اول واخر مره تسوق.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
طريقنا إلى مستقبل أفضل لا يمر عبر سجون الماضي أو الحاضر
طريقنا إلى مستقبل أفضل لا يمر عبر سجون الماضي أو الحاضر
خالد عمر يوسف
أثار انتباهي بالأمس النقاش الذي ابتدره “قريبي” د. عبد الرحمن حمد، والذي استند فيه على لقاء أجريته مع قناة الجزيرة مباشر في ضيافة الإعلامي المتميز أ. أحمد طه، وعلى الرغم من عدم اتفاقي مع كثير من النقاط الذي ذكرها د. عبد الرحمن، إلا أنني متفق معه تماماً في المنهج الذي اتبعه، وهو التركيز على المشتركات والسعي للبناء عليها، وعليه سأركز هذه المداخلة على النقطة الرئيسية التي ذكرها حول ضرورة أن تكون هنالك رؤية واضحة للسلام المنشود، واعتقد أن هذا هو مربط فرس تصحيح النقاش حول حرب ١٥ أبريل، التي انقسم الناس فيها عميقاً على أسس عديدة، حتى ضاعت بين طيات هذه الانقسامات فضيلة الحوار الموضوعي بين الرأي والرأي المضاد.
بداية أود أن أقر بعميق ارتياحي لتصاعد الأصوات الداعية للتفكير في بدائل سلمية عوضاً عن الاستمرار في النفخ في نار هذه الحرب. بعد أكثر من عامين ذاق فيهما أهل السودان كل أشكال العذاب، فقد أضحى واضحاً صعوبة إنهاء هذا النزاع عسكرياً إضافة إلى الكلفة الباهظة التي تدفعها البلاد وشعبها جراء استمرار الحرب، وإن أقصر الطرق وأكثرها جدوى حقيقة هو الحل السلمي التفاوضي اليوم قبل الغد.
في تقديري فإن حرب السودان لديها بعدين لا يمكن أن تخطئهما العين، بعد داخلي بين السودانيين أنفسهم، وبعد خارجي متشابك للغاية ويتزايد يوماً بعد يوم، والمنهج الأوفق للوصول لحل مستدام هو حل الأزمة الداخلية بين السودانيين أنفسهم أولاً، وتوافقهم على عقد اجتماعي يضمن تعايشهم المشترك دون حروب أو قتال، ومن ثم مخاطبة البعد الخارجي للصراع بصورة موضوعية تجعل السودان آمناً في ذاته ومتصالحاً مع محيطه الإقليمي والدولي وفق أسس عادلة ومنصفة.
غالب أهل السودان لا يريدون الحرب، وحتى من يساند منهم أي طرف من الأطراف تراه أحياناً يتخوف من سلام لن يؤمن حياته وماله وعرضه وحريته، وهي مخاوف متفهمة للغاية ومخاطبتها تأني عبر الحديث عن السلام الذي يريده كل منا، ونقاشه بعقول وقلوب مفتوحة حتى يتوافق الناس على أفضل الصيغ لإنهاء الحرب. إن السلام الحقيقي سيأتي حينما نفكر في المستقبل لا حين نغرق في الماضي أو الحاضر، عليه فإن السؤال هو أي مستقبل نريد لبلادنا عقب هذه الحرب؟
أدناه نقاط مختصرة اعتقد أنها يمكن أن تشكل بداية نقاش جدي حول المستقبل الأفضل الذي ينشده الجميع.
١- السودان بلد رسم حدوده المستعمر، ولم يستشر أهل السودان في هذه الحدود. خلقت هذه الوضعية وحدة متنازع عليها أدت في نهاية المطاف لتقسيم السودان، ولا زال خطر التقسيم ماثلاً. عليه فإن السؤال المفتاحي الأول هو حول طبيعة الوحدة التي نريد في المستقبل؟ لا اعتقد بأن النموذج السابق سيصلح مرة أخرى، وعليه فإن الحوار العميق بين السودانيين بمختلف اقاليمهم حول صيغة فيدرالية حقيقية تمنح كل أقليم صلاحيات حكم ذاته عبر أهله والاستفادة من ثرواته وضمانات حمايته في إطار وحدة متراضى عليها، سيكون مدخلاً مهماً ليطمئن كافة الناس حول أن المستقبل لن يكون كما كان الماضي والحاضر الذي نعيشه.
٢- قضية المؤسسة الأمنية والعسكرية هي قضية مفتاحية في الوصول لسلام مستدام. تعرضت القوات المسلحة السودانية لصنوف من التشويه في تاريخها عبر الاختراق الحزبي، وثقافة الانقلابات، وصناعة المليشيات والجيوش الموازية، وكانت سنوات نظام المؤتمر الوطني هي الأسوأ، وما نعيشه اليوم هو حصاد ذلك التدمير الممنهج الذي اتبعه نظام البشير. المستقبل لا يحتمل تلاعباً في قضية الجيش الواحد المهني القومي، والقوات المسلحة هي الأساس في ذلك بلا شك، فلا اعتقد في صحة الحديث عن هدمها أو استبدالها، انما المطلوب هو ان تبنى على أساس يضمن وحدة الجيش، وتعبيره عن تعدد وتنوع السودان، وبعده الكامل عن السياسة وانهاء اي وجود حزبي داخله، واحتكار السلاح بصورة كاملة وعدم السماح بوجود اي تشكيلات مسلحة خارجها، واقتصار نشاطها الاقتصادي في الصناعات العسكرية ومتعلقاتها، وهذه الاجراءات يجب أن تشمل كذلك جهازي المخابرات والشرطة بذات المنهج مع تحديد الاختصاصات والصلاحيات. هنالك تجارب عالمية كثيرة يمكن أن نستهدي بها للوصول لهذه الغايات دون موت أو قتال.
٣- لا يمكن الوصول لسلام مستدام دون اقرار منهج واضح للعدالة، يكشف الجرائم وينصف الضحايا ويحاسب المنتهكين ويجبر الضرر. الخطوة الأولى نحو التعافي الوطني تمر عبر بوابة الإنصاف وليس التناسي، ولدينا في تجارب مجتمعاتنا والاقليم من حولنا ما يمكن ان نستزيد منه لتحقيق ذلك.
٤- الإصلاح السياسي واجب ملح، يتطلب تكوينات منظمة تلتزم بقواعد القانون والتداول السلمي للسلطة، والشفافية والمحاسبية في مصادر التمويل والصرف، وكيفية تعبيرها عن تنوع السودان وتعدده، وغيره من متطلبات قصرت منظوماتنا الوطنية عن بلوغها لظروف عديدة، ولكن الواجب هو الانتباه لذلك، وأن يكون أمر حكم الناس متروكاً بالكامل لهم، عبر دستور يعبر عن إرادة الشعب، ومؤسسات تضمن التعبير عن أصوات الناس وحاجياتهم لا اهتمامات النخب فحسب.
٥- سؤال التنمية والنموذج الذي نبغي اتباعه هو قضية رئيسية، فقد عانى السودان من التخلف والفقر وعدم التوازن والتهميش، رغم ثراء البلاد التي خذلتها طرق الإدارة وغياب النظرة القومية الشاملة للبناء. إعادة إعمار ما دمرته الحرب يتطلب أن يكون في إطار مشروع قومي تنموي يصحح خطايا الماضي، ويعظم من بنية الانتاج المحلي والتكامل الاقتصادي والتقني مع محيطنا العالمي.
٦- قضية المواطنة المتساوية وما يتعلق بها من أمر انهاء كافة أشكال التمييز، وهو ما يتطلب حل حقيقي وجذري لقضية الدين والدولة التي أرقت منام البلاد سنين طويلة وأدخلتها في صراعات ومشاريع ايديولوجية كلفتها وحدتها في نهاية المطاف.
هذه بعض القضايا المهمة التي لا يجب أن تغفل عنها مناقشات البحث عن مستقبل أفضل للبلاد. كل هذا لا يمكن تحقيقه عن طريق فوهة البندقية، بل عبر الحوار والتوافق ولا طريق آخر سوى ذلك. اتمنى أن ننفض عن خطابات الكراهية والاستقطاب وأن نعمل البصر كرتين في هذه القضايا وقضايا أخرى تضمن أن تكون هذه الحرب هي آخر حروب السودان، وأن يشكل المستقبل قطيعة كاملة مع ما تأباه النفوس من ماضينا وحاضرنا المعاش. أعظم الأمم نهضت عقب حروب دامية لا عبر الاستمرار في القتل والدمار، بل بتحكيم صوت العقل والحكمة والتدبر فيما ينفع الناس، وأرجو أن تكون هذه هي لحظتنا الوطنية الكبرى التي نبني فيها سوداناً مختلفاً يضعه في مصاف من سبقه من شعوب وعت دروس صراعاتها جيداً ووضعت لها نهاية لا رجعة فيها.
الوسومالسلام السودان المؤسسة الأمنية المستعمر خالد عمر يوسف خطاب الكراهية قناة الجزيرة