في إبريل وحده، سُجل رقم غير مسبوق في تاريخ المواجهة الجوية بين اليمن والولايات المتحدة: سبع طائرات أمريكية من طراز MQ-9 Reaper تم إسقاطها فوق البحر الأحمر ومحيطه. هذه الطائرة، التي تكلّف نحو 30 مليون دولار، وتُعد رأس الحربة في منظومة المراقبة والضربات الأمريكية، باتت تُصطاد بوتيرة أسبوعية تقريباً، ما يعكس تحولاً نوعياً في القدرات الدفاعية اليمنية، ويضع أمام الإدارة الأمريكية علامة استفهام كبرى حول فعالية تدخلها العسكري المتواصل منذ أكثر من ستة أشهر في هذه الساحة.


لكن الاستنزاف لا يقتصر على الجو. في الأيام الأخيرة، ارتفعت وتيرة الحديث داخل الإعلام الغربي والمراكز العسكرية الأمريكية عن احتمالية إطلاق عملية برية في اليمن، هدفها كسر الطوق البحري الذي فرضته صنعاء، واستعادة زمام المبادرة بعد فشل القصف الجوي والحصار البحري في تقليص قدرة صنعاء على الضرب أو المناورة. غير أن التقديرات الأمريكية لا تمنح هذا الخيار أي هامش أمان: الأرض اليمنية صعبة، والتجربة العسكرية هناك تُشبّه، لدى بعض جنرالات البنتاغون، بفيتنام مصغّرة، خاصة أن القوات اليمنية تمتلك ما وُصف مؤخراً بأنه “نظام دفاع متعدد الطبقات” لم يُستخدم كله بعد.
في حديثه الأخير، أعلن رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، أن المرحلة القادمة قد تحمل مفاجآت من العيار الثقيل، ملمّحاً إلى امتلاك بلاده لمنظومات وأسلحة لا تزال خارج دائرة الاستخدام. الرسالة كانت موجّهة بوضوح إلى واشنطن، التي تدير العمليات في البحر الأحمر من الجو والبحر منذ ديسمبر الماضي، دون أن تنجح في تقليص مستوى التهديد أو حتى تأمين ممر ملاحي واحد خالٍ من الهجمات.
في المقابل، تختبر الإدارة الأمريكية الحالية، حدود قدرتها على خوض معركة مفتوحة في ساحة مثل اليمن. فالرجل الذي عاد إلى البيت الأبيض بخطاب “الانكفاء الذكي” يعرف أن المغامرة البرية هناك قد تتحول إلى كارثة انتخابية وعسكرية في آن. لا إمكانية لتحقيق نصر سريع، ولا قدرة على ضمان انسحاب مشرّف. وفي خلفية هذا التردّد، تصطف التحديات الأخرى: غزة، إيران، أوكرانيا، ناهيك عن الداخل الأمريكي المنقسم والمأزوم اقتصادياً.
من زاوية البنتاجون، يبدو المشهد أكثر كلفة من أي وقت مضى. لم تكلّف العمليات البحرية الأمريكية في المنطقة هذا القدر من الأموال منذ حرب العراق. حاملات طائرات، مدمرات، طلعات يومية، استنزاف في الذخيرة وتكنولوجيا فائقة تُسقط تباعاً. ويضاف إلى ذلك الإرباك الاستراتيجي: العدو لم يعد تقليدياً، بل يعمل وفق منظومة حرب عصابات عالية التقنية، تُسقط الطائرات، وتُحبط التشويش، وتنفّذ هجمات دقيقة خارج حدود اليمن.
أما على الأرض، فإن أي تفكير بعملية برية لا يصطدم فقط بجغرافيا اليمن وتعقيدات قبائله، بل أيضاً ببنية عسكرية متماسكة. فخلافاً لما ساد سابقاً، أظهرت صنعاء في السنوات الأخيرة قدرة على التنظيم والتحديث والتطوير المستقل، سواء في التسليح أو في تكتيكات الانتشار والانسحاب. التقارير الاستخباراتية الأمريكية نفسها تعترف أن اليمنيين لا يقاتلون بشكل انفعالي، بل يراكمون الردع بطريقة محسوبة، ويحتفظون دوماً بمستوى أعلى من القدرة مقارنة بما يظهرونه في الإعلام.
الضربة الأخيرة التي وصلت إلى شمال فلسطين لم تكن استعراضاً رمزياً، بل إعلاناً تقنياً عن امتداد المدى وتحسّن الدقة، بما يكشف عن تطور في الملاحة الصاروخية وتكامل في منصات التوجيه. هذا بحد ذاته، وُصف في تقرير داخلي للبنتاغون بـ”الاختراق الخطير في بنك الأهداف”، لأنه يثبت أن صنعاء باتت قادرة على تجاوز ما يُعرف في العقيدة العسكرية الأمريكية بـ”نطاق الاحتواء”. أي أن القواعد التي بُنيت عليها استراتيجية الردع الجوية والبحرية باتت قديمة وغير صالحة.
في واشنطن، الأصوات التي تنادي بـ”ضبط التصعيد” تتزايد، لكنها تصطدم بالواقع: لا يمكن لترامب أن يُسجّل تراجعاً واضحاً أمام صنعاء، ولا يمكنه أيضاً أن يغامر بمستنقع لا يملك فيه عناصر السيطرة. هو يعرف، كما يُدرك المحيطون به، أن الوقت ليس في صالحه، خاصة إذا تحوّلت اليمن إلى جبهة استنزاف دائمة.
في النتيجة، تقف واشنطن اليوم بين خيارين سيّئين: الاستمرار في استنزاف باهظ غير منتج، أو المخاطرة بعملية برية عالية التكلفة وضعيفة الضمانات. كلاهما لا يحمل أفق نصر واضح، ولا يشبه “الحروب النظيفة” التي اعتادت عليها الإدارات السابقة.

