كواليس إسقاط المسودة البريطانية الأمريكية لتشديد العقوبات على اليمن
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
ضمن هذا السياق، حاولت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الدفع نحو أكبر تعديل في نظام العقوبات منذ 2015م، استجابة لتوصيات مراكز الأبحاث السياسية الغربية والخبراء والعسكريين التي اطلعنا عليها طوال الفترة الماضية، وكان يهدف هذا التوجه إلى هندسة البيئة الأمنية والقانونية-الدولية في البحر الأحمر والحديدة، ويحدّ من تنامي القوة العسكرية للقوات المسلحة اليمنية-صنعاء.
في المقابل، واجهت هذه المحاولة أقوى اعتراض روسي–صيني مشترك في الملف اليمني منذ سنوات، انتهى بإسقاط المسودة وإجبار المجلس على الاكتفاء بتجديد تقني لصيغة العقوبات القديمة (التي يرى الغرب أنها شكلية وغير فاعلة).
تطوّر نظام العقوبات على اليمن (2014م–2025م)نشأ نظام العقوبات الحالي على اليمن بفعل القرار (2140) الصادر في فبراير 2014م، وهو القرار الذي مثّل إطاراً تأسيسيّاً لتدخل مجلس الأمن في الشأن اليمني تحت ذريعة "حماية العملية السياسية".
وقد فرض القرار سلسلة تدابير تشمل تجميد أصول وحظر سفر على من يصنفهم المجلس "معرقلين للعملية الانتقالية"، كما أنشأ "لجنة العقوبات" و"فريق الخبراء" بوصفهما الأداتين الفنيتين المسؤولتين عن التقييم والمتابعة ورفع التوصيات.
وفي أبريل 2015، جاء القرار (2216) ليشكل نقطة تحوّل مفصلية؛ إذ نقل المنظومة العقابية من مستوى "الأفراد" إلى مستوى "الكيان"، حيث فُرض حظر أسلحة شامل على حركة "أنصار الله"، وقاموا بتصنيفها طرفاً "يهدد الأمن والاستقرار"، كما منح القرار الدول الأعضاء صلاحيات واسعة في تفتيش السفن المتجهة إلى اليمن لضمان تطبيق الحظر، وهو ما جعل القرار الإطار القانوني -بحسب قوانين الأمم المتحدة- الأعمق تأثيراً على مسار الحرب والحصار خلال العقد الأخير من الحرب العدوانية.
غير أن التطورات اللاحقة أثبتت أن المنظومة العقابية لم تحقق أهدافها المعلنة، وهو ما أظهره بوضوح تقرير فريق الخبراء الصادر في 15 أكتوبر 2025م، الذي غطّى الفترة الممتدة بين أغسطس 2024م ويوليو 2025م. فقد ادعى التقرير أنّ الحظر المفروض على السلاح "غير فعّال إطلاقاً"، وأن "جماعة أنصار الله" استطاعت بناء شبكات معقدة للالتفاف على القيود.
كما أشار التقرير إلى أن تجميد الأصول كان محدود التأثير ولم يترك أثراً رادعاً. تقدير فريق لجنة الخبراء لم يكن فنياً، وصيغ بطريقة منحازة ضد اليمن خدمة للتوجهات الغربية الصهيونية الخليجية، وبناءً على ذلك -وانسجاماً مع التوجهات الأمريكية البريطانية الصهيونية السعودية الإماراتية الفرنسية- أوصى التقرير -للمرة الأولى منذ العام 2015م- بتوسيع نطاق التفتيش ليشمل أعالي البحار، في خطوة تستند إلى النموذج المستخدم في ليبيا عبر عملية "إيريني" الأوربية. وقد أصبح هذا التقرير -لاحقاً- المبرر الرئيس الذي اعتمدت عليه بريطانيا والولايات المتحدة لتبرير مساعيهما لتوسيع نطاق نظام العقوبات على اليمن، بزعم الحاجة إلى "تصحيح" فشل تنفيذ القرارات السابقة.
من محاولة التشديد إلى الانكماش القسريبدأت معركة تجديد العقوبات بصورة مبكرة في 6 نوفمبر، عندما قدمت المملكة المتحدة -بصفتها "صاحبة القلم" والمسؤولة عن صياغة نصوص مجلس الأمن المتعلقة باليمن- مسودة أولى تعد الأكبر والأخطر منذ عام 2015م.
