البعد الاقتصادي لوثيقة ترامب- نتنياهو (2- 7)
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
عبيدلي العبيدلي **
لماذا تختلف غزة اقتصاديًا
يتشاطر وضع غزة ملامح اقتصادية مع بلدان أخرى، ولكنه يمثل أيضا تحديات فريدة، يمكن حصر الأهم بينها في المقاط التالية:
مساحة صغيرة وكثافة سكانية عالية: على عكس البوسنة أو العراق، فإن غزة صغيرة ومزدحمة للغاية، مما يحد من النمو البري. ويعتمد تعافيها على الاستثمار المكثف في البنية التحتية والتجارة الخارجية.الاعتماد على الوصول الخارجي: غزة منطقة غير ساحلية باستثناء ساحلها المتوسطي. ولهذا يعتمد اقتصادها كليا على فتح الحدود البرية. هشاشة العائد الاقتصادي: يرتبط اقتصاد غزة مع إسرائيل ومصر، ولذا يعتمد اقتصادها على عمل الموانئ والمطارات. وبدون تعاون إقليمي، لا يمكن لغزة أن تحقق نموًا مستدامًا. اعتماد المانحين: مثل البوسنة، يعتمد اقتصاد غزة، بشكل كبير على المساعدات الدولية. لكن إرهاق المانحين حقيقي، غالبا ما تكون التعهدات أقل من المدفوعات. ولذلك يجب أن يكون أي عائد للسلام مرئيا بسرعة للحفاظ على الزخم. رأس المال البشري: يوجد في غزة سكان شباب ومتعلمون ورواد أعمال. وعلى الرغم من الظروف القاسية، أظهر سكان غزة مرونة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعات التحويلية الصغيرة، والخدمات. ومع الوصول إلى التمويل والأسواق، يمكن لهذا رأس المال البشري أن يدفع النمو بوتيرة متسارعة. الموارد الطبيعية: يمثل حقل الغاز البحري في غزة، رصيدًا كبيرًا، ولكنه غير مستغل. وإذا تمت إدارته بشكل صحيح، يمكن أن يحد من نقص الطاقة، ويولد إيرادات المالية العامة، ويجتذب الاستثمارات. ولكن بدون حكم شفاف، يمكن أن يكرر أيضا لعنة الموارد العراقية.
هشاشة العائد الاقتصادي
حتى لو تم تنفيذ مشروع ترامب - نتنياهو للسلام، فإن المكاسب الاقتصادية هشة. إذ تلوح في الأفق العديد من المخاطر:
فشل الحوكمة: إذا كانت السلطة الدولية الانتقالية تفتقر إلى الشرعية أو الفعالية، فقد تهدر النخب المساعدات أو تستولي عليها. نزع السلاح غير الكامل: وإذا احتفظت الجماعات المتشددة بالأسلحة، فسيظل المستثمرون والمانحون حذرين. المفسدون السياسيون: وهم كثر، ويمكن أن يمتد العنف إلى الضفة الغربية أو لبنان مما يقوض الثقة. إجهاد المتبرعين: وقد لا تترجم التعهدات الأولية إلى تمويل طويل الأجل، خاصة إذا كان التقدم بطيئًا أو كان الفساد واضحا. التوزيع غير المتكافئ: إذا تركزت فوائد إعادة الإعمار في مجموعات معينة، فإن عدم المساواة يمكن أن يغذي الاستياء.التداعيات الاقتصادية على مشروع غزة للسلام
تشير نظريات عوائد السلام والدروس المقارنة إلى ثلاثة شروط أساسية للتحول الاقتصادي في غزة:
ترتيبات أمنية ذات مصداقية: وبدون نهاية حقيقية للأعمال العدائية، لن يتحقق أي عائد. حوكمة قوية وشفافية: ويجب إدارة عائدات المعونة والموارد بمساءلة، بكفاءة عالية تحكمها شفافية مدروسة. المشاركة الدولية والإقليمية المستدامة: يمكن أن تفرض على المانحين والجيران والقوى العالمية أن يظلوا ملتزمين إلى ما بعد المرحلة الأولية.وإذا تم استيفاء هذه الشروط، يمكن أن تشهد غزة تحولا اقتصاديًا عميقا. ويمكن لإعادة الإعمار أن تدفع النمو، ويمكن أن تزدهر الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويمكن أن توفر غزة البحرية الاستقرار المالي، ويمكن تعبئة رأس المال البشري. وستمتد الفوائد إلى ما هو أبعد من غزة، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الإسرائيلي، واستعادة عائدات السويس المصرية، والحد من تقلبات النفط لدول الخليج، وتخفيف التضخم في الولايات المتحدة.
