The Grievous Political Economy
of Port Sudan and Nairobi Governments

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
????رغم مرور عامين على تصاعد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإن كلا التحالفين (تحالف بورتسودان المدعوم من الجيش، وتحالف نيروبي المدعوم من الدعم السريع) لم يتمكنا من إعلان حكومة موثوقة تدير البلاد.

ويعود هذا التأخير إلى مجموعة من العوامل المتعلقة بالاقتصاد السياسي الذي تجسده العلاقة التفاعلية بين الاقتصاد والسياسة، بتأثير القوى السياسية على الأداء الاقتصادي وتأثير الواقع الاقتصادي على الوضع السياسي. ففي حالة حكومتي بورتسودان ونيروبي المعلن عنهما، فإن الأزمة تشمل تعقيدات مركبة تؤثر على الاقتصاد السياسي وتشمل غياب الشرعية، والتناقضات الداخلية في حواضن الحكومتين، والتحالفات غير المستقرة، وعدم الاعتراف والمقاطعة الدولية، وفشل طرفي الحرب في تحقيق سيطرة كاملة على السودان، مما خلق تحديات معقدة فرضت تباطؤ التحالفين في تشكيل الحكومتين.
1. تحديات الاقتصاد السياسي لحكومة بورتسودان
????حكومة بورتسودان لا تحظى بشرعية محلية أو دولية، مما يجعلها غير قادرة على توقيع اتفاقيات دولية أو جذب الاستثمارات المحلية والدولية، خاصة وأن الاقتصاد السوداني يعتمد بشكل كبير على التعاون الدولي والإقليمي (المساعدات، التجارة، الاستثمار)، وبدون اعتراف عالمي، تبقى الحكومة معزولة اقتصادياً.
???? تحالف قيادة الجيش مع الإسلامويين أفرز شراكة غير مستقرة إذ لكل منهما مصالح اقتصادية متضاربة. فالإسلامويون يسيطرون على شبكات اقتصادية موازية (شركات الأمن، الذهب، العقارات)، مما يقلل من سيطرة الدولة التي يقودها الجيش على الموارد. كما يوجد صراع داخلي بين ضباط الجيش غير الإسلامويين والتيار الإسلاموي، مما خلق بيئة غير مستقرة للاستثمارات والقرارات الاقتصادية.
???? حكومة بورتسودان تعتمد على الريع المتمثل في عائدات الموانئ والجمارك، لكنها لا تملك سيطرة على القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، حيث تراجع الإنتاج الزراعي بسبب الحرب وانعدام الأمن، مما زاد من الاعتماد على الاستيراد ورفع معدلات التضخم.
???? نظراً لتوجس الحلفاء الإقليميين من النفوذ الإسلاموي على حكومة بورتسودان فقد ظلوا مترددين في ضخ استثمارات مؤثرة بسبب دور الإسلامويين في تأجيج الحرب وإشاعة عدم الاستقرار. وعليه فإن حكومة بورتسودان ربما تواجهها ضغوط اقتصادية من الحلفاء الإقليميين لدفعها نحو تسوية سياسية قد لا تتناسب مع مصالح الإسلامويين.
????يستهلك تمويل الحرب والإنفاق العسكري جزءاً كبيراً من الميزانية في تمويل الحرب ضد الدعم السريع، ما يستنزف الموارد المخصصة للخدمات والتنمية، الأمر الذي يصعد عُزْلَة حكومة بورتسودان عن الشعب. وذلك فضلاً عن أن استمرار الحرب يجعل حكومة بورتسودان غير قادرة على التخطيط لاقتصاد مستدام في ظل إعطائها الأولوية للإنفاق العسكري.
