في خطوة تُعد ثورية، استطاع شخص مصاب بالشلل التحكم في طائرة مسيرة افتراضية باستخدام عقله فقط، حيث تُعيد التكنولوجيا العصبية تعريف حدود القدرات البشرية من خلال فتح أبواب جديدة للتواصل بين العقل والآلة.

ويوضح هذا التقدم في تكنولوجيا الأعصاب، الذي جرى تفصيله في دراسة حديثة، الاحتمالات المتاحة لأولئك الذين يعانون من إعاقات حركية ويريدون الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية، مثل الألعاب الإلكترونية.

ومن خلال دمج ما تسمى واجهة الدماغ والحاسوب "بي سي آي" (BCI) -أو واجهة عصبونية، مع أنظمة الطائرة المسيرة الافتراضية- تُظهر هذه التجربة إمكانات كبيرة لتحسين جودة حياة ذوي الإعاقات الحركية، بالإضافة إلى التقدم نحو مستقبل يصبح فيه العقل الأداة الأساسية للتفاعل مع التكنولوجيا.

ويكشف هذا المقال تفاصيل هذه القفزة التكنولوجية التي تجمع بين الأبحاث العصبية المتقدمة والابتكار الهندسي، وكيف نجح الباحثون في تخطي التحديات التقنية، وما الذي قد يعنيه هذا التطور بالنسبة للمستقبل الطبي والتكنولوجي.

واجهة الدماغ والحاسوب

توجد طرق غير جراحية تسمح بالتحكم في ألعاب الفيديو، مثل استخدام تخطيط كهربية الدماغ لالتقاط الإشارات من الدماغ، ولكن إشارات تخطيط كهربية الدماغ تجمع بين البيانات من مناطق كبيرة من الدماغ.

إعلان

ويعتقد الباحثون أنه يجب وضع الأقطاب الكهربائية بشكل أقرب إلى الخلايا العصبية من أجل استعادة التحكم الحركي الدقيق العالي الأداء.

ونتيجة لذلك، طور العلماء واجهة عصبونية مخصصة لمعالجة هذه المشكلة، الأمر الذي سمح بتحقيق تقدم كبير في إظهار كيف يمكن للذين يعانون من إعاقات جسدية الاستمتاع بالألعاب والتواصل مع الأصدقاء بطرق غير مسبوقة.

وجرى اختبار الواجهة العصبونية على مشارك في البحث مصاب بالشلل الرباعي بسبب إصابة في الحبل الشوكي.

وقسمت الواجهة العصبونية اليد إلى 3 مجموعات مستقلة من الأصابع، هي الإبهام وزوجان من الأصابع (السبابة والوسطى، البنصر والخنصر). وتستطيع كل مجموعة التحرك عموديًا وأفقيًا، مما يوفر تحكما دقيقا في الطائرة المسيرة.

وعندما يفكر المشارك في تحريك المجموعات الثلاث من الأصابع، فإن الطائرة المسيرة الافتراضية تستجيب وتتحرك عبر مسار عقبات افتراضي.

معظم جهود الواجهات العصبونية الحركية السابقة على التحكم بالمؤثرات الفردية (شترستوك)

وفي سبيل ربط هذه التكنولوجيا بالدماغ، وضعت أقطاب كهربائية في القشرة الحركية للدماغ، مع توصيل الأقطاب الكهربائية بقاعدة مثبتة في الجمجمة وتخرج من الجلد، مما يسمح بالاتصال بجهاز حاسوب.

وتُرسل الإشارات إلى الحاسوب للتحكم في حركة الطائرة المسيرة الرباعية المراوح عبر مسار عقبات افتراضي.

وكان على المشارك في الدراسة إتمام المسار من خلال توجيه الطائرة عبر عدة حلقات بأسرع وأدق طريقة ممكنة.

وقال "ماثيو ويلسي" (Matthew Willsey) أستاذ مساعد في جراحة الأعصاب والهندسة الطبية الحيوية جامعة ميشيغان والمؤلف للدراسة "تلتقط الأقطاب الكهربائية الإشارات التي تنشأ في القشرة الحركية عندما يحاول المشارك تحريك أصابعه، ومن ثم تستخدم الواجهة العصبونية لتفسير نوايا التحكم بالأصابع الافتراضية في المحاكاة".

إعلان

وأُجري البحث بصفته جزءًا من التجارب السريرية "برين غيت 2" (BrainGate2) التي تهدف إلى تحديد كيف يستطيع المصابون بالشلل الرباعي استخدام الواجهة العصبونية للتحكم في الأجهزة.

وركز البحث على كيفية ربط هذه الإشارات العصبية بالتعلم الآلي لتوفير خيارات جديدة للتحكم بالأجهزة الخارجية للأشخاص الذين يعانون من إصابات أو أمراض عصبية.

