الشمس مُعتمة عديمة الحرارة
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
صبحى حسن
ما يُميز البوفيه عن بقية أدوات ووسائل وفنون تقديم الطعام ثلاثة أمور: أنه أمام ناظريك واضح جلي، وثانيًا حرية الاختيار ما يناسب ذوقك ومزاجك، وثالثًا الخدمة الذاتية التي من خلالها تذهب إلى الطعام برجلك ولا يأتي إلى طاولتك إلا وأنت معه.
الحقائق والأحداث ليست بوفيه نختار منها ما يروق لنا ونتغاضى عن الأخرى، هنا ليس لنا مجال للاختيار، أو الذوق، أو المزاج، أو الالتزام الصحي الذي يفرض عليك تناول هذا والامتناع عن ذاك.
الحقيقة تعني الثبات واليقين في الشيء، مشتقة من الحق، فحين أقول إن الشمس معتمة عديمة الحرارة وأريد أن يصدقني النَّاس في مقولتي هذه، فأفرد لها كل فنون الإقناع والإثبات، هل سيصدقوني أم يتهموني؟ الشمس لها ضوء ولها حرارة، رضينا بذلك أم أبينا، الحقيقة واحدة لا تُثنّى.
ولنفرض جدلًا، أنك غطيت عينيك بيديك، ووضعت مظلة فوق رأسك، هل سيُحجب عنك الضوء والحرارة؟ وإذا ما صادف سحاب كثيف متراكم في السماء وحجب الشمس، هل الحرارة والضوء ذهبا مع احتجابها؟ الحقيقة متفق عليها ومثبتة بالواقع والبرهان المنطقي، كمثل اليقين الثابت في الأمور الاعتقادية.
طُرحت العديد من النظريات عن ماهية الحقيقة وتشعبت، منها نظرية التماسك التي تقول إن الحقيقة عبارة عن توافق الأفكار مع بعضها البعض داخل نظام متماسك، فالرياضيات صحيحة إذا تطابقت مع البديهيات والقواعد الأخرى للنظام الرياضي. وهناك نظرية التوافق أو التطابق التي ترى أنَّ الحقيقة عبارة عن تناسب أو تطابق الأقوال أو المعتقدات مع الواقع، فالماء يغلي عند 100 درجة مئوية، فإذا غلى الماء عند هذه الدرجة فعليًا، فهذا يعني المطابقة والتوافق. ثم هناك نظرية الإجماع التي ترى أن الحقيقة هي ما يتفق عليه الناس، كأن يتفق المجتمع العلمي بشكل عام حول ظاهرة ما يُنظر إليها أنها حقيقة. وهناك النظرية البراغماتية التي تؤكد أن الحقيقة مرتبطة بالفائدة والنتائج العلمية المتوخاة منها، التي تمكننا من التنبؤ بالظواهر الطبيعية وتطورها، لأنها حقائق لا يمكن نكرانها، فضلًا عن أننا ننتفع من نتائجها عمليًا وواقعًا، وغيرها من النظريات.
الحقيقة من المنظور الإسلامي لا تختلف عما طُرح آنفًا، فهي تعني مطابقة الشيء للواقع أو الثابت أو المتحقق، عكس الباطل والكذب والإفساد. الإسلام والقيم القرآنية أُسست على الحق والعدل، فهي تتفق مع الفطرة الإنسانية وتمنحها المشروعية والثبات. إن الفهم الدقيق والصحيح للعقيدة الإسلامية والقرآن الكريم المصدر الأساسي والمتين للحقيقة، أوضحها لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والراسخون في العلم. يقول الشيخ محمد هادي معرفة: "إن قصص القرآن تتميز بنقطتين أساسيتين، الأولى تحرّي جانب الدقة والواقعية وليس مجرد التخيل، والثانية جانب الغرض والهدف الذي من أجله جاء القصص القرآني". جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
الحياة والكون بُنيا على الحق والحقائق، يقول الله تعالى: "ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى" الأحقاف 3. دور الحقيقة في حياة الإنسان هي الغاية في ذاتها، هي ليست أحداثًا أو وقائع أو معلومات فقط، بل تشمل الأخلاق والقيم والفضيلة، الحقيقة تشمل الموت كما تشمل الحياة. الباحثون عن الحقائق هم المؤمنون حقًا، الباحثون عن الحقيقة هم الذين نطلق عليهم إنسانًا بكل ما للإنسانية من معنى. تخيل أن تبني بيتك من وحي الخيال والفنتازيا، دون أن تمرره إلى مختص بأمور الهندسة والعمارة، فأي نتيجة نتوخى من هكذا بناء؟ إننا نعيش في ظل العلم والقانون والشريعة وكلها حقائق، فالمراد بالحقيقة فهم الواقع وتبنيه، واللغة هي الوسيلة الأساسية لنقل المعلومات وتحديد الحقائق.