2. تحديات الاقتصاد السياسي لحكومة نيروبي
???? تعاني حكومة نيروبي من فقدان السيطرة المؤسسية على الاقتصاد، حيث تفتقر إلى مؤسسات اقتصادية منظمة مما أدى لاعتماد الدعم السريع على الاقتصاد الموازي (تهريب الذهب، الجبايات غير القانونية، الابتزاز المالي). كما يعيق حكومة نيروبي غياب مؤسسات مالية رسمية تجعل من المستحيل إدارة اقتصاد متكامل، مما يؤدي إلى انهيار أي محاولات للاستقرار المالي.
???? تكابد حكومة نيروبي من تكوينها من تحالف غير متجانس اقتصادياً، إذ يضم الدعم السريع، والحركات المسلحة، والأحزاب السياسية، والإدارات الأهلية ذات المصالح الاقتصادية المتضاربة. فالدعم السريع يعتمد على نهب الموارد وتهريب الذهب، ولا يهتم ببناء اقتصاد مستدام. والحركات المسلحة تحتاج إلى مصادر تمويل مستمرة، مما يدفعها نحو فرض الضرائب العشوائية في مناطق سيطرتها. أما الأحزاب السياسية مثل جناح حزب الأمة القومي وجناح الاتحادي الديمقراطي الأصل فتعاني من عدم القدرة على فرض رؤيتها ولعب أي دور في الاقتصاد الرسمي بسبب ضعفها أمام مكونات التحالف الأخرى.
????المؤثرات الخارجية على حكومة نيروبي تحد من استقلالها الاقتصادي، حيث يعتمد الدعم السريع على دعم خارجي من بعض الدول الإقليمية ويفتقر إلى مصادر تمويل مشروعة ومستدامة داخل السودان. ذلك أن توقف الدعم الإقليمي بسبب الضغوط الدولية المحتملة سيدفع حكومة نيروبي نحو أزمة مالية خانقة.
???? تعاني حكومة نيروبي من فقدان التأثير على القطاعات الاستراتيجية مثل عدم السيطرة على البنوك، والتجارة الخارجية، والمؤسسات الاقتصادية الوطنية، مما يحد من قدرتها على تنفيذ أي سياسات اقتصادية فعالة. كما أن الاقتصاد في المناطق التي سيطر عليها تحالف نيروبي مدمر تماماً بسبب الحرب، مما يعني عدم وجود قاعدة اقتصادية يمكن البناء عليها.
3. تحديات الاقتصاد السياسي المشتركة بين الحكومتين
????تكابد حكومتا بورتسودان ونيروبي من التفاعل الطردي السالب بين الاضطراب السياسي وتردي الاقتصاد حيث لا يمكن لأي من الحكومتين تنفيذ سياسات اقتصادية طويلة المدى في ظل حالة عدم الاستقرار العسكري والسياسي. كما أن استمرار الحرب يؤدي لاستمرار هروب رؤوس الأموال، وتوقف الاستثمارات، وانخفاض الإنتاج.
????تعاني الحكومتان من انهيار الإيرادات العامة بسبب فقدان سيطرة أي منهما على القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الذهب، والصادرات الزراعية، والنفط، مما أدى إلى انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية. كما ستواجهان تراجع الإيرادات الضريبية والجمركية بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي وعدم قدرتهما على فرض الجباية في المناطق غير الخاضعة للسيطرة. وسيدفع ذلك الحكومتين للاعتماد على الضرائب غير المباشرة ورفع أسعار الخدمات العامة الأمر الذي يزيد من معاناة المواطنين ويؤدي لتَوَرُّم الاقتصاد الموازي.