وقد هدفت المسودة إلى إعادة هيكلة نظام العقوبات بالكامل، بحيث لا يقتصر على التجديد الروتيني، بل يتضمن حزمة جديدة من القيود والإجراءات التنفيذية الملزمة. ففي صلب المسودة وردت بنود تفرض -للمرة الأولى- حظراً دولياً مباشراً على بيع أو توريد المكونات ذات الاستخدام المزدوج لصنعاء، وهو نص فضفاض بناءً عليه يمكن إطباق الحصار على المواد الأولية المطلوبة في الصناعات المدنية والطرق والزراعة، بحجة أن هذه المواد يُمكن استخدامها لصناعة "الطائرات المسيّرة والصواريخ"، مع إلزام الدول باتخاذ خطوات واضحة لتعطيل وصول هذه المواد.
إلى جانب ذلك، سعت بريطانيا إلى إدخال تفويض دولي صريح يمكّن الدول الأعضاء -منفردين أو ضمن تحالفات بحرية- من تنفيذ عمليات تفتيش بحري في المياه اليمنية وأعالي البحار وصولاً إلى الخليج العربي، وهو ما كان سيجعل البحر الأحمر ومضيق باب المندب في حكم المناطق الخاضعة لرقابة دولية موسّعة خارج إطار آلية التفتيش الأممية (UNVIM) في جيبوتي، ما يجعل وصول أي سفينة إلى اليمن رهناً بمشيئة التحالف البحري الغربي، والذي سيكون بيده القدرة على فرض الحصار وتأخير وصول السلع لتفجير المجتمع اليمني من الداخل للضغط على السلطة الوطنية في صنعاء.
ولم تكتفِ المسودة بذلك، بل توسعت في إدراج "أنصارالله- وبالتالي حكومة صنعاء" ضمن شبكة "التهديدات الإرهابية العابرة للحدود"، أي أن التصنيف الفردي الأمريكي لأنصار الله بـ"الإرهاب" سيصبح ملزماً لمختلف دول العالم، عبر ربط الأنصار والسلطة الوطنية في صنعاء بحركة الشباب الصومالية وبجماعات مسلحة تنشط في السودان، مع اتهام الصومال بأنه "مركز عبور أسلحة" إلى اليمن.
وتضمّنت المسودة أيضاً إدانات واسعة لـ"احتجاز 59 موظفاً أممياً"، وأدخلت لأول مرة فكرة تنسيق ثلاثي بين لجان العقوبات الخاصة باليمن والسودان وحركة الشباب، بما يضع اليمن في قلب شبكة أمنية معقدة تتجاوز حدوده الجغرافية، وقد صُممت هذه المسودة بوضوح لخلق نظام عقابي موازٍ للقرار (2216)، وتوسيع أدوات الضغط الغربي ليشمل البحر والبر والفضاء المالي واللوجستي.
مواقف الأطراف الدوليةقوبلت المسودة البريطانية–الأمريكية بمشهد انقسام حاد داخل مجلس الأمن، يعكس -بوضوح- طبيعة اللحظة الدولية؛. فقد لعبت الولايات المتحدة دور "المهندس الثاني" للمسودة، وأصرت على إدراج عقوبات مالية على أنصارالله ككيان (ما يعني حكومة صنعاء ومؤسسات الدولة عموماً)، وهو تطور بالغ الخطورة لو مرّ؛ إذ كانت واشنطن تسعى لاعتبار الحركة مشابهة للمنظمات الإرهابية التي يشملها تجميد للأصول وقيود مالية عالمية.
كما دعمت واشنطن -بقوة- إدخال آلية بحرية على غرار عملية IRINI التي طبقت في ليبيا، ودفعت باتجاه تضمين بنود تتهم الصين بتوفير مكونات الطائرات المسيّرة لصنعاء، وتوسيع الحديث عن العلاقة مع حركة الشباب، في سياق يبدو جزءاً من مواجهة جيوسياسية مع بكين أكثر من كونه جزءاً من تقييم موضوعي للملف اليمني.
أما بريطانيا، فقد مضت في اتجاه صياغة نص يعكس رؤية فريق الخبراء بالكامل تقريباً، والتي هي في الأصل رؤية منحازة ضد اليمن وليست محايدة أو فنية أو حقوقية كما يُفترض، مستهدفة إعادة تعديل آليات التفتيش البحرية، وتوسيع نطاق العقوبات بحيث تشمل كل ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي في صنعاء، بذريعة الضغط على وزارة الدفاع.
ووقفت فرنسا إلى جانب المسودة، لكنها اعتبرتها غير طموحة، ودعت لاتخاذ إجراءات بحرية أكثر صرامة.
