تدوينات الشاعر علي بن جبر في فواتح كتبه
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
عاش الشيخ الأديب علي بن جبر الجبري (1918- 1995م) عليه رحمة الله حياة المُعْتَزِل، ولم يسله في حياته شيء أكثر من مطالعة نفائس الكتب، فكانت مكتبته روضته الأدبية والفكرية والعلمية، وكان الكتاب صديقه الحميم، الذي يحاوره حين يكون وحيدًا، وكانت الكتب شمعة حياته في الليالي المظلمة، وأنيسه في الأيام الموحشة، وجدته يستشهد بهذين البيتين، ويكتبهما في فاتحة أحد كتبه، وهما: (إذا لم أجِدْ لي في الزَّمانِ مُؤانِسًا - جَعَلتُ كِتابي مُؤنِسِي وجَليسِي)، (وَأغلقْتُ بابي دُونَ مَنْ كانَ ذا غِنىً - وأمليْتُ مِنْ مَالِ القَناعَةِ كيسِي).
عمل أمينًا لمكتبة «المعهد الإسلامي الثانوي»، يوم أن كان هذا المعهد في ضاحية الوطية، إحدى المنارات التعليمية في مسقط، وحين تقدَّم به العمر، ضم مكتبته إلى مكتبة المعهد، لتبقى منفعتها لطلاب العلم، ثم كان اللقاء ببعض منها، في سانحة من العمر، وجدتها مودعة في رفوف مكتبة «مركز سناو الثقافي»، يا لجمال ما أرى، مطبوعات قديمة لا توجد في المكتبات، كتب بطبعات قديمة، لم يصدر منها بعد ذلك ما يشاكلها في النفاسة، كتب أدبية مختلفة لكبار أدباء العربية، لشعراء وأدباء، كانت يوما بين يدي الشيخ علي بن جبر، في بيته بمحلة «الميابين» بمسقط، رحت أتصفَّح كل كتاب، وكانت صفحاته تحدثني عن الشيخ علي، عن ذلك الأديب، الذي عاش معها منذ شبابه وولعه بالقراءة، وعاشت معه إلى أفول شمعة عمره، وقلَّبها وقرأها.
وخلال أكثر من زيارة لمركز سناو الثقافي، قمت بحصر أكثر من ثلاثين كتابا، تعود للشيخ علي بن جبر، ترك فيها بصمته، ووقَّع في صفحاتها الأولى، بعضها اشتراها من مكتبات مسقط، وبعضها من سفراته الخارجية كرحلة الحج، وبعضها وصلته هدية من أصدقاء له، يعلمون عن شغفه بالكتب، ككتاب «الحيوان» للجاحظ، أهداه له صديقه علي بن محمد الجمالي، ووقع على إهدائه: أهدي هذا الكتاب المؤلف من خمسة أجزاء، إلى الأخ علي بن جبر بن سعود الجبري، 7/12/1988م. لذلك كان الكتاب أجمل الهدايا يتلقاها عاشق للكتب، كما كان شغوفًا بشراء وقراءة المجلات الثقافية كمجلتي «العَرَبي» و«الهِلال»، كتب فيهما ثناءً شعريًا، عبَّرَتْ عن قراءاته المتنوعة، فهو يقول في العربي: (هَذِي المَجَلةُ فليَفْخَرْ بها العَرَبُ)، وفي مجلة الهلال: (فَلَعَمْرَي أنَّ الهِلالَ هِلالٌ - في سَمَاءِ البَيَانِ أصْبَحَ بَدْرا)، (إنَّ جورجي زيدان أسَّسَ مَجْدًا - خَالِدًا يا لهُ مَنَالًا وَفَخْرا).
يا لعشق الأديب للكتب، ويا للعُمْر كيف يسيل قطرة قطرة من سحابة الحياة، ثم تأتي ساعة الرَّحيل فيتركها يتيمة، لا تلامسها يد عاشقها، ولا يحنو عليها حضن صاحبها، لقد رحل الشيخ علي بن جبر عن الحياة، وأجمل ما تركه هو مكتبته وديواناه الشعريان، وهما: «وحي القريحة»، و«بهجة النفوس»، أما المكتبة فقد أوقفها لمكتبة المعهد الإسلامي، لتتبدد إلى مكتبات أخرى، وأما الديوانان فوثق فيهما بوحه وشغفه بنظم الشعر، ومع أنه لا يُعرَف أحد من أجداده شاعِرًا، إلا أن الشيخ عبدالله بن علي الخليلي (ت 2000م) يبرر في سيرة كتبها عنه، أنَّ منبع شاعريته استمدَّها من خاله الشاعر السيد هلال بن بدر البوسعيدي (ت 1385هـ/ 1966م)، وهذه المعلومات وثقتها «الموسوعة العمانية» في مدخلها الخاص عن الشاعر.
أثناء تقليبي لكتب الشيخ، رأيت له نمطًا خاصًا به في مطلع كل كتاب، مثال على ذلك، قام بترتيب أسماء الأدباء المذكورة في كتاب «الآداب العربية في القرن التاسع عشر»، للأديب لويس شيخو اليسُوعِي، يملأ فراغ الصفحات الأولى من الكتاب بتلك الأسماء الأدبية والشعرية، مع ذكر رقم الصفحة والجزء، حتى يسهل عليه التوصل إليها، كما وقَّع على الكتاب بهذه الجملة التي تتكرر كثيرًا في فواتح كتبه وهي: (من كتب الفقير إلى الله علي بن جبر بن سعود الجبري بيده)، ثم يكتب تأريخ حصوله عليه، أو يكتب (هذا لي، وأنا علي بن جبر)، أو يكتب (ملك الفقير إلى الله)، أو يكتب (في حوزة الفقير إلى الله).
وفي الصفحات الأولى من كتاب «مختارات آل عبدالقادر»، وهو كتاب يضم قصائد مختارة، جمعه العالم والباحث الشيخ محمد بن عبدالله بن عبدالقادر، وطبع على نفقة سمو الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، حصل عليه الشيخ علي هدية خلال أيام زيارته للدوحة، ووقع عليه بجملة: (أهداني هذا الكتاب فضيلة الشيخ عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، في يوم 25 شوال 1384هـ).
ومن سوق مطرح اشترى ديوان ابن زيدون، نعلم ذلك من توقيعه على الكتاب في فاتحة صفحاته الأولى: (أخذته بالشِّراء الصحيح، من سوق مطرح، في 14 رمضان 1390هـ)، واشترى من هذا السوق أيضًا ديوان العباس بن الأحنف، ومن سوق مسقط، يشتري الشاعر علي بن جبر ديوان كعب بن زهير، وذلك بتاريخ 23 جمادى الثانية، 1379هـ، وأما ديوان معروف الرصافي، فقد حصل عليه هدية من صديقه الأديب موسى بن عيسى، الذي اشتراه له من مكة المكرمة، بتاريخ 13 ذي الحجة 1387هـ.
وكما تَقَبَّل الشيخ علي بن جبر كتبًا وصلته إهداء من أصدقائه، يهدي أيضًا إلى مكتبات أخرى، ويضع بصمته عليها، كإهدائه ديوان حافظ إبراهيم، وهي نسخة قديمة صدرت عام 1937م، عن دار الكتب المصرية، أهداه الشيخ علي إلى مكتبة معهد الدراسات الإسلامية بوزارة التربية، وذلك بتاريخ 25 شعبان 1395هـ، 2/9/1975م، وكان قد اشترى الديوان بتاريخ 28 ربيع الأول 1389هـ، وحصل على كتاب «زهر الآداب» للقيراوني هدية من أحد أصدقائه.
ومن كتب الشيخ لاحظت أنه كثير المراسلة، لبعض المجلات والصحف وأصدقائه من الشعراء والأدباء خارج الوطن، وكان لديه صندوق بريد يحمل رقم: 177، ومن خلاله وصلته الكثير من الكتب، والرسائل.
وحصل الشيخ علي بن جبر على كتاب «سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي»، لمؤلفه عبدالملك بن حسين بن عبدالملك العصامي المكي، حصل عليه هدية أثناء زيارته لدولة قطر، وكَتَب يؤرخ للهدية: (أهداني هذا الكتاب المحسن الجليل نصر بن حمود بن حمد أبقاه الله، 23 شوال 1386هـ).
ويتلقى الشيخ أحمد بن سليمان بن زهران هديَّة من زعيمة بنت سليمان الباروني، بتوقيع الكاتبة زعيمة، في الصفحات الأولى، لكتابها عن والدها (صَفحاتٌ خالدة من الجِهَاد)، وذلك بتاريخ 17/7/1964م، حين كانت مقيمة في القاهرة، ويهديه بدوره إلى الشيخ علي بن جبر، 23/1/1394هـ.
ويؤرخ علي بن جبر تاريخ شرائه لكتاب «الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين»، لمؤلفه حميد بن محمد بن رزيق، اشتراه من مكتبة العائلة من السوق الداخلي بمسقط، في الرابع من ذي القعدة 1397هـ، ويؤرخ أيضًا شراءه لكتاب «نهاية الإرب»، بمجلداته الفخمة والمتعددة، معبِّرًا عن ذلك بقوله: أخذته بالشراء الصحيح، في يوم حادي ذي الحجة، 1391هـ.
وأحيانًا يوثق تاريخ الانتهاء من قراءة الكتاب، كتوثيقه لقراءة ديوان بهاء الدين زهير، فكتب: (قد فرغنا من قراءة هذا الديوان، في اليوم السادس من شهر الحج 1389هـ)، وكذلك حين انتهى من قراءة ديوان طرفة بن العبد، كتب: (انتهينا من قراءة هذا الديوان، في 14 رمضان 1395هـ)، وأحيانًا يلمح إلى بيت شعري، يبدو أنه راق له أثناء القراءة، فيكتب له إشارة في الصفحات الأولى، كهذا البيت لابن النحَّاس الحلبي: (أنْتَ في أسْوَدِ الفُؤادِ ولكِنْ - أسْوَدَ العَيْنِ يَشْتَهِي أنْ يَرَاكا)، وهذا الديوان حصل عليه ابن جبر هدية، من الشيخ العالم مبارك بن سيف الناخي، من دولة قطر، بتاريخ 4 ذي القعدة 1386هـ، كما أهداه أيضًا ديوان علي بن مقرب العيوني، المطبوع مع شرحه للشيخ عبدالعزيز بن أحمد العويصي، ويلمح كذلك في بعض فواتح كتبه، إلى رقم إحدى الصفحات، وحين بحثت عما ألمح إليه، وجدت بيتًا من الشعر أو حكمة راقت له.
مثل هذه التدوينات توثق التاريخ الثقافي لصاحب الكتب والمكتبة، ويمكن أن يستفاد منها لكتابة سيرة غيرية عنه، تكشف اطلاعه على أمهات كتب الأدب العربي، ورحم الله الشيخ الشاعر علي بن جبر الجبري، الذي لم يذكره أحد بكلمة، ولولا المدخل التوثيقي الذي ورد عنه في الموسوعة العمانية لضاع ذكره، إلا أن تكتب دراسة عن
ديوانه، الذي لم يعد متداولا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصفحات الأولى من قراءة حصل علیه
إقرأ أيضاً:
ديوان المحاسبة يعقد الاجتماع الثاني العادي لمديري الفروع بمدينة زليتن
الوطن| متابعات
عقد رئيس ديوان المحاسبة، الاجتماع الثاني العادي لمديري فروع الديوان بمدينة زليتن، بحضور مديري الإدارات والمكاتب والفروع.
وناقش الاجتماع جملة من الموضوعات المتعلقة بسير العمل في الفروع، من أبرزها العراقيل والمشاكل التي تواجه أداء الفروع، لاسيما فيما يتعلق بالاحتياجات الوظيفية، وتطوير منظومة التواصل الرقمي والتقني بين الإدارة العامة والفروع، إضافة إلى توفير المتطلبات اللازمة لمتابعة المشروعات المنفذة ضمن نطاق الفروع.
وتم التطرق إلى فتح عدد من الفروع الجديدة بعد صيانتها مثل بني وليد، زليتن، نالوت، ومصراتة، إلى جانب إنشاء قسم جديد لمتابعة أصول الديوان بكافة فروعه، يتبع الإدارة العامة للشؤون الإدارية والخدمات.
وقد قدم مكتب التفتيش والمتابعة عرضاً تناول أبرز الملاحظات الواردة على أداء الفروع والحلول المقترحة لمعالجتها، فيما استعرض مكتب التخطيط وإعداد التقارير نتائج تنفيذ الخطة التشغيلية للعام 2024، ومتابعة تنفيذ الخطة الرقابية لعام 2025
وناقش الحاضرون جهود مكتب تقنية المعلومات بشأن مشروع الربط التقني بين الإدارة العامة والفروع، والاستفادة من الاتفاقيات الموقعة مع الأجهزة العليا للرقابة المالية في تركيا وإسبانيا، خصوصاً في مجالي التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام الرقابية.
الوسومديوان المحاسبة زليتن ليبيا