تحقيق يكشف ضلوع جنديين أمريكيين بمجزرة حديثة دون محاكمتهما إطلاقاً
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
بعد مرور 20 عاماً على ما بات يُطلق عليه بـ"مجزرة حديثة" شمال غرب العراق، كشف تحقيق لـ"بي بي سي" عن أدلة تشير إلى ضلوع عنصرين من المارينز، لم يخضعا إطلاقاً للمحاكمة وفق خبير جنائي، حيث أسفر هجوم نفذته قوات مشاة البحرية الأمريكية على منزل في المدينة بمحافظة الأنبار بتاريخ الـ19 من تشرين الثاني/نوفمبر 2005.
وأدى الهجوم إلى مقتل 24 عراقياً بينهم 10 نساء وأطفال أحدهم رضيع مع أمه و5 من طلاب معهد، بينهم عائلة صفا التي قُتل جميع أفرادها ما عداها، حيث اختبأت في غرفة النوم الخلفية.
"حديثة: قتل بدون عدالة"، فيلم يتتبّع ناجين من "مجزرة حديثة" عام 2005 في العراق في رحلة استكشافهم لماذا لم يُدن عناصر المارينز الأميركيين الذين قتلوا أفراد أسَرهم.
بإمكانكم مشاهدة فيلم ‘قتل بدون عدالة’ على قناة بي بي سي عربي في يوتيوب
https://t.co/CY5JwLTdCZ — BBC News عربي (@BBCArabic) November 17, 2025
وتشير الأدلّة بحسب التحقيق، والمتمثّلة أساساً في التصريحات والشهادات المقدَّمة عقب عمليات القتل، إلى وجود شكوك حول التحقيق الأمريكي في ما جرى ذلك اليوم، حيث تطرح تساؤلات جوهرية بشأن آليات مساءلة القوات المسلحة الأمريكية، رغم أن هذه الحادثة أثارت أطول تحقيق أمريكي في جرائم الحرب خلال حرب العراق، ولكن لم يُدن أحدٌ في جرائم القتل.
وقالت قوات المارينز إنها كانت ترد على إطلاق النار بعد انفجار عبوة على جانب الطريق، أدّت إلى قتل أحد عناصرها وجرح اثنين آخرين، لكن صفا "الناجية الوحيدة من عائلتها" والتي كانت تبلغ 13 عاماً آنذاك، قالت: "لم نُتَّهَم بأي شيء، ولم تكن لدينا حتى أي أسلحة في المنزل"، ونجت صفا بعد ما تظاهرت بالموت بين جثث أشقائها وشقيقاتها الصغيرة – أصغرهم كانت في الثالثة من العمر.
أسقاط التّهم عن ثلاثة متورطين
وُجّهت في البداية تهم بالقتل إلى أربعة من عناصر مشاة البحرية الأمريكية، لكنهم قدّموا روايات متناقضة حول الأحداث، ومع مرور الوقت، أسقط المدّعون العسكريون الأمريكيون التّهم عن ثلاثة منهم، مانحين إياهم حصانة من أي إجراء قانوني لاحق، وبذلك أصبح قائد الفصيل، الرقيب فرانك ووتريش، الوحيد الذي مثل أمام المحكمة في عام 2012.
"حديثة: قتل بدون عدالة" " فيلم يتتبّع ناجين من "مجزرة حديثة" عام ٢٠٠٥ في العراق في رحلة استكشافهم لماذا لم يدان عناصر المارينز الأميركيين الذين قتلوا أفراد أسَرهم.