صحفية لبنانية

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل.. هذه أبرز القواعد الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط

 

مع تصاعد التوتر العسكري بين إيران و”إسرائيل” منذ فجر 13 يونيو/حزيران، وتهديد طهران بتوسيع الحرب لتشمل القواعد الأمريكية، عاد الحديث بقوة عن شبكة القواعد العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ودورها الحاسم في أي تصعيد محتمل.

تهديد مباشر من طهران

نقلت وكالة أنباء “فارس” عن مصدر عسكري إيراني أن الحرب “ستمتد قريبًا إلى كل الأراضي المحتلة والقواعد الأمريكية بالمنطقة”، ما يثير تساؤلات خطيرة بشأن جاهزية تلك القواعد ومدى تعرضها للخطر في حال تحوّل التصعيد إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.

القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.. خارطة النفوذأولاً: دول الخليج.. العمق الاستراتيجي قطر: أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدةقاعدة “العديد” الجوية: تضم نحو 13 ألف جندي أمريكي، وتعد أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.تحوي أكبر مخزون استراتيجي للأسلحة الأمريكية بالمنطقة.تضم القيادة الوسطى الأمريكية، والقيادة المركزية للقوات الجوية، والمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية.تضم أكثر من 100 طائرة، وأطول ممر للهبوط الجوي في الخليج.قاعدة “السيلية”: افتُتحت عام 2000 وتعد مستودعًا استراتيجيًا للمعدات العسكرية. الكويت: البوابة اللوجستية لغزو العراقأكثر من 13 ألف جندي أمريكي (2021).أبرز القواعد:قاعدة عريفجان: أكبر قاعدة أمريكية ومقر القيادة الرئيسية.قاعدة علي السالم الجوية: تضم فرقة القوة الجوية 386، محور للنقل الجوي.معسكر الدوحة: مقر القيادة المركزية للجيش الأمريكي.قاعدة بيورينغ: تضم رادارات متطورة تستخدم في الهبوط الجوي.الإمارات: 3 قواعد حيوية على أطراف الخليجقرابة 5 آلاف جندي أمريكي.قاعدة “الظفرة” الجوية: مقر وحدة الانتشار الجوي 380، تقدم دعمًا لوجستيًا.ميناء “جبل علي”: رصيف مخصص لحاملات الطائرات، مقر للقوات البحرية.قاعدة “الفجيرة”: صلة لوجستية بديلة في حال إغلاق مضيق هرمز. السعودية: وجود محدود ومهام دفاعيةحوالي 2700 جندي أمريكي.القواعد:قاعدة “الإسكان” الجوية: تضم المجموعة الجوية 320 ومجموعة الاستطلاع 64.قاعدة “الأمير سلطان”: كانت مقرًا رئيسيًا قبل الانسحاب عام 2003، ثم عادت القوات عام 2020. البحرين: مركز الأسطول الخامسأكثر من 9 آلاف جندي أمريكي.القواعد:قاعدة الجفير البحرية: مقر الأسطول الخامس والقيادة المركزية للقوات البحرية.قاعدة الشيخ عيسى الجوية: استخدمت في الحرب على أفغانستان.قاعدة المحرق الجوية: جزء من مطار البحرين الدولي. سلطنة عُمان: 24 مرفقًا عسكريًا أمريكيًانحو 600 جندي أمريكي.أبرز القواعد:قاعدة “مصيرة”: محطة مراقبة وتسيير طائرات تجسس.قاعدة “المسننة”: تضم مخازن ذخيرة، تستخدم للإمداد الجوي.قاعدة “ثمريت”: مخازن للعتاد والسلاح الأمريكي.ثانيًا: العراق – وجود رغم التوترحوالي 2500 جندي أمريكي (2021).أبرز القواعد:قاعدة حرير: مزودة بصواريخ دفاعية ورادارات.قاعدة بلد: أكبر قاعدة أمريكية بالعراق.قاعدة الحبانية: منشآت للجنود ومقرات للسيطرة.قاعدة عين الأسد: مركز لانطلاق العمليات الخاصة.قاعدة التاجي: مطار وقاعدة ومستودعات ذخيرة.قاعدة سبايكر: مركز للعمليات الجوية والصاروخية في شمال العراق. اقرأ أيضا