في المقابل، شكّل الموقف الروسي حجر العثرة الأكبر أمام مشروع التشديد، حيث اعتبرت موسكو أن المسودة "غير متوازنة ومسيسة"، وأنها تمثل محاولة غربية لفرض وصاية بحرية دولية على البحر الأحمر، وتشكل تهديداً لمسار التسوية السياسية.
أما الصين فقد ركزت اعتراضها على ربطها بالمكونات المزدوجة، ووصفت الاتهامات الأمريكية بأنها لا تستند إلى الأساس، وحذرت من أن منح تفويض بحري دولي يمسّ الولاية الحصرية لـ"دولة العلم" (الدولة صاحبة السفينة التي تحمل التجارة إلى موانئ اليمن)، ويقوض حرية الملاحة الدولية، ويفتح الباب لتدخلات عسكرية تحت غطاء "قانوني" مضلِّل.
كسر الصمت وإسقاط النص (12–13 نوفمبر)بعد تعديل أولي على المسودة، وضعت بريطانيا النص المنقح "تحت الصمت"، وهي آلية استُخدمت لتمرير القرار بسرعة ومنع فتح باب التفاوض مجدداً، إلا أن الصين وروسيا كسرتا الصمت في خطوة نادرة، ما مثّل إعلاناً صريحاً بأن المسودة في صيغتها الجديدة مرفوضة بالكامل.
وقد جاءت الاعتراضات بسبب إبقاء الصيغة البريطانية على لغة تتعلق بـ"عمليات الاعتراض البحري"، واستمرار الإشارة إلى "المكونات ذات الاستخدام المزدوج"، فضلاً عن الصياغات المتعلقة بصلاحيات "دولة العلم" وإدانات تستهدف صنعاء دون غيرها.
ومع إدراك بريطانيا والولايات المتحدة أن النص لن يمرّ وأن الفيتو أصبح احتمالاً واقعياً، اضطرت لندن إلى التخلي كلياً عن مشروعها والانتقال إلى صيغة "التجديد التقني" دون أي إضافات تنفيذية، تفادياً لمواجهة مفتوحة داخل المجلس.
ما الذي تم إسقاطه من النص؟أسفرت الضغوط الروسية–الصينية عن إسقاط أهم مكونات مشروع التشديد، حيث جرى إلغاء آلية التفتيش البحري الدولية بالكامل، وحذف أي إشارة إلى عقوبات على المكوّنات ذات الاستخدام المزدوج، وإزالة الربط بين أنصارالله وحركة الشباب، بالإضافة إلى إسقاط آلية التنسيق الثلاثية بين لجان العقوبات في اليمن والسودان والصومال، والتخلي عن الطلب الأمريكي بإدراج أنصارالله ككيان ضمن الفئة الخاضعة لتجميد الأصول، وبذلك انهار جوهر المشروع البريطاني–الأمريكي، وتحوّل إلى نسخة معدّلة أُبقي فيها فقط على العناصر التي لا تثير خلافاً عميقاً داخل المجلس.
ما الذي بقي في القرار النهائي (القرار 2801 – 14 نوفمبر 2025م)أسفر التوافق الاضطراري عن صدور قرار محدود النطاق يجدد نظام العقوبات لقرار مجلس الأمن رقم (2140) حتى نوفمبر 2026م، ويمدد ولاية فريق الخبراء حتى ديسمبر 2026م، ويكلف الفريق بإعداد تقريرين فنيين حول المكونات ذات الاستخدام المزدوج وآليات تبادل المعلومات البحرية، كما تضمن القرار إدانة لاحتجاز موظفي الأمم المتحدة، لكنه أبقى على القرار 2216 دون أي توسيع أو تعديل، وحافظ على آلية التحقق في جيبوتي (UNVIM) دون استحداث أي تفويض بحري دولي جديد.
لماذا فشلت واشنطن ولندن؟يمكن تفسير فشل المشروع التشديدي عبر أربع طبقات تحليلية مترابطة، فعلى المستوى الجيوسياسي تخشى روسيا والصين أي تفويض يُستخدم لتوسيع الدور العسكري الأمريكي في منطقة حساسة للملاحة العالمية وللطريق البحري الصيني (البحر الأحمر والعربي).
وعلى المستوى القانوني، يتعارض التفويض البحري المقترح مع مبادئ القانون الدولي، خصوصاً اتفاقية البحار (UNCLOS) والولاية الحصرية لـ"دولة العلم"، ما يجعل تطبيقه سابقة خطيرة في العلاقات الدولية.