بإمكانكم مشاهدة فيلم ‘قتل بدون عدالة’ على قناة بي بي سي عربي في يوتيوبhttps://t.co/VzoVlo0mM1 pic.twitter.com/wGbyfzxIkf — BBC News عربي (@BBCArabic) November 17, 2025
وفي تسجيل فيديو سجل في جلسة ما قبل المحاكمة لفرانك ووتريتش، لم يُبثّ من قبل، يتم استجواب أصغر أعضاء فرقة المارينز سناً، هومبرتو مندوزا الذي يعيد تمثيل الأحداث داخل منزل صفا، وأقر مندوزا، الذي كان جندياً في ذلك الوقت ولم تُوجَّه إليه أي تهمة، بقتل والد صفا عندما فتح باب المنزل الأمامي أمام قوات المارينز، وحين يسأله المحامي: "هل رأيت يديه؟، يجيب مندوزا: "نعم سيدي"، ويؤكد أنّ والد صفا لم يكن مسلحاً، ثم يسأل المحامي قائلا: "لكنك أطلقت النار عليه في كل الأحوال"، فيجيب مندوزا: "نعم سيدي".
وفي تصرياحته الرسمية، زعم مندوزا في البداية أنه بعد أن دخل المنزل، فتح باب الغرفة حيث كانت صفا وعائلتها، لكنه حين رأى نساء وأطفالاً فقط، لم يدخل وأغلق الباب، غير أن تسجيلاً صوتياً مكتشفاً حديثاً من محاكمة ووتريش يكشف رواية مختلفة لمندوزا، إذ يقول إنه تقدّم نحو 8 أقدام (2.4 متر) داخل غرفة النوم.
مندوزا يعترف
الخبير الجنائي مايكل مالوني، الذي أرسلته خدمة التحقيقات الجنائية للقوات البحرية إلى حديثة عام 2006 للتحقيق في أعمال القتل، وقد فحص الغرفة التي قُتل بداخلها أفراد عائلة صفا، علق على ما جاء في التحقيق قائلا إن: "ذلك مهمّ للغاية".
استنتج مالوني من خلال الصور التي التقطتها قوات المارينز في وقت ارتكاب أعمال القتل، أنّ عنصرين من المارينز دخلا إلى الغرفة وأطلقا النار على النساء والأطفال، وعندما استمع مالوني للتسجيل الصوتي الذي يقول فيه مندوزا إنه دخل إلى الغرفة قال مالوني: "هذا أمرٌ مذهل بالنسبة لي، ما نستمع إليه، ولم أسمع هذا من قبل"، واضاف قائلا إن: "التسجيل يظهر أنّ مندوزا يضع نفسه في الموقع الذي استنتج مالوني أن مطلق النار الأول كان يقف فيه، عند أسفل السرير، وإذا سألتني إن كان هذا اعترافًا من نوع ما، فسأقول إن مندوزا اعترف بكل شيء باستثناء إطلاق النار".
بدورها أدلت صفا بإفادة مصوّرة أمام المحققين العسكريين عام 2006، لكنها لم تعرض أمام المحكمة، وفي التسجيل تصف صفا كيف فتح أحد عناصر المارينز الباب ورمى قنبلة يدوية لم تنفجر، وتقول إنّ الرجل ذاته دخل إلى الغرفة وأطلق النار على عائلتها، علما أن مندوزا هو العنصر الوحيد من المارينز الذي قال إنه فتح الباب.
روايات متناقضة
واعترف عنصر آخر من قوات المارينز يدعى العريف تايتوم، بمشاركته في إطلاق النار، لكنه قال إنه تبع قائد الفرقة ووتريتش إلى داخل الغرفة، وزعم في البداية أنه لم يعلم بوجود نساء وأطفال داخل الغرفة بسبب الرؤية السيئة، لكن تايتوم قدّم رواية مختلفة في ثلاث إفادات أخرى حصلت عليها بي بي سي، وقال تايتوم لخدمة التحقيقات الجنائية للقوات البحرية عام 2006: "رأيت أطفالاً راكعين في الغرفة، لا أتذكر العدد بالتحديد، فقط أتذكر أنه كان عدداً كبيراً، أنا مدرّب على إطلاق رصاصتين في الصدر ورصاصتين في الرأس وطبّقت ما تدربت عليه".