ولكن إذا كانت هذه الظروف غائبة، فإن غزة تخاطر بتكرار إخفاقات شبيهة سبقتها إليها مناطق مشابهة مثل البوسنة أو لبنان أو العراق: التعافي الأولي المدفوع بالمساعدات يتبعه الركود والفساد وتجدد العنف.
الولايات المتحدة: التداعيات الاقتصادية للسلام في غزة
على الرغم من أن الولايات المتحدة بعيدة جغرافيا عن غزة، إلا أن لها مصالح مباشرة وغير مباشرة في نجاح أو فشل مشروع ترامب ونتنياهو للسلام. وبصفتها الوسيط الرئيسي والضامن، ستشارك واشنطن بعمق في تنفيذه. فبعيدا عن السياسة، لدى الولايات المتحدة مصالح اقتصادية تربط اقتصادها المحلي بالاستقرار في الشرق الأوسط. ومن شأن خطة السلام الناجحة أن تقلل من الضغوط التضخمية، وتعمل على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وخلق فرص يمكن التنبؤ بها لصناعتها الدفاعية، وتعزيز المصداقية الدبلوماسية. وعلى العكس من ذلك، فإن الفشل أو العودة إلى العنف من شأنه أن يطيل أمد تعطل الشحن، ويحافظ على تقلب أسعار النفط، ويفرض أعباء مالية وسياسية جديدة.
القنوات الصعودية للاقتصاد الأمريكي
1. تخفيف التضخم من خلال استقرار الشحن. فمنذ أواخر عام 2023، شن الحوثيون في اليمن هجمات بحرية في البحر الأحمر، زاعمين تضامنهم مع غزة. أجبرت هذه الهجمات سفن الحاويات والناقلات على تغيير المسار حول رأس الرجاء الصالح، مما أضاف 10-14 يوما من السفر ومليارات الدولارات من التكاليف. تضاعفت أسعار الحاويات ثلاث مرات، بينما ارتفعت أقساط التأمين للسفن التي تعبر المنطقة. وبالنسبة للولايات المتحدة، التي تعتمد على سلاسل التوريد العالمية للسلع المصنعة والطاقة، ترجمت هذه الاضطرابات إلى ارتفاع أسعار الواردات وضغوط تضخمية أوسع نطاقا.
إذا نجح مشروع السلام في غزة وانتهت الأعمال العدائية، فقد يعلق الحوثيون هجماتهم. ومن شأن تطبيع الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس أن يقلل من تكاليف الشحن العالمية. بالنسبة للولايات المتحدة، هذا يعني واردات أرخص من الإلكترونيات والملابس والآلات والنفط، مما يخفف من التضخم. نظرا لأن الأسر الأمريكية شديدة الحساسية لأسعار المستهلك، فإن هذا التأثير له وزن سياسي: حتى الانخفاضات الطفيفة في التضخم يمكن أن تحسن ثقة المستهلك وتقلل من الضغط على الاحتياطي الفيدرالي.
** خبير إعلامي
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: حرب ترامب التجارية مع الصين تغير المشهد الاقتصادي بالعالم
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرا للكاتبة "باتريشيا كوهين" سلّطت فيه الضوء على التداعيات العالمية المتسارعة لحرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية مع الصين.
وأشارت الكاتبة إلى أن الرسوم الجمركية المتبادلة، والقيود على الصادرات بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط على الدول لاختيار جانب، تُغرق الاقتصاد العالمي في حالة من الاضطراب وعدم اليقين المتزايد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحيفة روسية: هل تفقد فرنسا مزيدا من مصادر الثروة بأفريقيا بعد ثورة مدغشقر؟list 2 of 2صحف عالمية: ترامب يروج للتطبيع ويهمل مسار الدولة الفلسطينيةend of listوأفادت بأن إحدى أبرز الجهات المعنية بتحليل المؤشرات الاقتصادية العالمية أصدرت تقريرها الأخير الثلاثاء، موضحة أن سلسلة من التطورات بدأت فعلا في تغيير المشهد الاقتصادي، حتى قبل صدور التقرير.
فقد دخلت، حيّز التنفيذ رسوم جمركية أميركية جديدة على واردات الأخشاب والأثاث وخزائن المطابخ، وهي إجراءات، وفقا لكوهين، من المتوقع أن ترفع تكلفة بناء المنازل، مضيفة أن تطبيق المرحلة الأولى من رسوم دخول الموانئ المرتفعة التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والصين على سفن بعضهما البعض قد بدأ فعلا.
سلسلة من التداعيات
وقالت الكاتبة إن هذه الخطوة تمثل مجرد حلقة في سلسلة من التداعيات التي أطلقها تعهّد ترامب بتحطيم النظام الاقتصادي العالمي القائم، مشيرة إلى أن المزيد من الإجراءات التصعيدية في الطريق.
وتلفت كوهين الانتباه إلى أن بكين قررت الأسبوع الماضي تشديد القيود على صادراتها من المعادن النادرة، وهي مواد أساسية في تصنيع أشباه الموصلات والهواتف المحمولة وتوربينات الرياح ومعظم الأجهزة الحديثة.
ومن المقرر أيضا أن تَدخل قيود جديدة على معدات إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية حيّز التنفيذ الشهر المقبل، بحسب التقرير.
علاقة شديدة التقلبونقلت كوهين تصريحا لريتشارد بورتس، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للأعمال، الذي قال إن "العلاقة بين الولايات المتحدة والصين شديدة التقلب، فلا أحد يعرف ما يمكن توقعه من يوم إلى آخر، وهذا أمر معتاد في ظل الإدارة الحالية".
إعلانويورد التقرير أن التوتر المتصاعد بين القوتين الاقتصاديتين العالميتين يجرّ معظم دول العالم، إلى دائرة النزاع. فقيود الصين على المعادن والمغناطيسات، على سبيل المثال، تؤثر على شركات السيارات الأوروبية التي تعتمد على تلك المواد وتنقلها عبر الحدود داخل أوروبا. كما أن الرسوم المفروضة على السفن المصنّعة في الصين تشمل حتى الشركات غير الصينية التي ترسو في الموانئ الأميركية.
ويلاحظ تقرير نيويورك تايمز أن بكين وواشنطن تمارسان أيضا ضغوطا متزايدة على دول العالم لحملها على اتخاذ مواقف منحازة، مشيرا إلى أن المكسيك، التي تُعد من أكبر مستوردي السيارات الصينية عالميا، اقترحت حكومتها الشهر الماضي فرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على تلك المركبات، وذلك بعد حملة ضغط مكثفة من إدارة ترامب.
وفي الوقت نفسه، يضيف التقرير، اقتربت الهند من الصين منذ أن فرض البيت الأبيض -غاضبا من استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي- رسوما جمركية تصل إلى 50 بالمئة على السلع الهندية.
وفي أغسطس/آب، زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الصين للمرة الأولى منذ 7 سنوات لحضور مؤتمر أمني واقتصادي، في عرض علني من قبل زعيم الهند أن بلاده لديها الكثير من الحلفاء إذا استمرت إدارة ترامب في استهدافها بالعقوبات.
تسارع وتباطؤ وارتدادات
وقالت الكاتبة إن التحولات في سياسات التجارة العالمية منذ تولّي ترامب منصبه اتسمت بالتسارع والتباطؤ في آنٍ واحد، مما أدى إلى ارتدادات واسعة وغير متوقعة على مستوى العالم.
وينتشر الصدام التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم في جميع أنحاء العالم، حيث تواجه السفن المصنوعة في الصين رسوما جمركية أميركية عند رسوها في الموانئ الأميركية، وفقا لكوهين.
وأوضحت الكاتبة أن النزعة الحمائية آخذة في الانتشار في العالم، إذ اتخذت كل من كندا والبرازيل والمكسيك خطوات لحماية صناعاتها المحلية في مجال الصلب.
ورغم التقلبات المتكررة في السياسات التجارية، أكدت البروفيسورة لوكريتسيا رايخلين من كلية لندن للأعمال لنيويورك تايمز أن الاقتصاد العالمي سيظل مترابطا بدرجة عالية، حتى مع تحول مركز الثقل نحو آسيا وابتعاده عن الغرب.