أما على المستوى السياسي، فإن الربط بين أنصارالله و"الإرهاب" يفتقر إلى الإجماع الدولي، وإلقاء اللوم الكامل على صنعاء في اضطراب الملاحة يمثل قراءة انتقائية تنكر دور الكيان الإسرائيلي والحصار المفروض على غزة.
وفي المستويين العملياتي واللوجستي، تدرك القوى الدولية أن البيئة البحرية في البحر الأحمر معقدة ومشبعة بالتوترات، وأن تكرار نموذج "إيريني" في ليبيا، قد يخلق صدامات عسكرية يمنية مع قوى إقليمية ودولية.
انعكاسات القرار على الوضع اليمني والإقليمييمثل إسقاط المسودة البريطانية–الأمريكية مكسباً استراتيجيا لصنعاء، إذ يمنع تشديد الحصار البحري، ويحمي موانئ الحديدة من تدخلات دولية جديدة، ويعزز مكانة صنعاء السياسية بوصفها طرفاً يحظى بقدرة على مقاومة الضغوط الدولية.
وعلى مستوى البحر الأحمر، يحافظ القرار على الوضع القانوني القائم، ويمنع إضفاء أي شرعية مزعومة على أي تدخلات بحرية جديدة، ويقوض مساعي التحالف الغربي لفرض آلية تفتيش موسعة.
أما على مستوى التوازنات الدولية، فقد أثبتت الجولة صلابة المحور الروسي–الصيني، وقدرتهما على تعطيل الخطط الغربية، الأمر الذي يعزز السياق العالمي المتجه نحو تعددية قطبية واضحة التأثير في ملفات "الشرق الأوسط" عامة، والبحر الأحمر خاصة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: ذات الاستخدام المزدوج نظام العقوبات البحر الأحمر فریق الخبراء مجلس الأمن على الیمن
إقرأ أيضاً:
في سطور.. الخطة الأمريكية لإدارة غزة بعد الحرب
عواصم - الوكالات
تواصل الولايات المتحدة منذ أسابيع جهودها في مجلس الأمن لإقرار مشروع قرار يقضي بإنشاء قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة تحت اسم "قوة الاستقرار الدولية (ISF)"، في إطار خطة شاملة لإعادة تأمين القطاع وإدارته حتى نهاية عام 2027، مع إمكانية التمديد. وتستند المسودة إلى خطة ترامب المكونة من 20 بندا لوقف الحرب، لتتسلم القوة مهامها فور انسحاب جيش الاحتلال من القطاع.
وتصف واشنطن خطتها بأنها "حساسة ولكن غير سرية"، إذ تهدف –وفق مسؤول أميركي بارز تحدّث للقناة الإسرائيلية 12– إلى "إنفاذ الاستقرار، لا حفظ السلام"، وتهيئة الأرضية لقيام حكومة فلسطينية جديدة تحت إشراف دولي، في أول تصور أميركي مكتمل لـ"اليوم التالي" بعد عامين من العدوان الإسرائيلي على غزة.
شهد مشروع القرار ثلاثة تعديلات خلال الأيام الماضية؛ وقالت مصادر سياسية إسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرونوت إن المسودة الأميركية الجديدة تتضمن بنودا "غير مواتية" لإسرائيل، مثل الإشارة إلى مسار دولة فلسطينية، وتقييد حقها في الاعتراض على الدول المشاركة في القوة الدولية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن المسودة الأميركية تمثل "تحولا إستراتيجيا" في علاقة واشنطن بالملف الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ تسعى لفرض تسوية أمنية متعددة الأطراف في غزة، مع تثبيت الدور الأميركي ودعم إسرائيل بشروط أمنية أقل صرامة من السابق.
في المقابل، اعتبر المختص بالشؤون الإسرائيلية فراس ياغي أن المشروع الأميركي يشكل "غطاءً للوصاية الأميركية" على غزة، فمرجعية القوة ومجلس السلام ستكون أميركية وليست خاضعة للبند السابع، مشيرا إلى أن مجلس الأمن يظهر شكليا فقط عبر تقارير نصف سنوية للاطلاع دون صلاحيات تنفيذية.
ويضيف ياغي أن واشنطن تعمل على إعادة هندسة المشهد في غزة عبر استبدال السيطرة الإسرائيلية المباشرة بـ"سيادة أمنية متعددة الأطراف" تشرف عليها الولايات المتحدة وتراقبها إسرائيل وفق معادلة "استقرار مقابل أمن".