وبعد مرور شهر قال إنه: "كان قادراً على تحديد الأشخاص في الغرفة على أنهم نساء وأطفال قبل إطلاق النار عليهم"، وبعد ذلك بأسبوع قال "هنا رأيت الطفل الذي أطلقت النار عليه. مع علمي بأنه طفل، فإنني أطلقت النار عليه"، وصف الطفل بأنه كان يرتدي قميصاً أبيض واقفاً على السرير وشعره قصير، وزعم محامو الدفاع عن تاتوم أن هذه الإفادات اللاحقة قد تم الحصول عليها تحت الإكراه، وفي آذار/مارس 2008، أُسقطت التهم الموجهة إلى تاتوم، وتم تجاهل تلك الإفادات في محاكمة ووتريش.
الخبير الجنائي مايكل مالوني قال إنّ إفادتي تايتوم ومندوزا تشير إلى أنهما كانا العنصران من المارينز اللذان أطلقا النار على عائلة صفا. يعتقد أن مندوزا دخل غرفة النوم أولاً وتبعه تايتوم "مطلقاً النار عبر أعلى السرير"، وأوضح أن هذه الاتهامات وجهت لمندوزا وتايتوم، حيث سبق وأن أقرّ مندوزا بإطلاق النار على والد صفا، لكنه قال إنه كان يتبع الأوامر. ولم توجّه إليه أي تهمة، أما تايتوم فقد قال عبر محاميه إنه يريد وضح أحداث حديثة خلفه، لم يسحب إفادته بأنه كان أحد مطلقي النار في منزل صفا.
مالوني، قال لبي بي سي، إنّ الادّعاء "أراد أن يكون ووتريتش هو مطلق النار الرئيسي"، لكن قبل أن يقدم مالوني شهادته، انتهت محاكمة ووتريتش بصفقة إقرار بالذنب، وأصرّ ووتريتش على عدم تذكّره ماذا حدث في منزل صفا، ووافق على صفقة الإقرار بالذنب في تهمة واحدة هي الإهمال أثناء الواجب، وهي تهمة لا تتعلق بأي تورط مباشر في أعمال القتل، وقال محامي ووتريتش العسكري هيثم فرج، وهو جندي سابق في قوات المارينز، إنّ العقوبة كانت "خفيفة وبسيطة... أشبه بمخالفة سرعة".
بدوره، قال نيل باكيت، رئيس فريق الدفاع الخاص بووتريتش، إنّ عملية التحقيق والملاحقة القضائية بكاملها ضد موكّله كانت "فاشلة"، وأضاف قائلاً إنّ: "الادّعاء، بمنحه الحصانة لجميع الشهود ورفضه جميع التُهم الموجهة إليهم... جعل نفسه عاجزاً عن تحقيق العدالة في هذه القضية"، وأقرّ فرج بأن الإجراءات شابها خلل عميق، وقال لبي بي سي "لقد أعطت الحكومة الحصانة لأشخاص كي يأتوا ويكذبوا، وهكذا أساؤوا استخدام الإجراءات القانونية"، كما أشار إلى أنّ "الهدف من المحاكمة لم يكن إعطاء الصوت للضحايا"، وبيّن أن "انطباعات الضحايا بشأن محاكمة صورية دون نتيجة حقيقية ودون معاقبة أحد، كانت صحيحة".
لن يعاد فتح التحقيق إلا بأدلة جديدة!
بدورها، زعمت قوات مشاة البحرية الأمريكية أنها "تلتزم بإجراءات عادلة وعلنية بموجب القانون الموحد للقضاء العسكري، بما يضمن الإجراءات القانونية الواجبة." وأنها "لن تعيد فتح التحقيق في هذه القضية إلا إذا تم تقديم أدلة شرعية جديدة لم يطلع عليها من قبل."، ومع هذا لم يستجب المدعي العام الرئيسي في القضية لطلب بي بي سي للتعليق.