????تواجه حكومتا بورتسودان ونيروبي تحديات جسيمة في تفعيل السياسة النقدية بسبب فقدان كليهما السيطرة على النظام المصرفي. فبرغم سيطرة حكومة بورتسودان على بنك السودان المركزي، إلا أن النظام المصرفي منقسم وغير قادر على تنفيذ سياسات نقدية فعالة. ويؤدي ذلك إلى تواصل ضعف الثقة في البنوك المحلية مما يقود لنزوح الودائع إلى الخارج أو الاكتناز خارج النظام المصرفي. وفي المقابل فإن عدم سيطرة حكومة نيروبي على البنك المركزي قد يدفعها لتأسيس بنك مركزي موازي مما يضاعف من الفوضى المصرفية والتوسع غير المسبوق في طباعة النقود وانفلات التضحم وانهيار قيمة الجنيه السوداني، حيث بدأت بعض المناطق في "دَوْلَرَة" و "دِرْهَمًة" اقتصاداتها بالتعامل بالدولار أو الدرهم الإماراتي بدلًا من الجنيه السوداني. وهذا يجعل من المستحيل على الحكومتين إدارة السياسة النقدية أو فرض سيطرتهما على الاقتصاد.
????تخضع حكومتا بورتسودان ونيروبي لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بسبب تزايد جرائم الحرب من الجانبين، مما يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية من المجتمع الدولي قد تقود لتلاشي فرصة صمود أي من الحكومتين أمام تبعاتها الوخيمة.
????أدت الحرب لمعاناة السودان من أسوأ أزمة إنسانية في العالم أثرت سلباً على الاقتصاد السياسي إذ نزح نحو 9 ملايين شخص داخل السودان، ونزح أكثر من 3 ملايين إلى الدول المجاورة كلاجئين. ويواجه نحو 26 مليون شخص (أكثر من نصف السكان) جوعاً حاداً، ويعاني 18 مليون شخص من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. كما أثرت الحرب على الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، حيث إن 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاع إما متوقفة عن العمل أو مُدمَّرة. وتنتشر الأمراض الفتاكة، بما في ذلك الكوليرا وحمى الضنك والملاريا، حيث يفتقر الملايين إلى مياه شرب آمنة. ويقابل هذه الكارثة الإنسانية عجز كامل من تحالفي بورتسودان ونيروبي عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، مما يزيد من فقدان شرعيتهما الشعبية.
????تعاني الحكومتان من ضعف النظام المصرفي وانهيار النظام المالي، حيث أُصِيْبَ النظام المصرفي بالشلل في السودان من تبعات الحرب، مما يجعل التحويلات المالية والتجارة الخارجية شبه مستحيلة. وأدى ذلك لانتشار السوق السوداء والاقتصاد غير الرسمي مما يجعل التحكم في التضخم وسعر الصرف أكثر صعوبة.
????الحكومتان مهددتان بتوسع الاقتصاد الموازي وهروب رؤوس الأموال، حيث أصبح الاقتصاد غير الرسمي أكبر من ضِعْف الاقتصاد الرسمي، مما أدى إلى صعوبة فرض الضرائب على الأنشطة الاقتصادية والتحكم في السياسة النقدية. وتسبب التهريب وانتشار شبكات السوق السوداء في فقدان الدولة للسيطرة على مواردها المالية. وصاحب ذلك نزوح رجال الأعمال ورؤوس الأموال إلى الخارج بسبب المخاطر الأمنية والسياسية.
????تسببت الحرب في عزلة السودان عن النظام الاقتصادي الدولي وأصبح السودان مقطوعاً عن النظام المالي العالمي لعدم وجود حكومة معترف بها دولياً. وبالتالي لا يمكن لأي من الحكومتين الحصول على قروض أو دعم اقتصادي دولي دون حل سياسي شامل.
????تقلل الحكومتان المعطوبتان من فرص استئناف استفادة السودان من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك). فالدول والمؤسسات الدولية الدائنة التي ساعدت السودان في الوصول إلى "نقطة القرار" في يونيو 2021 لن تتعامل مع حكومة بورتسودان أو حكومة نيروبي غير المعترف بهما رسمياً من المجتمع الدولي، مما يجعل التفاوض معهما حول تخفيض أو إلغاء ديون السودان مستحيلاً. وذلك فضلاً عن أن سعي الحكومتين لتأجيج الحرب يؤدي لاستمرار إحجام المؤسسات المالية الدولية عن تقديم مساعدات لدولة في حالة حرب، حيث لا يمكن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التعامل مع حكومة عاجزة عن السيطرة على البلاد أو مواجهة اقتصاد موازٍ في السودان يهيمن عليه الجيش والمليشيات في ظل غياب أي رؤية إصلاحية اقتصادية.
