قبل حلول الشهر الكريم نجد أنفسنا مضطرين إلى صيام إجبارى فرضته علينا الدولة دون أن يكون لنا رأى.. فعلينا أن نصوم عن كل النعم التى أحلها الله تحت وطأة الغلاء الفاحش.
فالصيام عن اللحوم والدواجن والأسماك والبيض والحليب والزيت والسكر والأرز وهى سلع أساسية وليست ترفيهية أصبح إجباريًا بعد أن فاقت أسعارها قدرات المصريين، وأصبح الحرمان منها أمرًا واقعًا فرضته سياسات حكومية فاشلة لم يكن المواطن طرفًا فيها.
يا سادتنا ارتفاع الأسعار المتتابع بات كابوسًا جاثمًا على صدور المصريين ينتظرون الخلاص منه، وزيادة الأسعار فى مصر ليس لها مثيل فى العالم كله، فهى قفزات وليست زيادات، ولم تعد يومية فقط ولكنها ترتفع وقتيًا وعلى مدار اليوم أكثر من مرة، وهناك حكايات وروايات كثيرة ومريرة لمواطنين تعرضوا لمهازل أثناء الشراء، وخاصة الأجهزة الكهربائية التى تشهد ارتفاعًا جنونيًا فسعرها يتغير كل لحظة وفقًا لارتفاع سعر الدولار.
فالمواطن أو «الزبون» يفاجأ عند وصوله إلى الكاشير أن السعر ارتفع بالآلاف وأن عليه أن يدفع بالزيادة دون نقاش أو يترك السلعة غير مأسوف عليه.
وما يحدث فى الأجهزة الكهربائية يحدث فى السلع الغذائية الأساسية، زيت وسمن وأرز وغيرها.. فهل هناك حكومة فى العالم تترك مواطنيها فريسة للغلاء بهذا الشكل؟!
وهل يعقل أن تتضاعف أسعار أغلب السلع الضرورية من ثمان إلى عشر مرات، خلال فترة وجيزة، دون أن تواكبها زيادة المرتبات والمعاشات.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، اللحمة التى كانت بأربعين جنيهًا أصبحت بأربعمائة.. والسعر مرشح للزيادة إلى خمسمائة قبل حلول رمضان، والبيض كانت الكرتونة بعشرين جنيهًا وارتفعت إلى ١٦٠ جنيهًا، والأرز كان بثلاثة جنيهات والنصف تجاوز الآن ٣٥ جنيهًا، والبن كان بستين جنيهًا تجاوز الآن ستمائة جنيه.
الغريب أن حالة التضخم قد ابتلعت بالهنا والشفا ما كان يسمى بالقرش صاغ، ولم يعد «القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود» بعد أن اختفى ذكره أصلًا ولم يعد له وجود فى قاموس التسعيرة!
فالزيادات أصبحت بعشرات ومئات الجنيهات وسط حالة من الغليان والحسرة على ما وصلت إليه الأسعار.
وللمرة الثانية أتوجه إلى رئيس الحكومة مطالبًا بضرورة التدخل العاجل للسيطرة على انفجار الأسعار والتى فاقت كل التصورات ووقف الارتفاع اليومى لكل السلع، فلم تعد لدينا القدرة على مواجهة غول التضخم الذى يلتهم كل شيء.
يا حكومة هناك بيوت كثيرة جدًا محرومة منذ أكثر من عام من البروتين بأنواعه سواء اللحوم الحمراء أو البيضاء أو حتى الأسماك والألبان ومنتجاتها، ولم تعد فكرة الامتناع عن تناول ما يرتفع ثمنه مجدية لأن البدائل مثل البقول والخضروات أيضاً أصبحت فوق قدرتها.
يا سادة لا حديث بين الناس فى مصر وفى كل المجالس سواء فى الأماكن العامة أو الخاصة، فى وسائل المواصلات وأماكن العمل والمقاهى وحتى الأفراح والعزاءات إلا عن انفجار الأسعار والمشكلات المترتبة عليها فى كل البيوت المصرية بسبب العجز عن الشراء وتراكم الديون على أسر كثيرة جدًا جراء الغلاء الفاحش فى الأسعار.
كنا نتمنى من الحكومة أن تترجم انخفاض سعر الدولار الأيام الماضية إلى تراجع فى أسعار السلع واتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة لضبط الأسواق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رئيس الحكومة حلول الشهر الكريم الغلاء الفاحش جنیه ا
إقرأ أيضاً:
كان.. يا ما كان
فى واحدة من أهم الظواهر التى تستحق الدراسة مؤخرًا في مجتمعنا المصرى يبدو أن ظاهرة الحنين إلى الماضى المعروفة علميًا (بالنوستالجيا) قد بلغت مداها بين قطاعات عريضة من أبناء هذا الوطن بكل أطيافه بل وأجياله حتى يكاد الأمر أن يصل إلى درجة رفض الواقع بل وإنكاره من فرط الحنين إلى ما كان. لماذا نحن فى هذه الحالة؟ وإن كان ذلك مقبولًا لدى أجيال الوسط والشيوخ التى عاصرت هذا الماضى فكيف نفسر حنين أبناء جيل الشباب أيضًا لما كان قائمًا قبل أن يولدوا؟
فى حكاوى ومناقشات أهل مصر على المقاهى وفي مواقع التواصل ستجد تلك الحالة منتشرة، بل ربما لن يخلو حديث فى مجلس للأهل أو للأصدقاء دون أن يترحموا على أيام قد مضت وكيف كان حال الفن والفكر والثقافة بل والرياضة وحتى السياسة، وعن تلك الأوزان النسبية التى تغيرت لتهبط عدة درجات فى سلم الإبداع، حين تجلس مع أبناء جيل الشيوخ والوسط سيحدثونك عن شبابهم وكيف تربى وجدانهم على فكر وثقافه وذوق مختلف ومتنوع، سيحكون لك أنهم قد كان لديهم كل المدارس الفكرية والفنية وكان متاحًا لهم أن ينهلوا من هؤلاء العمالقة الذين عاشوا وأبدعوا معًا فى توقيت واحد فأحدثوا زخمًا فى شتى مجالات الفكر والفن والسياسة وحتى فى لغة الحديث بل وفى شكل وأناقة ملابس الرجال والنساء وزى أطفال المدارس وطلاب الجامعة.
هل هى الحداثة قد أفقدتنا كثيرًا مما اعتدنا عليه سابقًا قبل أن تُغرقنا موجات التكنولوجيا العاتية وهذه الأنماط السلوكية والفكرية الهشة التى تنتشر بسرعة البرق بين رواد السوشيال ميديا؟ هل هجر الناس الأصالة عن قناعة أم مجبرين حين خلت الساحة من إبداع رصين يحفظ لهذا الشعب هويته السمعية والفكرية؟
ليس الأمر بسيطًا حتى وإن بدا كذلك. فهذا ذوق يتغير وفكر يندثر وعمق يختفى تحت ضربات ولعنات التريند والتيك توك والمهرجانات ودراما العنف والقيم الأسرية المنحلة ومسارح اللهو دون قيمة أو رسالة، ورياضة كلها تعصب وشحن وسباب وفُرقة بين الجميع.. ليس الأمر هينًا فهذا وطن يسرق من ماضيه وقيمته وريادته بين الأمم.. هل نجد إجابة لكل تلك التساؤلات أم يظل الحال كما هو لنهوى أكثر وأكثر فى دوامة الحنين إلي الماضي ونظل نردد بكل حسرة: كان ياما كان.. ؟؟