هل حراك الخيال هو الترياق المنشود لليأس المناخي؟
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
معرض جديد في ريو دي جانيرو بالبرازيل يطرح سؤالا: ماذا لو لم تكن الأداة الأكثر راديكالية لمكافحة تغير المناخ هي التكنولوجيا، بل القدرة على الحلم؟
يحب المتشككون أن يقولوا: "سأصدق عندما أرى". قلب ويلي ونكا هذه المعادلة؛ ففي فيلم "Willy Wonka and the Chocolate Factory" (1971) كانت فلسفته: "سترى إذا آمنت".
يميل البشر بطبيعتهم إلى التشكيك واتباع القطيع؛ فقد شكّلتنا التطورات لنستجوب المخاطر المفاجئة ونقلد سلوك من حولنا، وهي استراتيجيات كانت تُبقينا على قيد الحياة. لكن اليوم قد تجعلنا الغرائز نفسها بطيئين في التحرك بشأن تغيّر المناخ. يعمل "نشاط الخيال" مع هذه النزعات لا ضدها؛ فعندما نرى آخرين يؤمنون ويعملون بنشاط نحو عالم نريده جميعا — هواء نظيف وبحار صالحة للسباحة وطبيعة مزدهرة وطاقة رخيصة ونظيفة — يتبع القطيع، ونحوّل حالة الشلل إلى فضول. مفكرون مثل فيبي تيكل يمنحون هذه الفكرة حياة؛ فهي ترى أن تنمية خيالنا لتصوّر الممكن ليست رفاهية، بل ضرورة. وتصف تيكل الخيال بأنه "عضلة ضمرت" بفعل أنظمة استخلاصية مثل التعليم والرأسمالية والإعلام، وتركّز أعمالها على إعادة بناء هذه القدرة عبر التعاون مع مؤسسات أو مجتمعات لتحويل الثقافة الداخلية نحو تقدير الإبداع والرؤية البعيدة المدى على حساب الكفاءة القصيرة الأجل. وتشدّد على أهمية توسيع من يحق لهم أن يتخيلوا؛ فموهبة الحلم لا ينبغي أن تُحجز لقلة مختارة، بل يجب أن تكون متاحة للجميع، وهو ما تسميه **"عدالة الخيال"**. وعندما لا نسمع عن المناخ سوى قصص الانهيار، فليس مستغربا أن يلوذ الناس باليأس. يمنحنا التخيّل مسارا مختلفا، إذ نتصرف على أساس أن نتيجة أفضل ممكنة قبل أن نراها فعلا.
Related "أمهات الشمس".. برنامجٌ خيري يدرّب سيدات في زنجبار على توفير الكهرباء للقرى النائيةربما يكون الفن أداة التوسيع الأقوى لهذا الإحساس بالإمكان. ففي عام 2014، أحضر الفنان أولافور إلياسون كتلا ضخمة من جليد غرينلاند إلى ساحات عامة في مدن مثل باريس ولندن لجعل تغيّر المناخ ملموسا وتجريبيا، ثم ظهرت المنصة في مؤتمرات الأمم المتحدة خلال الأعوام التالية، وكانت محبوبة لأنها لم تكن مجرد عرض بصري؛ بل واجهت الناس بقدر من الإلحاح والفرصة معا. ومع توجّه الاهتمام العالمي هذا الأسبوع نحو قمة المناخ كوب 30 في البرازيل، يترك تركيب جديد بصمته. في ريو دي جانيرو، يُعرف متحف الغد بأنه مؤسسة ثقافية تستكشف مستقبل كوكبنا من منظور الاستدامة والتكنولوجيا والأثر الإنساني، وعلى بابه مشروع جديد يدعى "The Lumisphere" من ابتكار "Visions2030". هذه ليست معرضا تقليديا، إنها تجربة غامرة تتألف من ثلاث قباب مترابطة، حيث تغمر عروض الضوء والصوت المحيطي والسرد التفاعلي الزوار في رحلة متعددة الحواس عبر احتمالات المستقبل. ترتدي سماعات أثناء التنقل في فضاء بزاوية 360 درجة في تجربة مكثفة أقرب ما تكون إلى رحلة هلوسية؛ ترفعك خارج جسدك إلى عالم متلألئ فعليا.
