جريدة الوطن:
2025-05-11@18:53:43 GMT

الرعايا

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الرعايا

كان لافتًا متابعة ما حدث في النيجر وردود الأفعال عليه. فرغم المصالح الكبرى لفرنسا في النيجر ووجود قوَّاتها على أرضه ونهبها لثرواته على مدى عقود فكُلُّ ما كانت حريصة عليه هو «إجلاء الرعايا الفرنسيين من النيجر»، وفي خطوة لاحقة أيضًا «إجلاء الرعايا الأوروبيين من النيجر» وهذه باختصار هي حقيقة العلاقة والموضوع.

إذ إنَّ كُلَّ ما يهمُّهم في النتيجة هو رعاياهم ومصالحهم وما تُقدِّمه هذه الأرض وأمثالها من ثروات لهم لبناء أوطانهم على حساب مصير ومستقبل الشعوب المالكين الأصليين لهذه الثروات.
ولكن المستغرب دائمًا هو أنَّ عددًا لا بأس به من أبناء هذه الشعوب المستضعَفة ما زالوا يؤمنون برعاية الغرب وحمايته لهم وحرصه على حقوقهم وحُريَّاتهم، وتفوُّقه عليهم في الأساليب والفكر والعمل، وقَدْ يكُونُ هذا نتيجة لعقود من الإعلام المُوجَّه والذي يرسم صورة مثاليَّة للغرب وكُلِّ ما يُمثِّله وما يحاول تحقيقه لهذه البلدان. وقَدِ استعانوا على ذلك بشراء بعض الذِّمم وتقديم بعض الخدمات لبعض الأشخاص ومحاربة واغتيال النُّخب الوطنيَّة الصادقة مع تاريخها ومصلحة بلدانها.
فها هي القمَّة الإفريقيَّة ـ الروسيَّة وما رشح عَنْها من تصريحات ودراسات تثبت أنَّ إفريقيا التي يدَّعون مساعدتها ترزح تحت نير إرث من نهب ثرواتها وحرمانها من تطوير نفسها وأدواتها كي تبقى مرتعًا لهم ومنبعًا لثروات تصبُّ في صالح بلدانهم هم. وها هو الرئيس الأوغندي يقول إنَّ إفريقيا هي التي تنتج البُن ومع ذلك فإنَّ حصَّتها من إيرادات البُن لا تتجاوز 4% من حجم هذه التجارة. أضف إلى ذلك أنَّ المستعمرين فرضوا على إفريقيا أن تبقَى مصدرًا للموادِّ الخامِّ دُونَ السَّماح لها بتطوير صناعاتها والحصول على القيمة المضافة وهي المجزية فعلًا.
وإذا ما تدارسنا تاريخ شعوبنا التي رزحت تحت نير الاستعمار لعقود في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيَّة نجد أنَّ الوسيلة الأنجع التي ساعدتهم على الاستمرار في هذا النَّهب الممنهج هو اختراقهم لمُجتمعاتنا وشراؤهم البعض، وإغداق بعض من خيرات هذه البلدان على بعض أفرادها؛ كي يكونوا رأس حربة في تخريب أوطانهم ومنعها من التقدُّم والازدهار. ومن المعروف كيف زرع الاستعمار البريطاني والفرنسي أُسُس التفرقة الطائفيَّة والمذهبيَّة وقسَّم الأراضي والشعوب بطريقة يسهل معها إثارة الفِتن وإشعال الاقتتال لأسباب لا تخدم إلَّا العدوَّ نفسه.
ومع أنَّ الاستنتاج يبدو بسيطًا والرؤية تبدو واضحة ومخلَّفات الاستعمار واضحة وضوح الشمس فلَمْ تتمَّ دراسة هذا التاريخ وتوثيقه وتوصيفه بما هو عليه واجتراح الأدوات الحقيقيَّة والواقعيَّة التي تضْمَن عدم استمراره، بل وتعكس التيَّار لصالح هذه الشعوب ومن أجْل خيرها وازدهارها. والسَّبب الأساس في ذلك هو أنَّ مَن نصَّبهم الاستعمار حكَّامًا على شعوبهم لَمْ يؤمنوا بالمؤسَّسات أو بناء الأحزاب والدوَل بل ظلُّوا رعايا لهذا الاستعمار مؤمنين بحمايته لهم ومستسلمين لتفوُّقه عليهم وطالبين رضاه وحُسن تقديره. وحين يحظى شَعب أو دولة بحكومة وطنيَّة تضع مصلحة البلاد فوق كُلِّ اعتبار يكيل لها الإعلام الاستعماري شتَّى أنواع التُّهم ويضع كُلَّ العراقيل الممكِنة في طريق تطوُّرها وتطوير بلادها ويفرض عليها كُلَّ أنواع الحصار؛ كي يُثبتَ للعالَم أنَّ نماذجه فقط وأدواته هي القابلة للحياة والاستمرار والقادرة على الاضطلاع بالمهمة.
