بقلم/ احمد الشاوش
أخيراً .. استجاب الله لدعوة الشعب اليمني ، ودعاء العلماء والخطباء والمرشدين والوعاظ ..
كما أستجاب لدعاء النُخب السياسية والمشايخ والمثقفين والاعلاميين وأصحاب الصدور العارية ، بأن باعد بين أسفارنا من جديد وأنزل علينا قيادة رشيدة وحكومة شديدة و"دولة " تقط المسمار" .
اليوم .. الحمدلله .
مؤسساتنا شغالة على واحدة ونص والموظف شغال على صنجة عشرة مجاناً وفي سبيل الله والمسؤولين قلقين وساهرين على قضاء حوايجنا ..
ومن نعم الله سبحانه وتعالى الظاهرة والباطنة أن أولياء الله الصالحين بيدعو لنا ويدعو علينا ليل الله مع نهاره .. والكل بيجشى صلووووات ..
المساجد شغالة قرعة " حسبنا الله ونعم الوكيل" وكأن زلطهم عندانا .. الندوات شغالة في كل زقاق ..الفعاليات حدث ولاحرج ..المناسبات مستمرة على مدار الساعة .. العيون الساهرة في الخدمتك 24 ساعة..
الخدمة المدنية خلية نحل ..المالية بتعد العددي أشكال والوان .. أصحاب الرؤية الوطنية حانبين كيف يتخلصوا ويزغفوا الموظفين والمتقاعدين من الارض الى كوكب المريخ للتفكر في خلق الله ..
ملائكة الله وطيور الجنة لاهيين في كيفية أقناع المواطن الذي لا اعجبه العجب ولا الصيام في رجب .. رجال الله مشغولين في كسب ثقة الموظف وصرف حقوقه واغراقه بالمكافآت والاضافيات والحوافز والعلاوات والتسويات القانونية على الورق ، لاسعاد الموظف الطفشان والعسكري المنكوب والمعلم المدقوق!!.
الحمدلله .. تخلصنا من الدولة الفاشلة والنظام الفاسد والحرس العائلي ومشايخ طوق صنعاء واللصوص وقطاع الطرق وخبطة كلفوت ..
الكهرباء مولعة نار والمخدرات تغزو الصيدليات والاسواق بأقل التكاليف .. منافذ مفتوحة ونقاط مغلقة واسمدة محرمة تدمر الارض والنبات وتسبب امراض السرطان.
عملاء امريكا مدلعين ومرتزقة السعودية مرفهين وشقاة الامارات مبسوطين وجماعة إيران محسودين وخلايا قطر مرموقين وبتوع تركيا متنعمين وزُمر بريطانيا مرغوبين ، والمواطن الشريف مثل النعنعي من جاءنصعة.
نعم دولة تقط المسمار .. ونظام ماشي على المسطرة ..بطاقة شخصية تحصل عليها مثل الولادة المتعسرة .. وجواز سفر بحاجة الى دهفه ..
الحمدلله ..أنتهى عصر الفقر والجوع والاكل من براميل القمامة.. الثروة للجميع .. الغاز للجميع .. البترول للجميع .. الصحة للجميع .. القصور للجميع .. الاستثمارات للجميع.. ياسلام ما احلى وأجمل وأقدع المهاجرين والانصار
حكومة كريمة تسدد فواتير ونثرات مسؤوليها عند اول وليمة مدعمة بفيتامين سي واللحوم والاسماك والاطباق البحرية .. كل هذه النعم يأتيك بها جن سليمان من مطاعم الشيباني قبل أن يرتد اليك طرفك وعلى نفقة الحكومة.
غادرت طوابير المتسولين والشحاتين من كل جولة وشارع وسوق ومطعم وبوفية وتاجر ، وأنتهت طوابير السلال الغذائية أمام المنظمات الدولية بعد ان من الله علينا بحكومة نزلت على الشعب اليمني برداً وسلاماً.
اليوم .. نحن أمام "دولة تقط المسمار" ، وحكومة تقط الموظف وسلطات تقطقط التجار ورجال الاعمال.. وعلى قدر زلطك وعلاقتك وهيبتك مدد والمواطن في آخر الاهتمام.
دولة رَقَدَت كم من شنب وبرمت كم من شيخ وروضة كم من عاصر نيبه .. دولة نعثرت مراكز القوى ودقدقت السياسيين والاحزاب ، لكنها حتى اللحظة لاتفرق بين وظيفة الحكومة والسلطات ولا تفرق بين صاحب بسطة ورجل اعمال.. جماعة همها الاول والاخير كم حصلنا.. كم دخلنا.. كم كنزنا وكما يقول المثل اليمني المليح مايكملش .
حكومة تعشق الجمارك وتموت في اراضي الموقفين والسجل العقاري واراضي الدولة والزكاة والاتصالات والضرائب والموانئ والكهرباء والمياه والغاز والبترول والجبايات والمناسبات ورغم ذلك لاتريد أن تخرج ريال أو تصرف حق موظف بينما تجيز لمسؤوليها المرتبات والمكافآت والحوافز والسيارات والبترول والمرطبات والنثريات.
لسان حال الشارع اليمني يقول .. تم هيكلة الشعب .. وهيكلة الجيش .. وهيكلة الامن .. وهيكلة الموظف0 وهيكلة التعليم.. وتعطيل المؤسسات .. ولكن لاحياة لمن تنادي.
عندالله وعندكم .. يكفي مسامير .. يكفي طرق وسحب وتشكيل .. يكفي تعديل وتليين وتعطيف وسلفنة وتخوين وعبث .. حرااااام ان قد الشعب سابر وأكبر شنب وحزب مطرح ومناضل مدوخ وبيمشي عرض الجدر مثل الالف ..
