مرة أخرى يمنحنا بعض شباب مصر المميز فرصة ذهبية لأن نصحح- لأنفسنا أولاً- بعض المفاهيم الخاطئة التى توارثناها جيلا بعد جيل حتى باتت ثوابت راسخة فى عقولنا دون أن يكون لها أدنى أساس من الصحة. فى قلعة من قلاع التعليم الفنى كان لي لقاء هذا الأسبوع مع طالبات المدرسة وحوار شديد العمق عن الآمال المشروعة والمشكلات التي تؤرق عقولهن كشريحة هامة وعريضة من شرائح الشباب المصرى فى مثل هذا العمر.
مع الحوار نكتشف أن هؤلاء الفتيات لديهن نفس المشاكل الفكرية والسلوكية التى يعاني منها أغلب أبناء هذا الجيل، إضافة إلى مشكلات خاصة بهن باعتبارهن من طالبات التعليم الفني الذى آن أوان فتح ملفاته بشكل كامل وتغيير الفكر الذى مازال يطغى على المجتمع منذ عقود بأنه تعليم من الدرجة الثانية، عفوًا فلم يعد هذا مقبولا فالتعليم الفني اليوم هو الأمل والحل المنشود لبناء هذا الوطن وجمهوريتنا الجديدة.
بعد أن أصبحنا فى عالم لا يعترف إلا بالأقوياء لم يعد هناك مجال للجدال، لن يبنى هذا الوطن أصحاب الياقات البيضاء وحدهم وإنما هو أوان من يجيدون العمل بأيديهم فى شتى الحرف والمهن التى أصبحنا نفتقر إليها بسبب تلك الموروثات البائدة، ثم ماذا سيفيد المجتمع لو أصبح كل شبابه من خريجى كليات نظرية ينتظرون فرصه عمل لن تأتي؟
أي تطور سيحدث مع كل هذا التكدس الذى توارثناه جيلا بعد جيل داخل الجهاز الإدارى للدولة وهذا الجيش من العاطلين عن العمل أصحاب المؤهلات الجامعي؟ لماذا لا ننظر حولنا لنرى كيف قامت الدول من عثراتها بفضل الاهتمام بالتعليم الفني وخاصة الزراعى والصناعي؟ ولماذا لا نعى درس ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حين أعادت بناء مجدها بالاعتماد على التعليم الصناعي والفني؟
ثم كيف نفرق بين طالب اجتهد وحصل على مجموع مرتفع فى مرحلة الثانوي الفنى وبين نظيره طالب الثانوى العام عند التقدم للجامعة وأى ظلم يقع عليهم حين نعتبرهم طلابا من الدرجة الثانية فنخصص لهم قليلا من المعاهد والكليات التى تقبلهم بعد عناء، رغم أنهم مؤهلون أكثر من طالب الثانوى العام لتلك الدراسة باعتبارهم قد درسوا مبادئها فى مرحلتهمة؟
في بلادنا الطيبة التي تسعى لأن تحجز مكانًا تحت شمس الحياة كيف لا نمنح هؤلاء الفنيين قدرًا كبيرًا من الاحترام الذى يستحقونه؟ كيف لا يتطور فكر الآباء والأمهات ليعوا أن التعليم الفني ليس سبة أو خطيئة، بل إنه هو الأنسب اليوم لسوق العمل واحتياجات التنمية، ثم من الذى صنف التعليم الفني على أنه تعليم من الدرجة الثانية لأصحاب الدرجات المنخفضة، يبدو أننا نحتاج إلى ثورة في الفكر لنعدل هذه الموروثات التي عفى عليها الزمن ولكن على أحدهم أن يبدأ فالتغيير لا يحدث بين يوم وليلة.