مرت علينا الذكرى الثانية للسابع من أكتوبر عام 2023م، ونحن على أعتاب انفراجة قريبة بإذن الله تعالى. هذه المعركة التي جاءت بعد مخاض طويل مُضنٍ مرت عليها مآسٍ كبيرة وكثيرة على العرب بشكل عام وعلى الفلسطينيين بشكل خاص وأساسي.
البداية كانت النكبة في عام 1948، وتعني لغويًا المصيبة المؤلمة وما يعز على الإنسان أن يُسلب منه شيء أو الكارثة الكبيرة. حيث تم طرد وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضهم وتهجيرهم وطمس معالم حياتهم، أكثر من 750 ألف فلسطيني تحولوا إلى لاجئين، ارتكبت عشرات المجازر والفظائع، نُهبت الدور، تم هدم أكثر من 500 قرية فلسطينية، وتم هدم المعالم الأثرية والتاريخية، وتبديل أسماء المدن والقرى الفلسطينية، ومنها بدأ التطهير العرقي ومأساة الشعب الفلسطيني.
ثم جاءت النكسة في السادس من يونيو 1967 وأكملت على ما تبقى من فلسطين، هُزمت فيها ثلاث جيوش عربية مجتمعة خلال ستة أيام، وتم الاستيلاء على قطاع غزة والضفة الغربية. النكسة لغويًا تعني التراجع والهزيمة والإخفاق والضعف والعجز. ما بين النكبة والنكسة تسعة عشر عامًا، هزيمة إلى أخرى، يلاحقنا الذل والعار، وُصمنا بهاتين الكلمتين المشؤومتين خمسًا وسبعين عامًا.
بعد تلك الهزائم الموجعة استلم الشعب الفلسطيني زمام المبادرة بيده وخاضها، فكانت الانتفاضة التي اندلعت عام 1987، وهو أول مصطلح أعطى الثقة والتفاؤل وزخمًا لمستقبل القضية الفلسطينية بعد النكبة والنكسة. بدأت المقاومة الشعبية التي عبّرت عن رفض الاحتلال وجعله واقعًا مفروضًا، استمرت الانتفاضة لعدة سنوات ولاقت تعاطفًا دوليًا. باسم برهوم كاتب ومحلل سياسي كتب مقالًا في صحيفة الحياة الجديدة قال فيه: "إذا كانت النكبة والنكسة تعبيرًا عن محطة مؤلمة في تاريخ القضية الفلسطينية، فإن الانتفاضة هي تعبير عن الروح الكفاحية التنظيمية للشعب الفلسطيني، تمنح الشعور بالكرامة والأمل، وهي دليل على أن إرادته الوطنية الصلبة لا يمكن هزيمتها رغم هول المأساة".
من بعد النكبة والنكسة والانتفاضة، جاء طوفان الأقصى، تاج الفتوحات والانتصارات، لم يوقظ الشعوب العربية من بعض غفلتهم فقط، بل أيقظ العالم بأجمعه من سباته العميق، التي لا تنام هذه الفترة الطويلة حتى حيوانات الشتاء. لقد مُسخت السردية الإسرائيلية، فجاءت العزة والكرامة.
