جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-09@06:09:13 GMT

الريم.. عودًا حميدًا إلى براري عُمان

تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT

الريم.. عودًا حميدًا إلى براري عُمان

 

 

علي بن سالم كفيتان

 

كان شعور جميل في صباح شتوي بارد النسمات على رابية تُطل على وادٍ مُفعم بالحياة في بلادنا الغالية، وفي الخلفية برج وقلعة مقشن كشاهدٍ على الحدث؛ فالمكان يسكنه الكبرياء، وتحفه الهيبة؛ فالقوافل عبرت من هنا، حاملةً معها عبق الجنوب إلى حضارات الشمال، عندما سكنت الوادي.

في الليلة التي سبقت الحدث في خيمة شعر وليلة صافية والسماء تتزاحم فيها النجوم والكواكب ورزيم النوق في الجوار، وهمهمات الرجال على النار، كل ذلك أعاد مشهد من كانوا يعبرون هذه الصحراء المقفرة بحثًا عن فرص جديدة وأمل في حياة أفضل، رغم مجاهيل المكان وجبروته.

كان الفريق منذ عامٍ ونيف، يُفكر في هدف نبيل يُعيد لهذا المكان مفردةً طالما كانت تشكل إحدى جمالياته ومقوماته، وكان هناك تساؤل يقفز إلى النقاش مع كل لقاء: هل ما زال الريم يجوب صحاري الربع الخالي كما كان؟ لتأتي الإجابة غير مكتملة، فهناك من يقول إنه شوهد آخر مرة قبل عقد من الزمن، وآخر يذكر أن الريم باتت بأعداد نادرة لا تكاد تُذكر في صحاري عُمان، الممتدة من أم الطبول في الشمال إلى رملة جديلة في الجنوب، في الوقت الذي أيدت فيه الدراسات المسحية النُدرة، وأوصت بالتدخل السريع لإعادة توطين قطعان من غزال الريم في براري ظفار؛ انطلاقًا من واحة مقشن الشهيرة.

الريم هي قصة الصحراء الجميلة التي يجب أن تُروى للأجيال، وكيف استطاعت البقاء والعيش، رغم عاديات الزمن، وكيف تحوَّل رجال يجيدون استعمال البندقية وينتقون السمين من رؤوس الطعوس، ومفازات الجبال، أمثال الشيخ مسلم بن طفل- رحمه الله- من رُماة بارعين إلى حُماة للأرض والانسان والبيئة. هُنا قفزت إلى مُخيِّلتي زيارتي الأولى للوادي في منتصف تسعينيات القرن الماضي؛ حيث أتيتُ من صلالة لمقابلة خبير بيئي أجنبي قادم من مسقط لإعداد تقرير أوَّلي عن مقومات وادي مقشن، وإمكانية إعلانه محميةً طبيعةً. وصلتُ عصر ذلك اليوم وتجولتُ في الوادي، وفجأة بدا لي مركز للفرق الوطنية (قوة عسكرية شبه نظامية مكونة من المجتمعات المحلية)، توجهتُ إلى هناك، وعند دخولي وجدتُ شيخًا متكئًا على سارية العلم شبه نائم، بينما العلم يُرفرف بقوة الريح، وصوت الحبل يضرب في السارية؛ ليعزف سيمفونية الرسوخ الأبدي. سلمتُ بهدوء، وعندها اعتدل بن طفل ورحَّب، واقتربتُ منه للسلام باليد؛ فشدني إليه قليلًا، ونظر إليَّ بفراسةِ الزمن، فعرف إلى أي قبيلة أنتمي دون أن أُخبره. وعندها، بدأ حديث لم أكن أتوقعه مطلقًا، هنا حديث عن الشهامة والرجولة ومواقف لا تُنسى في مخيلة هذا الرمز الوطني، وهو من هو، خبير مجاهيل الصحراء وجليس السلاطين ورفيق الدروب المعسرة. كنتُ قد سمعتُ عنه، لكنني أراه الآن أمامي كما يُكنَّى في ظفار "بر محيسون". حدثني عن الريم وعن قطعان المها التي كانت ترعى في فرشة قتبيت وواحة مقشن وسهوب المنتصر ومرسودد والمشاش. وحدثني عن جولاته كمُرافِق للمُستشرِق برترام توماس وولفرد ثيسنجر. منحني الرجل مشهدًا سينمائيًا لِمَا كانت عليه البيئة هنا قبل قرن من الزمن.

