بين كراتشي وغزة: كيف تحرك أميركا خيوط الصراع لإشغال الجبهات؟
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
سماح زعيتر
لم تعد القضية الفلسطينية شأناً محصوراً بين الضفة الغربية وغزة وتل أبيب، بل أصبحت محوراً عالمياً تتقاطع عنده موازين قوى ومعارك مصيرية في مناطق مختلفة من العالم. ومن أبرز هذه الساحات، باكستان، الجار النووي للهند، وأحد أكبر الجيوش الإسلامية في العالم.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، ودعم واشنطن ولندن المفتوح للكيان سياسياً وعسكرياً، بدأت الساحات الخلفية تتحرك بوتيرة متسارعة.
الشارع الباكستاني يتحرك: لا لغزة وحدها
عاشت المدن الباكستانية في الأسابيع الأخيرة على وقع تظاهرات شعبية ضخمة، دعت الجيش الباكستاني إلى التدخل العسكري أو الرمزي دعماً لغزة، ولفك الحصار الظالم المفروض على أهلها. لم تكن هذه الدعوات مجرد تعبير عاطفي، بل ترافقت مع تصريحات من علماء دين، وسياسيين معارضين، وحتى شخصيات عسكرية.
هذا التحرك الشعبي أثار قلق واشنطن وحلفائها في المنطقة، الذين يخشون من أي تغيير في مواقف الجيوش الإسلامية الكبرى، خصوصاً إذا كان هذا التغيير مدفوعاً بقوة الشارع.
الرد الأمريكي: إشغال العدو بنفسه
لم تتأخر واشنطن في تفعيل إحدى أوراقها الإستراتيجية التقليدية، “إشغال العدو بنفسه”، وهي القاعدة التي لطالما استخدمتها لإضعاف خصومها عبر خلق أزمات داخلية أو إشعال جبهات حدودية متوترة. وفي حالة باكستان، كانت الهند هي الورقة المثالية، و”ناريندرا مودي” هو الرجل الذي يمثل الخيار الأمثل لهذه المهمة.
الزعيم القومي المتطرف الذي يطمح إلى إقامة “دولة هندوسية خالصة”، لم يترك فرصة إلا استغلها لمهاجمة المسلمين، سواء في كشمير أم في قلب الهند نفسها.
مودي يُستدعى من جديد: التصعيد ضد باكستان
خلال الأسابيع الماضية، صعّد مودي من لهجته العدائية تجاه باكستان، وعادت المناوشات الحدودية إلى الواجهة، مصحوبة بتصعيد إعلامي مكثف وتصريحات حربية تذكّر بأجواء ما قبل الحروب.
في الداخل الهندي، اشتدت حملات القمع ضد المسلمين، وزادت وتيرة تفكيك المساجد، وحظر الجمعيات الإسلامية، وإغلاق المدارس الدينية، في رسائل ضمنية تؤكد أن “هذه هي هوية الهند الجديدة، ولا مكان فيها للمسلمين”.
وعلى الجبهة الباكستانية، بدأ الجيش بحالة استنفار قصوى، وسط مخاوف من اندلاع مواجهة محدودة قد تتحول إلى حرب شاملة.
كيف تُجهض واشنطن أي دعم إسلامي لغزة؟
لا تريد واشنطن أن ترى باكستان تتحرك نحو غزة، لا سياسياً، ولا شعبياً، ولا عسكرياً. فمجرد وجود جيش نووي إسلامي يعلن دعمه للمقاومة الفلسطينية، حتى لو رمزياً، كفيل بإرباك الحسابات الإقليمية.
من هنا، كان لا بد من إعادة توجيه هذا الجيش إلى الداخل، لدفعه نحو استنزاف نفسه على الحدود الشرقية، وإبقاء الشارع الباكستاني منشغلاً بأمنه القومي المباشر بدلاً من القضية الفلسطينية.
العدوان الهندي، المُحرَّك أمريكياَ، ليس أمراً جديداً، لكنه يعود اليوم بشكل أوضح وأكثر تنسيقاً مع لحظة مفصلية في الصراع الفلسطيني، ليصبح هذا التصعيد جزءاً عضوياً من المعركة المفتوحة ضد غزة.
واشنطن ولندن و “تل أبيب” في خندق واحد
إذا نظرنا إلى خارطة التصعيد العالمي، يتضح أن هناك ثلاثيا يتحرك بشكل متزامن لضرب كل من يعارض المشروع الصهيوني:
– في اليمن، تشن أمريكا وبريطانيا هجمات مباشرة ضد صنعاء بسبب دعمها لغزة وقطعها الملاحة العسكرية نحو “إسرائيل”.
– في لبنان، وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، تتواصل الغارات الإسرائيلية ضد حزب الله، الذي يدفع ضريبة موقفه الثابت في مناصرة غزة.
– في سوريا، الغارات الإسرائيلية تتواصل بشكل متقطع، مستهدفة مواقع يُعتقد أنها تابعة لمحور المقاومة.
وفي العراق، طالت الغارات الإسرائيلية سابقاً فصائل داعمة لغزة، ضمن سياسة توسيع بنك الأهداف.
– وفي باكستان، يُدفع مودي لتأجيج النزاع الحدودي، بما يضمن انشغال إسلام آباد عن القضية الفلسطينية.
بهذه الطريقة، تُدار الحرب على غزة، لا فقط بالقنابل والصواريخ، بل بتفجير الساحات الإسلامية من الداخل، واستغلال تناقضاتها لضرب بوصلتها القومية والدينية.
