أين يكمن الخلل وأين تقع المشكلة؟؟ كتب /صالح هبرة
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
بقلم /صالح هبرة
قبل المطالبة بالحلول يجب أن نعرف أين يكمن الخلل وأين تقع المشكلة!
هل يكمن الخلل في الحرب وأنها سبب غياب الدولة؛ كون الحرب أخذت وقت المسؤولين عن النظر في بقية الأمور؟
أم أن الحرب لم تكن السبب، وإنما كانت تمثل عصًا يرفعونها في وجه من ينتقد تصرفاتهم، وفرصة ثمينة لترتيب أوضاعهم، فلم يتم: توزيع المناصب، وتقاسم المصالح، وفرض السوق السوداء، والمتاجرة بقوت الشعب، ومصادرة حقوق الشعب وممتلكات البعض إلا في ظل الحرب، فالحرب كانت بالنسبة لأطراف الصراع فرصة.
إذا هل تعتقدون أن عدم إدراكهم لمعاناة الشعب هي السبب في الوضع المزري الذي وصلنا إليه، وأنه يجب علينا أن نذكرهم بما يعانيه الشعب؛ حتى يلتفتوا للواقع؟
وما يجب أن يدرك عامة الشعب، أن إنهاكه وتجويعه أحد الاستراتيجيات التي يعملون عليها في تثبيت واقعهم وفرض سلطتهم، فهم يرون إن إنهاك الشعب يعني خنوعه وعدم قدرته على مناهضتهم، وأنه كلما أنهك الشعب أكثر كلما ازداد خنوعًا وانشغالًا بلقمة عيشه عن متابعتهم؛ وبالتالي ضمان استمرارهم في السلطة!!
وهل تعتقدون أنهم لا يدركون كثرة الضحايا الذين استهلكتهم الحرب، وأنه يجب علينا تذكيرهم بحجم الضحايا حتى يفيقوا من سباتهم؟
للأسف ليس كما يعتقد البعض ممن ينظرون إلى الواقع نظرة سطحية أو نظرة عاطفية، والحقيقة أن كثرة الضحايا أحد الاستراتيجيات التي يعملون عليها، فهم يرون أنه كلما كثر القتل كلما كان ذلك زيادة في مدة حكمهم؛ لأنهم يرون أن أية أسرة يسقط منها قتيل فإنهم يضمنون به كسب أسرته وأقاربه إلى صفوفهم باسم الثأر له واستعطافه بدم قريبه ليواصل المشوار، وهذا ما نشاهده في لقاءاتهم التلفزيونية مع أسرهم حيث يطلب منه التهديد بأخذ الثأر، وترديد القسم بالسير على النهج.
كما أن كثرة القتل تعني القضاء على جيل الثورة الحقيق، الذي يحمل وعيا قد لا يتفق مع ما يطرحونه؛ وبالتالي: يعد التخلص من ذلك الجيل ضرورة لاستمرارهم في السلطة؛ ولضمان عدم وجود من يناهضهم، كما أنهم يباهون بكثرة الضحايا ويعتبرونه رصيدًا لهم يساومون به ضد من ينتقد تصرفاتهم.
فهم يعتبرون أن من سقط في الحرب ولو في الأسواق وصالات الأعراس حقهم ورقما في رصيد تضحياتهم، وأنهم من أجلهم قدموا أرواحهم لا من أجل الوطن ومن أجل وحدته وإقامة العدل والمساواة والعيش الكريم للشعب؛ ولذا يتحدثون دائما أننا ضحينا وقدمنا…
إذًا هل تذكيرهم بمعاناة الموظفين -نتيجة قطع مرتباتهم- سيغير وجهتهم؟
كلّا، بل إنهم لن يقبلوا بدفع مرتبات الموظفين، ولو دفعت تحت ضغط شعبي فسيحتالون لأخذ 80% منها، كما يعملون مع المساعدات الإنسانية وما تقدمه المنظمات.
إذا هل تذكيرهم بخطورة تمزيق اليمن وتهديد الوحدة قد يحرك ضمائرهم؟
إن ذلك لن يغير موقفهم؛ لأنهم يدركون أنه ليس باستطاعتهم بسط سلطتهم على اليمن كاملاً، وبالتالي: يسعون لحكم ولو جزء من اليمن وما يهمهم بعد ذلك تمزق اليمن أم بقي موحدًا (بسيطًا أو مركبا عاديا أو اتحاديا).