عقد فريقُ المشروع في هيئة البيئة اجتماعات متتالية، لإعادة توطين هذه المفردة الجميلة مجددا في براري ظفار، وخلط الليل بالنهار، وما كان لهذا الحدث أن يتم لولا توفيق الله ومن ثم رؤية ثاقبة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بإنشاء محمية المها العربية في جعلوني بمحافظة الوسطى؛ فهناك كانت الحاضنة الأولى للأنواع التي باتتْ على شفير التهديد، فتم إكثار المها العربية واستعادتها وإدخال مشروع غزال الريم والغزال العربي وغيرها. ونجحت التجربة التي وفرت مخزونًا بيئيًا للأحياء الفطرية العاشبة، بحيث يُمكن دراستها وإعادة توطينها في المواقع التي انحسرت فيها، في أي شبر من الوطن؛ حيث تُشكِّل محمية المها بنكًا حيًا لأبرز الأنواع المُهددة في عُمان، وخاصة العاشبة منها. من هنا كان الاختيار لعزل القطيع الذي سيُطلق في مقشن، وكان للعدد رمزية؛ حيث تم انتخاب 54 ريمًا وتأهيلها، بحيث تصبح جاهزة للعيش والتكاثر مُجددًا في الربع الخالي. وتم تدريب فريق للرقابة والمتابعة لما بعد الإطلاق، وتزويده بكافة الاحتياجات والمُمكِّنات الكفيلة بإنجاح التجربة، وجرى اختيار موعد الإطلاق في يناير؛ كرمزيةٍ لانطلاق نهضة عُمان المُتجدِّدة.

لم أنسَ حديث بن طفل قبل 40 عامًا، ولن أنسى الخطوات الأولى للريم الأول بعد الإطلاق، عندما فتح صاحب السمو السيد محافظ ظفار راعي المناسبة، باب الحُرية لهذا المخلوق الجميل، لقد كانت خطواته بطيئة ومُتردِّدة، تنُم عن توجسٍ من القادم، وهل بالإمكان العودة بحرية وأمان إلى البرية؟ نظر إلى الخلف إلى الجموع المُحتشِدة خلف الصندوق الذي أُطلقت منه، ولسان الحال يقول هل أنتم جادون؟ بينما يدفع سعادة الدكتور رئيس هيئة البيئة بلطفٍ رفيقًا آخر لينضم إلى الأول المُترقِّب، وبعدها انطلق القطيع إلى البرية، مُسرِعًا، وخلفه الغبار، مع تصفيق كبير من الحضور؛ لتُكتب قصة جديدة من النجاح في براري عُمان في العهد الميمون لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.

حفظ الله بلادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

معاريف: أسيرة إسرائيلية سابقة كانت أكثر أمانا لدى حماس

كشفت أسيرة إسرائيلية سابقة في غزة أفرج عنها في صفقة لتبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل أنها نجت من الأسر ليتم اغتصابها في تل أبيب.

وكانت الأسيرة السابقة في غزة ميا شيم (23 عاما) قد تقدمت قبل شهر تقريبا بشكوى إلى الشرطة الإسرائيلية ضد مدرب لياقة بدنية معروف من تل أبيب، واتهمته بأنه اغتصبها في منزلها باستخدام عقار اغتصاب.

لكن قضيتها أثارت ضجة كبيرة في إسرائيل والعالم بعد مقابلة تلفزيونية أجرتها على القناة 12 الإسرائيلية، بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية.