4. الاقتصاد السياسي للسيناريوهات المستقبلية
???? سيناريو استمرار الحرب الذي يدعمه الإسلامويون في تحالف بورتسودان يقود لمزيد من الهشاشة الناتجة عن الضغوط الاقتصادية والسياسية، مما يعني أن الحكومتين ستواجهان مزيداً من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تفاقم الانهيار الاقتصادي مُهَدِّدَةً بانفجار اجتماعي واسع، قد يطيح بكلتا الحكومتين.
???? سيناريو الحل السياسي الجزئي الذي تسعى له أي من الحكومتين ربما يؤدي لتحسن محدود في الأوضاع الاقتصادية ولكن ليس بالدرجة التي تكفي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها الموثوقة.
???? سيناريو حكومة انتقالية مدنية مستقلة ذات مصداقية يقودها التكنوقراط ويحتضنها تحالف شعبي واسع من قوى ثورة ديسمبر الشعبية بمكونيها المدني والعسكري، بحيث تحظى بقبول داخلي ودولي يُعيد السودان إلى المسار الصحيح اقتصادياً وسياسياً، ويفتح المجال أمام دعم المجتمع الدولي والإقليمي للسودان، مما يساعد في تحقيق إصلاحات اقتصادية عميقة ومدروسة، تشمل إعادة بناء المؤسسات المالية، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي، واستعادة الثقة الدولية بعد توفر بيئة سياسية مستقرة. ودون ذلك، فإن التمادي في تشكيل حكومتي بورتسودان ونيروبي رغم عورهما البائن سيجعل السودان عالقاً في دوامة الفوضى والانهيار الاقتصادي، مما يُنْذِر السلام الإقليمي والدولي بعواقب وخيمة.

melshibly@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاقتصاد السیاسی حکومة بورتسودان النظام المصرفی على الاقتصاد حکومة نیروبی الدعم السریع نیروبی من سیطرة على مما یجعل

إقرأ أيضاً:

كيف يتم وقف التدهور الاقتصادي والمعيشي بعد الحرب؟

تاج السر عثمان بابو ١ أشرنا سابقا إلى أن التدهور الاقتصادي والمعيشي والسياسي والاجتماعي ومانتج عنه َمن أنظمة عسكرية أخذت حوالي ٥٧ عاما من عمر الاستقلال البالغ أكثر من ٦٩ عاما، نتج عنه الحرب اللعينة الجارية حاليا، مما يستوجب ترسيخ الديمقراطية والسلام والحكم المدني الديمقراطي، والسير في طريق التنمية المستقلة المتوازنة، وحماية السيادة الوطنية ووقف نهب ثروات البلاد بعد أن تضع الحرب أوزارها. فالبلاد التي دمرتها الحرب التي إضافت عبء إعادة الإعمار في حاجة للنهوض من الأنقاض. ٢ أوضحنا سابقا، كانت تجربة السير في طريق التنمية الرأسمالية الغربية منذ احتلال السودان عام 1898م، وبعد الاستقلال فاشلة وكان من نتائجها: أ – تشويه وتدمير القطاع الزراعي الذي يعتبر المصدر الرئيسي للفائض الاقتصادي اللازم للتنمية والمصدر لتأمين الغذاء، وبالتالي تأمين قرارنا وسيادتنا الوطنية. ب – استمرار وتعميق الفقر حتى وصل نسبة 95 % من السكان. ج – تعميق التبعية للعالم الغربي ، ديون خارجية تجاوزت ٦٠ مليار دولار . د – إهدار الاستثمارات والموارد الوطنية في برامج التصنيع الفاشلة، بل تم بيع أصول القطاع العام ” سكك حديد ونقل نهري وبحري وجوي” وتمليك أراضي البلاد لمؤسسات إقليمية وعالمية لمدة 99 عاما دون مراعاة حقوق أهلها والأجيال القادمة وتدمير القطاع الصناعي والزراعي والحيواني ونهب ثروات البلاد من ذهب وبترول وانهارت العملة الوطنية و أفلست البنوك، وتدهورت الأوضاع المعيشية حتى اصبحت نذر المجاعة تهدد البلاد.