"قمة النار": ضربة إلى قلب الدوحة… العملية المؤجلة التي خرجت من الدرج.. !!
تاريخ النشر: 10th, September 2025 GMT
ما الذي جرى؟
في سابقة تهز قواعد الاشتباك الإقليمي، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ ضربة جوية دقيقة على أهداف مرتبطة بقيادات من حماس في الدوحة، وأطلق عليها اسم "قمة النار".
العملية استهدفت حلقة ضيقة من المحيطين بالقيادة، وسط تضارب حول حجم الخسائر ونجاة الصف الأول من قيادات الحركة.. ..
الأهمية هنا ليست تكتيكية فحسب، بل جغرافية وسياسية، إذ جرت في عاصمة حليف مركزي للولايات المتحدة ووسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار منذ اندلاع حرب غزة.
منذ الأسابيع الأولى للحرب، تبنّت إسرائيل عقيدة "قطع الرأس" بتصفية القيادة السياسية والعسكرية لحماس أينما وُجدت. لكن استهداف الدوحة ظل خياراً مكلفاً، فبقي مؤجلاً حتى لحظة التوقيت المناسب.
اليوم خرج القرار من الدرج لاعتبارات عدة:
--سياق تفاوضي حساس: جاءت الضربة بينما تبحث قيادات حماس مقترحات وقف إطلاق النار. الرسالة واضحة: فرض إيقاع تفاوضي جديد بالقوة.
--نافذة عملياتية نادرة: العملية اعتمدت على التزوّد المتكرر بالوقود، ما يعكس مساراً طويلاً مخططاً بعناية.
-- غطاء سياسي ضمني: تقارير عن إخطار أميركي مسبق، مع إنكار رسمي لتبني أو تغطية، لكنها تكشف عن حد أدنى من التفاهم لتفادي الصدام.. .، ،
---لماذا لم تتصدَّ القاعدة الأميركية للطائرات الإسرائيلية؟
السؤال الذي أثار الجدل عقب الضربة: لماذا لم تعترض قاعدة العديد الطائرات الإسرائيلية؟الإجابة تكمن في أربعة مستويات:
1. قواعد التفويض: الدفاعات الأميركية مكلّفة بحماية القوات والمنشآت، لا اعتراض حليف كإسرائيل إلا في حال تهديد مباشر.
2. تمييز الصديق: أنظمة IFF والتنسيق الجوي تسمح بتمييز الحركة الجوية الصديقة، خصوصاً مع وجود إخطار مسبق.
3. وسائط الضربة: من المحتمل استخدام ذخائر بعيدة المدى أُطلقت من خارج المجال الجوي القطري، أو عبر ممرات منسقة.
4. تجنّب الصدام: إسقاط طائرة إسرائيلية فوق الخليج قرار زلزالي، لا تملكه القيادة الميدانية، ولا ترغب به واشنطن.
باختصار: مهمة القاعدة ليست اعتراض إسرائيل، بل حماية الأميركيين.
---قطر وإسرائيل: إلى أين؟
الدوحة وجّهت رسالة غضب سيادي واضحة، ولوّحت بإعادة النظر في دور الوساطة. ومع ذلك، يصعب على قطر التخلي عن سلاحها الأبرز: الوساطة كأداة نفوذ دولي.
--السيناريو الأقرب:تشدد في قواعد الاستضافة والحركة على الوفود.
تصعيد دبلوماسي ضد إسرائيل في المحافل الدولية.
اشتراطات تفاوضية جديدة تضمن عدم تكرار الانتهاك.
--- تداعيات إقليمية1. ضربة للوساطة: الهجوم يضعف الثقة بين الأطراف، ويحرج واشنطن التي تجد نفسها بين إسرائيل وقطر.
2. رسالة ردع: إسرائيل تؤكد أن مبدأ "الملاحقة بلا حدود" قائم، حتى لو كلفها ذلك شرخاً مع حلفاء.
