لجريدة عمان:
2025-12-09@09:33:33 GMT

إشكاليات حقوق الإنسان

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

مفهوم «حقوق الإنسان» يستند إلى مفهوم «الحق»، ومفهوم الحق يعد مفهومًا مركزيًّا في الفكر الفلسفي منذ نشأته، حتى إن الفلسفة لدى عامة الناس باتت تُعرَف بأنها البحث في الحق والخير والجمال، باعتبار أن هذه المفاهيم الثلاثة هي المفاهيم الأساسية الكبرى في الفلسفة. غير أن مفهوم الحق عند قدماء فلاسفة اليونان ظل مرتبطًا بالبحث الميتافيزيقي في معنى الخير والعدالة، وظل في العصر الوسيط مرتبطًا بالدين، أعني بمفهوم الحق الإلهي؛ ولذلك فإنه حتى العصر الحديث لم يكن الفكر الفلسفي يُعنى بحقوق الإنسان.

فكبار فلاسفة اليونان لم يؤمنوا بالمساواة بين البشر أو بحق كل إنسان في ممارسة السياسة: فأرسطو -على سبيل المثال- كان يرى أن العبد يظل عبدًا بطبيعته، أي أنه بحكم طبيعته يجب عليه تقديم فروض الطاعة لسيده، وأفلاطون كان يرى أن ممارسة الحقوق السياسية من خلال تولي الوظائف السياسية والنيابية هو أمر ينبغي أن يبقى ممتنعًا على العوام من الحرفيين والفلاحين والصنّاع والبحّارة، ومن إليهم؛ لأن هؤلاء -مثل العبيد عند أرسطو- هم مجرد أدوات في خدمة النظام العام. والحقيقة أن هذه الرؤية في رفض فكرة المساواة بين البشر لم تكن مقصورة على كبار فلاسفة اليونان، ولكنها تواصلت لدى فلاسفة كبار في أواخر العصر الحديث الذين سخروا من هذه الفكرة من أمثال: شوبنهاور ونيتشه. ومع ذلك، فإننا ينبغي أن نفرق بين هذا الرفض في كلتا الحالتين: فهو في الحالة الأولى مؤسس على تصورات ميتافيزيقية وأيديولوجية لما ينبغي أن يكون عليه نظام الحكم والسياسة في الدولة، بينما هو مؤسس في الحالة الثانية على تأملات في الطبيعة البشرية، أعني في طبائع البشر ومَلكاتهم الإبداعية، وأظن أننا ينبغي أن نفهم في هذا الإطار مقولة نيتشه عن «أخلاق السادة وأخلاق العبيد»؛ ولذلك فإنه كان ينظر إلى القول بالديمقراطية والعدالة والرحمة على أنه من قبيل «الذوق السمح» فحسب!

وبوجه عام يمكن القول إن مفهوم «حقوق الإنسان» لم يكن مطروحًا قبل العصر الحديث. لقد نشأ هذا المفهوم رسميًّا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1789؛ ومنذ ذلك الحين بدأ هذا المفهوم يتنامى ويتسع، لا في مجال الفلسفة وحسب، وإنما أيضًا في مجال العلوم السياسية والاجتماعية. وقد كان هذا التحول نتاجًا لتحول في البحث والفكر من الاهتمام بالطبيعة والكون إلى البحث في الإنسان ورؤيته لنفسه وللعالم. وقد امتد مجال البحث في حقوق الإنسان فيما وراء البحث النظري، بحيث أصبح أداةً للنضال السياسي، والدفاع عن حقوق الناس في مواجهة تعسف الدول واستبدادها، بل إن مراعاة حقوق الإنسان -كما جاءت في المواثيق الدولية- أصبح يُنظَر إليها باعتبارها معيارًا لتقييم الأزمات السياسية والاجتماعية في الدول؛ ومن ثم باعتبارها معيارًا لقياس مدى تقدم الدول أو تخلفها!