وادت الحرب للمزيد من التدهور وتدمير البنيات التحتية ومرافق الدولة الحيوية والمصانع والأسواق والبنوك ومواقع الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي. فشل هذا الطريق يؤكد مشروعية البرنامج الوطني الديمقراطي الذي ينتشل البلاد من التخلف يدفعها في طريق النهضة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ٣ الجذور التاريخية للتخلف : السمات الأساسية للتخلف الذي تعاني منه البلاد تتمثل في : أ – في الجانب الدولي للتخلف الذي يشمل التبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية الأجنبية وتصدير الفائض الاقتصادي للخارج . ب – في الجانب الداخلي : الذي يتمثل في عدم الاستقرار والحروب والمجاعات والفقر وعدم تجانس المجتمع ( قطاع حديث وآخر تقليدي ) واقتصاد جامد ومفكك . هذا التخلف ليس لعنة حلت بنا لا فكاك منها ، ولكنه نتاج تطور تاريخي . ومعلوم أن السودان في العصور القديمة والوسطى شهد مولد حضارات ( كرمة ، نبتة ، مروي ، ممالك النوبة المسيحية ، الممالك الإسلامية : الفونج ، الفور ، وتقلي ، .. الخ ) ، وكانت هذه الحضارات مزدهرة فيما يختص بالتطور الزراعي والصناعة الحرفية ، وكانت هذه الحضارات لاتقل شأنا عن الحضارات التي كانت معاصرة لها في بلدان الشرق والعالم الإسلامي وأوربا في العصر القديم والوسيط . ولكن من أين جاءت جذور التخلف ؟ لقد قطع الاحتلال التركي – المصري للسودان عام 1821 م التطور الطبيعي والباطني للمجتمع السوداني ، وبعد الاحتلال نشأت بنية اقتصادية – اجتماعية تابعة ومتجهة خارجيا ، بمعنى أن كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في تلك الفترة كان موظفا لخدمة أهداف دولة محمد على باشا في مصر ، وتم نهب وتدمير القوى المنتجة في السودان( المادية والبشرية ) ، وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث . رغم ارتباط السودان بالعالم الخارجي وعرف المحاصيل النقدية مثل : القطن ، الصمغ ، والتعليم المدني الحديث والقضاء المدني ،. الخ . وتم استنزاف ونهب موارد السودان ، وإرهاق الناس بالضرائب الباهظة حتى انفجرت الثورة المهدية. استمرت فترة المهدية لمدة ” 13″ عاما كانت مشحونة بالحروب الداخلية والخارجية والمجاعات. لم تشهد فترة المهدية استقرارا حتى جاء الاحتلال البريطاني للسودان (1898 – 1956)، وفي تلك الفترة عاد الاقتصاد السوداني للتوجه الخارجي، أي أن الاقتصاد السوداني كان خاضعا لاحتياجات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن الذي كان المحصول النقدي الرئيسي ويشكل 60 % من عائد الصادرات، وتم تغليب وظيفة زراعة المحصول النقدي على وظيفة توفير الغذاء الأساسي في الزراعة ، هذا إضافة لسيطرة الشركات والبنوك البريطانية على معظم التجارة الخارجية، وارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي، وفي علاقات تبادل غير متكافئة، هذا إضافة لتصدير الفائض الاقتصادي للخارج، فعلى سبيل المثال في الفترة ( 1947 – 1950 ) كانت أرباح شركة السودان الزراعية