وأنت تشق طريقك عبر القباب، يدوّي في أذنيك صوت أشبه بساحر أوز: "تخيّل عالما حيث يتلألأ الماء النظيف بلون أزرق بلوري؛ تخيّل وفرة الأرض، الدلافين ونجمات البحر والسلاحف العملاقة والعُقاب النساري والنسور والفراشات واليراعات. تخيّل اليغور والحمير الوحشية وطيورا بألوان أخّاذة، وفيه الكثير للجميع. تخيّل مدنا بوسائل نقل مدهشة وطاقة نظيفة. ماذا لو امتزجت التكنولوجيا بالطبيعة لتجعل الفضاءات الحضرية ساحرة؟" بطبيعة الحال، حين نتوق إلى فردوس متخيل من هواء نقي ومحيطات برية، فإننا كثيرا ما نرسم في أذهاننا عالما بلا بشر، أرضا منقّاة من الفوضى الإنسانية. لكن التحدي هو أن نتخيل مستقبلا يضمّنا نحن البشر — بما نحن عليه من عيوب وإبداع وتقنية — ونحن نعيش بطريقة مختلفة لا أننا نتلاشى. يدعو "The Lumisphere" زواره لتخيّل كيف قد يبدو ويُحسّ كوكب مزدهر لنا، ثم يحثّهم على التأمل في الخيارات التي قد تجعل تلك الرؤى واقعا.
وقد تعاون الفريق الذي يقف خلف المشروع مع "معهد المستقبل" (IFTF) لقياس أثر المنصة على الخيال العام والقدرة على الفعل والإيمان؛ وتشير النتائج الأولية إلى أن التجربة تركت الزوار أكثر ثقة بالمستقبل. وسيتضح بمرور الوقت إن كان هذا الشعور بالتفاؤل سيتواصل عبر جغرافيات مختلفة، إذ لا يزال "The Lumisphere" في بداية جولة عالمية لخمس سنوات.
ما بعد اليوتوبياقد يرى كتاب مثل ريبيكا سولنيت أو جورج مونبيوت أن "نشاط الخيال" ضرب من التمنّي. كتب مونبيوت أن مشكلة بعض السرديات البيئية أنها تُسكّن بدلا من أن تعبئ، فتقدّم "تفريجا عاطفيا بدل تغيير سياسي"، ويدعو إلى "حوارات ناضجة" عن السلطة والمسؤولية بدلا من رسائل عاطفية من قبيل "أحبوا الأرض". وفي أحد مقالات سولنيت، تحذّر من أن الأمل والخيال يجب أن يكونا فاعلين لا ساذجين ولا هروبيين؛ فهي لا تنتقد الخيال بذاته، لكنها تتحفّظ على "الأمل الزائف". في عالم ويلي ونكا، يفوز تشارلي لأنه تجرأ على الإيمان، وذلك ما يدعو إليه "نشاط الخيال" في نهاية المطاف. كاري لوفلايس هي مبتكرة ومؤسِسة "Visions2030"، وتقول إن هدفها هو "إيقاظ القدرة الإنسانية على الحلم"، مضيفة: "أداة متخفية راديكالية في عُدة ناشط المناخ هي الخيال، فامتلاك حلم محفّز للغاية". ويتفق معها زميلها فابيو سكارانو، القيّم في متحف الغد: "أزمة الخيال هي العمود الفقري لكل الأزمات، المناخية والاقتصادية والإنسانية. نواجه صعوبة كبيرة في تخيّل مستقبل يختلف عن الحاضر؛ لأننا لا نملك صورا أفضل لتعيننا". يستجيب هذا التركيب لإدراك متنامٍ لدى ناشطي المناخ بأن السياسات وحدها لا تكفي لإحداث التغيير؛ فهو يوفّر حيزا ثقافيا لـ"تجربة" احتمالات مختلفة قبل وجودها. وفي البرازيل، حيث باتت سياسات المناخ الآن مركزية للهوية الوطنية ولمفاوضات العالم، يبدو فعل التمرين هذا ملحا بشكل خاص.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل دونالد ترامب غزة الذكاء الاصطناعي دراسة حركة حماس إسرائيل دونالد ترامب غزة الذكاء الاصطناعي دراسة حركة حماس ريو دى جانيرو متحف تغير المناخ إسرائيل دونالد ترامب غزة الذكاء الاصطناعي دراسة حركة حماس فرنسا ألمانيا الصحة بنيامين نتنياهو بكتيريا أثينا