وبصرف النظر عن أن مسألة حقوق الإنسان قد امتدت إلى البحث في مسائل حقوق الحيوان والبيئة، ولكل منها إشكالياتها الخاصة بها -بصرف النظر عن هذا، فإن مسألة حقوق الإنسان نفسها تنطوي على إشكالياتها الخاصة التي ينبغي أن نكون على وعي بها؛ وهذه الإشكاليات يمكن إجمالها فيما يلي:

ينبغي أن نلاحظ أولًا أن حقوق الإنسان لا يمكن اختزالها في مجموعة من المطالب مثل الحق في الغذاء والعلاج والتعليم والحياة الآمنة؛ لأن مفهوم الحق له معنى أسبق من ذلك وأكثر عمقًا: ذلك أن حقوق الإنسان تتعلق في المقام الأول بالحق في الحرية؛ إذ إن الحرية هي ماهية الوجود الإنساني؛ فالإنسان ليس «حيوان عاقل» كما تصوّر أرسطو، وإنما هو وجود أصبح يعي ذاته حينما أصبح يعي أنه موجود حر؛ وبذلك فإن الحرية هي الشرط الأول لحقوق الإنسان.

حينما نطرح مسألة القيم والخصوصيات الثقافية فيما يتعلق بمسألة الحرية التي تقتضيها حقوق الإنسان؛ فإن هناك تساؤلات عديدة تفرض نفسها علينا، من قبيل: ما معنى الحرية أصلًا؟ وهل هذه الحرية مطلقة؟ وماذا لو تعارضت هذه الحرية مع قيم وثقافة شعب ما؟ هل هناك معنى عام للحرية يتجاوز كل القيم والخصوصيات المرتبطة بشعب ما؟ هل الحرية تعني التحرر من كل شيء بصرف النظر عن أي شيء، أعني بصرف النظر عن الهويات والخصوصيات الثقافية؟! إن الحرية بمعنى التحرر من كل شيء بإطلاق هي مفهوم وهمي لا وجود له في العالم أو التاريخ. وخطورة هذا التصور للحرية أنه يمكن استخدامه في محاولة فرض قيم وثقافات غربية إمبريالية على الشعوب الأخرى بدعوى الحرية الإنسانية؛ وبذلك تتم مصادرة الحق في الهوية والاختلاف، أعني أن مفهوم حقوق الإنسان يصبح بذلك مناقضًا لذاته. يمكننا أن نضرب أمثلة على هذه الحالة الإشكالية التي تتبدى حينما يتعارض مفهوم الحرية وحقوق الإنسان مع الخصوصيات الثقافية، وسوف أكتفي في هذا الصدد بمثال واحد: لعلنا نتذكر ما جرى في مونديال قطر حينما رفضت دولة قطر رفع شارات المثلية الجنسية في الملاعب، وهي الشعارات التي حاول اللاعبون والمسؤولون التسلل بها إلى الملاعب وفي المدرجات باسم الدفاع عن الحرية الإنسانية وحقوق الإنسان! وبذلك يمكن استخدام حقوق الإنسان في عصر العولمة من أجل مصادرة الهويات والثقافات المغايرة. هذا المثال يعد كاشفًا ودالًا عما أريد الإفصاح عنه هنا.

ومع كل ذلك، فإننا لا يمكن أن ننكر أن الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه مفهوم حقوق الإنسان هو الحرية: الحرية في التدين والاعتقاد وفي الفكر والرأي، بصرف النظر عن عقيدتنا أو ما نؤمن به وندعو إليه ولكن بشرط أن نؤمن في الوقت ذاته بأن هذه الحرية ليست مطلقة وليس لها معيار واحد نؤمن به، وإنما هذه الحرية هي نوع من التحرر من كل استبداد وقمع يعوق هذه الحرية. وكما أن الحق لا يمكن أن يضاد الحق، فالحرية لا ينبغي أن تضاد حرية أخرى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حقوق الإنسان هذه الحریة البحث فی ینبغی أن مفهوم ا

إقرأ أيضاً:

