بوابة الفجر:
2025-10-16@09:11:37 GMT

منى غنيم تكتب: أنبياء كاذبون

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

منذ بداية الأحداث في السابع من شهر أكتوبر الماضي، تعلق ذهني بالكامل بذكرى واحدة، واقعة واحدة من عمر الزمن قد لا يكترث لها أحد؛ لأنها مثل معظم الأشياء ليست مميزة؛ بل هي مجرد ومضة ضوئية أنجبت صورة "بولارويد" من مئات الملايين من الصور الفوتوغرافية التي تلخص قصتنا على الأرض.

كنت صغيرة السن - لا يتجاوز عمري الـ١٠ سنوات - حين استيقظت على طرقات سريعة ملهوفة على باب شقتنا تشي بآلام صاحبتها وبالمصيبة المتوقعة، كانت جارتنا الست المصرية "أزهار" تستغيث بوالدتي لأن زوجها الفلسطيني - الذي لم أستطع أبدًا تذكر اسمه - سقط مريضًا وهو في حاجة لمساعدة عاجلة، بطبيعة الحال والشخصية المصرية الخدومة هرولت أمي للطابق الذي يعلونا، وتسللت أنا، لا أعرف إن كان تسلل أم إن كان تم جرّي للشقة العلوية، لكنني أتذكر جيدًا جلوسي أمام الرجل المحتضر على سريره وجهًا لوجه وكأن الزمن تجمد؛ كان يشهق وروحه تتسابق للخروج وينظر لي بثبات، وقد أعياه المرض عن محاولة التجمل أو إخفاء الأصوات أو عدم إخافتي، كان نبيًا صادقًا.

ربماكان ينظر لي مستجديًا النجدة؟ وربما كان منتظرًا للاشىء؟ بينما تمكنت السيدتان بنجاح من طلب الإسعاف، توفي الأستاذ الذي لا أذكر اسمه بعدها بأيام قليلة، أما صورة وجهه فقد حُفرت بذاكرتي للأبد، ربما كان يحاول أن يقول أن الشعب الفلسطيني خُلق ليموت؟

قد يبدو نوع من أنواع التجديف أو الهرطقة الفكرية التي لا تؤمن بعصر المعجزات، ولكنها حقيقة دولية منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" الأخيرة، أعرف أنه نزاع مسلح حول حق واضح وبديهي يبدو مثل وضوح وبديهية عمليات الجمع والطرح في الرياضيات، لكنه استمر - وسيستمر - لعدة أجيال، بل وربما زال بزوال الأرض نفسها.

ما استوقفني في الصراع الأخير كان طوفان "الأنبياء الكاذبين" الذي نزلوا لعالم البشر دون عقيدة، هم يعون أن ليس بيدهم الحل وأنهم لا يقدرون على شىء؛ ومنهم الشركات الكبرى التي حاولت بشكل مثير للضحك التنصل من علامتها التجارية من أجل استمرار المبيعات، ثم حرب الفنانين التي لا طائل منها والتي كان ممكن استبدالها بالكامل بشيك تبرعات أو اعتذار صامت عن عمل ما أو صمت موسيقي جميل، ثم المناقشات الدولية - وما أدراك ما المناقشات الدولية - التي لا تسمن ولا تغني من جوع مع دول رئيسية ومنها قائدة العالم الحر شخصيًا المعروفة منذ ولادة المجرات وفصول السنة بمساندتها للكيان الصهيوني وهي لم تبذل حتى أبسط الجهد لإخفاء ذلك بل تعلنه صراحة حتى في قلب الأزمة المشتعلة كما هو الحال الآن.

وبرغم ذلك يتوهم الأنبياء الكاذبون أن بيدهم مفتاح الحل.

الأنبياء الكاذبون في تعريفي الخاص هم كل من يتوهم أنه يدعو لنصرة الحق وهو لا يقدر على شىء وللأمانة لا يكترث حقًا لكنه الترند، لكنها الهوجة، وهل يعلو صوت فوق صوت الجنون؟

تتذكرون مأساة "سيزيف" عندما ارتقى الجبل وهو يحمل الصخرة ثم لا تلبث الصخرة أن تتدحرج للأسفل مجددًا نحو الوادي؟ ما يحدث الآن هو ملايين "السيزيفات" التي سمحت لها "السوشيال ميديا" بالوجود وجميعهم يحاولون الارتقاء لعنان السماء من أجل أن تسقط صخرتهم على الأرض، عقاب أبدي لكنه جدير بالنبوة الكاذبة.

الخلاص لن يأتي إلا بالوحدة، وكيف تنتظر الشىء من غير معطيه؟ كيف تتوقع الوحدة والاتحاد من مجموعة من المتناحرين داخليًا وخارجيًا وعلى كافة الأصعدة، يمزقهم النصب والفساد الذي يسري في الأوردة وفي الضمائر وفي الواقع المشوه، والمصالح الفردية، والغيرة، وقانون الغاب، بل والتنمر القبلي الذي قد يكون حلًا جيدًا لو كنا في سوق عكاظ.

النصر مشروع جاد، ولكن هل نحن جادون؟ تذكرت شخصية "سمارة بهجت" في رائعة نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل"؛ الفتاة الوحيدة الجادة وسط مجموعة من المنحلين المدمنين، ترى هل يمكن تطبيق تجربتها الكاملة على عالمنا الناقص؟ أم يجب "المهادنة" وترقيع الحقيقة بالكذب؟ الساسة يكذبون حين ينادون بوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، ما يريدونه حقًا أن تنجلي الأزمة بعصا سحرية وأن يحيا أولاد العمومة الثلاثة المتجاورين معًا في انسجام تام، كانسجامنا في الأيام الغابرة مع جارتنا، نصعد إلى شقتهم وينزلون إلى شقتنا.

آلهة المنتجات الاستهلاكية الحديثة يكذبون؛ لا أحد مهتم بتحرير الأقصى بقدر اهتمامه بسب هؤلاء الغزاة الخنازير من أجل ثمن زجاجة مياة غازية بالتأكيد لن يتقاسمون ريعها مناصفة مع غزة، أما القنوات التليفزيونية - العربية والغربية - لا تكترث سوى لنسب المشاهدات، ترى هل يمكن وجود واقع لا تشوبه "الواقعية السحرية" بل تشوبه المعطيات والنتائج؟ أم أنه مجرد خيال قارىء؟!

من يريد النصر فعليه بالقوة؛ النبوة الكاذبة ليست سوى مرآة للضعف، ولا تعكس سوى ضحكات السخرية العالمية المستترة وراء كاميرات التصوير التي قد تشجب أو تدين فقط، على حسب الموديل.

((هل هو أمر طبيعي أنني لا أتذكر سوى اسم السيدة جارتنا؟ أم هي مفارقة كونية مقصودة؟))

لا حرية ولا كرامة إلا بالوحدة، وإن كانت مشروع خيالي في مخيلة بعض القراء الرومانسيين مثلي فقط، أما الباقي فتحصيل حاصل.

أما الباقي فنظرة الخواء في عين الأستاذ المتوفي رحمه الله الذي لم أفك شفرتها حتى الآن.

((أكانت استغاثة أم استجابة للمصير؟ ))

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

الصين تكتب فصلًا جديدًا في رحلة تمكين المرأة العالمية

 

 

 

تشو شيوان **

 

يعيش العالم اليوم لحظة فارقة في مسيرة النضال من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، وهذه اللحظة تتشكل في قاعات المؤتمرات بالعاصمة الصينية بكين؛ حيث احتضنت الصين على مدار يومي 13 و14 أكتوبر 2025 "اجتماع القادة العالميين بشأن المرأة"، وهذا التجمع الدولي الرفيع ليس مجرد فعالية دبلوماسية؛ بل هو إحياء للذكرى الثلاثين للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي انعقد في بكين عام 1995، وأطلق آنذاك إعلان وخطة عمل بكين، اللذان ما زالا يمثلان الوثيقة التوجيهية الأهم لتنمية المرأة على الصعيد العالمي. وأجد أن عودة العالم إلى بكين بعد ثلاثة عقود تحمل رسالة ثقة عميقة بالدور الذي تلعبه الصين كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل المرأة حول العالم.

وخلال كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، دعا إلى تعزيز تمثيل المرأة في السياسة والحكومة، معتبرًا أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تضمن «ترسيخ المساواة بين الجنسين بشكل حقيقي» داخل المجتمع، كما أكد على أن البلدان بحاجة إلى «توسيع القنوات أمام النساء للمشاركة في السياسة وصنع القرار، وتعزيز مشاركة المرأة على نطاق واسع في الحوكمة الوطنية والاجتماعية»، مشيرًا إلى أن السلام والاستقرار يشكلان شرطين أساسيين لتحقيق التنمية الشاملة للمرأة، وهذه الرؤية لا تنفصل عن الإيمان الراسخ بأن للمرأة دورًا حاسمًا في إرساء «اتجاه جديد للأسرة»، خاصة في ظل مواجهة العالم العديد من التحديات في هذا الجانب.

من وجهة نظري أنَّ المكانة التي وصلت إليها المرأة في الصين اليوم هي ثمرة لسنوات من السياسات الممنهجة والاستثمار في طاقاتها، فقد أحرزت الصين تقدمًا ملحوظًا في مجال تعليم النساء اللاتي أصبحن يشكلن نحو 50 في المائة من طلاب التعليم العالي، ونحو 43 في المائة من إجمالي القوى العاملة في البلاد، وهذا التقدم التعليمي والمهني هو الأساس الذي تقوم عليه أي استراتيجية حقيقية لتمكين المرأة، واسترشادًا بروح مؤتمر بكين التاريخي، لم تتردد حكومتي في إعلان تدابير ملموسة جديدة لتعزيز هذه المكانة، حيث ستتبرع الصين في السنوات الخمس المقبلة بمبلغ آخر بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وتخصص حصة قدرها 100 مليون دولار أمريكي في صندوق التنمية العالمية والتعاون بين بلدان الجنوب لتنفيذ مشاريع تنموية للنساء والفتيات، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على إيمان راسخ بأن استثمار دول الجنوب في المرأة هو استثمار في تنمية البشرية جمعاء.

لا يمكن لأحد أن يُنكر أن رحلة تمكين المرأة في العالم تشهد تحديًا بارزًا على مستوى التمثيل السياسي في أعلى المستويات، وهو تحدد تدركه الصين وتعمل على معالجته في إطار سعيها الدؤوب للتطوير، لكني أجد أن النجاح الحقيقي يُقاس أيضًا بالمشاركة الواسعة في سوق العمل والتعليم، وبوجود أطر قانونية وخطط عمل وطنية تحمي مكاسب المرأة، وقد استطاعت الصين زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة بشكل ملحوظ، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به عالميا، وحتى أنها نموذجًا للدول العربية التي عبر ممثلوها، مثل معز دريد المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، عن حرصهم على "الاستفادة من تجارب الصين وخبراتها"، وهذا الإشهاد الدولي هو خير شاهد على صحة النهج الذي تتبناه الصين في مسيرة تمكين المرأة.

في النهاية.. أجد أن هذا الاجتماع العالمي في بكين يقدم دفعة قوية لمضاعفة الجهود والاستثمارات نحو تسريع خطط عمل بكين، وهو يجسد الدور الجيوسياسي المتعاظم الذي تلعبه الصين كجسر للتعاون وتبادل الخبرات بين دول العالم، خاصة بين دول الجنوب، والدعم الصيني الذي سيصل إلى 1000 مشروع لكسب الرزق الخاص بالنساء، إضافة دعوة 50 ألف امرأة إلى الصين للمشاركة في برامج التبادل والتدريب، وإنشاء مركز عالمي لبناء قدرات المرأة كل هذه إجراءات عملية تثبت أن الصين لا تقدم الشعارات؛ بل تُقدِّم حلولًا ملموسة تساهم في كتابة فصل جديد من فصول تمكين المرأة حول العالم، فصل تقوده كفاءة وخبرة ودعم غير محدود من دولة مثل الصين تضع التنمية البشرية الشاملة في صلب أولوياتها، ومن هنا يمكننا القول إنَّ الصين تُمارس دورها المسؤول تجاه القضايا العالمية؛ بما فيها قضايا المرأة والمجتمع.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • غنيم: منصة ذكية توحد أنظمة المتحف المصري الكبير
  • د. أمل منصور تكتب: الريد فلاج.. همس العلاقة قبل أن تصرخ
  • الصين تكتب فصلًا جديدًا في رحلة تمكين المرأة العالمية
  • الرأس الأخضر تكتب التاريخ بـ«المونديال الأول»!
  • برلمانية: قمة شرم الشيخ تكتب تاريخًا جديدًا في صنع السلام
  • «كاب فيردي» تكتب التاريخ وتبلغ كأس العالم 2026
  • هند عصام تكتب: الملك سمندس
  • د. عبير عطالله تكتب: شهادة ثقة في الاقتصاد المصري
  • غنيم: إحالة أي تلاعب بالأسعار إلى التحقيق الفوري لضمان الانضباط بالأسواق
  • علي غنيم: التاريخ سيسجل ما فعله الرئيس السيسي من أجل الإنسانية والسلام بحروف من نور