السودان… مسارات الحرب المتجددة
تاريخ النشر: 21st, November 2025 GMT
السودان… مسارات الحرب المتجددة
ناصر السيد النور
لا جديد على صعيد الأزمة السودانية في حربها المستمرة بين الجيش والدعم السريع، غير المعارك العسكرية التي شكلت في الآونة الأخيرة تحولات استراتيجية، صعدتها المعارك الأخيرة، التي كان ذروتها في سقوط مدينة الفاشر، المعقل الأخير للجيش الحكومي في دارفور، حيث نفوذ وسيطرة الدعم السريع الكاملة.
تزداد الضغوط الدولية، سياسيا وأمميا على الطرفين لدفعهما باتجاه الهدنة، والموافقة على الصيغة الوحيدة الفاعلة في ساحة مبادرات حل الأزمة السودانية بكل تداعياتها. فلم يعد المشهد السياسي قابلا للتفسير، لتصاعد وتيرة الحرب والاختلافات الجوهرية التي يبديها الطرفان تجاه الموقف من التدخل الخارجي، بشأن خريطة طريق الرباعية، لفرض الحل ووقف الحرب الوحشية، عبر تطبيق هدنة مقترحة لوقف إطلاق النار، يسمح بتجاوز معوقات إيصال المساعدات الإنسانية.
أصبح المشهد معركة مفتوحة بلا حدود، أو أهداف بالمعنى العسكري، أو نتيجة إيجابية يبنى عليها موقف سياسي تفاوضي يضع حدا لها. ومع تشديد الحكومة في تحشيدها العسكري لما أطلقت عليه التعبئة العامة للتصدي للميليشيا (قوات الدعم السريع) التي تمددت عسكريا لكل من يقدر على حمل السلاح، كما صرح الجنرال عبد الفتاح البرهان مؤخرا في جولاته الداخلية. وتشير التعبئة العامة إلى أزمة تواجه جيش الدولة الرسمي، في مهامه القتالية وبالتالي اتساع دائرة الخطر، الذي باتت تشكله قوات الدعم السريع ضد الجيش عسكريا. ولأن لجوء الدولة إلى التعبئة العامة يعكس وضعا طارئا في ظروف الحرب الاستثنائية، إلا أنه يثير التساؤل عن وضع الجيش وقدرته التي استنفدتها جبهات الحرب المتعددة بمداها الزمني الطويل. ويأتي هذا الانعطاف في خطط الحكومة العسكرية، بوجود حشود تشارك في القتال غير رسمية مثل، ميليشيات القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش، وعدد من التشكيلات الشعبية وشبه الرسمية ككتائب الحركة الإسلامية، الداعية إلى استمرار الحرب مهما كلفت من ضحايا وأحدثت من دمار. والعمليات العسكرية المتصاعدة على ضوء ارتباطها بالداعمين من الخارج للطرفين، وتأثيرهما على موازين قوة سلاح الطرفين، وتقاطع المصالح الدولية مع أبعادها الجيوسياسية جعل الأزمة وطريقة إداراتها عسكريا أعقد بكثير من خيارات التسوية المنتظرة، سواء أكانت داخليا أو خارجيا. فدول مثل الإمارات العربية ومصر وتركيا وتوابعها في المحيط الجغرافي السوداني، تدخل بقوة في عمق الأزمة، دون أن يتضح موقفها العلني رغم حجم التقارير الدولية والصحافية التي أشارت غير مرة إلى تورط أطراف منها في دعم مباشر للطرفين، أو بالتركيز على طرف بعينه. والتدخل اللوجستي في الحرب من داخل دولة مبادرة الرباعية، يشمل الدعم المباشر لبعضها عبر وسطاء، أو ما يسمح به المجال الجغرافي في التحرك في المجالات الجوية، خاصة المسيرات بمختلف أنواعها. والمفارقة أن كل هذه الدول تؤكد في بياناتها الرسمية حرصها على وحدة السودان وسلامة أراضيه في التفاف سياسي واضح حول أجنداتها غير المعلنة، وإن أبرزتها ساحات القتال والمواقف الدبلوماسية عبر القنوات السرية.
صرح وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو في اجتماع مجموعة الدول السبع بكندا مؤخرا، بأنه يجب وقف تصدير السلاح المتدفق لقوات الدعم السريع، ويعد هذا التصريح غض النظر عن تطبيقه بالمعايير السياسية، لإحدى أهم دول “تحالف” مبادرة الرباعية، تحولا على صعيد المسار الدبلوماسي. وقد أربك هذا التصريح مع إدانته لما حدث، نتيجة معارك الجيش والدعم السريع من انتهاكات وعمليات قتل واسعة، إلا أن في إشارته لقطع تصدير الأسلحة إلى قوات الدعم ما يشبه التحول في الموقف الأمريكي، كما يرى بعض المحللين إلا أن السياسة الأمريكية تجاه الأزمة ربما ترتكز على ما ظل يردده مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس المسؤول عن ملف الأزمة من ضرورة استجابة الطرفين لخريطة السلام الأمريكية أكثر من التصريحات على الهواء. فالعامل الأمريكي مؤثر على مسار الأزمة في مختلف مراحلها، ولا يمكن تصور حلول دولية مرجحة غير ما هو مطروح الآن، وهو أمر تدركه أطراف الحرب لأنها ببساطة لا تستطيع تجاوز الدور الأمريكي في ظل النظام العالمي الحالي الذي تمثل الولايات المتحدة محوره الرئيس. المعارك بعد سقوط الفاشر في الجبهة الغربية للحرب بدت وكأنها سجال بين مدن تسقط وأخرى مهددة بالسقوط، في ظل استمرار تدفق الحشود العسكرية على جبهة إقليم كردفان المتاخم لدارفور. فالمأزق الجديد تجاه الاستجابة لسلام مبادرة الرباعية في قبول الدعم السريع لشروطها، ورفض الحكومة لها بشكل مطلق، أو مطالبة بتعديلها في أحسن الأحوال، ومهما حاولت الحكومة في خطابها الداخلي تمسكها بموقفها في عدم الجلوس إلى جانب الدعم السريع، إلا أن ما تشير إليه التطورات الدبلوماسية، سيؤدي لاحقا إلى قبول ما ترفضه الآن، دون أن تصرح بالتنازل علانية. ويعود هذا التناقض في الموقف إلى الأطراف المتعددة في توجيه مسار وقرار الحرب، بين أطراف متنفذة داخليا تمسك بالملف السياسي للحرب وأخرى يتأرجح موقفها دعما أو ولاء بين الطرفين.
إن الخطر الذي باتت تمثله الحرب بمسارها الجديد، يكمن في واقعية النتائج غير المحتملة للمعارك، فإذا كسب الدعم السريع معركة إقليم كردفان، ربما يكون مؤدى ذلك انتهاء المعركة على حدود يرغب الدعم السريع رسمها وضمها إلى أراضي سيطرته في دارفور موقع حكومته الموازية “تأسيس”، وهي نتيجة تخشى الحكومة السودانية تحقيقها عسكريا، لما يعنيه ذلك في سجل هزائمها العسكرية؛ وستنتقل طبيعة المعركة من وضعية الهجوم التي يتبناها الجيش الآن إلى الدفاع. ولما كان هذا الوضع مقروءا مع مستجدات في المواقف الدولية من الأزمة، فإن جميع المسارات تشهد تصاعدا غير مسبوق على صعيد الصراع من ناحية فرص الحل والقتال معا. ولم يعد بالإمكان تجاهل ما خلقته الحرب من الكوارث الإنسانية، بتجدد المعارك والعبء الذي تلقيه على منظمات الغوث الدولي، والتأثير الإقليمي لدول الجوار، الأمر الذي يدفع بالجهود الرامية إلى الحلول التفاوضية وجميعها مرتبطة بالخارج، على عكس أجندات طرفي القتال في الداخل. وإذا يدرك العالم هذه المخاطر وحجم تأثيرها على أكثر من صعيد مما يتوجب عليه عبر مؤسساته الأممية التعجيل بالحلول النافذة. ورغم أن البحث عن مسار الحل للأزمة السودانية قد بدأ مبكرا، وتعددت فيه الاتجاهات والأطراف إلا أن نتائجها لم تكن على مستوى الأزمة وتصاعدها. فما طرأ على خريطتها الميدانية بدد كثيرا من هذه الجهود التي لم يصغ إليها الطرفان، إلا بمقدار ما يحقق تصوراتهما المفترضة لأهمية التصعيد العسكري، أو المضي سياسيا في الاتجاه التفاوضي، بضرورة الاستجابة لما يطرح من مبادرات. فالطرفان ليسا على استعداد أمام تحديات الحرب في جانبها الإنساني، وربما استخدمت المعاناة الإنسانية ضمن أدوات الحرب ووسائلها في مخالفة صريحة لما تعده المواثيق الدولية والاتفاقيات انتهاكات جسيمة بحق غير المقاتلين. ومع هذه التداعيات الخطيرة يبقى التكهن بما ستتخذه مسارات الحرب ليس رهينا باحتدام المعارك على كل الجبهات إلى ما لا نهاية، وإنما في مدى تحمل تبعات هذه النتائج ومسؤولياتها السياسية وتبعاتها الأخلاقية قبل التفكير الانتقامي الذي يسود ساحات حرب هجين.
* القدس العربي
الوسومالإمارات الجيش الدعم السريع الرباعية الدولية السودان حكومة تأسيس دارفور دول الجوار كردفان مسارات الحرب مصر ناصر السيد النورالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإمارات الجيش الدعم السريع الرباعية الدولية السودان حكومة تأسيس دارفور دول الجوار كردفان مسارات الحرب مصر مسارات الحرب الدعم السریع إلا أن
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على نائب قائد الدعم السريع
نقلت رويترز عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إنه من المتوقع أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على عبد الرحيم دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع في السودان المتهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان.
ورجحت المصادر أن يوافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على العقوبات في اجتماع في بروكسل اليوم الخميس.
وتشمل عقوبات الاتحاد الأوروبي حظر السفر إلى دول الاتحاد ومصادرة أي أصول مملوكة له.
من جهة أخرى، نقلت رويترز عن قائد في قوات الدعم السريع قوله إن التحقيقات جارية وأي شخص يثبت ارتكابه انتهاكات سيُحاسب، مستدركا بالقول إن "تقارير الانتهاكات في الفاشر بالغ فيها الجيش وحلفاؤه"، وفق تعبيره.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان صراعا عسكريا بين الجيش والدعم السريع أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.
وأثار استيلاء الدعم السريع مؤخرا على الفاشر، وهي إحدى أكبر مدن السودان، مخاوف كبيرة من عمليات قتل جماعي وانتهاكات تشمل الاغتصاب والنهب والتخريب.
وتسببت الحرب في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم، في وقت تتقلص فيه ميزانيات المساعدات العالمية.
وأفاد أحد المصادر الأوروبية بوجود إجماع داخل الاتحاد على فرض عقوبات على دقلو، وهو شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
وأفاد مصدران آخران بأن الفكرة تقوم على أساس اعتماد نهج تدريجي للعقوبات وترك قناة مفتوحة للحوار.
وصرحت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر الثلاثاء الماضي بأن لندن تعتزم فرض عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، مشددة على ضرورة بذل جهود متواصلة لضمان وقف إطلاق النار.