إذا ما هو الذي يمكن أن يدفعهم لبناء دولة، والقبول بالآخر؟
أعتقد جازمًا أنها لا تتوفر لدى أصحابنا إرادة بناء دولة وإشراك أحد في حكم ما بسطوا عليه، وهنا نكون قد شخصنا المشكلة.
يوجد لدى أصحابنا قضية واحدة فقط، (الأرض مقابل السلام)، فمن أراد أن يعود للبلد تحت سلطة الأمر الواقع مواطنا لا علاقة له بالسياسة فمرحبا به، ومن يريد ممارسة أي نشاط سياسي أو ثقافي فغير مرحب به وأرض الله واسعة.
فلا معالجة ما يسمى بالملفات الإنسانية ستحل المشكلة ولا فتح الطرقات والموانئ ولا إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ولا خروج الأجانب من اليمن، كل هذه مزايدات لتضييع الوقت واستغلاله لتثبيت سلطة الأمر الواقع، وعلى الشعب أن يفهم هذا الواقع، ثم يبحث عن حل .
(رئيس المكتب السياسي السابق لحركة أنصار الله)
المصدر: موقع حيروت الإخباري
إقرأ أيضاً:
الطريق الثالث اعتذار أم مغادرة الملعب
أعلنت تحالف " صمود" أنهم بصدد تطوير رؤى لوقف الحرب، عن إبتدار طريق ثالث لكي يضع حدا لمعاناة الشعب السوداني و ينهي الحروب .. أن استلاف المصطلحات دون أن تكون هناك أفكارا جديدة فرضتها الأحداث لكي تحدث تغييرافي الواقع غير مفيدة.. إذا كانت هناك أفكار جديدة هل التحالف قادر أن يسوقها بهدف أن يتبناها الشعب؟ أم فقط التحالف يريد أن يغير الأجندة التي يعتقد أنها أصبحت غير ملاءمة للمرحلة الجديدة..
بدأ مصطلح الطريق الثالث يظهر في السياسية الدولية بعد حرب الخليج الأولي و أيضا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي في فترة الرئيس الأمريكي رقم 42 من الحزب الديمقراطي بيل كلينتون، و في بريطانيا أنتوني بلير من حزب العمال و هؤلاء بشروا بالطريق الثالث لإنهاء الحروب و النزاعات في العالم، و محاولة بناء طريق يخفف من غلو الليبرالية الجديدة التي ظهرت مع مارقريت تاتشر و ريغان.. و إيضا برز الطريق الثالث كمفهوم جديد عند الاشتراكيين للتخلص من النصوص الجامدة و التصالح مع الديمقراطية.. فالطريق الثالث ليس أختيار عشوائي للمصطلحات، و لكنه ذو حمولات فكرية جديدة تنقد سياسات المتشددين..
بعد خروج حزب الأمة من تحالفات المعارضة، خاطب الصادق المهدي ندوة كان قد أقامها حزبه في ميدان الخليفة.. بشر عضوية حزبه بالطريق الثالث، و هو طريق يختلف عن طريق النظام الحاكم " الإنقاذ" الذي بدأ يقود حوارات بهدف تمكين جديد، و المعارضة التي لم تحدد مشروعها السياسي.. لذلك بشر الصادق المهدي بالطريق الثالث.. حيث قال هو يعتمد على تعبئة الجماهير للقيام بتغيير ناعم يعتمد على رفع مذكرات ممهورة بالتوقيعات، إلي جانب الاعتصام في الميادين و الحوار.. أن الصادق أراد أن يقول أنه يمثل الضلع الثالث في المثلث " السلطة الحاكمة – تحالفات المعارضة – الصادق المهدي" فشل طريق الصادق الثالث لآن الصادق لم يقدم أفكارا جديدة تدعم هذا المصطلح..
