البوابة نيوز:
2025-10-09@16:41:29 GMT

لا توجد عين بريئة

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

لا توجد عين بريئة، لأن العين تأتي إلى عملها محملة بتاريخها القديم، وتهمس بماضيها وحاضرها الخاص وبالتلميحات القديمة والجديدة، فهي لا تعمل بمفردها بوصفها أداة ذاتية، ولكنها تعمل بوصفها جزءًا فعالًا في كائن حي مركب ومتقلب الأطوار، ليس فقط في كيفية الرؤية، فعمل العين لا يقتصر على مجرد الرؤية، وإنما هي تنظم ما تراه وفقًا للحاجة والميل، وتنفي وترفض وتصنف وتحلل وتركب، والعين في أغلب الأحيان ليست كالمرآة كما تأخذ تعطي، أو كما تستقبل تعكس، إن ما تأخذه لا ترسله ولا تعطيه كما هو، وكأنها مادة خام بدون خواص، لا شيء يُرَى كما هو مجردًا أو خاليًا.


نحن عندما نرى شيئًا في الواقع إنما نراه مصبوغًا بخبراتنا وآمالنا ومخاوفنا، نحن نرى العالَم لا كما هو في الواقع؛ بل نراه من خلال أفكارنا ومعتقداتنا؛ التي تلقيناها حين كنا أطفالًا لا نملك القدرة على الفحص والتمحيص، ولقد ترسخت تلك الأفكار والمعتقدات في عقولنا ووجداننا حتى أصبحت تصبغ رؤيتنا للأشياء والأشخاص، والأخطر هو أننا نتوهم أن رؤيتنا موضوعية تعبر عن الحقيقة بوضوح وجلاء وأن رؤية غيرنا المخالفة لنا هي الباطل بعينه. وتبدأ المآسي البشرية حين يحاول كل صاحب رؤية فرض رؤيته على غيره بالقوة. 
العين ليست آلة صماء كالكاميرا تُصَوِّر الواقع كما هو، وتنقله بحذافيره إلى المخ، بل إنها مصبوغة بلون معين؛ لون بيئتها (أي بيئة صاحبها، ومعتقده الديني، وتربيته، ومستواه الثقافى، ودرجة تعلمه، وطبقته الاجتماعية...إلخ). ووفقًا لهذا اللون الذي يصبغ أعيننا؛ وكأن البشر يرتدون نظارات ملونة، فهناك من يرتدي نظارات ذات زجاج أزرق اللون، وآخرون يرتدون نظارات حمراء أو خضراء أو صفراء. إن كل واحد منا يرى العالَم مصبوغًا باللون الأحمر إذا كانت نظارته حمراء، ويراه أزرق اللون إذا كانت نظارته زرقاء... إلخ.  نرى أشياءً دون أشياء، رغم تجاور هذه وتلك أمام ناظرينا!! إننا لا نرى كل ما هو ماثل أمام أعيننا، بل نرى ما نرغب في رؤيته فحسب. بعبارة أكثر دقة يمكننا القول: إننا لا نرى ما هو ماثل أمام أعيننا، وإنما نرى ما هو كامن وراءها، أي نرى الواقع كما تصوره لنا الأفكار التي تم غرسها داخل رؤوسنا وتم حشوها بها. 
إننا لا ندرك كل شيء حولنا، إننا ننتقي ما نريد إدراكه، ونترك ما عداه حتى وإن كان ماثلًا أمام أعيننا، وقد يبدو هذا القول غريبًا أو محيرًا للوهلة الأولى، ولكن الواقع المعيش والتجارب التي أجريت أثبتت صحة ذلك؛ إن السحرة وبعض الساسة ورجال الدين المخادعين يسلكون على نحو يجعل تركيز الناس ينصب على أشياء تثير الاهتمام لتحويل أنظارهم عما لا يريدون منهم أن يروه. يفسر علماء الأعصاب أسباب هذه الظاهرة إلى القدرة المحدودة للدماغ على تذكر الصور المعقدة بتفاصيلها المختلفة، إذ إن الفرد يعطي الأولوية فيما يشاهد لما يعتقد أنه مهم وحقيقي، ويغفل تمامًا عما هو ماثل في الواقع أمام عينيه. 
لقد قام عالمان من جامعة هارفارد، وهما «دان سايمانز» و«كريس» بتجربة علمية توضح كيف أن عمل الدماغ يختلف قليلًا عما تراه العين في الحقيقة، وهي تجربة طريفة. فطلبا من شابين القيام بتجربة على عدد من المتطوعين الذين شاركوا دون علمهم بطبيعة التجربة - تم الكشف عنها لهم لاحقًا - وأثناء تعبئة المتطوعين لنموذج يقوم أحد الشابين بالانحناء تحت الطاولة ليقوم صاحبه الذي كان مختبئًا بالوقوف، وهكذا بالتناوب. وأسفرت نتيجة هذه التجربة عن أن ٧٥٪ من المتطوعين لم يلحظوا أن الشاب الآخر ليس هو نفسه الشاب الأول، أي أن أعين المشاهدين لم تلحظ الفرق الكبير في الأشياء التي أمامها، وهو ما فسره العالمان على أن العين لا ترى كل ما هو ماثل أمامها؛ لأن تركيز كل متطوع كان منصبًا على النموذج المراد تعبئته، لا على الشابين، وما إذا كانا هما شخصًا واحدًا أم شخصين. كانت دهشة المتطوعين كبيرة حين اكتشفوا أن من استقبلهم عند قدومهم شابان وليس واحدًا، وأنهم لم يلحظوا هذا الفرق الكبير بين الشابين الأول والثاني!
بقي أن نقول إنه لا بد أن نعرف أن دائرة إدراكنا محدودة، وهذا يصل بنا إلى نتيجة بالغة الأهمية، تقول بضرورة أن يكون تسامحنا عظيمًا، وتواضعنا أعظم، علينا أن نتسامح مع الآخر، ونكون أكثر تواضعًا معه.
د.حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العين د حسين علي أعيننا کما هو