تركيا تُعلن دخول طائرة KAAN مرحلة الإنتاج الضخم

الخميس 19 يونيو 2025ثالثًا:  سوريا – تقليص محتمل للوجود

في منتصف أبريل/نيسان المنصرم، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير استندت فيه إلى مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، أن وزارة الدفاع “بنتاغون” تستعد لإغلاق 3 من أصل 8 قواعد شمال شرقي سوريا.

ولفت التقرير إلى أن هذه الخطة ستؤدي إلى خفض عدد الجنود الأمريكيين في سوريا من 2000 إلى 1400 جندي.

وأشار إلى أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين سيقيّمون إمكانية إجراء تقليص إضافي للقوات بعد 60 يوما.

و يتمركز الجيش الأمريكي في 21 قاعدة ونقطة عسكرية، في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور الواقعة شرقي الفرات، فضلا عن عين العرب التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا.

يُذكر أن واشنطن عززت وجودها العسكري في سوريا أواخر العام الماضي، ورفعت عدد قواتها إلى 2000 جندي، بدعوى خطر تنظيم داعش الإرهابي وهجمات المليشيات المدعومة من إيران على القواعد الأمريكية في المنطقة.

رابعًا: الأردن – شريك موثوق

للأردن تعاون عسكري وثيق مع الولايات المتحدة، التي توفد مئات من المدربين الأميركيين لإجراء مناورات عسكرية مكثفة، ولها أكثر من 2800 عسكري في الأردن، بهدف تعزيز أمن البلاد، ودعم الاستقرار الإقليمي (بحسب مصادر رسمية أميركية صيف 2022).

وتتمركز القوات الأميركية في “قاعدة موفق السلطي الجوية”، ويوجد بعضها في موقع عسكري صغير يُدعى “قاعدة البرج 22″، وقواعد أخرى لا تصرح أميركا بها.

كما يقدم الأردن تسهيلات عسكرية للقوات الأميركية في ميناء العقبة.

مقالات مشابهة

  • قوات صنعاء: سنستهدف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر إذا شاركت واشنطن في العدوان على إيران
  • ارتفاعات قياسية لأسعار الذهب في اليمن.. قائمة الأسعار بين صنعاء وعدن
  • دبلوماسي روسي: حاملات الطائرات الأمريكية ستكون في مرمى الصواريخ الإيرانية
  • المتحدث باسم الكرملين يرد على ترامب حول قدرة بوتين على إنهاء الصراع بالشرق الأوسط
  • عاجل : اليمن يرفع سقف الموقف الشعبي في وجه العدوان الصهيوأمريكي وهذا ما تم الإعلان عنه في كل المجافظات
  • "واشنطن بوست": إيران حذرت قطر من أن القواعد الأمريكية في الخليج قد تصبح أهدافا لها
  • برنت يتراجع دولارين مع تأجيل واشنطن قرار المواجهة مع إيران
  • من خرمشهر إلى خيبر شكن.. صواريخ إيران التي قد تغيّر قواعد المواجهة مع إسرائيل
  • مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل.. هذه أبرز القواعد الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط
  • ما مدى تأثير الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية على اليمن؟