ونقلت معاريف على موقعها العديد من ردود الأفعال على وسائل التواصل الاجتماعي سواء المتعاطفة مع الأسيرة السابقة أو الساخرة بعد أن كانت زعمت أن "حماس اغتصبتها بأعين مقاتليها"، واتهم المعلقون إسرائيل بأنها ليست فقط قاتلة للمدنيين الأبرياء في غزة، بل أيضا بأنها إحدى أكثر الدول خطورة على الحياة الجنسية، بحسب الصحيفة.

وكتب معلق يقول "إذن مغتصبو حماس لم يغتصبوها، بل كان واحدا منهم"، في حين كتب آخر "كانت أكثر أمانا لدى حماس"، وكتب آخرون يقولون "هذا أمر مؤسف للغاية"، "أصدقها"، و"يا لها من قصة حزينة"، و"مروعة للغاية. آمل أن تحصل على العدالة، وبسرعة"، بحسب ما نقلت عنهم الصحيفة الإسرائيلية.

إعلان

وتقول الصحيفة إنه، بحسب التقارير الرسمية، فمن بين آلاف الشكاوى المقدمة كل عام بشأن الجرائم الجنسية في إسرائيل، فإن نسبة صغيرة فقط منها تؤدي إلى توجيه اتهامات وإدانات.

وحتى في قضية الأسيرة السابقة ميا، فرغم أن المشتبه فيه وجد أنه يكذب على جهاز كشف الكذب، فقد تم إطلاق سراحه من الحجز بسبب عدم وجود أدلة، ولم يتم توجيه اتهام إلى شاهد رئيسي حتى الآن، وفقا لصحيفة معاريف.

يذكر أن جميع الأسرى الإسرائيليين الذين أفرجت عنهم حركة حماس في صفقات التبادل السابقة مع إسرائيل كانوا بحالة جيدة، رغم ظروف الأسر والقصف الإسرائيلي العنيف وشح الغذاء والدواء.

في المقابل، فإنه منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تضاعفت معاناة الأسرى الفلسطينيين بشكل لم يسبق له مثيل منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 بإجماع مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى.

وبلغت حصيلة حالات الاعتقال منذ بدء الإبادة في غزة 16 ألفا و400 اعتقال، من بينهم أكثر من 510 من النساء ونحو 1300 طفل، "وهذا المعطى لا يشمل حالات الاعتقال من غزة والتي تقدر بالآلاف بما فيهم النساء والأطفال".

وشكّلت جرائم التعذيب بكافة مستوياتها وجريمة التجويع والجرائم الطبية والاعتداءات الجنسية، ومنها الاغتصاب، الأسباب الأساسية التي أدت إلى استشهاد أسرى ومعتقلين بوتيرة أعلى مقارنة مع أي فترة زمنية أخرى، وذلك استنادا لعمليات الرصد والتوثيق التاريخية المتوفرة لدى تلك المؤسسات.

مقالات مشابهة

  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: غزوة بدر كانت تطبيقا عمليا لقوة إيمان المسلمين
  • معاريف تعلق على اغتصاب ميا شيم.. كانت أكثر أمانا لدى حماس
  • معاريف: أسيرة إسرائيلية سابقة كانت أكثر أمانا لدى حماس
  • شاهد بالصور..  المذيعة نسرين النمر توثق للحظات العصيبة التي عاشتها داخل فندق “مارينا” ببورتسودان بعد استهدافه بمسيرات المليشيا ونجاتها هي وزميلتها نجمة النيل الأزرق
  • نتيجة حرب ترامب على اليمن كانت عكسية
  • أمير منطقة الرياض يعزي تركي بن حميد في وفاة شقيقه
  • شاهد..الـ “SCLCO” يشل نشاط شبكة إجرامية كانت تنشط تحت غطاء شركات وهمية
  • تركيا تكشف أنها صادرت حمولة أجهزة بيجر قابلة للانفجار كانت متجهة للبنان
  • عمار بن حميد يعيد تشكيل لجنة التشريعات في عجمان
  • بيجر 2 كانت ستستهدف عناصر حزب الله في أيلول الماضي.. وتركيا أحبطت المخطط تقارير تكشف (صور)