3. ضغط على مسارات التطبيع: أي قنوات خلفية مع دول الخليج ستتراجع مرحلياً، فيما يرتفع ملف أمن الطاقة على جدول المخاطر.
4. انعكاس داخلي في إسرائيل: الحكومة ستسوّق العملية كانتصار، لكنها تدفع ثمن عزلة دبلوماسية متزايدة.
---من أجّل الضربة… ومن سمح بها؟--الولايات المتحدة: كانت هي المانع الأكبر لوقت طويل لحماية منصة الوساطة. ومع ذلك، الإخطار المسبق يوحي بانتقال واشنطن من "المنع" إلى "الاستيعاب الغاضب".
--الاستخبارات الإسرائيلية: انتظرت لحظة مثالية لاجتماع قيادي مؤثر.
الحسابات الخليجية: مرور الطائرات لمسافات طويلة يشير إلى تفاهمات ضمنية لتجنب التصادم.
---سيناريوهات قادمة.. ، ،تعليق لا قطيعة: قطر ستستمر وسيطاً لكن بشروط وضمانات أوضح.
تصعيد بارد: إسرائيل ستواصل الاستهدافات الانتقائية خارج غزة، مع ارتفاع كلفة العزلة الدبلوماسية.
ارتداد أمني: قد ترد أطراف أخرى بشكل غير مباشر عبر ساحات وسيطة، مع حذر من فتح مواجهة في الخليج.
--- خلاصة"قمة النار" ليست مجرد اسم عملية، بل رسالة استراتيجية: إسرائيل توسع الحرب خارج غزة، وتكسر المحرمات الجغرافية، فيما ترد قطر بتمسك بسيادتها.
واشنطن تقف في مربع رمادي بين حليفين، والشرق الأوسط يعود إلى قاعدته الأزلية: كل ضربة تعيد تعريف الطاولة.!
-- محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، ،
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
هل انتهى دور «إسرائيل» الوظيفيّ؟
يخلط الكثيرون بين معادلتين مختلفتين، الأولى هي الدور الوظيفي لكيان الاحتلال كمخلب متقدّم وثكنة مزروعة في قلب الشرق لحماية المصالح الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، وتأديب ومعاقبة كل مَن يتجرأ على تحدّيها، والثانية هي الالتزام الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، بحماية كيان الاحتلال والحفاظ على قوته وتوفير الأسباب لتمكينه من الحصول على كل ضمانات الأمن الوجودي والاستراتيجي لبقائه على أرض فلسطين والاستعداد الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، لتأديب ومعاقبة كل مَن يتجرأ على تحدّي هذه المعادلة.
السؤال المفصلي الذي يواجه أيّ باحث جدّي لا تحركه جيوبه الساعية للانتفاخ من عالم البروباغندا والاستخبارات، هو: أين تقع حرب السنتين التي شهدتها المنطقة؟ هل هي تعبير عن الدور الوظيفي للكيان في حماية المصالح الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، باعتبار قوة المقاومة في غزة، من جهة عقبة أمام مشروع طريق الهند – أوروبا الهادف لتعطيل خط الحريري الصيني الذي يمر عبر إيران نحو أوروبا، وطريق الحرير الأمريكي البديل يفترض أن تستثمر فيه مئات مليارات الدولارات، من أنابيب نفط وغاز وطرق سريعة وخطوط سكك حديد تربط سواحل الخليج بساحل فلسطين المحتلة على مقربة من غزة، وكل هذا يستدعي تصفية المقاومة في غزة وإن أمكن تهجير سكانها، ومن جهة موازية تمثل المقاومة في غزة أحد الأجنحة الفعالة في محور المقاومة الذي تمثل إيران عمقه الاستراتيجي، والذي تجب تصفيته حتى تتمكّن واشنطن من عزل موسكو وبكين، فتجعل موسكو مجرد مركز منعزل في أقصى شمال الكوكب وبكين مركز آخر منعزلاً في أقصى الشرق، أم أن ما جرى في حرب السنتين كان حشداً غربياً شاملاً للدفاع عن كيان الاحتلال وتثبيت وجوده بعد الزلزال الذي عصف بمكوناته وروحه إثر طوفان الأقصى، ما استدعى مجيء القادة والرؤساء وأساطيلهم وحاملات طائراتهم؟