"حقوق الإنسان" تستعرض الإنجازات الوطنية لتمكين ذوي الإعاقة.. الأربعاء

 

مسقط- الرؤية

تُقيم اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان، صباح الأربعاء، حفلها السنوي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت عنوان "حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.. جهود وطنية، وإنجازات مستدامة"، برعاية صاحب السمو السيد الدكتور كامل بن فهد آل سعيد، أمين عام في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

ويأتي هذا الاحتفال تجسيدًا لنهج اللجنة السنوي في إحياء العاشر من ديسمبر باعتباره ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبما يُعزز الوعي بالقيم الإنسانية الجامعة التي تقوم على المساواة والكرامة وعدم التمييز، مع تخصيص مساحة محورية هذا العام لإبراز المنجزات الوطنية المتصلة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بوصفها من القضايا الحقوقية ذات الأثر المباشر في ترسيخ العدالة وتكافؤ الفرص.

ومن المتوقع أن يشهد الحفل حضورًا ومشاركة واسعة لأكثر من 55 جهة من المؤسسات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، في دلالة على اتساع دائرة الشراكة الوطنية الداعمة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز إدماجهم في مختلف مجالات الحياة، بما ينسجم مع المقاربات الحديثة التي تنظر إلى الإعاقة من منظور الحقوق لا من منظور الرعاية فقط.

ومن المقرر أن يتم الإعلان خلال الحفل عن أبرز المبادرات الرائدة في تشغيل وتأهيل وتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة في سلطنة عُمان لعام 2025م، في خطوة تهدف إلى تقدير الجهود الوطنية التي أسهمت في تعزيز الحق في العمل والتعليم والتأهيل المهني، وتوسيع فرص الدمج في سوق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يأتي هذا الإعلان لإبراز نماذج مؤسسية ملهمة نجحت في تحويل التمكين إلى أثر ملموس ومستدام، عبر توفير بيئات عمل أكثر مواءمة، وبرامج تدريب نوعية ترتبط باحتياجات السوق، ومسارات تأهيل ترفع جاهزية الأشخاص ذوي الإعاقة للاستقلال الاقتصادي والمشاركة المجتمعية الفاعلة، على أن يتم الإعلان عن تفاصيل هذه المبادرات والجهات المُكرمة ضمن فقرات الحفل.

ويتضمن برنامج الاحتفال عددا من الفقرات التي تستعرض مضامين الرسالة الوطنية والحقوقية المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، من بينها فيلم تعريفي عن اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان، وفيلم مخصص لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بعنوان "جهود وطنية وإنجازات مستدامة"، إلى جانب عرض موشن جرافيك يُبرز جهود اللجنة في متابعة وحل قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، وعرض موسيقي يقدمه طلاب من ذوي الإعاقة السمعية، بالإضافة إلى 5 مواد فلمية تُسلط الضوء على مبادرات رائدة في خدمة هذه الفئة، كما سيشهد الحفل الإعلان وتخريج الدفعة الأولى من المدربين المعتمدين في حقوق الإنسان.

مقالات مشابهة

  • عضو حقوق الإنسان: انتخابات مجلس النواب تتم في سهولة ويسر
  • عضو "حقوق الإنسان": انتخابات النواب تتم بسهولة ويسر بعد توفير كل المستلزمات
  • خالد الجندي ردا على الجماعات المتطرفة: الإسلام دين الحرية (فيديو)
  • خالد الجندي يفند مزاعم الجماعات المتطرفة ويؤكد: الإسلام دين الحرية والإنسان
  • البابا: الفاتيكان لن يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان
  • "حقوق الإنسان" تستعرض الإنجازات الوطنية لتمكين ذوي الإعاقة.. الأربعاء
  • خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعاً عن الحرية الإنسانية
  • الشيخ خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعاً عن الحرية الإنسانية
  • البابا ليو الرابع عشر: الكرسي الرسولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان
  • مفتي الجمهورية: القرآن الكريم نور الحياة وهدى الوجود يبني الإنسان على الحق