إقرأ أيضاً:

نبؤة السنوار.. ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين على أرض الواقع؟

تحولت نبؤة رئيس حركة حماس الشهيد يحيى السنوار بعزل الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بدولة فلسطين إلى واقع ملموس يشهد له الجميع خاصة بعد اعتراف قيادات الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءه وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحالة العزلة التي يمر بها بالإضافة إلى اعتراف العديد من دول العالم بدولة فلسطين.

وفي فيديو سابق قال السنوار أنه يتوقع أن المقاومة الفلسطينية خلال عامٍ واحد قد تتمكن من فرض ضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي، إما للاحترام القانون الدولي وإيقاف الانتهاكات في الضفة الغربية، أو للوصول إلى اعتراف دولي بدولة فلسطين ووضعه في عزلة دولية.

عامان على الإبادة كانا كفيلان أن تأخد النبوءة، شكلًا واقعيًا بعد تصاعد الأحداث في "طوفان الأقصى"، حيث شهدت فلسطين والقدس تحولات ملموسة على المستويين الشعبي والدولي.

نبوءة السنوار .. تتحقق ..
ونبوءات أخرى في طريقها للتحقق لا محالة .. pic.twitter.com/N4ki7CKdn7 — جابر الحرمي (@jaberalharmi) September 27, 2025

الوعي الشعبي يتصاعد والمظاهرات تتضاعف
وتجلى أثر هذه النبوءة في الشارع الفلسطيني والعالمي، حيث شهدت المدن العالمية والأوروبية مظاهرات حاشدة دعماً لغزة والفلسطينيين، ففي باريس ولندن وبرلين وإيطاليا وهولندا خرج عشرات الآلاف في مسيرات تضامنية، مؤكدين على رفضهم للانتهاكات الإسرائيلية ومطالبتهم بإنهاء الحصار على غزة.