طوفان الأقصى صناعة فلسطينية إسلامية خالصة بامتياز، صُنعت على أرض فلسطين في غزة وبأدواتها المحلية وبطاقاتها البشرية من مقاومين بكل فصائلهم، وبشعبها بلا استثناء، ساندها أبطال من أمثالهم، منهم القريب جغرافيًا ومنهم البعيد، لم يكن البعد عائقًا دون نصرتهم، ولا القرب عذرًا ليمنعهم من النصرة والمساندة خوفًا.
شعوب العالم الغربي انفجرت من أقصاها إلى أقصاها بالمظاهرات والتنديد والتحدي والصمود بوجه حكوماتهم، وتعاملت السلطات معهم بقسوة وغلظة، تم احتجاز المئات من مواطنيهم وزجهم في السجون في بلدان الديمقراطية المزعومة. شمس الحرية ضخت الحرارة في قلوب الغافلين والحائرين من أبناء وبنات الغرب. فعاليات ضخمة لا تزال تقام حتى اليوم من أجل نصرة غزة، غليان في كل مكان في العالم، لا خبر اليوم إلا عن تحرير غزة، وإدخال المساعدات، ووقف الحرب والإبادة الجماعية واسترداد الحقوق.
ما قيمة الحقائق إن حُمّلت على ظهر الجهل، إنها مثل الحمار يحمل أسفارًا، أن يعلم الإنسان الحقائق ويركب الجهل متعمدًا لهو الانحطاط، أفعال الإنسان رهينة في رقبته، فإما أن يصبح جاهلًا متعمدًا في لبوس العلم والشهادات، وإما أن يكون بعقيدته وعلمه خير أمة تُخرج للناس.
اليهود عبدوا العجل بمجرد أن غاب عنهم نبيهم مع وجود هارون بين ظهرانيهم.. خالفوا الأوامر الإلهية بعدم الصيد يوم السبت فمسخوا قردة وخنازير... أنقذهم الله تعالى من فرعون، وعندما أصبحوا في أمان طلبوا من موسى أن يجعل لهم آلهة من أصنام ولمّا يجف البحر بعد... أُمروا أن يذبحوا بقرة لم يعجبهم ذلك، فجادلوا نبيهم وحاولوا التشكيك في أمره، سألوه عن ماهية البقرة لتعجيزه والمماطلة، إلا أنهم في النهاية أُذعنوا صاغرين فذبحوها وما كانوا ليفعلوها.
شعب مهزوز مضطرب منافق، أكبر ميزاته التي لا يُعلى عليه هو الكذب. لم نرَ ما يماثله من شعوب في العالم، حتى الغرب شعوبًا يبغضوهم كل البغض، إلا حكوماتهم. الحقائق عندهم كذب ومعاداة للسامية، والحقيقة عندهم هو الكذب وأنهم شعب الله "المحتار". بنيتهم الفكرية تم برمجتها بخوارزميات منحرفة تم التلاعب بها. هؤلاء كانت أكاذيبهم وسردياتهم تعيش وتنسج خيوطها تحت ستار التمويه والتلاعب، فلما انكشفت مع الطوفان ظهرت عوارتهم، أخذوا يخصفون سبعة آلاف دولار ينفقونها لكل شخص يبرر لهم ظهور عوارتهم ليستروها بالتيك توك.
حسبوا أن الفلسطينيين شرذمة قليلون وحيدون في الساحة، محاصرون، مجوّعون، مكلومون، لكنهم كانوا يغيظونهم ويسببون لهم صداعًا لن يُنسى في التاريخ، ولن تخفف حبوب الخيانة أو حقن أميركا والغرب معًا هذا الصداع الأبدي. كان لا بد من فنائهم والتخلص منهم جميعًا على الطريقة الفرعونية، ولكنها مستحدثة بالفرنكفونية والإنجليزية والهولندية والبرتغالية والإسبانية، مغلفة بالحروب الصليبية والاستعمار المقيت. إخوتنا وأخواتنا في غزة ثبتوا وصمدوا وقدموا الغالي والنفيس رغم ما قاسوه، بقوا على أرضهم ولم يستطع جبروت العالم وأدواته أن يهجرهم أو يطمسهم، أغرقوا في بحر الطوفان عندما انسد عليهم الأفق الرحب، وخرج الغزاويون من بين الركام ليزدادوا إيمانًا وصلابة وشموخًا.