الجواب يستدعي الفصل بين ما تقوله الحرب وما تقوله نهاياتها، حيث يبدو واضحاً أن الحرب نفسها كانت تعبيراً مزدوجاً عن حرب أمريكيّة تتصل بالسعي لتوظيف اللحظة الإسرائيلية ومراكمة أسباب القوة فوقها، لاختبار إمكانية تعديل موازين القوى مع محور الصين روسيا إيران، من بوابة إضعاف إيران إذا تعذّر كسرها أو إخضاعها، من جهة، ومن جهة مقابلة محاولة لإعادة رسم الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية في غرب آسيا، من خلال توظيف اللحظة الإسرائيلية في الحرب والاستثمار فيها، لإنهاء قوى المقاومة وفرض الهيمنة على غرب آسيا وتحويله إلى منطقة صافية للنفوذ الأمريكي، ولكن هذه الحرب هي نفسها حرب “إسرائيل” الكبرى وحرب “إسرائيل” العظمى وحرب “إسرائيل” الوجودية وحرب “إسرائيل” الحدودية، لكن هذه الحرب التي حققت لأمريكا موقعاً تفاوضياً أفضل في معادلتي الصراع مع روسيا والصين، والصراع حول غرب آسيا، أخفقت في حسم الصراع وتحقيق اطمئنان “إسرائيل” الوجودي والحدودي، وضمناً فتح الطريق نحو “إسرائيل” العظمى و”إسرائيل” الكبرى، وبمقدار ما أن النتيجتين بائنتان ولا تحتاجان إلى إثبات، فإنهما تفتحان الطريق نحو فرضية إشكالية كبرى، حيث حسن استثمار واشنطن على الفرصة التفاوضية يستدعي فك التلازم بين حربها وحرب “إسرائيل”، والتسليم بأن التطلعات الإسرائيلية صارت عقبة أمام استثمار أمريكا لوضعها التفاوضي الجديد، وأن الدور الوظيفي لـ”إسرائيل” قد انتهى، وأن على أمريكا فرض الانتقال إلى معادلة الحماية مع “إسرائيل” بدلاً من معادلة الدور الوظيفي.
إذا نجحت واشنطن في التخلص من عبء الدور الوظيفي لـ”إسرائيل”، وانطلقت في خط الانفتاح على حقائق ووقائع المنطقة، فهي تستطيع أن تستثمر على حلفاء مثل السعودية ومصر وتركيا، وتنفتح على علاقة من نوع مختلف مع إيران، وهذا التحرر يحاكي وضع أمريكي داخلي ضاق ذرعاً بدرجة التماهي الأمريكي مع السياسات الإسرائيلية والإجرام الإسرائيلي، وتتيح زيارة ولي العهد السعودي إلى أمريكا ملاحظة بعض الإشارات التي تقول إن تل أبيب لم تعد بوابة واشنطن، وإن مكانة دول مثل السعودية تعاظمت بالمقارنة مع دور “إسرائيل”، دون الوقوع في وهم التخلي الأمريكي عن حماية “إسرائيل” وضمان أمنها الوجودي والاستراتيجي، وإنه إلى حد كبير صار أمن “إسرائيل” أمريكياً منوطاً بضبط التهور الإسرائيلي والتغول الإسرائيلي والتوحش الإسرائيلي، لفتح الباب أمام حلفاء مثل السعودية لتوفير ضمانات الحماية المطلوبة لبقاء “إسرائيل” الوجودي والاستراتيجي. وهذا يتوقف على قدرة واشنطن على السير بخيار يحاكي توصيات لجنة بيكر هاملتون عام 2006م وفي قلبها التفاعل إيجابياً مع المبادرة العربية للسلام.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية