ثنائية المرأة والإعلام بين «الحضور» و«التمكين»
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
توقفت كثيرًا عند الجلسة الحوارية التي نظمتها صباح الاثنين الفائت مجموعة الإبداع الإعلامي، وهي مجموعة طلابية بجامعة السلطان قابوس يشرف عليها قسم الاعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية؛ احتفالًا بيوم المرأة العُمانية، وحملت عنوان «المرأة العمانية في الإعلام: حضور وتمكين».
الجلسة كانت فريدة ومهمة، خاصة وأنها استضافت ثلاثًا من الإعلاميات العمانيات تحدثن عن تجاربهن الشخصية في العمل الإعلامي الصحفي والإذاعي والتلفزيوني، والعقبات التي تواجههن.
ما أريد أن أقوله إن الحديث عن المرأة والإعلام في عُمان يحمل في داخله ثنائية يجب أن نوفِّيها حقها من التفصيل، وهي ثنائية المرأة العاملة في الإعلام، والمرأة كما تقدمها وسائل الاعلام.
إذا وضعنا عنوان الجلسة الحوارية المشار إليها في مقدمة المقال في الاعتبار، ووافقنا على مقولة «إن عمل المرأة العُمانية في وسائل الاعلام كان في البداية حضورًا، ثم تحول الى تمكين»؛ يمكن أن نقول: إنه منذ البدايات الأولى للبث الإذاعي والتلفزيوني، ونشأة الصحف والمجلات في عُمان مع بداية عهد النهضة في سبعينيات القرن الماضي كان للمرأة العُمانية حضور محدود، وعلى استحياء في بعض الوسائل الإعلامية. واستمر هذا الحضور يتزايد، وشهد في العقدين الأخيرين تحوّلًا كميًا ونوعيًا كبيرا؛ إذ أصبح للمرأة حضور فاعل ومؤثر في معظم إن لم يكن كل المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة، وتعددت الوظائف التي تقوم بها المرأة من مذيعة، وصحفية، ومراسلة، ومحررة إلى منتجة ومخرجة ومعدة برامج، بل رئيسة ومديرة تحرير أو رئيسة قسم أو مسؤولة عن فرق إعلامية.
هذا الحضور وذلك التمكين لم يكن ليحدث لولا وجود سياسات تعليمية وإعلامية واقتصادية واجتماعية واضحة وملزمة أعلت منذ البداية مبدأ المساواة في الفرص بين الجنسين، وفتحت الباب واسعًا أمام الكفاءات النسائية في جميع المجالات، وعلى رأسها المجال الإعلامي. وكان لقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس وأقسام وكليات الإعلام الحكومية والخاصة التي نشأت بعده دور كبير في تخريج أجيال من الإعلاميات العُمانيات اللواتي صقلتهن الدراسة الأكاديمية والتجارب المهنية والدورات التدريبية، والتدريب الميداني، وأصبحن يشكلن اليوم القاعدة النسائية المؤثرة في مختلف المنصات الإعلامية التقليدية والرقمية.
السؤال هنا ونحن في منتصف العقد الثالث من الألفية الجديدة هو: هل يعني الحضور الكمي للمرأة في وسائل الإعلام العُمانية أن عملية «التمكين» قد اكتملت؟ الواقع يقول: إن هذا التمكين لم يكتمل بعد؛ إذ ما زال هناك سقف للطموح النسائي يحدّ من وصول الإعلاميات إلى مواقع صنع القرار التحريري والإداري في المؤسسات الإعلامية. وعلى سبيل المثال؛ يمكن أن تصل المرأة الى منصب رئيسة قسم في صحيفة أو محطة إذاعية أو تليفزيونية، لكنها ما زالت بعيدة عن المناصب العليا في كثير من المؤسسات الإعلامية التي يهيمن عليها الرجال رغم وجود كفاءات نسائية كثيرة. وغني عن القول إن المرأة الإعلامية تواجه تحديات تتعلق ببيئة العمل أحيانًا، وصعوبة تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، ومع ذلك يواصل العديد منهن بدأب شديد دراساتهن العليا سواء في جامعة السلطان قابوس أو غيرها من الجامعات. ولا أفشي سرًا عندما أقول: إن غالبية من يدرسون في برنامجي الماجستير والدكتوراه في الإعلام بجامعة السلطان قابوس من الطالبات العمانيات اللاتي يواصلن عملهن سواء في وسائل الاعلام أو في الإدارات الحكومية للإعلام والعلاقات العامة، ويجمعن بين مسؤوليات العمل والأسرة والدراسة.
إذا انتقلنا إلى المسار الثاني من الثنائية -أي صورة المرأة كما تقدمها وسائل الإعلام العُمانية- نجد مسارًا مختلفًا في المضمون؛ فوسائل الإعلام لا تكتفي بنقل الواقع كما هو، بل تشكله وتعيد إنتاجه. وعند تحليل صورة المرأة في الصحف والإذاعات والقنوات والمنصات الرقمية نجد أنها صورة إيجابية ومشرّفة تركّز على الإنجاز والتفوق العلمي والمهني للمرأة، خصوصًا في المناسبات الوطنية مثل يوم المرأة العُمانية أو يوم المرأة العالمي. وتحتفى المنصات الإعلامية دائما بالمرأة الوزيرة، والمشرعة، والطبيبة، والمهندسة، والمبتكرة، والمعلمة، ورائدة الأعمال، وتُقدَّم نماذج ناجحة وملهمة من مختلف المجالات.
المتابعة الدقيقة لهذه الصورة تكشف عن فجوة في الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام للمرأة العُمانية؛ إذ لا تزال بعض التغطيات تقع في فخ التجميل الاحتفالي، وتغفل القضايا الأساسية التي تمسّ واقع المرأة الحقيقي في سوق العمل والإعلام وفي المجتمع. عندما تكتفي التقارير بعرض نماذج «المرأة الناجحة» فقط دون البحث عن التحديات والعقبات التي تواجه آلاف النساء الأخريات تصبح الصورة خادعة وغير كاملة. ومن هنا فإن على الإعلام العُماني تجاوز الطابع الاحتفالي بالمرأة العمانية في المناسبات الخاصة بها، وأن يتوسع في تحليل واقع هذه المرأة، وينتقل من تسليط الضوء على النماذج الفردية الناجحة إلى مناقشة الإطار المؤسسي والاجتماعي والثقافي الذي يصنع هذه النماذج. ومن المهم لتحقيق ذلك أن تنوع وسائل الإعلام مصادرها النسائية، وألا تكتفي بالتركيز على وجوه معروفة ومستهلكة في كل مناسبة، وتفتح المجال أمام أصوات نسائية جديدة تعبّر تعبيرًا حقيقيًا عن المجتمع.
في تقديري أن الحديث عن المرأة في الإعلام بمعزل عن صورة المرأة في الإعلام حديث ناقص، والعكس صحيح.
فالعلاقة بين المسارين علاقة تفاعلية؛ إذ تؤثر المرأة العاملة في الإعلام في الصورة التي تُرسم للمرأة داخل المحتوى الإعلامي، كما تؤثر تلك الصورة بدورها في نظرة المجتمع إلى الإعلاميات، وفي فرصهن المهنية. وعندما تتولى إعلاميات مواقع قيادية في الإعلام تتغير بالضرورة زاوية النظر إلى المرأة في المحتوى، وتجعل صورة المرأة أكثر اتزانًا وصدقًا. وحين يغيب هذا الحضور النسائي عن غرف التحرير ومراكز صنع القرار الإعلامي تصبح صورة المرأة رهينة وجهات نظر ذكورية أو بيروقراطية تعيد إنتاج القوالب والأنماط الجاهزة نفسها.
إن تمكين المرأة في مهنة الإعلام ليس مجرد قضية مساواة في فرص التوظيف فقط، بل هو أيضًا ركيزة أساسية لتصحيح صورة المرأة في الخطاب الإعلامي نفسه. والتمكين الحقيقي لا يتحقق فقط بتعيين امرأة في منصب إعلامي إداري، بل بتوسيع مساحات تأثيرها في اختيار الموضوعات وزوايا المعالجة وتحديد الأولويات التحريرية. لقد قطعت المرأة العُمانية شوطًا كبيرًا في مجال الإعلام، لكن الطريق إلى «التمكين» ما يزال يحتاج إلى وعي مؤسسي أكبر. من المهم أن تتبنى المؤسسات الإعلامية سياسات تحريرية تراعي قضايا النوع الاجتماعي، وتشجع على خطاب أكثر تعبيرا عن المرأة. ويمكن استثمار منصات الإعلام الجديد، لتكون ساحة تمكين إضافية للمرأة شرط أن يُستثمر في بناء محتوى يناقش قضايا المرأة بفهم وعمق ووعي.
في يوم المرأة العُمانية لا يجب أن يقتصر احتفالنا على المنجزات الفردية فقط، بل علينا أن نراجع ما تحقق على أرض الواقع، ونفتح النقاش حول ما يجب أن يتحقق في المستقبل. إن فهم وإدراك ثنائية المرأة في الإعلام والمرأة في صورة الإعلام يمثل الخطوة الأولى في بناء مشهد إعلامي يليق بما بلغته المرأة العُمانية من حضور وتمكين، وبما يتطلع إليه الإعلام العُماني من تقدم وازدهار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات الإعلامیة الإعلام الع مانی المرأة الع مانیة وسائل الإعلام السلطان قابوس صورة المرأة فی الإعلام المرأة فی حضور ا
إقرأ أيضاً:
انطلق في نسخته الثانية بفرنسا .. الحارثي: معسكر الابتكار الإعلامي نموذج للطموح السعودي
البلاد(الرياض)
انطلقت فعاليات معسكر الابتكار الإعلامي “Saudi MIB” بنسخته الثانية من مدينة كان الفرنسية، ضمن معرض MIPCOM العالمي؛ ليشكّل المرحلة الأولى تحت مظلة المنتدى السعودي للإعلام 2026، في خطوةٍ تعكس توجه المملكة نحو تأهيل المواهب السعودية والعالمية في مجالات الإعلام والتقنية والذكاء الاصطناعي.
وتتميّز هذه النسخة بأنها جاءت بصيغةٍ أكثر انفتاحًا على العالم مقارنةً بالنسخة الأولى؛ إذ تم توسيع نطاق المشاركة ليشمل المبدعين من خارج المملكة لأول مرة؛ لتتحول المبادرة من إطارٍ محلي إلى منصة دولية تستقطب شركات الإنتاج الناشئة، وصنّاع المحتوى، ورواد الأعمال الإعلامية من مختلف الدول.
وأوضح الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون، محمد بن فهد الحارثي، رئيس المنتدى السعودي للإعلام أن معسكر الابتكار الإعلامي يمثل نموذجًا حيًّا للطموح السعودي المتجدد، ورهانًا على العقول القادرة على صناعة المستقبل، مشيرًا إلى أن النسخة الثانية جرى إعدادها؛ لتتجاوز حدود المحلية، ليصبح منصةً عالمية للمواهب من مختلف دول العالم، تأكيدًا على أن صناعة الإعلام الذكي لا تعرف الحدود، بل تصنعها الشراكات.
وقال:” ما نشهده اليوم في كان الفرنسية سيكتمل غدًا في الرياض؛ حيث تتحول الأفكار إلى مشاريع، وتُصنع صناعة الإعلام بروحٍ سعودية وأدواتٍ عالمية خلال المنتدى السعودي للإعلام ومعرض مستقبل الإعلام “FOMEX”.
ويركّز المعسكر على تطوير حلول إعلامية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتمكين المواهب من إنتاج محتوى، يعكس الهوية الوطنية بأساليب مبتكرة.