الحقائق ليست للبيع والشراء.. الحقائق ليست دولارات يُتبادل بها.. الحقائق ليست بعيدة عن الواقع، فهي في قلب الحدث شاهدة واضحة جلية.. الحقائق لا يمكن طمسها عبر وسائل إعلامية أو التواصل الاجتماعي، هي مغروسة في القلب والوجدان والضمير والإنسانية والفطرة.. الحقائق لا يمكنها أن تكون مزدوجة، كلامي وكلامك، إنها كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تسقط عليها الشمس ضوءها، فتوهجها وتطلق طاقتها وحرارتها لتُري العالم الحقائق كما هي. يقول الله تعالى: "فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون" (يونس: 32).
ما حصل في غزة هو ظهور الحقائق سمعًا وبصرًا ونموذجًا لا لبس فيه. فلسطين كانت منسية مخفية، تم حجبها عن العالم عمدًا وعن سبق الإصرار، ومن خلفها كانت تُحاك المؤامرات والصفقات أرضًا وشعبًا.
النسيان والصمت والتغافل آفة العصر الكبرى، كم هي عدد المرات التي عشنا فيها القلق والأسى وعدم الراحة مما حدث في غزة طوال العامين؟ الانزواء وعدم المبالاة خطير جدًا، يسمح للآخر بالتدخل في شؤوننا، نتغافل عن الجار وهو قبل الدار عقيدة ولغة وتراثًا ومصيرًا. اللامبالاة والانزواء من الأمور التي تفسخ الإنسانية من إنسانيتها فضلًا عن أُخوّتها. لم يكن اعتباطًا أو دعاية أو ركوب موجة إحياء قضية فلسطين في آخر جمعة من شهر رمضان من كل عام.
إذا تساءلنا وقلنا ما الفارق بين الحياة والآخرة؟ فكلاهما حياة، إحداهما نعيشها والأخرى سنعيشها طال بنا الزمن أم قصر، إلا أن الآخرة تمتاز بظهور الحقائق كما هي، في الدنيا البشر خلطوا الحابل بالنابل، خلطوا الحق بالباطل. غزة فرضت الحقائق على العالم ولم تغادر مكانها وأرضها لعامين متواصلين، تقاتل وحدها على أنقاض جثث أبنائها وبناتها وأطفالها ونسائها ودمارها لتثبت لنا وللعالم صدق قضيتها، فشقت جدار الصمت والأثير فصدقها العالم بعد أن انكشفت لهم الحقائق.
يهود بني النضير أرادوا اغتيال وقتل خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة، رغم الحلف الذي كان بينهم بأن لا يتعرض أحدهم للآخر بمكروه أو خيانة، ذكر القرآن الكريم ذلك في سورة الحشر. أرادوا اغتيال الحق المتمثل بسيد ولد آدم عليه السلام، وهو مذكور عندهم في التوراة ويعرفونه، إنه ليس فقط إخفاء للحقائق وطمسها، بل وأدها وقتلها. نعم، الحقيقة تُقتل كالبشر عندهم، لم يكفهم ما أراقوه من دماء أنبيائهم السابقين عليهم جميعًا سلام الله، أمة كهذه ألا تُبيد شعبًا بأكمله، بل تُبيد كل من يتحرك على الأرض لا يوافق منهجهم وسردياتهم، أكانوا مسلمين أو من ديانات ومعتقدات أخرى.
السردية الصهيونية سقطت إلى غير رجعة، انتهت صلاحيتها للاستهلاك السياسي المخادع، وهي في الأساس كانت غير صالحة وملوثة.