حالياً، تعيش صفا البالغة من العمر اليوم 33 عاماً في حديقة وهي أم لثلاثة أطفال، تقول إنها لا تفهم كيف لم يعاقب أي عنصر من قوات المارينز بشأن مقتل عائلتها، وحين عرض فريق "عين بي بي سي" مقطع فيديو مندوزا عليها قالت: "هذا الشخص المفروض أن يكون اقتيد إلى السجن منذ لحظة وقوع الحادث، كان من المفترض استحالة أنه يخرج إلى ضوء النهار"، وتضيف قائلة: "أريد أن يحاسب أولئك الذين فعلوا ذلك وأن يعاقبوا بموجب القانون، لقد مضى 20 عاماً دون محاكمة، وهذه هي الجريمة الحقيقية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية عائلة صفا حرب العراق حرب العراق احتلال امريكا جرائم امريكا بالعراق عائلة صفا المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات المارینز من المارینز إطلاق النار النار علیه النار على بی بی سی قال إنه قال إن
إقرأ أيضاً:
لبنان يدين إطلاق قوات إسرائيلية النار على دورية لليونيفيل
أدان الجيش اللبناني -اليوم الأحد- إطلاق القوات الإسرائيلية النار على دورية تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وقال إنه يعمل بالتنسيق مع دول صديقة لوقف الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية المتواصلة.
وقال بيان الجيش اللبناني إنه لم يتم تسجيل أي إصابات خلال الحادث، معتبرا أن هذه الانتهاكات الإسرائيلية تستلزم تحركا فوريا كونها تمثل تصعيدا خطيرا.
وشدد البيان على أن العدو الإسرائيلي يصر على انتهاك السيادة اللبنانية، مسببا زعزعة الاستقرار ومعرقلا استكمال انتشار الجيش في الجنوب. وأشار إلى أن استهداف دورية اليونيفيل هو أحدث هذه الاعتداءات المدانة.
في المقابل، أكد الجيش الإسرائيلي أن قواته لم تطلق النار بشكل متعمد تجاه قوات اليونيفيل، وقال إنه يعمل على معالجة الأمر بقنوات الاتصال العسكرية الرسمية.
وأضاف أن قواته مستمرة بالعمل لإزالة كل تهديد على دولة إسرائيل، وفق تعبيره.
كاميرا الجزيرة ترصد موقع استهداف إسرائيل لقوات حفظ السلام "اليونيفيل" داخل لبنان.. التفاصيل مع مراسل الجزيرة إيهاب العقدي#الأخبار pic.twitter.com/mVUX4AiO3Y
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 16, 2025
حادثة الاعتداءوصباح اليوم، قالت قوات حفظ السلام (يونيفيل) الأممية بجنوب لبنان، إن دبابة إسرائيلية أطلقت النار على قواتها قرب موقع أقامته إسرائيل داخل لبنان.
وأضافت اليونيفيل أنهم اضطروا للاحتماء وتمكنوا من المغادرة بعد انسحاب الدبابة الإسرائيلية دون تسجيل إصابات.
وأكدت اليونيفيل أن إطلاق النار على جنودها انتهاك خطير للقرار 1701، وناشدت الجيش الإسرائيلي وقف أي هجمات على قواتها.
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها قوات حفظ السلام الدولية لهجمات إسرائيلية، ففي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلنت اليونيفيل أنها أسقطت مسيّرة إسرائيلية حلّقت فوق إحدى دورياتها بشكل هجومي، وفي وقت لاحق، قالت إن طائرة مسيّرة ثانية اقتربت من دوريتها العاملة قرب كفركلا وألقت قنبلة.
إعلانوأضافت أنه "بعد لحظات، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة تجاه قوات حفظ السلام" لكن دون وقوع إصابات أو أضرار.
وكانت اليونيفيل أعلنت كذلك في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إصابة أحد جنودها بجروح طفيفة إثر إلقاء مسيّرة إسرائيلية قنبلة انفجرت قرب موقع تابع لقواتها في كفركلا.
وتأسست اليونيفيل عام 1978 عقب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، ثم عززت مهامها بعد حرب يوليو/تموز 2006 والقرار الأممي 1701، حيث انتشر أكثر من 10 آلاف جندي لمراقبة وقف الأعمال القتالية ودعم الجيش اللبناني في بسط سلطته جنوب نهر الليطاني.