بين الواقع والكلمات.. "الفنجان ماد"
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
إسماعيل بن شهاب البلوشي
ليست كل الكلمات تُقال لتُسمع، فبعضها يُقال ليُحس، لتوقظ فينا شيئًا من ذاكرتنا التي تنام على أطراف الصحراء وفي ظل النخيل المخلف من غرس الأجداد.. من هذه الكلمات التي تُشبه حكايات الزمن، كلمة قالها أحد الأجداد ذات يوم وهو يبتسم ويقول: "الفنجان ماد".
قد تمرّ على أذن السامع اليوم فلا تُثير شيئًا، ولكن في قلب من عاش معناها، تختبئ قصة حياةٍ كاملة.
تساءلوا: أين الفنجان؟
فأجاب أحدهم ببساطةٍ تحمل عمق الحياة كلها: «الفنجان ماد»، أي أنَّ الفنجان مسافر، قد أخذه أحد الجيران أو أهل الوادي الآخر ليصبّ القهوة لضيفٍ عنده.
تأمَّلوا هذا المشهد!
مجموعة من البيوت في وادٍ واحد يتناوبون على فنجانٍ واحد.
كل بيت حين يزوره ضيف يبحث عن ذلك الفنجان، يعرف أين ذهب، فيُرسلون من يستعيره.
كم في هذه الحكاية من بساطة وصدق وتعاون، وكم فيها من رمزية الألفة والتكافل.
لقد كانت الحياة صعبة، ولكنها كانت واضحة الملامح، فيها من النقاء ما يغني عن كل مظاهر الرفاه الحديثة.
كان الناس يعرفون بعضهم، ويشعرون ببعضهم، ويعيشون جماعة واحدة، لا يفرقهم المال ولا المظاهر.
أما اليوم، فمع أن الفناجين كثيرة، والمقاهي منتشرة في كل زاوية، إلا أن «الروح» التي كانت في ذلك الفنجان الواحد قد غابت أو كادت.
صرنا نعيش في زمنٍ تتعدد فيه الأدوات وتقلّ فيه اللقاءات ومع ذلك فإن العماني مازال يقاوم حداثة الحياة ليحافظ عليها. نملك كل شيء تقريبًا، لكننا نفتقد دفء المشاركة، وصدق البساطة، وجمال القناعة.
هذه القصة الصغيرة، التي قد يراها البعض عابرة، تذكّرنا بأن الأجداد لم يعيشوا الرفاه، لكنهم عاشوا الكرامة. لم يملكوا الفناجين الكثيرة، لكنهم امتلكوا قلبًا واحدًا يتسع للجميع.
ومن هنا، نحن بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا — لا لكي نعود إلى الماضي، بل لكي نفهمه ونستلهم منه. نحتاج أن نعيد قراءة الحياة بعينٍ ترى المعاناة كجزء من البناء، لا كسببٍ للشكوى. فمن يشكو اليوم من صعوبة العيش، ليتذكّر أن الماضي كان أشد قسوة، ومع ذلك وُلد منه جيل صنع الحياة من الصخر والرمل.
وفي المقابل، علينا أن ننفتح على الحاضر بعقلٍ متزن وروحٍ متفهمة. نعم، هناك من يتحفّظ على الانفتاح والسياحة ويخشى آثارها، ولهم وجهة نظرٍ تستحق الاحترام، لكن في الوقت نفسه، لا يُمكن لأمةٍ أن تبقى حبيسة الخوف؛ فالحياة لا تُبنى بالانغلاق؛ بل بالتوازن بين الأصالة والانفتاح.
لسنا بحاجة إلى أن نقلد العالم، بل أن نعيش كما يعيش النَّاس، نستمتع بما أوتينا من خيرات، ونقلل من السلبيات ما استطعنا، دون أن نفقد جوهرنا.
إن «الفنجان ماد» ليست مجرد عبارة من الماضي، بل رمزٌ لمعنى كبير: رمزٌ لعطاءٍ مشترك، وذاكرةٍ جماعية، ورسالة تقول لنا إننا- رغم اختلاف الأزمنة- ما زلنا نحتاج إلى بعضنا البعض.
ربما تغيرت الأدوات، لكن الإنسان هو الإنسان.
وما أجمل أن نحافظ على ما بقي فينا من ذلك الفنجان الواحد، الذي كان يدور بين الأيدي، ويملأ القلوب دفئًا قبل أن تملأ الفم قهوة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البرش يتحدث لصفا عن الواقع الصحي المنهار والتحويلات الطبية ووخطة التعافي
غزة - خاص صفا
وصف مدير عام وزارة الصحة بغزة منير البرش، يوم الأحد، الواقع الصحي في القطاع بالمنهار؛ جراء تدمير الاحتلال الإسرائيلي للمستشفيات ومنع إدخال الأدوية.
وقال البرش في حوار مع وكالة "صفا" إن الاحتلال الإسرائيلي دمر ما يقارب من الـ 38 مستشفى، وهي جميع المستشفيات في القطاع الخاص والقطاع العام في قطاع غزة.
وأضاف "أعدنا تأهيل 14 مستشفى تعمل بشكل جزئي الآن، لكن لا يوجد مستشفى يقدم جميع الخدمات".
وأشار البرش إلى أن هذه المستشفيات تعمل بشكل جزئي يكمل بعضها البعض.
وأوضح أن هناك خدمات أساسية في وزارة الصحة مفقودة، مثل خدمة القسطرة القلبية أو خدمة القلب المفتوح أو خدمات خدمة السرطان أيضاً، لافتًا إلى أن هذه الخدمات أساسية إلا أنها مفقودة، والناس تموت بسبب عدم تقديمها.