إحدى أهم أدوات الاستعمار اليوم ـ بالإضافة إلى سياسة التفريق وإثارة النزاعات والنعرات ـ هي الإعلام المُوجَّه والذي يتكلم بصوت واحد وإن تعدَّدت الأساليب والطُّرق لإيصال الرسالة المبتغاة. وإحدى أهم وسائل التحرُّر اليوم من ربقة هذا الاستعمار هي في خلق إعلام منتمٍ متجذِّر في أرضه ووطنيَّته، ومدرك لأبعاد المعركة وطريقة وأساليب الخوض فيها. فالمعركة اليوم من قِبل كُلِّ الشعوب المستضعَفة تحتاج إلى أمْرَيْنِ أساسيَّيْنِ في متناول اليد ألا وهما تعزيز الانتماء وامتلاك السرديَّة والأساليب والوسائل الإعلاميَّة المُعبِّرة، وإعادة تحرير الأخبار الواردة ممَّن يستهدفنا، ونشر الوعي والفكر الذي يصبُّ في صالح الوطن والمواطنين بعيدًا جدًّا عن الانبهار بالأكاذيب والأقاويل التي تمَّ تعميمها وبثُّها كأدوات فقط لحصد النتائج.
المعركة اليوم ـ بالإضافة إلى كونها معركة اقتصاديَّة وقتالية ـ هي معركة فكريَّة وثقافيَّة وإعلاميَّة، والمُشْكلة أنَّ معظم البلدان التي رزحت تحت نير الاستعمار لا تُولِي النُّخب الفكريَّة والثقافيَّة المكانة التي تستحق، ولا تسمح لها بالدَّور القادرة على أدائه. فقَدْ فرض الاستعمار لُغته وأدواته وثقافته لضمان استمرار هيمنته وسيطرته على هذه الشعوب. وعلَّ الوطن العربي من البلدان القليلة في العالَم الذي حافظ على لُغته العربيَّة إلى حدِّ الآن مع أنَّنا نشهد محاولات جادَّة لإضعاف اللُّغة العربيَّة وتشتيت الوحدة الثقافيَّة والفكريَّة في مسارات كانت دائمًا متكاملة وليست متناحرة، بل اتَّسمت بإغناء بعضها بعضًا ورفْدِ بعضها بعضًا، بَيْنَما يتمُّ اليوم تصويرها على أنَّها في حرب وجود لا بُدَّ من انتصار طرف فيها على آخر.
ها هو الأميركي اليوم يصبُّ كُلَّ قواه لمنع التواصل بَيْنَ الأشقاء في سوريا والعراق؛ لأنَّه يعلم كَمْ يعزِّز هذا التواصل من قوَّة البلدَيْنِ، ويبني قلاعًا لرعاياه في العراق ولبنان ولأدواته أيضًا؛ لأنَّ كُلَّ مبتغاه هو تنفيذ السِّياسات التي تصبُّ في صالحه وصالح الكيان الذي هو أداة له. وها هم المغرضون الطامعون يزرعون النَّار واحتمالات التفجير على الحدود المغربيَّة ـ الجزائريَّة وذلك لاستنزاف البلدَيْنِ ومنعهما من استثمار مواردهما لصالح شعوبهما ومنعهما من التطوُّر والازدهار ومن التآلف والتعاضد لِمَا يمنح ذلك كليهما من قوَّة ومنعة وقدرة على البقاء والتطوُّر. كما يزرعون الفتنة بَيْنَ العراق والكويت وحيثما تمكَّنوا من فعل ذلك.
بعد كُلِّ هذا التاريخ، وبعد ما تعرَّضت له شعوبنا، أصبحت المعادلة واضحة جدًّا، وكُلُّ ما نحتاجه هو أن نعملَ بمقتضياتها وهي أنَّ الغرب حريص على نهب ثرواتنا وتمزيق بلداننا، وأنَّ كُلَّ ادِّعاءاته بالحرص على الإنسان وحقوقه هي مجرَّد غطاء لاستمراره في تضليل الشعوب، وكُلُّ مساعداته وقروضه هي وبال على هذه الشعوب، وأنَّ خير ما تفعله اليوم بلدان إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيَّة هو إسراع الخُطى للتعاون فيما بَيْنَها وتحصين بلدانها من الداخل ونفض غبار الأوهام التي زرعها الغرب في أذهانهم مرَّة وإلى الأبد.
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

أمريكا عدوة البشرية

 

الاسرة/متابعات

عندما أطلق الشهيد القائد (رضوان الله عليه) شعار البراءة من اليهود والنصارى في 2002م، خص بالقول أمريكا و”إسرائيل” (الموت لأمريكا ـ الموت لإسرائيل) لأنهم يمثلان رأس الشر ومصدر الفساد، ولأنه كان يعلم جيدا من هي أمريكا صانعة الإرهاب، وراعية الفساد، وصاحبة أكبر رصيد إجرامي بحق البشرية في تاريخ العالم، فهي الدولة التي نشأت على أشلاء الأبرياء، وكبرت وتمددت على أجساد الملايين من بني البشر في مختلف أقطار العالم، إذ لا يكاد يوجد شعب أو أمة في هذا العصر، إلا وأكتوى بالنار الأمريكية، وعانى من الصلف، والمكر، والكيد الأمريكي، فهي بحق عدوة الشعوب، ومصاص الدم البشري.

فأمريكا صاحبة أبشع وأفظع المجازر بحق البشرية، سواء في العراق، أو اليابان، أو فيتنام وأفغانستان، أو اليمن وليبيا، أو كوريا ويوغسلافيا، أو لبنان وفلسطين، أو أينما وليت وجهك فستجد الظلم والبغي الأمريكي، فمن سلم من نار السلاح الأمريكي لم يسلم من نار المكر، والخديعة، والتهديد، والمكائد الأمريكية، وسيبقى ظلمها واستبدادها بهذه الشعوب نقطة سوداء في تاريخها الدموي، ما بقيت تلك الشعوب تعاني من آثار أسلحة الدمار الشامل الأمريكية، كما في اليابان والعراقي الذى عانى ولازال يعاني من ويلات الغزو الأمريكي وتبعاته سواء من حيث فقدان الملايين من أبنائه أو من حيث الدمار الشامل الذي لحقه أومن حيث تفكك نسيجه الاجتماعي وتقسيمه وإيجاد بيئة خصبة لنشوء المشاكل وبروز الكثير من العوائق ومنها العوائق الاقتصادية الناجمة عن نهب ثرواته ومقدراته المالية.

وكما كانت أمريكا وراء الكثير من الحروب والنكبات في كثير من شعوب العالم، بفعل تهورها باستخدامها لأسلحة الدمار الشامل كالسلاح النووي، والكيمائي، فهي بلا شك وراء مآسي العالم من الأوبئة والأمراض الفتاكة، بفعل استخدامها وتطويرها المستمر لهذا السلاح البيولوجي الخطير جدا، واقدامها على نشر كثير من الفيروسات والجراثيم القاتلة ، كوباء الجدري، والطاعون، والجمرة الخبيثة، التي اجتاحت العالم وحصدت أرواح الملايين من البشر، خلال وبعد الحربين العالميتين، والتي كادت تقضي على بعض الأقليات كالهنود الحمر، الذين وزعت لهم فرشا موبوءة بالجدري، كما أنها بلا شك وراء ما عانى منه العالم من تفشي وباء كورونا الذي حصد أواح الآلاف في مختلف دول العالم.

وأمريكا هي صاحبة أكبر المعتقلات والسجون في العالم، وهي أكبر منتهك لحقوق الإنسان، وأكبر مبيد للأقليات العرقية، وهي قاتلة والأسرى، وصاحبة أفظع المعاملات بحقهم، وجوانتانامو وسجن أبو غريب خير شاهد على ذلك.

وأمريكا أكبر مستهين بالأديان ، والمعتقدات البشرية، وأكبر مستهتر ومستهدف للرموز والمقدسات البشرية، فهي وراء حرق القرآن الكريم، وتدنيس المقدسات الإسلامية، والإساءات المتكررة إلى رموز الإسلام وعلى رأسهم نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وعلى آله.

وأمريكا أكثر دولة تملك رصيدا هائلا من جرائم الحرب بحق الأبرياء والعزل فهي من تقصف شعوبا بأكملها، دونما مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، ومن دون تقيد بأي قرار أو معاهدة تجرم أو تحد من قصف الأبرياء، أو الالتزام بأي من أخلاق الحروب وأدبياتها، فهي بحق قاتلة الأطفال، والنساء، والعجزة والمسنين، والمعاقين والمكفوفين، وهي سفاكة دماء الأبرياء في الأسواق والمحافل، والأعراس والمناسبات، ومجالس العزاء، والمساجد، والمدارس، والجامعات، وهذا ما لمسناه وعايناه، وعانيناه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة وكذلك العدوان الأمريكي على اليمن.