وتمثل التجارب فرصة هامة لأولئك الذين يعانون من إصابات أو أمراض عصبية تؤثر في قدرتهم على استخدام اليدين، ويشمل هذا إصابة الحبل الشوكي العنقي، السكتة الدماغية في جذع الدماغ، ضمور العضلات، التصلب الجانبي الضموري، من بين الحالات الأخرى.

وعمل المشارك المصاب بالشلل مع الباحثين منذ عام 2016، وأعرب عن اهتمامه بقيادة الطائرة المسيرة الافتراضية.

وكان أحد المواضيع الرئيسية -التي ظهرت من نتائج الدراسة- هو الشعور بالتمكين الذي منحته الواجهة العصبونية للمشارك.

وأعرب المشارك عن حماسه لإكمال جلسات المسيرة الافتراضية، حيث جعلته يشعر وكأنه يستطيع النهوض مجازيًا من سريره أو كرسيه.

وتشير الدراسة إلى تحسن أداء طيران المسيرة للمشارك بمقدار 6 أضعاف من خلال قراءة الإشارات مباشرة من الخلايا العصبية الحركية مقابل تخطيط كهربية الدماغ.

تطور التكنولوجيا العصبية يمنح ذوي الإعاقة الأمل في قدرتهم على ممارسة مجموعة أوسع من الأنشطة (دال إيه) أمل جديد لمرضى الإعاقة

ركزت معظم جهود الواجهات العصبونية الحركية السابقة على التحكم في المؤثرات الفردية، مثل التعامل مع المؤشرات والأذرع الروبوتية القادرة على إمساك الأشياء.

وفي حين تستهدف الواجهة العصبونية المطورة حديثًا التحكم في الأصابع بشكل أكثر تعقيدًا، مما قد يسمح لمصاب الشلل بأداء أنشطة، مثل العزف على آلة موسيقية أو استخدام ذراع التحكم بألعاب الفيديو الرقمية.

وبفضل القدرة على تحريك أصابع افتراضية متعددة باستخدام التحكم الدماغي، يمكنك الحصول على أنظمة تحكم متعددة العوامل لجميع أنواع الأشياء، من تشغيل برامج التصميم بمساعدة الحاسوب إلى تأليف الموسيقى.

إعلان

ومع تطور التكنولوجيا العصبية، تتزايد إمكانيات استخدام الواجهات العصبونية في منح ذوي الإعاقة القدرة على الوصول إلى مجموعة أوسع من الأنشطة.

ومن النتائج الجديرة بالملاحظة لهذا التطور أن هؤلاء الأشخاص قد يشعرون بالمزيد من الارتباط بالآخرين، مما يعزز مستوى التواصل الاجتماعي الصحي ويساعدهم في التغلب على الحواجز المتعلقة بالإعاقة التي تمر أحيانًا دون أن يلاحظها أحد.

وقال "جايمي هينديرسون" (Jaimie Henderson) أستاذ جراحة الأعصاب جامعة ستانفورد وأحد المؤلفين المشاركين للدراسة "يركز الناس عادةً على استعادة الوظائف التي تعد ضروريات أساسية، مثل الأكل واللباس والتنقل، ولكن في كثير من الأحيان لا تحظى جوانب أخرى مهمة بنفس القدر بالاهتمام الكافي، مثل الترفيه أو التواصل مع الأقران، حيث يريد الناس ممارسة الألعاب والتفاعل مع الأصدقاء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التکنولوجیا العصبیة الطائرة المسیرة التحکم فی یعانون من من خلال

إقرأ أيضاً:

لا تتفاجأ إن نسيت ما كتبته بـChatGPT.. الذكاء الاصطناعي قد يسرق قدرتك على التفكير

- الذكاء الاصطناعي قد يسرق قدرتك على التفكير- استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي تسبب تراجع في التذكر والوعي- كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الدماغ؟

كشفت دراسة حديثة من مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Media Lab، عن نتائج مثيرة للقلق حول التأثير العقلي المتزايد لاستخدام نماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT، خاصة في المهام المعقدة كـ كتابة المقالات والتفكير النقدي.

الدراسة التي جاءت بعنوان عقلك مع ChatGPT: تراكم الدين المعرفي عند استخدام مساعد ذكي في مهمة كتابة مقال"، توصلت إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي رغم أنها تعزز الإنتاجية، إلا أنها تقابل بتراجع ملحوظ في النشاط العقلي والارتباط المعرفي لدى المستخدمين.

دراسة صادمة.. نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها الكذب وابتزاز المستخدمينالنتائج التي كشفت عنها الدراسة

لتحليل الظاهرة، قسم الباحثون المشاركين إلى ثلاث مجموعات:

قام MIT بإجراء تجربة شملت 54 شخصا، تتراوح أعمارهم بين 18 و39 عاما، لاختبار تأثير الكتابة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على الدماغ.

تم تقسيم المشاركين إلى 3 مجموعات الأولى استخدمت نموذج لغة ذكي ChatGPT بدون أدوات خارجية، أما الثانية اعتمدت على محركات البحث التقليدية مثل بحث جوجل، والثالثة اعتمدت فقط على التفكير الذاتي دون أي أدوات مساعدة.