إقرأ أيضاً:
حراك المطالبة بالشرعية الدستورية يعود إلى المشهد الليبي.. ما مدى قبوله؟
عقد ملتقى سياسي كبير لأول مرة في العاصمة الليبية طرابلس يدعو للعودة إلى الحكم الملكي الكثير من الأسئلة حول تداعيات الخطوة وما إذا كانت العودة للدستورية الملكية في ليبيا هي الحل الواقعي للأزمة الراهنة.
وعقد الملتقى الوطني للوحدة والسلام في طرابلس تحت شعار "الدستورية الملكية الطريق لحلّ الأزمة الليبية"، وشارك فيه ساسة ومسؤولون وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني.
جولات تسويقية ونقاشية
وخلال كلمته الافتتاحية.. كشف نجل ولي العهد خلال الحكم الملكي، محمد السنوسي أنه أجرى خلال عامين نقاشات وجولات موسعة مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية تناولت مستقبل ليبيا وصياغة الشكل الأمثل لبناء دولة المؤسسات.
وأكد السنوسي أن "المرحلة الراهنة تستوجب من جميع الليبيين مدّ أيديهم إلى بعضهم البعض دون أي استبعاد أو تهميش أو إقصاء، مشيرا إلى أن الملكية الدستورية قد تكون طوق النجاة الذي يجتمع حوله الليبيون لإنقاذ البلاد، كما كانت إطارًا لبناء الدولة الليبية الحديثة على يد الآباء المؤسسين"، وفق تقديراته.
والسؤال: هل يكون الحكم الملكي حلا واقعيا للأزمة الراهنة في ليبيا أم أنه ينسف مكتسبات الثورة الليبية ومنها الانتخابات والتداول السلمي للسلطة؟
غير توافقي وتجاوز لمكتسبات الثورة
من جهتها، قالت عضو مجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص إن "انعقاد ملتقى بهذا الحجم لأول مرة في طرابلس للحديث عن “العودة إلى الحكم الملكي” يعبر عن حالة فراغ سياسي تبحث فيها بعض الأطراف عن مخارج مختلفة للأزمة، وهذا متوقع في ظل الانسداد الحالي، لكن النقاش حول شكل الدولة لا يمكن أن يختزل في ملتقى، ولا في مبادرة تحمل توجهاً واحداً دون غيره".
وأشارت في تصريحاتها لـ"عربي21" إلى أن "تأكيد الملتقى أن الملكية الدستورية هي الطريق لحل الأزمة، فهو رأي ضمن عدة آراء، وليس حقيقة سياسية متفقا عليها، والإشارة إلى جولات نجل ولي العهد مع مكونات داخلية وأطراف إقليمية ودولية للتسويق للملكية، يعكس وجود تحرك سياسي منظم وليس مجرد نقاش فكري، وهذا ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول الهدف الحقيقي من المبادرة، ومن هنا يجب رسم خط واضح للحراك"، وفق طلبها.