أمريكا هي أكبر محاصر للشعوب، وصاحبة أطول عقوبات في التاريخ البشري، حيث أمتد حصارها للشعب الإيراني منذ السبعينيات وإلى اليوم، كما أنها راعية ومهندسة الحصار المستمر على شعبينا العزيزين الفلسطيني واليمني، ولازال الكثير من شعوب العالم يعاني من الحصار الأمريكي، حتى صار الحصار في قاموسها السياسي قانونا تتهدد به من تشاء وتفرضه على من تشاء، متى شاءت وكيفما شاءت.

وأمريكا أكبر داعم وممول للإرهاب سواء الإرهاب الدولي المتمثل في العدو الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية كالنظامين السعودي والإماراتي أو الإرهاب التنظيمي كالقاعدة وداعش والنصرة…إلخ.

وأمريكا هي أكبر من ينتهك حقوق الإنسان، ويصادر الحريات، ويكمم الأفواه، وينتهك حقوق الأقليات والقوميات كفعلها مع مواطنيها من الهنود الحمر وكذلك بعض الأقليات في العراق الذين كادت أن تصل بهم إلى حد الانقراض وهي أكبر من يهدد الأمن والسلم الدوليين، من خلال ما تقوم به من تدريبات عسكرية سرية لمليشيات وعناصر تخريبية ولبعض الجيوش النظامية، في كثير من بلدان العالم وخاصة مع حلفائها من دول العالم الثالث كما تفعله في كثير من بلدان أفريقيا، بهدف مساعدة تلك الدول على قمع الحريات، وتشجيعها على انتهاك حقوق الإنسان، وكذلك من خلال تسترها وحمايتها لتلك الدول التي تنتهك حقوق مواطنيها ما بالك بغيرهم فتحميها من الملاحقة القانونية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما هو ديدنها مع ربيبتها “إسرائيل” وحلفائها في الخليج العربي.

وأمريكا أكبر من تتاجر بمعاناة البشر فتغسل أدمغتهم، وتستغل ظروفهم المعيشية التي أوصلتهم إليها، من خلال جشعها، وطمعها، واستيلائها على ثرواتهم ومقدراتهم الاقتصادية، فتشتري ولاءاتهم، وضمائرهم وذممهم، وتجندهم ضد شعوبهم، وأممهم لكي تثير بهم الفوضى وتزعزع بهم أمن واستقرار تلك الشعوب، في الوقت الذي تريد وكما تريد، كفعلها في الوطن العربي من خلال تنظيماتها الإرهابية التكفيرية الداعشية أو ما تفعله في القارة السمراء من خلال عدد من التنظيمات التي أنشأتها ودربتها.

وأمريكا أكبر مهندس للأزمات الاقتصادية والأمنية داخل دول العالم وأكبر مثير للشغب وأكبر داعم للانقلابات وهي من تلتف على ثورات الشعوب المستضعفين المشروعة كثورة الشعب البحريني والشعب المصري أو تحاول كسبها لصالحها كثورة الشعب الليبي أو القضاء عليها كثورة الشعب اليمني في 12 من سبتمبر.

مقالات مشابهة

  • اليوم الاجتماع الفني لبطولة إفريقيا للمضمار وانطلاق منافسات الباراسيكل بمشاركة أربع دول
  • بنين تستعيد من فنلندا كرسيا ملكيا منهوبا منذ الاستعمار
  • اليوم الاجتماع الفني لبطولة إفريقيا للمضمار وانطلاق منافسات الباراسيكل
  • شوارع أبيدجان تغير أسماءها في قطيعة جديدة مع الاستعمار الفرنسي
  • الإمارات تصدر قرارا بشأن الرعايا السودانيين على أرضها
  • المقاطعة تتقدّم وإسرائيل تُعزل في عقر دار داعميها
  • أمريكا عدوة البشرية
  • الأمة.. إشكالية الهوية فيما بعد التاريخ (1)
  • إعلان نتائج الأوزان الرسمية لبطولة “PFL MENA” التي تقام اليوم في جدة
  • تصريحات مدربي غانا وإفريقيا الوسطى بعد مباراة اليوم بأمم إفريقيا للشباب