وباستخدام تقنية رسم الدماغ الكهربائي EEG وتحليل المقالات، أظهرت النتائج أن مستخدمي ChatGPT أظهروا نشاطا عقليا ضعيفا، حيث كانت الذاكرة والإبداع والوظائف التنفيذية غير مستفزة بما فيه الكفاية، ما يشير إلى جهد معرفي أقل وتفاعل ذهني أضعف مقارنة بالمجموعتين الأخريين.

بالمقارنة، مجموعة الدماغ فقط أظهرت نشاطا عاليا في موجات الدماغ المتعلقة بالتفكير العميق، والذاكرة، والإبداع.

ChatGPTتراجع في التذكر والوعي

واحدة من أكثر النتائج صدمة كانت ضعف القدرة على تذكر ما كتبه المستخدمون، فقد فشل 83.3% من مستخدمي ChatGPT في اقتباس جملة صحيحة واحدة من مقالاتهم التي كتبوها بأنفسهم، مقارنة بـ 11.1% فقط في المجموعتين الأخريين.

وأشارت الدراسة إلى مفهوم خطير يسمى التفريغ المعرفي Cognitive Offloading، أي الاعتماد الزائد على الأدوات الذكية في التفكير، مما يؤدي إلى تدهور تدريجي في قدرات التعلم والفهم العميق على المدى البعيد.

كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الدماغ؟

اكتشف الباحثون أن مستخدمي ChatGPT دخلوا في وضع التحكم التلقائي، حيث انخفضت مستويات التفكير والذاكرة والجهد العقلي، ببساطة، كما لو أن أدمغتهم استخدمت الذكاء الاصطناعي كـ عكاز عقلي، مما جعلها أقل قدرة على التفاعل بعمق مع المحتوى.

الكسل المعرفي يزحف بهدوء
 

أشار الباحثون أيضا إلى ظاهرة الكسل فوق المعرفي، حيث يتجنب المستخدمون التفكير النقدي أو دمج الأفكار بأنفسهم، مكتفين بالإجابات السهلة الجاهزة.

ترى الدراسة أن هذا الاعتماد المفرط على أدوات الكتابة الذكية، قد يضعف قدرة الطلاب على التفكير النقدي وبناء حجج منطقية وتذكر المعلومات. 

خلص الباحثون إلى ضرورة تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية، مؤكدين أن هذه الأدوات يمكن أن تسرع الإنتاج، لكنها قد تقلل من الحضور الذهني والانخراط المعرفي بشكل واضح.

كما أشاروا في التقرير، إلى أن الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي قد يكلفنا قدراتنا العقلية على المدى الطويل.

كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي دون التأثير على قدرتنا العقلية؟

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية، لكن يجب أن يكون استخدامه محسوبا ومدروسا.

- أولا فكر قبل اللجوء إلى استخدام الذكاء الاصطناعي حاول تدوين الأفكار أو التخطيط للمحتوى يدويا، ثم استخدم ChatGPT لتحسينها، وليس لاستبدالها.

- استمر في تحدي عقلك: مثلا، لا تستخدم GPS دائما، اكتب ملاحظات يدويا بدلا من الاعتماد على الكمبيوتر، أو حاول حل المشكلات بنفسك دون مساعدة مباشرة من الذكاء الاصطناعي.

- أهمية ممارسة الرياضة والتغذية: كما يحتاج دماغك إلى التمرين العقلي، فإنه يحتاج أيضا إلى الوقود المناسب، تحسن التمارين الرياضية والأنظمة الغذائية المناسبة من الذاكرة والتركيز، بينما تساعد التأملات في تعزيز قدرتك على التركيز.

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي عقلك مع ChatGPT النشاط العقلي ChatGPT

مقالات مشابهة

  • تحذير علمي: ارتفاع الحرارة يؤثر في القدرات الإدراكية
  • من المغنيسيوم إلى فيتامين د.. 8 عناصر غذائية فعّالة لتعزيز الذاكرة ومكافحة التدهور العقلي
  • تأجيل افتتاح مركز خدمة العملاء ومبنى التحكم الكهربائي بدمياط
  • لا تتفاجأ إن نسيت ما كتبته بـChatGPT.. الذكاء الاصطناعي قد يسرق قدرتك على التفكير
  • غارة إسرائيلية بطائرة مسيرة على جنوب لبنان
  • دراسة تكشف مفتاح التخلص من طنين الأذن
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان المزيد من الهجمات بواسطة الطائرات المسيرة بعيدة المدى
  • صوت النيل.. ذكرى رحيل محرم فؤاد صاحب المسيرة الفنية الكبيرة
  • شاهد.. راكبة تُهدد الطاقم وتُربك رحلة روسية متجهة إلى مصر
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم بالطائرات المسيرة