إن إسقاط السرديات التي مضى عليها زمن طويل وأصبحت من المسلمات، من الصعب إعادتها كما كانت، خاصة في ضوء تنامي الوعي الشعبي والعالمي، ولوجود أدوات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تتكاثر يومًا بعد يوم. سوف تُبنى سردية جديدة لا شك، ولكنها ستكون سردية قاسية تأكل معها عقيدتنا وإنسانيتنا، ولن تُبقي فينا إلا عظامًا منخورة عاجزة عن الوقوف إلا على عكاز النظام العالمي الجديد، أو على عكاز المقاومة والصمود.
إنهاء الحرب في غزة هو استراحة محارب، وتحديدًا المحارب الغزاوي مقاومين وشعبًا، وحق لهم ذلك، ولكنها ليست نهاية القصة، السردية التالية ستكون صعبة وخطيرة، لكل واحد منا فيها نصيب وسهم. قرأت مؤخرًا في أحد الصحف العربية مقالًا لأحد الكُتاب تطرق فيه إلى سنوية طوفان الأقصى، فعبر في المقالة في إحدى فقراته عن الجنود الإسرائيليين الذين أُخذوا أسرى على يد المقاومة بالرهائن، وفي فقرة أخرى بالمختطفين.
الحقائق كما قلنا ليست بوفيه نختار منها ما يحلو لنا، صاحبنا فعلها واختار الكوكتيل، من يتجرأ على كتمان الحق ولو على نفسه؟
لريتشارد آلان شويدر، عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي، مقولة: "الحرية ليست هدية أمريكا للعالم؛ بل هي هبة الله للعالم".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ظاهرة فلكية فريدة من نوعها.. تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس بأسوان | القصة الكاملة
خلال ساعات تتجه أنظار العالم إلى جنوب محافظة أسوان حيث حدوث الظاهرة الفلكية الفريدة من نوعها ، والتى تتجسد فى تتعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى فى قدس أقداس معبده الكبير بمدينة أبوسمبل .
وفى هذا الصدد فقد استعدت الآثار ومحافظة أسوان والسياحة لتنظيم ذلك الحدث الفلكى الفريد الذى جسده القدماء المصريون قبل آلاف السنين ، فقد بدأت الإدارة العامة للآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، تحضيراتها للاحتفال بالظاهرة الفلكية الفريدة، لتعامد الشمس على تمثال الملك رمسيس الثانى بمعبده الكبير بمدينة أبوسمبل السياحية جنوب أسوان، يوم الأربعاء 22 أكتوبر الجارى، فى الحدث الفريد الذى تتجه فيه أنظار العالم لمشاهدة المعجزة الفلكية التى استمرت قرابة 33 قرنا من الزمان.
وأكد الدكتور فهمى الأمين، مدير عام الإدارة العامة للآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، أنه تم تكليف فريق من الترميم الأثرى، برئاسة حنان محمد عبد الغنى، مدير ترميم آثار أسوان والنوبة، بأعمال الصيانة الدورية والنظافة الميكانيكية والكميائية والترميم لمعبد أبوسمبل، لاستعادة رونقة قبل الحدث الفلكى الفريد للاحتفال بظاهرة تعامد الشمس.
وأشار إلى أن الأعمال شملت، وضع اللمسات الأخيرة من أعمال النظافة وإظهار النقوش والألوان بمعبدى أبوسمبل، وإزالة الاتساخات من مخلفات الطيور، ومعالجة زيادة نسبة الرطوبة والعوامل الجوية، وتصحيح أى تلف للأثر لإظهار القيمة الحضارية والجمالية والفنية لمعبدى أبوسمبل.
وفى نفس الوقت تشارك هذا العام فى المهرجان 8 فرق فنون شعبية هى: فرق أسوان والأقصر وملوى وسوهاج وكفر الشيخ وبورسعيد والعريش والأنفوشى.