أكثر من 9,5 مليون جنية إسترليني تم تحويلها إلى خارج البلاد ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ) . كما كانت الصناعة تشكل 9 % من إجمالي الناتج القومي ، وأجهض المستعمر أي محاولات لقيام صناعة وطنية ، وتم تدمير صناعات النسيج والأحذية التي كانت موجودة خلال فترة المهدية ، بعد أن غزت الأقمشة والأحذية المستوردة السوق السوداني . وكان نمط التنمية الاستعماري الذي فرضه المستعمر يحمل كل سمات و مؤشرات التخلف التي تتلخص في الآتي : – – 90 % من السكان كانوا يعيشون في القطاع التقليدي ( المعيشي ) . – قطاع تقليدي يساهم ب56,6 % من إجمالي الناتج القومي . – القطاع الزراعي يساهم ب61 % من تكوين الناتج المحلي . – ضعف ميزانية التعليم والصحة، تتراوح بين ( 4 –6 % ). – نسبة الأمية حسب إحصاء 55 / 1956، كانت 86,5 % . – دخل الفرد كان حوالي 27 جنية مصري في العام. – اقتصاد غير مترابط ومضعضع داخليا ومتوجه خارجيا . – تنمية غير متوازنة بين أقاليم السودان . وبعد الاستقلال استمر هذا الوضع وتم إعادة إنتاج التخلف واشتدت التبعية للعالم الخارجي أو التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني : ديون ، عجز غذائي ( مجاعات )، تصنيع فاشل، وغير ذلك مما وضحناه سابقا. ٤ فشل الرأسمالية السودانية في قيادة النهضة الوطنية : هناك عوامل ومؤثرات وعقبات وقفت في طريق تطور ونمو الرأسمالية السودانية والتي حالت دون أن تتمكن من قيادة النهضة الصناعية والزراعية ، رغم أن بذور نشأتها كانت مبكرة ومعاصرة للثورة الصناعية في أوربا ، فقد نشأت في خضم عمليات التراكم البدائي لرأس المال التجاري في سلطنة سنار ، ويمكن أن نلخص أهم الأسباب التي أدت إلى إجهاض دور الرأسمالية السودانية في قيادة النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الآتي : – – لم تستطع الرأسمالية التجارية أن تحقق نصرا حاسما في صراعها ضد الطبقة الإقطاعية في سلطنة سنار على السلطان الذي كان يحتكر سلعتي الذهب والرقيق ، وبالتالي فشلت في الانفراد بقيادة الدولة ، كما فعلت الطبقة الرأسمالية في أوربا ، هذا فضلا عن توقف التطور الباطني الطبيعي لهذا الصراع بسبب تدخل عامل خارجي هو الاحتلال التركي للسودان . – في فترة الحكم التركي أصبح الاقتصاد السوداني متوجها لخدمة أهداف دولة محمد على باشا في مصر والذي كان يهدف إلى تحقيق نهضة صناعية وزراعية في مصر واللحاق بركب البلدان الأوربية ، وبالتالي حال ذلك دون أن تلعب الرأسمالية السودانية دورها في النهضة . – تميزت فترة المهدية بعدم الاستقرار والحروبات المتصلة والصراعات الداخلية والخارجية وإهمال القطاع الزراعي بسبب التهجير الواسع للمزارعين وأسرهم تلبية لنداء الجهاد مما أدى إلى تدهور الزراعة وانتشار المجاعات مثل مجاعة : سنة 1306 ه ، وبالتالي لم يكن الجو مساعدا لنمو وتطور الرأسمالية السودانية . – في فترة الاستعمار البريطاني للسودان ( 1898 – 1956 ) تصدت الدولة لإنشاء المشاريع الزراعية والخدمية مثل مشاريع القطن ( الجزيرة ، القاش ، طوكر ، جبال النوبة ، …. الخ ) ، السكك الحديدية والطرق الداخلية ، خزان سنار ، ميناء بور