أيضا بعد إندلاع الحرب في 15 إبريل 2023م و الخلافات التي حدثت داخل حزب الأمة بسبب قيام تحالف " تقدم" ثم تطورت الخلافات في حزب الأمة.. كتبت رباح عن فكرتها للطريق الثالث تقول فيها ( للذين يحلمون بديمقراطية على يدي الدعم السريع، أو أنه يمكن الصمت على تجاوزاته مرحليا و من ثم زحزحته بعد الصعود على كتفيه، عليكم أن تراجعوا أنفسكم و كما قال السيد المسيح: كا ما ارتفع بالسيف فبالسيف ينزل) و تضيف قائلة ( على هذا الشعب النبيل أن يحفر طريقا ثالثا فلا المرفعين و لا السعلاة سيعبدان طريقنا للأمام، علينا فقط التفكير في كيفية وقف حربهما اللعينة و لأجل ذلك علينا مخاطبتهما معا بالمصلحة الوطنية، و الضغط الشعبي الدبلوماسي ، بدون عمل تحالفات مع هذا أو ذاك) كتبت ناقدا مقولة رباح في مقال بعنوان "الطريق الثالث فكرة حل أم هروب" نشر يوم 21 يناير 2024 م قلت في ذاك المقال ( أن الأستاذة رباح الصادق لم تقدم أي تفاصيل عن “الطريق الثالث” بل جعلت المهمة يقوم بها الشعب، مع تأكيدها أن هذا الطريق الثالث لا الجيش يستطيع حفره و لا الميليشيا. أن فكرة “الطريق الثالث” تحتاج لعصف ذهني أن يبدأ بنقد الطريقين السابقين، و معرفة الأسباب التي أدت لفشلهما، و بالنقد يتم تفكيك البنية الفكرية و الثقافية للمشروعين، و أيضا نقد الأدوات التي كانت مشاركة في الفشل، و هل لا تصلح أن تشارك مرة أخرى بذات مناهجها القديمة) أن المصطلحات عندما تخرج في الساحة الدولية ليس هي في مقام الشعارات لكي يرددها الناس دون فهم أو وعي بحمولاتها. و لكنها أفكار تهدف إلي نقد أفكار قائمة فشلت في انجاز مطلوبات جديدة، أو أن تستوعب سياسات جديدة تهدف إلي إزالة تعقيدات أو تدعم مصالح للذين جاءوا بالمصطلح..
فالسؤال ما هو الجديد الذي يريد تحالف " صمود" أن يقدمه لكي يتجاوز مواقفه السابقة. و إعلان طريق ثالث هو أعتراف مؤكد قبل الإعلان كان هناك طريقان " طريق الوطن يقف في صفه الجيش و أغلبية الشعب السوداني و الطريق الأخر ذو أجندة خارجية تعتبر الميليشيا أداة تنفيذه و معها جوقة من السياسيين و الإعلاميين و الكتاب و غيرهم) أين كان يقف تحالف " صمود" من قبل أن يفترع له طريقا ثالثا؟ و ما هي الآسباب التي أدت لتغيير الموقف السابق إلي موقف جديد " الطريق الثالث"؟ و ما هي الأجندة الجديدة التي يريد أن يتبناها التحالف و هي غير موجودة في الطريقين اللذين أصبحا غير مقنعين؟ أن أحترام عقول الناس و الشعب تحتم على قيادة التحالف أن تجاوب على الأسئلة اعلاه..
أن الحرب الدائرة الآن في السودان أسبابها سياسية، و كان صراعا على السلطة، و دخلت فيها أجندة أجنبية بثقل، فهي ليست خلافات رؤى يمكن الحوار حولها، أنما خلافات مصالح و أجندة خارجية.. القضية الأخرى لماذا توقيت فكرة الطريق الثالث جاءت بعد انتقال الحرب إلي ولايات كردفان و دارفور؟ و أيضا تعيين رئيس للوزراء و لم تكن قبل ذلك؟ أن تطورات الحرب و زحف الجيوش إلي ولايات كردفان و دارفور لتحريرها من الميليشيا و المرتزقة و الجوقة الداعمة لهم لا تسمح بأن يظهر طريق ثالث ألان.. و سيظل الشارع يعترف أن هناك طريقين فقط " طريق الوطن و طريق الأجندة الخارجية" و جاءت الاتهامات الأمريكية و بفرض عقوبات على السودان يؤكد أن الأجندة الخارجية ماتزال تتحرك و تحرك معها كل الذين يدورون في فلكها.. مادامت أمريكا تتهم الجيش و تفرض عقوبات على السودان بسبب الاتهامات.. تكون أمريكا قد أقرت بشرعية السلطة في السودان.. في الوقت نفسه تحالف " صمود" لا يعترف بذلك يقف ضد الجيش و الذين يقفوا معه..إذا لماذا طريق ثالث؟ و هو طريق لن يقنع أحدا لكي ينتمي إليه مادام الوطن يتعرض لمهددات خارجية..
ربما تكون هي فكرة السيد عمر الدقير الذي مايزال مقتنعا أن هناك كتلة صامته، مايزال يراهن عليها، و يعتقد أن هذه الكتلة الصامته سوف تغير المعادلة السياسية التي خلقت الحرب..أن انتصارات الجيش سوف تزيد الناس حماسا بالوقوف إلي جانبه حتى القضاء على الميليشيا.. و بالتالي محاولة تجديد المصطلحات دون اتباعها بأفكار لن تحدث تغييرا في مواقف الناس.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com