تربط المسودة بين انسحاب قوات الاحتلال وتحقيق "المعايير الأمنية المتفق عليها"، وعلى رأسها النزع الكامل للسلاح. ولا يحدد المشروع أي جدول زمني، بل يربط الانسحاب بتقدم قوة الاستقرار في مهامها، ما يمنح إسرائيل حق التحكم في وتيرة العملية.
ونقلت هآرتس عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله: "لن ننسحب من غزة قبل التأكد من عدم وجود بندقية واحدة يمكن توجيهها نحو إسرائيل".
كما تشير المسودة إلى بقاء قوات إسرائيلية محدودة حول القطاع لمراقبة الحدود، على غرار نموذج الحزام الأمني الذي استخدمته إسرائيل في جنوب لبنان حتى عام 2000.
وتفيد تقارير إسرائيلية بوجود "غموض متزايد" داخل المؤسسة الأمنية بشأن تفاصيل الخطة، وأن قرارات إستراتيجية تُبحث بين واشنطن وتل أبيب من دون إشراك القيادات الأمنية، التي باتت تلتزم الصمت خشية استهدافها سياسيا.
تنشئ المسودة ما يسمى "مجلس السلام" ليكون المرجعية السياسية المدنية في غزة، ويشرف على عمل القوة الدولية. غير أن النص يربط تقارير المجلس وتمويله مباشرة بالولايات المتحدة، مما يجعل المجلس –وفق مراقبين– أداة لشرعنة الدور الأميركي أكثر من كونه هيئة رقابية مستقلة.
وتمنح المسودة واشنطن موقع "الضامن الأول"، فيما تشارك الدول العربية –منها مصر والأردن والإمارات والمغرب والسعودية– بأدوار تنسيقية، بينما يظل دور تركيا موضع خلاف بسبب اعتراض إسرائيلي.
وبحسب بلومبيرغ، من المتوقع أن تضم قوة الاستقرار بين 12 و15 ألف عنصر من دول غربية وعربية مختارة، تحت قيادة أميركية موحدة.
تمنح المسودة القوة الدولية تفويضا باستخدام "جميع الوسائل اللازمة" للتنفيذ، بما يشمل –وفق هآرتس– عمليات قتالية محدودة داخل غزة، مع ترك الباب مفتوحا لإسرائيل لاستئناف العمليات العسكرية "بالتنسيق مع الولايات المتحدة" في حال عودة التهديدات.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى استعداد الجيش الإسرائيلي للتحرك لنزع سلاح حماس بالتوازي مع جهود واشنطن لتشكيل القوة الدولية، إذا فشلت الخطة الأميركية.
موازاةً مع المشروع الأميركي.. روسيا تقدّم مشروعاً بديلاً
في خطوة أربكت الجهود الأميركية، وزّعت روسيا مشروع قرار خاصا بها على أعضاء مجلس الأمن بالتنسيق مع الصين. ويعارض المشروع الروسي معظم مرتكزات الخطة الأميركية، إذ لا يتطرق إلى نزع السلاح ولا ينص على قوة دولية بإشراف واشنطن، بل يحيل المهمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
ويرفض المشروع الروسي أي تغيير ديمغرافي أو جغرافي في القطاع، ويؤكد حل الدولتين ووضع غزة والضفة تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية حصراً، مع رفض إنشاء مناطق عازلة أو خطوط فصل كالخط الأصفر المقترح في الخطة الأميركية.
وتشير قناة 12 الإسرائيلية إلى أن موسكو منعت التصويت على المشروع الأميركي، مما يهدد بتأخير أو تعطيل "خطة ترامب لإنهاء الحرب".
ورغم المعارضة الروسية الصينية، حشدت واشنطن دعماً إقليمياً واسعاً، إذ أعلنت الولايات المتحدة مع قطر ومصر والإمارات والسعودية والأردن وتركيا وباكستان تأييدها للمشروع الأميركي، واصفة الخطة بأنها "تاريخية وشاملة لإنهاء الصراع".
وتحتاج واشنطن إلى تأييد 9 أعضاء لتمرير القرار، فيما تبدو الجزائر –العضو العربي في المجلس– عامل الحسم بعد ترددها في دعم المشروع.
ونقلت نيويورك تايمز عن دبلوماسيين غربيين وجود خلافات واسعة بين أعضاء المجلس، إذ ترغب الصين في إزالة الخطة الأميركية من القرار نهائيا، فيما تطالب روسيا والجزائر وفرنسا بتضمين نص واضح يدعم الدولة الفلسطينية ودور السلطة في إدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية.