مسقط- الرؤية

 

في إصدار أدبي وإنساني يحمل بصمة خاصة في المشهد الثقافي العربي، يُطلّ الكاتب أبو إسحاق إبراهيم بالحاج بعمله الجديد "نور خلف القضبان" رسالة إلى سجين، وهو كتاب يتجاوز حدود الورق ليصبح رسالة وجدانية موجهة إلى كل إنسان جُرّب بالعزلة أو ضاق به الأفق، فيعيد إليه المعنى الحقيقي للحرية والأمل.

يقع الكتاب في نحو سبعين صفحة من الحجم المتوسط، ويضم مجموعة من الفصول التأملية التي تمزج بين الفكر والدين والتجربة الإنسانية.

ينطلق الكاتب من تجربة رمزية عميقة، محورها السجن بوصفه حالة وجودية لا جدرانًا مادية، فيقول في إحدى صفحات الكتاب:

“الحرية الحقيقية لا تُمنح من خارجك، بل تُولد من داخلك حين تصالح ذاتك مع الله.”

من خلال هذا المنظور، يجعل الكاتب من كتابه رحلة تأملية نحو النور الداخلي، يحرر فيها القارئ من فكرة السجن بمعناه المادي إلى إدراك أعمق لمعنى الحرية الروحية.

يقدّم الكتاب قراءة روحانية لقصص الأنبياء، خصوصًا قصة يوسف عليه السلام، التي يراها نموذجًا لرفعة الروح بعد العزلة، مؤكّدًا أن "العزلة قد تكون معبرًا للصفاء، وليست نهاية للحرية."

ويمتد الكاتب في تحليله ليقارن بين السجين خلف القضبان والسجين في قلبه، موضحًا أن كثيرين يعيشون في سجون غير مرئية من الخوف أو الندم أو الانكسار.

بهذا الخطاب المتوازن بين العقل والروح، يتناول الكاتب موضوع السجن ليس من زاوية العقوبة، بل من زاوية العبرة والتحول، ليحوّل الألم إلى أفق جديد من الإيمان والرجاء.

لغة إبراهيم بالحاج في هذا العمل هادئة وعميقة، متدفقة بالإيمان دون وعظ مباشر، تميل إلى البساطة التي تُقنع والعاطفة التي تُلهم.

يستخدم الجمل القصيرة المتتابعة ليحافظ على إيقاع داخلي يلامس القلب، ويمنح النص طابعًا تأمليًا يجعل القارئ شريكًا في التجربة لا متلقيًا لها فقط.

وفي مقطع لافت يقول الكاتب: "كم من سجين لم يذق طعم القيد، وكم من حرّ يعيش خلف القضبان".

بهذه المفارقة، يعيد تعريف معنى الحرية ويضع القارئ أمام سؤال وجودي عميق: من هو السجين حقًا؟

يتوّج الكتاب بفصول تُضيء طريق التوبة والعودة إلى الله، داعيًا إلى استثمار لحظات الانكسار في بناء الذات.

ويخصّص فصلًا بعنوان “عظماء صنعوا في السجون” ليذكّر بأن كثيرًا من المصلحين والمفكرين خرجوا من العزلة أكثر نورًا ونضجًا.

ومن خلال هذا المنحى، يصبح الكتاب صرخة أمل وصوت وعي إنساني يدعو إلى التحرر من قيود الغفلة واليأس.

يأتي هذا الإصدار ليعزز حضور الكاتب إبراهيم بالحاج في الساحة الفكرية العربية، بتناوله قضايا الإيمان، والإنسان، والعلاقة بين الألم والنهضة الروحية. ويُحسب للكاتب أنه نجح في الجمع بين الطرح الدعوي الرصين والأسلوب الأدبي المعاصر، دون أن يفقد النص صدقه الإنساني أو عمقه النفسي.

"نور خلف القضبان" ليس مجرد كتاب، بل صوت ضوءٍ في زمنٍ كثرت فيه الظلال. إنه دعوة لأن نبحث عن الحرية داخلنا قبل أن نطلبها من العالم، وأن ندرك أن وراء كل ظلمةٍ نورًا ينتظر من يراه بقلبٍ سليم.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرئاسة الجزائرية تعفو عن الكاتب بوعلام صنصال وتوافق على نقله إلى ألمانيا

الجزائر- أعلنت الرئاسة الجزائرية الأربعاء 12 نوفمبر 2025، العفو عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بعد سجنه لمدة عام في قضية تسببت بتوتر العلاقات الدبلوماسية مع باريس، ووافقت على نقله إلى ألمانيا لتلقي العلاج.

وذكر بيان الرئاسة الجزائرية ان الرئيس عبد المجيد تبون تلقى طلبا "من السيد فرانك فالتر شتاينماير، رئيس جمهورية ألمانيا الفدرالية الصديقة، يتضمن إجراءَ عفوٍ لفائدة بوعلام صنصال".

وتابع "وقد تفاعل السيد رئيس الجمهورية مع هذا الطلب، الذي شد اهتمامه، لطبيعته ودواعيه الإنسانية. و (...) قرّر رئيس الجمهورية التجاوب إيجابيا مع طلب فخامة رئيس جمهورية ألمانيا الفدرالية، الصديق".

 يأتي هذا الإعلان بعد طلب من اجل "لفتة إنسانية" وجهه الاثنين الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير إلى نظيره الجزائري.

واقترح شتاينماير أن يحصل بوعلام صنصال على العلاج الطبي في ألمانيا "نظرًا لتقدمه في السن (...) ووضعه الصحي الهش".