تعامد الشمسوتقدم فرق الفنون الشعبية المصرية عروضها الفنية فى ختام مهرجان أسوان الذى تنظمه وزارة الثقافة ممثلة فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، خلال الفترة من 17 وحتى 22 أكتوبر، أمام معبدى أبوسمبل فى صبيحة تعامد الشمس، أمام الجمهور والزائرين الأجانب والمصريين حضور ظاهرة التعامد.
فيما أعطى اللواء الدكتور إسماعيل كمال، محافظ أسوان، توجيهاته بضرورة رفع درجة الاستعداد القصوى بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية لتجهيز مدينة أبوسمبل السياحية وتزيينها لتكون فى أبهى صورها لإستضافة الضيوف من الزائرين المصريين والأفواج السياحية أثناء مشاركتهم فى فعاليات الاحتفال بمشاهدة ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى.
وشدد محافظ أسوان، على ضرورة تكاتف جهود كافة القطاعات الخدمية والجهات التنفيذية بدءاً من رفع كفاءة الطرق فى طريق المطار وصولاً لطريق المعبد بطول 2.5 كم وبعرض 9 أمتار حيث تم تنفيذ أعمال الرصف بواسطة مديرية الطرق بقيادة المهندس محمد فتحى وذلك ضمن الخطة الاستثمارية للمديرية بتكلفة 18.5 مليون جنيه ، مع تكثيف أعمال النظافة العامة والإنارة والتجميل والتطوير من خلال الوحدة المحلية بقيادة عادل مرغنى بما يساهم فى تهيئة المناطق المحيطة بالمعبد لاستقبال الآلاف من الزوار.
ومن جانبه أوضح الأثرى أحمد مسعود، مدير آثار أبوسمبل بأن ظاهرة تعامد الشمس بأبوسمبل من الظواهر المكتشفة حديثاً لدى علماء الآثار، ولكن جسدها القدماء المصريون قبل آلاف السنين بمعبد رمسيس الكبير فى مدينة أبوسمبل، وتحدث يومى 22 فبراير و22 أكتوبر فى كل عام، وهما يومان مرتبطان بموسمى الزراعة والحصاد عند القدماء المصريين، أو يومان مهمان لدى الملك، قد يكون أحدهما يوم ميلاده والآخر يوم تتويجه على العرش.
وأشار إلى تسلل أشعة الشمس من فوق مياه بحيرة ناصر لواجهة معبد أبوسمبل لتخترق بوابة المعبد، ثم تكمل طريقها فى ممر المعبد من الداخل بطول 60 متراً لتصل إلى منصة قدس الأقداس وتسقط على وجه الملك رمسيس ومنصته ذات التماثيل الأربعة، ويستثنى منهم تمثالاً واحداً لا تتعامد عليه الشمس باعتباره إله الظلام أو العالم السفلى.
وقال بأن منصة قدس الأقداس، تضم تماثيل لأربعة معبودين وهم من اليسار لليمين: "بتاح" إله العالم الآخر وإله منف و"آمون رع" الإله الرئيسى للدولة وقتها ومركز عبادته طيبة و"رع حور أخته" إله هوليوبلس والشمس تتعامد على التماثيل الثلاثة دون "بتاح" إله العالم الآخر "الظلام"، لاعتقاد المصرى القديم بعدم منطقية سقوط أشعة الشمس على العالم السفلى، ولذلك لم يغفل المصرى القديم ببراعته هذا الجانب ومنع الشمس من التمثال الرابع.
وأضاف بأنه تم اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس تعود إلى شتاء عام 1874، عندما رصدت الكاتبة البريطانية "إميليا إدوارد" والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة التى كانت تتابعها وترصدها عندما كانت تستيقظ يوميا مع شروق الشمس وكانت تقيم على مقربة من المعبد، عندها لاحظت أن أشعة الشمس تدخل فى يومين محددين، دخول يمتد إلى داخل قدس أقداس المعبد، ثم سجلتها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل فوق النيل".