كل الفخر والإعزاز لكل طالب وطالبة في التعليم الفني اليوم وكل التشجيع للآباء والأمهات ليعيدوا تفكيرهم مرة أخرى قبل أن يدفعوا بأبنائهم إلى تعليم عام روتيني لن ينتج إلا مزيدًا من العاطلين، كل الاحترام للقائمين على هذه القلعة التعليمية التي زرتها مؤخرًا وأمثالها في ربوع مصر، وكل الحب والدعم لطلاب وطالبات المدارس الفنية، فهؤلاء جزء من الحل واستمرار الأمل لنظل نردد دائمًا "فيها حاجة حلوة"
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: التعلیم الفنی
إقرأ أيضاً:
عراقجي: أمن دول المنطقة من أمننا والدبلوماسية لا تزال الحل النهائي
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده تؤمن بخطاب قائم على القواعد الدولية والحوار والسلام، وهي مستعدة للتعاون في هذا الشأن، معتبرا أن سياسة الهيمنة الأميركية تعني العودة فعليا إلى قانون الغاب، وفي قانون الغاب يجب أن تكون قويا للدفاع عن نفسك.
وأضاف عراقجي خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي اليوم الأحد "القانون الدولي تحت الهجوم.. العدوان والدفاع" في العاصمة طهران أن "القانون الدولي يتعرض لهجوم، والعالم يواجه تحديات عميقة واتجاهات ومناهج مثيرة للقلق وتحولات إستراتيجية غير مسبوقة على مختلف المستويات".
وتابع "لقد تعرضت الأسس المتينة للقانون الدولي لهجمات غير مسبوقة من قبل القوى التي كان يُتوقع منها حمايتها بصفتها المطالبة (المتشدقة) دوما بهندسة النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وأضاف "أصبح العنف والحرب معيارا جديدا في العلاقات الدولية، وأصبح استخدام الوسائل العسكرية قاعدة لتعزيز أهداف السياسة الخارجية لبعض الدول".
وتابع "نشهد عمليا محاولة لبناء "نظام دولي قائم على القوة من قبل الولايات المتحدة وبعض حلفائها"، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاء إلى البيت الأبيض حاملا عقيدة "السلام بالقوة"، لكن هذه العقيدة كانت في جوهرها غطاء لإطار عمل جديد هو "الهيمنة بالقوة".
وأكد أن ترامب قال بوضوح إن أميركا لم تعد ترغب في التصرف بناء على اعتبارات سياسية صالحة في إطار القانون الدولي، بل تريد أن تكون رابحة، مما يشير إلى سعيها للهيمنة وبالتالي العودة إلى شريعة الغاب، ولهذا يصبح وزير الدفاع وزيرا للحرب، وتعاد تجارب الأسلحة النووية إلى جدول الأعمال.
واستطرد بأن "الرئيس (ترامب) -الذي يُطلق على نفسه اسم رئيس السلام- يهاجم أينما شاء تعسفيا ودون أي سبب أو مبرر، ويأمر بإخلاء المدن، ويطالب بالاستسلام غير المشروط، وينتهك ويمزق جميع القوانين الدولية، حتى التزامات الرؤساء الذين سبقوه".
إعلانويرى عراقجي أنه "في الغابة التي خلقتها أميركا لا يوجد قانون، ويجب أن تكون قويا للدفاع عن نفسك".
وتابع أنه نتيجة لهذه العسكرة المفرطة نشهد اليوم تصدعات جيوسياسية واسعة النطاق، وتنافسا متزايدا بين القوى العظمى، وتطوير الصواريخ والترسانات النووية والأسلحة الهجومية، والصراعات العابرة للحدود، وانخفاض التقارب الاقتصادي والثقافي وتهميش الدبلوماسية.
وبحسب عراقجي، فإن "نظام تل أبيب" يلعب دور الوكيل والتابع للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا، ويسعى بالتالي إلى "تحقيق طموحاتها الجيوسياسية اللامحدودة والخطيرة عبر مهاجمة أوضح أسس القانون الدولي".
وختم بأن إسرائيل ارتكبت ولا تزال ترتكب "أبشع الجرائم ضد الإنسانية، من قتل واغتيال وإبادة جماعية وتطهير عرقي استنادا إلى شيك على بياض وقّعته واشنطن وبعض الدول الأوروبية، وبالاعتماد علی مليارات الدولارات من الأسلحة والمعدات العسكرية من حلف الناتو والغرب، والحصانة التي وفروها له في المحافل الدولية".