هل تدرك باكستان اللعبة؟
يبقى التساؤل مطروحاً حول مدى وعي القيادة الباكستانية بحجم المخطط الذي يُراد جرّها إليه، وإذا ما كانت ستسمح للغرب بإقحامها في حرب جانبية تُنهكها وتُبعدها عن لعب أي دور في دعم غزة.
ورغم أن المؤسسة العسكرية الباكستانية تواجه تحديات داخلية وصراعات بين التيارات، إلى جانب ضغوط اقتصادية خانقة تجعل التصعيد مع الهند خياراً محفوفاً بالمخاطر، إلا أن تجاهل القضية الفلسطينية قد يُفقدها ثقة الشارع وعمقها الإسلامي، الذي لطالما شكل أحد أبرز مصادر شرعيتها.
من غزة إلى كشمير: صراع الأبعاد المتشابكة
العدوان على غزة ليس مجرد حملة عسكرية، بل هو جزء من مشروع شامل لإعادة تشكيل المنطقة وفقاً لرغبات “إسرائيل” وأمريكا، ويهدف إلى إسكات كل من يعارض هذه المعادلة.
وفي هذا السياق، تصبح المواجهة في كشمير والتصعيد بين الهند وباكستان فصولاً مترابطة من المعركة نفسها، رغم البُعد الجغرافي.
إن فهم هذه الترابطات، واستشراف ما وراء التصعيد، يمثلان الخطوة الأولى نحو إفشال مخططات الإشغال والإضعاف، والانتصار في معركة الوعي قبل معركة السلاح.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الذی ی
إقرأ أيضاً:
السعودية تشتري “غروندبرغ” وقيادي سلفي يكشف عن محاولات لتحريك الجبهات الداخلية
صنعاء|يمانيون
اتهم مستشار المجلس السياسي الأعلى، الدكتور محمد طاهر أنعم، النظام السعودي بمحاولة استقطاب المبعوثين الأمميين والموظفين الدوليين عبر استخدام “الحقائب المليئة بالأموال”، وذلك لضمان انحيازهم للموقف السعودي.
وأشار الدكتور أنعم إلى أن هذه السياسة تفسر “انحراف مواقف” المبعوثين الأمميين بعد أشهر قليلة من توليهم مهامهم.
واستشهد بالمبعوث الأممي الأسبق، جمال بن عمر، كنموذج للمبعوث الذي كان له موقف إيجابي وواقعي، مبيناً أن بن عمر أغضب المملكة السعودية عندما طالب بإبعاده بعد أن أكد أن سبب العدوان على اليمن هو “التدخل السعودي المباشر”، معتبراً أن التدخل السعودي والأمريكي أدى إلى استبعاد بن عمر، وبدأ بعده تعيين مبعوثين أوروبيين “منحازين” يتبعون النهج السعودي.
وأوضح مستشار السياسي الأعلى أن اليمن يمر حالياً بمرحلة “خفض تصعيد” فيما يخص العدوان السعودي والإماراتي، مبيناً أن سبب هذا التوقف ليس إلى “إيمان بالعروبة أو الجوار”، بل إلى “الخوف من الصواريخ اليمنية والطائرات المسيرة التي قد تدمر اقتصادهم ومنشآتهم الحيوية”، مؤكداً أن السعوديين والإماراتيين أصبحوا “يتخوفون” مما يسمونه “عدواناً يمنياً” بعد تغير موازين القوى.
وفي السياق الداخلي أوضح الشيخ نائب رئيس شورى حزب اتحاد الرشاد السلفي : “رغم أن العدوان الإسرائيلي المباشر على اليمن قد توقف مؤخراً، إلا أن هناك محاولات “لتحريك بعض الجبهات الداخلية” في اليمن عبر العملاء والخونة”، مضيفاً أن هؤلاء العملاء مترددون بسبب فقدانهم الدعم السعودي والإماراتي.
وفيما يخص العدو الصهيوني، لفت أنعم إلى أنهم “جربوا حظهم كثيراً” في اليمن، وتعرضوا لاستهداف طائراتهم بشكل أخافهم، مما جعلهم يتوقفون عن الاقتراب من السواحل اليمنية، منوهاً إلى أن الشعب اليمني، بدعم من الله، سيستمر في “إسناد غزة”، وأن اليمن سيواصل الضربات على مواقع العدو الإسرائيلي.
وفي سياق العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل، نوه مستشار المجلس السياسي الأعلى إلى أن دولاً غربية مثل النرويج وبلجيكا وإسبانيا قد أعلنت أنها ستلتزم بتنفيذ مذكرة الاعتقال الدولية بحق المجرم نتنياهو إذا دخل أراضيها، وفي المقابل، انتقد الأنظمة العربية التي ما تزال تستقبل نتنياهو كبطل قومي، مبيناً أن الحكومات الغربية “خاضعة للإملاءات الأمريكية”، وأن مواقفها هذه تأتي فقط للحفاظ على صورة “الديمقراطية والضمير الحي”، بينما الأنظمة العربية “خانعة” وغير موجودة على خريطة القرارات الدولية، وتعمل فقط كـ “أدوات” للكيان الصهيوني.
بتصرف يسير من المسيرة نت.
#إسناد_غزة#المجلس_السياسي_الأعلى#تحركات_المرتزقة_في_اليمن#حقائب_الأموال_السعودية#محمد_أنعم