تسودان ، … الخ. كما غزت بريطانيا السودان بالسلع الرأسمالية المستوردة، مما حال دون نمو الرأسمالية السودانية وقيادتها للنهضة الصناعية والزراعية. – بعد الاستقلال لم تلعب الرأسمالية الوطنية دورها في النهضة رغم التسهيلات التي كانت تقدم لها، فقد ظل القطاع العام هو المهيمن. – بعد انقلاب مايو 1969 تم تحجيم الرأسمالية الوطنية التي بدأت تلج ميدان الإنتاج الصناعي والزراعي بقرارات التأميم والمصادرة العشوائية ، ومنذ العام 1978 ، وبعد التخفيضات المتوالية للجنية السوداني انهار الإنتاج الصناعي والزراعي وتزايد النشاط الطفيلي الذي دمر الاقتصاد السوداني بتهريب الفائض الاقتصادي للخارج . – وبعد انقلاب 30 / يونيو / 1989 سادت الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية على حساب الفئات الرأسمالية المنتجة، وتم تدمير الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي ونهب عائدات الذهب والبترول وأصول البلاد. وتمت الخصخصة وتشريد العاملين وتدهورت الأوضاع المعيشية ، رفعت الدولة يدها عن خدمات أساسية مثل : التعليم والصحة الذين دخلا دائرة الاستثمار الخاص ،و أفرزت حكاما طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد ، استغلوا الدين في السياسة ، وقهروا الناس باسم الإسلام. وقادوا البلاد للحرب اللعينة الجارية حاليا، بهدف المزيد من نهب ثروات البلاد من ذهب وأراضي و محاصيل نقدية. الخ، والمزيد من الفساد والطغيان في البلاد. بفشل الرأسمالية في قيادة النهضة الوطنية، يستحيل الحديث مرة أخري عن قيادتها تحت ستار “الدولة التنموية” والتي تعني المزيد من الدمار وافقار الكادحين وإعادة إنتاج الأزمة بشكل أعمق من السابق، لا بديل غير قيادة طبقية جديدة تعبر عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين والقوي صاحبة المصلحة ” فقراء ومتوسطي المزارعين ، مثقفين ثوريين، الرأسمالية المنتجة.الخ” ضمن تحالف الجبهة الوطنية الديمقراطية الاستراتيجي لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية. ٥ الهدف المباشر حاليا قيام أوسع تحالف جماهيري قاعدي لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ، وعدم الإفلات من العقاب، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعقد المؤتمر الدستوري الجامع الذي يقرر شكل الحكم والحل العادل والشامل ،ووقف التدهور الاقتصادي والمعيشي. وتحقيق التنمية المتوازنة. الوسومتاج السر عثمان بابو

مقالات مشابهة

  • الطائرات المسيرة تستهدف بورتسودان مجددا
  • السودان.. اختفاء النساء: قصص الحرب والألم والصمت
  • “كيانات شرق السودان” تكشر عن أنيابها في وجه الإمارات
  • مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع
  • طائرة ركاب سودانية تنجو من كارثة محققة
  • السودان.. محامي البشير وزيرا للعدل في حكومة إدريس
  • كيف يتم وقف التدهور الاقتصادي والمعيشي بعد الحرب؟
  • صحف عالمية: ترامب ونتنياهو يخفيان خلافات كبيرة
  • الاقتصاد الإسرائيلي عاجز عن تحمّل حرب طويلة مع إيران.. وترامب يدرك ذلك
  • صحف عالمية: ترامب ونتنياهو يخفيان خلافات كبيرة خلف مظاهر الوحدة