وفي  دول شرق آسيا كوريا الجنوبية واليابان واندونيسيا وماليزيا شهدت الساحات مظاهرات شبابية حاشدة حملت شعارات موحدة، تعكس توحد الرأي الشعبي حول القضية الفلسطينية، وارتفع الوعي العام بمأساة الفلسطينيين عبر حملات إعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي التي نقلت صورا مباشرة من الميدان، ما زاد الضغوط على الحكومات لاتخاذ مواقف رسمية داعمة.



الاعتراف الدولي بدولة فلسطين: قائمة الدول ومواقفها
وتزامنًا مع هذا الزخم الشعبي، أعلنت عدة دول عن اعترافها بدولة فلسطين، في خطوة اعتبرت استجابة جزئية لنبوءة السنوار، من بين هذه الدول: المملكة المتحدة، كندا، أستراليا، البرتغال، فرنسا، وسلوفينيا وإسبانيا.

وركزت هذه الدول في بياناتها الرسمية على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مشيرة إلى أن الاعتراف يهدف إلى دعم جهود السلام واستقرار المنطقة، بعض هذه الاعترافات حملت بعدا رمزيا دبلوماسيا، فيما اعتبرت دول أخرى أن له تأثيرًا مباشرًا على المفاوضات السياسية المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين.

مشاهد للحظة رفع العلم الفلسطيني على مبنى سفارة فلسطين في بريطانيا، وحشود كبيرة تشارك هذه اللحظة التاريخية.

????????❤️???????? pic.twitter.com/ptK68yc5OO — عبدالله البندر (@a_albander) September 22, 2025


حدود الاعتراف وتأثيره السياسي
على الرغم من أن الاعتراف يحمل وزنا رمزيا كبيرا، إلا أن فعاليته العملية على الأرض محدودة. التحديات تشمل:
السيطرة الإسرائيلية الفعلية على الضفة وغزة، مما يجعل أي اعتراف دولي في كثير من الأحيان شكليًا.

ارتباط بعض الاعترافات الدولية بشرط إصلاح داخلي فلسطيني ووحدة وطنية بين الفصائل، ما قد يقيّد التحرك السياسي الفعلي.

ردود الفعل الإسرائيلية وحلفائها، التي قد تشمل ضغوط دبلوماسية أو اقتصادية على الدول المعلنة لدعمها للفلسطينيين.

القرب من الاحتلال

وفي تصريحات خاصة لـ "عربي21" أكد منسق المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية أحمد فراسيني، أن اعتراف الدول بدولة فلسطين اختلف باختلاف مواقفها ومدى قربها أو تبعيتها للاحتلال الإسرائيلي.

وأضاف أن بعض الحكومات اعترفت استنادًا إلى قرارات دولية واضحة، وحددت حدًا مرجعيًا للحدود مثلاً حدود سنة 1967، بينما دول أخرى طرحت اعترافات مشروطة أو جزئية تعتمد مواقف سياسية أو أمنية مرتبطة بإسرائيل، والنتيجة أن هناك تناقضا واضحا في طبيعة هذه الاعترافات ومدى جديتها."

اعترافات مشروطة.. تناقض واضح
وأشار فراسيني إلى أن بعض الدول وضعت شروطًا للاعتراف: إصلاحات داخلية فلسطينية، فصل السلاح، ونزع خطاب التحريض من المناهج، وحتى إجراء انتخابات تستبعد فيها قوى لا تتوافق مع نهج السلطة، وهذا النهج يطرح تساؤلات حول مفهوم "الديمقراطية" الذي تطرحه تلك الدول، خاصة عندما تشترط معايير سياسية محددة تمليها من خارج السياق الفلسطيني".


وتابع منسق المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية أن هناك حالات غريبة ومتناقضة، مثل موقف بعض الدول الأوروبية التي أعلنت نيتها الاعتراف بشرط تغييرات جوهرية بالمنهاج ونزع السلاح؛ وفي المقابل تستمر دول أخرى في علاقات أمنية ومشاركة استخبارية مع الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك، الاعتراف الرسمي لا يواكبه دائما التزام عملي بحماية الشعب الفلسطيني أو بفرض عقوبات على جرائم الحرب المزعومة".