وأوضح بيان الرئاسة الجزائرية "ستتكفل الدولة الألمانية بنقل المعني وعلاجه".

من جانبه، أعرب رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو الأربعاء عن "ارتياح" الحكومة، مضيفا أنه يأمل أن يتمكن الكاتب من "الانضمام إلى عائلته في أقرب وقت ممكن" و"تلقي الرعاية".

كانت عائلة الكاتب البالغ من العمر 81 عامًا قد أعربت عن قلقها بشأن صحته، مشيرة إلى أنه يتلقى علاجًا لسرطان البروستاتا.

وقالت ابنته صبيحة الأربعاء عبر الهاتف من الجمهورية التشيكية حيث تعيش "كنت متشائمة بعض الشيء لأنه مريض وكبير في السن وقد يموت هناك. كنت متشائمة ولكنني كنت دائما مؤمنة. ظللت آمل أن يحدث ذلك يوما ما".

في نهاية آذار/مارس، خلال فترة قصيرة من التقارب مع الجزائر، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "بادرة إنسانية" لصالح الكاتب.

لكن في الأول من تموز/يوليو، أكدت محكمة الاستئناف بالجزائر حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات صدر في الدرجة الأولى في 27 آذار/مارس ضده.

واتُهم بـ"المساس بالوحدة الوطنية" بسبب تصريحات أدلى بها في تشرين الأول/أكتوبر 2024 لوسيلة الإعلام الفرنسية اليمينية المتطرفة "فرونتيير"، حيث اعتبر أن الجزائر ورثت من الاستعمار الفرنسي أراض من غرب الجزائر مثل وهران ومعسكر، التي كانت تنتمي سابقًا، حسب رأيه، إلى المغرب.

لإقناع نظيره الجزائري بالعفو عن الكاتب، أكد الرئيس الألماني أن مثل هذه اللفتة ستكون "تعبيرا عن روح الإنسانية وبُعد النظر السياسي".

وقال إن الأمر "سيعكس علاقتي الشخصية طويلة الأمد مع الرئيس تبون والعلاقات الجيدة بين بلدينا".

- زيارة مرتقبة لألمانيا -

في مقابلة طويلة أجريت في سبتمبر الماضي، تحدث الرئيس الجزائري عن إمكانية زيارته لألمانيا في نهاية عام 2025 أو بداية عام 2026. ولم يتم تقديم أي تاريخ منذ ذلك الحين.

وسبق لتبون ان تعالج في ألمانيا حيث قضى ثلاثة اشهر بين نهاية 2020 وبداية 2021 بعد إصابته بكوفيد.

يُعتبر صنصال الذي حصل على الجنسية الفرنسية في عام 2024، شخصية بارزة في الأدب الفرانكفوني الحديث في شمال إفريقيا، وهو معروف بانتقاداته للسلطات الجزائرية والإسلاميين.

وتطالب فرنسا منذ أشهر بالإفراج عن الروائي والكاتب الذي تم توقيفه في مطار الجزائر في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

زاد سجنه من تعقيد خلاف بين باريس والجزائر بدأ في تموز/يوليو 2024 بعد اعتراف فرنسا بخطة حكم ذاتي "تحت السيادة المغربية" للصحراء الغربية.

وهذا الإقليم الذي تعتبره الأمم المتحدة غير متمتع بالاستقلال، موضوع نزاع منذ 50 عامًا بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المدعومة من الجزائر والمطالبة بالانفصال.

ما زالت باريس والجزائر عالقتين منذ اكثر من عام في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، تجلت في طرد الموظفين من كلا الجانبين، واستدعاء السفراء من كلا البلدين، وفرض قيود على حاملي التأشيرات الدبلوماسية.

ولعبت كل من ألمانيا وإيطاليا دور الوساطة خلف الكواليس من أجل العفو عن الكاتب. وانتشرت شائعات  بالفعل في الصيف حول احتمال نقله إلى ألمانيا.

تتمتع برلين بتقليد طويل في استقبال المعارضين والقادة المرضى في مستشفى "شاريتي" الخيري، وهو أحد أكثر المستشفيات شهرة في أوروبا.

فقبل خمس سنوات، استقبل المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي كان ضحية تسمم. وقبل ذلك، تم علاج رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو هناك من آلام في الظهر.

مقالات مشابهة

  • “حماس”الذكرى 13 لاستشهاد قائد أركان المقاومة الفلسطينية الجعبري: مداد الحرية الممتد على درب المقاومة
  • نشطاء يتسلقون بوابة براندنبورغ ويرفعون لافتة تطالب بـ"الحرية لفلسطين"
  • حادث إسنا المروع ينهي حياة 7 أفراد من عائلة واحدة | تفاصيل مؤلمة
  • نقابة المعلمين ترفع دعوى ضد الوزير المكلف علي العابد بتهم فساد في ملف الكتاب المدرسي
  • صدور “جواهر الحكمة والحب والجمال” على أمازون كيندل للكاتب ماجد دودين
  • الجزائر تعفو عن الكاتب صنصال وتوافق على نقله إلى ألمانيا لـدواع إنسانية
  • تبون يوافق على طلب ألماني بالعفو عن الكاتب بوعلام صنصال
  • استجابة لطلب ألماني.. الجزائر توافق على العفو عن الكاتب بوعلام صنصال
  • الرئاسة الجزائرية تعفو عن الكاتب بوعلام صنصال وتوافق على نقله إلى ألمانيا