وأضافت: "إذا كان الغرض هو الدستور باعتباره عقداً وطنياً جامعاً فهو مطلب مشروع ومسلك إلزامي لبناء الدولة، لكن إذا كان الهدف هو التمهيد لعودة نظام ملكي أو تمرير ترتيبات مسبقة تتعلق بتولي ولي عهد، فذلك لا يمثل حلاً واقعياً للأزمة، بل يعيد فتح صراع خطير حول شكل الدولة ويضيف انقساماً جديداً إلى الانقسامات الحالية".
وتابعت لـ"عربي21": "الملكية، في السياق الليبي اليوم، ليست خياراً توافقياً ولا تمتلك حواضن سياسية أو اجتماعية كافية تجعلها حلاً عملياً، بل إن طرحها بوصفها “الحل الوحيد” يعد تجاوزاً للمكتسبات التي تحققت بعد الثورة، وعلى رأسها الانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وهو ما قد يخلق صداماً جديداً بدل أن يقدم مخرجاً حقيقيا".
وختم حديثها بالقول: "ليبيا تحتاج إلى دستور توافقي، ومسار انتخابي نزيه، وقيادة تنبثق من الإرادة الوطنية لا من ترتيبات خارجية أو وراثية أو عائلية، وأي مبادرة لا تنطلق من هذه القاعدة ستظل مبادرة تنتج أزمة جديدة أكثر مما تقدم حلا"، حسب رأيها.
إضافة لحلول الأزمة
في حين رأت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، نادية عمران أن "التوجه للملكية الدستورية كغيره من التوجهات المطروحة من فئة معينة كحل للأزمة الليبية هو إضافة إلا ان دستور 1951 يحتاج إلى الكثير من التعديلات".
وأكدت في تصريح لـ"عربي21" أن "هذه التعديلات لدستور 51 تستوجب معها صياغة دستور جديد، أما بخصوص شكل الحكم ونظامه فهو قرار يملكه الليبيون وفقط ولا يمكن أن يفرض عليهم"، كما صرحت.
طرح محفوف بالمخاطر
الأكاديمي والإعلامي الليبي، عاطف الأطرش رأى من جانبه أن "الملتقى يمثل تطورا سياسيا لافتا يعكس حالة البحث المتواصل عن مخرج للأزمة الليبية المستعصية، والملفت أنه ولأول مرة يظهر هذا الطرح في طرابلس بهذا الزخم وانعدام مثيله في شرق ليبيا، إضافة إلى حضور شخصيات سياسية وأحزاب أعلنت بوضوح أن “الملكية الدستورية” قد تكون الطريق الأقرب لإعادة بناء الدولة".
وأوضح أن "الجولات التي كشف عنها السنوسي تؤكد أن التحرك ليس رمزيا فقط، بل جزءا من محاولة منظمة لاستطلاع فرص عودة النظام الملكي، الذي يرى أنصاره أن دستور 1951 يوفر مرجعية جاهزة يمكن أن تعيد الشرعية وتوحد المؤسسات في ظل فشل الأجسام القائمة في إنتاج انتخابات أو اتفاق سياسي، كما يعتبرون أن شخصية ملكية محايدة قد تسهم في نزع فتيل الصراع"، حسب كلامه.
لكنه استدرك قائلا: "لكنّ هذا الطرح يثير مخاوف واسعة، إذ يرى معارضوه أنه قد ينسف أحد أهم مكتسبات ثورة فبراير: حق الليبيين في انتخاب رأس الدولة والتداول السلمي على السلطة، كما أن القبول بالملكية لا يزال محدودًا وغير قادر على تشكيل توافق وطني شامل، فضلًا عن أن الواقع الأمني الممزّق يجعل أي تغيير جذري في شكل النظام محفوفًا بالمخاطر، وتبدو الملكية خيارا مطروحا للنقاش، لكنها ليست حلا واقعيا في الظروف الحالية دون توافق واسع واستفتاء شعبي"، وفق تصريحاته لـ"عربي21".