????أعلنت #أيرلندا و #النرويج و #إسبانيا أنها تعترف رسميًا بفلسطين كدولة.#Ireland #Norway #Spain #Palestine ???????????????????????????????? https://t.co/WOLDlp55Gg pic.twitter.com/3O8Wb9tc8L — Ahmad Farhat | أحمد فرحات (@AhmadAc7890) May 22, 2024

التزامات على الدول المعلنة
وأردف فراسيني أنه من الجانب العملي الاعترافات تلقي التزامات على الدول المعلنة؛ المفروض أن تعقبها خطوات ملموسة، كحماية المدنيين، ودعم إعادة الإعمار، ووقف التعاون العسكري الذي قد يسهِم في استمرار الأزمة، لكننا لم نر حتى الآن تحوّلًا جوهريًا في السلوك الدولي يوازي هذا الكم من الاعترافات، فالكثير من الدول ظلت صامتة أو مشاركة بطريقة لا تؤثر فعليًا على أداء الاحتلال".

الموقف الداخلي الفلسطيني
وقال فراسيني إن "حيث الموقف الفلسطيني الداخلي، فالمشكلة أن هذه الاعترافات في كثير من الأحيان تقوي السلطة الفلسطينية بوصفها الطرف المعترف به، فيما تهمل منظمة التحرير التي تمثل طيفًا أوسع من الفصائل.

وأضاف أن هذا يضع الفلسطينيين أمام معضلة: هل نعطي الأسبقية لهيئة تمثل طيفا محدودًا أم نعمل على إعادة بناء منظمة التحرير لتكون الإطار الجامع والشرعي؟ وجهة نظري أن العودة إلى منظمة التحرير المعاد هيكلتها تمثل مدخلًا للخروج من هذا الفراغ.

منظور عقابي.. الاعتراف بإسرائيل
وتابع منسق المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسي، أنه من منظور عقابي فعلي، فسحب الاعتراف بدولة إسرائيل من قبل دولٍ ما سيكون أكثر تأثيرًا وردعا من مجرد الاعتراف بفلسطين، والاعتراف الإضافي لا يغير كثيرا ما دام الطرف المعني (إسرائيل) يحافظ على علاقاته الدبلوماسية مع قوى دولية كبرى؛ أما حرمان إسرائيل من الاعتراف الدولي فسيكون إجراء ذي وزن حقيقي.

خطة ترامب ومسار الاعتراف
وقال فراسيني أن ما يتعلق بالمسار الأمريكي وخطة ترامب، هناك تناقض واضح؛ فبعض الدول التي رعت أو باركت هذه الخطة ثم اعترفت بفلسطين، وقفت عمليًا على حكمين متناقضين: من جهة تؤكد الشرعية الدولية لإعلان نيويورك ومن جهة أخرى تُبارك مبادرات خارج الإطار الدولي وتقود إلى وصاية دولية أو تدخلات أجنبية، وهذا المزيج يطرح سؤالاً حول الغاية الحقيقية من الاعترافات: هل هي ضغط على إسرائيل أم محاولة لتطويع القضية ضمن رؤية خارجية؟

مقالات مشابهة

  • 1392 مترشحًا لانتخابات مجلس النواب بالنظام الفردى ولا توجد قوائم فى اليوم الأول للترشح
  • «ثروة» تنتزع كأس «الأبكار» في مهرجان العين للهجن
  • هزاع بن زايد يزور مطر حمد بن عميرة الشامسي في استراحته بمنطقة العين
  • نقل 7 طلاب إلى مستشفى الشهداء بادعاء تسمم.. وتعليم المنوفية: لا توجد مشكلة
  • نبوءة السنوار.. ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين على أرض الواقع؟
  • نبؤة السنوار.. ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين على أرض الواقع؟
  • ترامب: توجد "فرصة حقيقية" للتوصل إلى اتفاق سلام في غزة
  • «الأندلس» تحصد كأس «الأبكار» في مهرجان العين للهجن
  • وزير الخارجية: لا توجد أي حلول عسكرية للنزاعات في المنطقة
  • ركنة العين تسجل أقل درجة حرارة في الدولة