حتى اصحاب الصدور العاااارية الذي تحول كل واحد منهم الى بطل واسد ووحش تحولوا الى قطط وادمم .. وكل واحد لف نفسه وغطى ابزازه وفحط أرض الله الواسعة ولاعد سمعنا لهم صوت ولانخس ولا كلمة ..
لا هنية .. ويكفي.. وفي ذمتي وصلاتي ان قد الشعب بااااغر وان الفقر والجوع والمرض والفوضى والفساد والمآسي قد بلغت الحلقوم ونخشى أن تخرج الفيران من الشوال أو يطيح الخرج أو يخترط السير .. فهل من رجل رشيد؟.
أخيراً .. الامل في تشكيل حكومة وطنية شريفة تملك ارادة مستقلة في اداء وظائفها ومهامها وليس مجرد ديكور لامتصاص الغضب الشعبي ولعبة على احجار رقعة الشطرنج ، لكي تلبي تطلعات الشعب وتقديم الخدمات وصروف رواتب الموظفين .. أملنا كبير.
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
بورتسودان: حين تتعرّى الدولة على سواحلها
في اللحظة التي سقطت فيها القذائف على بورتسودان، لم يكن الصوت صوتَ انفجارٍ عسكري فحسب، بل صوتُ انهيارٍ أخلاقي وسياسي مدوٍّ. المدينة التي ظنها كثيرون آخر ملاذٍ آمن في وطنٍ منهك، كُشف غطاؤها فجأة.
الضربة لم تكن مجرد قذائف سقطت على منشآت، بل صفعة موجعة على وجه خطاب السلطة في بورتسودان. المدينة التي قُدّمت للعالم باعتبارها «العاصمة البديلة»، ها هي تسقط من وهم الحصانة، وتكشف للذين احتموا بها أنهم لم يقرأوا المشهد جيدًا ولم يدركوا أن ما انهار في الخرطوم لا يمكن ترقيعه في الشرق، وأن الدولة إذا انهارت في قلبها، لا تنجو أطرافها مهما تزيّنت.
لكن ما حدث ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة في سلسلة انحدار طويل بدأت منذ أن اختطف الإخوان المسلمون (الكيزان) السودان، وأحالوه إلى بؤرة مزمنة للإرهاب. منذ عقود، اختطف هؤلاء الدولة وأفرغوها من معناها، حوّلوها إلى غلاف أيديولوجي فارغ يختبئ فيه الفساد والاستبداد والتكفير، حتى بات السودان عبئًا على نفسه ومصدر قلق دائم لجيرانه والعالم.
وفي عالمٍ تحكمه موازنات إقليمية ودولية دقيقة، لا يُمكن ترك السودان رهينةً لمجموعةٍ متطرفة تسيء استخدام موقعه الجيوسياسي الحساس على البحر الأحمر وفي قلب إفريقيا. لهذا، لن يجلس العالم متفرجًا طويلاً. وإن بدا المشهد وكأن الجميع صامت، فإن لحظة الاجتثاث قادمة، لا لأنها مؤامرة خارجية، بل لأن السودان لم يعد يُحتمل من الداخل، ولا يمكن السكوت عليه من الخارج.
لست معنيًا هنا بتفاصيل الهجوم، ولا بخطوط الإمداد، ولا بلغة البيانات العسكرية. ما يعنيني هو الإنسان السوداني الذي تلقى الصفعة، مرة أخرى، بلا درع، بلا دولة، بلا أمل. يعنيني من فقد ثقته الأخيرة في أن بورتسودان ستكون بداية جديدة، فإذا بها امتدادًا لنهاية مفتوحة على الكارثة.
ليس من المبالغة القول إن قصف بورتسودان ضرب ما تبقى من وهم «السودان الرسمي». فما الذي تبقى إذًا؟ لا دولة، لا جيش، لا أمن، لا مشروع سياسي، لا مبادرة، لا معنى حتى لفكرة «الانتقال» أو «الحل». ما تبقى فقط هو الشعب، بحزنه وخوفه وإصراره الغامض على النجاة، ولو من بين الركام.
ولا خلاص لهذا الشعب إلا بوعيٍ قاسٍ، شجاع، يخرج من الغيبوبة، ويتحرر من وهم المؤامرات الخارجية، ويواجه ذاته، ويصرخ في وجه خرافات الكيزان وخطابهم المدمِّر: كفى. آن لهذا الشعب أن يطالب بحقه في دولة حديثة، في نظام مدني يحترم القانون، في الانتماء إلى منظومة دولية لم يعد التمرد عليها بطولة، بل انتحار.
ختاماً، إن بورتسودان لم تُقصف فقط من الجو، بل قُصفت من الداخل، حين استُخدمت كمخدع سياسي أخير، حين فُرض عليها أن تكون واجهةً لحكمٍ يتهالك. واليوم، تنكسر تلك الواجهة، ويخرج من خلفها السؤال الأكبر: كيف نُعيد بناء وطنٍ بلا خداع، بلا أقنعة، بلا كذبة العاصمة؟
الوقت ليس للترف الفكري، ولا للخطابات المجوّفة، بل للاستعداد العملي والوجداني لتلك اللحظة القادمة التي ستنهار فيها الدولة كما نعرفها. فإما أن نكون أهلًا لوطن جديد يُولد من ركام دولة مخطوفة، أو نغيب مرة أخرى عن مشهد التأسيس ونكتفي بالندب واللائمة. هذه فرصة لا يمنحها التاريخ مرتين، ومن لم يتهيأ لها اليوم، سيُقصى عن الغد، ويُطوى اسمه في هوامش الحكاية، لا في متنها.
auwaab@gmail.com