيئية والصحية على المدى الطويل. كما أن ارتفاع تكلفة إنتاج واستيراد الأعداء الحيوية يشكل تحديًا، خاصة في ظل صعوبة الحصول على الكائنات الحية الملائمة للبيئة المحلية.

إلى جانب ذلك، هناك الحاجة لتدريب متخصص لضمان نجاح تطبيق المكافحة الحيوية. وعلاوة على ذلك، قد تؤثر الظروف المناخية على فعالية الأعداء الحيوية المستوردة، حيث تحتاج هذه الكائنات إلى وقت للتأقلم مع الظروف الجديدة، وقد لا تنجح في البقاء في بعض الحالات. وبالإضافة إلى ذلك، يواجه المزارعون تحديًا في ضرورة وجود مختبرات أو وحدات لإكثار الأعداء الحيوية محليًا، مما يساعد على ضمان توافر الكائنات الحية بشكل مستمر وفي الوقت المناسب.

وقالت رئيسة قسم بحوث المكافحة الحيوية بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية: "يمكن للمزارعين في سلطنة عمان الاستفادة من المكافحة الحيوية من خلال تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية والسماح للأعداء الطبيعية بالوجود في البيئة الزراعية. كما يمكنهم الاستفادة من الأعداء الحيوية التي توفرها الجهات المختصة مثل وزارة الثروة الزراعية، التي توفر طفيل الترايكوجراما لمكافحة فراشة الرمان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمزارعين تطبيق الإرشادات الفنية التي تضمن نجاح تطبيق المكافحة الحيوية، والاشتراك في البرامج التمويلية والدعم الحكومي المتاح للمزارعين".

وأوضحت أنه من أجل تعزيز الوعي بين المزارعين حول أهمية المكافحة الحيوية، يمكن تنظيم حملات إعلامية وحلقات عمل توعوية تهدف إلى توضيح فوائد هذه الطريقة المستدامة في مكافحة الآفات. كما يمكن أيضًا توزيع نشرات إرشادية تشرح كيفية تطبيق المكافحة الحيوية وأثرها الإيجابي على البيئة والمحاصيل. وكذلك يمكن إشراك الجمعيات الزراعية في توعية المزارعين ونقل تجارب عملية وقصص نجاح لمزارعين آخرين اعتمدوا هذه الطريقة.

تجارب دولية

وأضافت رئيسة قسم بحوث المكافحة الحيوية بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية: إنه يمكن لسلطنة عمان الاستفادة من تجارب العديد من الدول في تطبيق المكافحة الحيوية. على سبيل المثال، في البرازيل، تستخدم المكافحة الحيوية لمكافحة آفات قصب السكر، ويمكن تطبيق برامج مشابهة على محاصيل القمح والنخيل. أما في هولندا، تُستخدم المكافحة الحيوية على نطاق واسع في البيوت المحمية، بينما في إسبانيا، تم تطوير تقنيات متكاملة تشمل المكافحة الحيوية والزراعة المستدامة. أما في أستراليا، فقد حققت البلاد نجاحًا كبيرًا في مكافحة الآفات باستخدام الكائنات الحية الطبيعية. كما يمكن الاستفادة من تجارب كينيا في مكافحة دودة الحشد الخريفية التي تهدد الذرة والحبوب.

حيث تُعد المكافحة الحيوية وسيلة فعالة ومستدامة لحماية المحاصيل الزراعية، وتسهم في تقليل الآثار السلبية للمبيدات الكيميائية، وتحسن من صحة التربة والمحاصيل. ومن خلال تضافر الجهود بين الحكومة والمزارعين، يمكن تعزيز هذه الممارسة وتوسيع نطاق استخدامها لتشمل جميع أنواع المحاصيل الزراعية، مما يسهم في تحقيق استدامة بيئية وزراعية على المدى الطويل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المبیدات الکیمیائیة المکافحة الحیویة ت المحاصیل الزراعیة فی البیوت المحمیة استخدام المبیدات الآفات الزراعیة البیئة الزراعیة الکائنات الحیة مکافحة الآفات فی سلطنة عمان الاستفادة من فی مکافحة فی تقلیل من خلال التی ت کما أن

إقرأ أيضاً:

زراعة العنب في القصيم.. إنتاج نوعي يعزّز تنوّع المحاصيل ويدعم الاقتصاد المحلي

تُعدّ زراعة العنب في منطقة القصيم من المحاصيل الرئيسة التي تحتل موقعًا مميزًا ضمن بساتين الفاكهة المتنوعة في المنطقة، حيث تُسهم في تنويع الإنتاج الزراعي وتعزيز القيمة الاقتصادية للقطاع، بما يواكب تطلعات التنمية الزراعية المستدامة.