نقص المخزون الدوائي
وأشار البرش إلى نقص كبير في الدواء، مبينًا أن ما يقارب من الـ 60% من الأدوية الأساسية مفقودة داخل وزارة الصحة، إضافة إلى عجز يقدر بنحو 65% في المستلزمات الطبية.
و تابع "لم يصل من احتياجات وزارة الصحة بعد وقف إطلاق النار إلا ما يمثل 10% من قيمة الاحتياجات".
ومضى قائلا: "فقط 60 شاحنة التي وصلت منذ وقف إطلاق النار حتى اللحظة، فلذلك هذا لم يغير من الواقع شيء".
وأردف البرش "ما زال الواقع مرير، وما زال عداد الجرحى يزيد".
ونوه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يحترم وقف إطلاق النار، لاسيما أنه قتل أكثر من 240 شهيدًا، فضلًا عن أكثر من 600 جريح.
ولفت البرش إلى أن عدم فتح المعابر أثر بشكل سلبي على موضوع خروج نحو 20 ألف مريض هم بحاجة ماسة للعلاج بالخارج.
وأوضح أن نحو 18 ألف و100 مريض جرى إتمام أوراقهم الثبوتية وأوراق التحويل مع منظمة الصحة العالمية.
وأكد البرش أن هؤلاء على وجه السرعة لا بد أن يخرجوا إلى دول أخرى للعلاج، مشيرًا إلى أن من بينهم 5 آلاف طفل، إضافة إلى 5 آلاف مريض سرطان، وأكثر من 8 آلاف جريح.
واستطرد "نحن بحاجة إلى سلاسل إمداد ومنظمات العالم ومنظمة الصحة العالمية تتكلم عن أكثر من 3 آلاف شاحنة فقط للقطاع الصحي موجودة على المعابر، لكن لم يدخل منها شيء".
وأضاف البرش "المنظمات الدولية تقول أننا باستطاعتنا إمدادكم وتزويدكم بالدواء، لكن بأي طريقة ما دام الاحتلال يمنع دخولها؟ فكل هذا الأمر الحقيقة يتحكم به الاحتلال ويمنع دخول الأدوية".
وأكد أن الاحتلال يمنع دخول أكبر منظمة دولية من إدخال أدويتها كما أنه يعرقل دخول الوفود القادمة للقطاع منهم جراحون من مؤسسات أمريكية ودولية.
خطة التعافي
وقال البرش إن "الوزارة منذ اللحظة الأولى كانت قد وضعت خطتها للتعافي لمدة 3 شهور وأبلغت بها المنظمات الدولية، وأيضاً وضعت خطة مع وزارة الصحة في رام الله".
وأضاف أن الخطة أرسلت لكثير من المهتمين بالشأن الصحي، خاصة أن أكثر من 38 مؤسسة تعمل في قطاع غزة وهم شركاؤنا كانوا معنا في تنظيم هذه الخطة وإنضاج هذه الخطة.
وأوضح البرش أن "الخطة تحتاج لتعاون مشترك من الجميع، خصوصًا أن هذا الإجرام وهذه الإبادة لم تمر علينا من قبل".
وأضاف "في ظل هذه الظروف أيضاً نحن ما زلنا نستقبل المرضى ونستقبل الجرحى وأيضاً أعدنا نظام جدولة العمليات الجراحية".
جثامين الشهداء
وأردف البرش "استقبلنا منذ اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 300 جثمان طاهر. هذه الجثامين التي فجعنا ونحن ننظر إليها"، مؤكدًا أن شتى أنواع القتل كانت ظاهرة على هذه الجثامين.
وتابع "كانت الجثامين كالصاعقة نزلت علينا عندما رأينا ماذا فعل الاحتلال بها خاصة أننا وجدناها محترقة، حرقها الاحتلال بعدما أعدمها ميدانياً بالإضافةإلى جثامين نهشتها الكلاب".
وأشار إلى أن الدلائل تشير إلى أن الإعدام والقتل جرى عن قرب".
وقال إن بعض الجثامين جرى دهسها بالمجنزرات، وقد رأى العالم آثار المجنزرة على أجساد الشهداء"
وأضاف البرش "أيضاً شاهدنا آثار ربط وخنق وتعذيب ميداني وعُصب مغلقة بها العينين".
ومضى قائلًا: "من خلال الرؤية الأولى لهذه الجثامين الطاهرة ومن خلال التشريح أيضاً لبعض الجثث ثبت وجود سرقة لأعضاء بعض الجثث عن طريق جراحين مختصين".
ولفت إلى أن بعض الجثامين جرى لها عمليات استئصال للكلية والكبد ونزع القرنيات.
وشدد البرش على أن "كل ذلك يدلل على وجود سرقة ممنهجة ومبرمجة عن طريق جراحين متمكنين".
وتساءل "كيف أزال هذا المتخصص عظمة الصدر الأساسية وكيف دخل وسرق الأعضاء التي يستطيع زرعها في ناس آخرين؟".
وتابع المدير العام لوزارة الصحة" نحن أمام جرائم مركبة إن كانت في التنكيل في الجثامين أو في سرقة الأعضاء أو في حرقها أو في نهش هذه الجثامين عن طريق الحيوانات المفترسة مثل الكلاب المدربة وغير ذلك".
وطالب البرش العالم بالتحقيق في تلك الجرائم الفظيعة.