وتتميّز مزارع العنب في القصيم ببيئة زراعية ملائمة، وتربة خصبة، ومناخ يساعد على إنتاج ثمار ذات جودة عالية، ما جعل العنب يحتل مكانة بارزة إلى جانب التين والنخيل ضمن سلة الفواكه التي تشتهر بها المنطقة. وتتركّز زراعته في عدد من المحافظات، من أبرزها: عيون الجواء، والبدائع، والمذنب.

وتتنوع أصناف العنب المزروعة في القصيم، مثل العنب البناتي الأخضر والأحمر، والبلاك ماجك، والحلواني، التي أظهرت قدرة عالية على التكيّف مع البيئة المحلية، وأثمرت منتجات ذات جودة عالية من حيث الحجم والطعم، تلبي احتياجات السوق المحلي.

وأوضح أمين منطقة القصيم المهندس محمد بن مبارك المجلي، أن أمانة المنطقة، بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، ومتابعة معالي وزير البلديات والإسكان الأستاذ ماجد بن عبدالله الحقيل، تحرص على تنظيم المهرجانات الزراعية الموسمية التي تُسهم في دعم المزارعين وتعزيز الحراك الاقتصادي والسياحي.

وبيّن أن ما يشهده المهرجان من وفرة في إنتاج العنب وتنوّع منتجاته يُعدّ مصدر فخر واعتزاز، ويعكس نجاح الجهود الزراعية التي تشهدها المنطقة، مؤكدًا في الوقت ذاته اهتمام الأمانة بالأسر المنتجة وحرصها على دعمها وتمكينها من خلال إشراكها في مختلف الفعاليات، بالتكامل مع البلديات، ومنها بلدية القوارة، والجهات الحكومية الأخرى، بما يُسهم في تحقيق التنمية المحلية المستدامة.

من جانبه، أوضح مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة القصيم المهندس سلمان بن جارالله الصوينع، أن زراعة العنب تُعدّ من الموارد الزراعية الواعدة، وتحظى باهتمام ودعم من سمو أمير المنطقة، من خلال تحفيز الاستثمار في هذا المجال، وتشجيع الصناعات التحويلية المرتبطة به.

وتطرق الصوينع إلى أن المنطقة تنتج ما يقارب (30) ألف طن من العنب في الموسم، ما يُسهم في تغذية الأسواق المحلية، ويفتح آفاقًا مستقبلية للتصدير، لا سيّما في ظل التوجه المتزايد نحو تصنيع مشتقات العنب مثل العصائر، والدبس، والزبيب، والخل الطبيعي، ما يرفع القيمة المضافة ويعزّز فرص الأسر المنتجة.

وأشار المزارع عساف الهويملي إلى أن مهرجان العنب يُعدّ رافدًا اقتصاديًا مهمًا للمنطقة، لما يتيحه من فرص تسويقية مباشرة للمزارعين، فضلًا عن إسهامه في توفير فرص عمل موسمية للشباب من خلال مشاركتهم في بيع العنب وتحضير العصائر داخل الأكشاك.

وأضاف أن العديد من المزارعين توجهوا إلى المنتجات التحويلية، وتميّزوا بإنتاج الدبس، وورق العنب الأخضر الطازج، إضافة إلى المربى والزبيب، ما يعزّز القيمة المضافة لمحاصيلهم ويواكب تطلعات المستهلكين.

وتواصل منطقة القصيم جهودها في التوسّع بزراعة العنب، وتقديم الدعم الفني والإرشادي للمزارعين، بما يُسهم في رفع كفاءة الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي، ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.

يُذكر أن فعاليات مهرجان العنب تُقام حاليًا في مركز البسيتين التابع لمحافظة عيون الجواء، وتستمر حتى يوم غٍد الجمعة، وسط حضور وإقبال كبير من المتنزهين والمتسوقين.

أخبار السعوديةآخر أخبار السعوديةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • إقبال متزايد من الجالية المصرية بعُمان على صناديق الاقتراع في أول أيام تصويت | صور
  • زراعة العنب في القصيم.. إنتاج نوعي يعزّز تنوّع المحاصيل ويدعم الاقتصاد المحلي
  • 11.7 % نمو قطاع السياحة.. و202 مليون ريال مساهمته في الناتج المحلي خلال الربع الأول
  • سلطنة عمان تشارك في مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية
  • تدوير النفايات في سلطنة عمان..  ثقافة المواطن أم غياب البنية؟
  • سلطنة عمان تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر
  • مروان بن تركي يفتتح "ملتقى الصداقة العماني الصيني 2025".. غدا
  • وقاية النباتات بسنار تؤكد سعيها لتقليل أضرار الآفات للمحاصيل
  • الاقتصاد العماني وسياسات التنويع والابتكار
  • لجنة مكافحة كورونا: الفيروس أصبح ضعيفا.. واستخدام المضادات الحيوية دون استشارة طبيب خطر حقيقي