المرأة على مر العصور هي محور الحياة وتلعب دوراً حيوياً وفعّالاً في بناء مجتمع مستدام وشامل منذ بداية الخلق، فالأسرة هي نواة المجتمع والمرأة هي نواة الأسرة وعمادها واستقرارها. وتعتبر المرأة من أهم ركائز التنمية في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية. وقد سطرت المرأة على مر العصور والتاريخ أعظم الإنجازات بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تنشئة جيل متخلق بالمبادئ والمهارات والثقة بالنفس ومستعد للانخراط بالمجتمع بشكل فاعل، وتقديم الدعم والنصح والاستشارة لأفراد أسرتها فهي الأم، والأخت، والابنة، والزوجة التي سطرت قصصا لعظام الرجال، حتى قيل "وراء كل رجل عظيم أمرة عظيمة"، وقد كرم الإسلام المرأة وأوصى بها خيرا، فالمرأة في الإسلام مصانة الحقوق وكرامتها فوق كل اعتبار، وقد كرم الله النساء العظيمات ووثق أسماءهن في القرآن العظيم تكريما وتمجيدا لهن، وكأمثلة للنساء القدوات آسيا بنت مزاحم ومريم ابنة عمران، حيث قال الله تعالى عنهما في القرآن العظيم:" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين *وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" (الآية ١١-١٣ سورة التحريم ) وعن بلقيس ملكة سبأ ذكرها الله في سورة النمل:" إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ".
والمرأة العُمانية حالها كحال نساء العالم مبدعة ومثقفة ولها احترام وحضور كبير في المجتمع العُماني بكل مفاصل الحياة، ويشهد بذلك التاريخ والوثائق العُمانية التي سطرت العديد من الإنجازات من خيرة نساء عُمان، منهن المربيات والعالمات والأديبات ورائدات الأعمال والمستشارات في الاقتصاد والسياسة. فمن أبرز الشخصيات النسائية العُمانيات المشهورات اللاتي خلدتهن الذاكرة: العالمة عائشة الريامية، والملكة شمساء، والسيدة موزة بنت أحمد البوسعيدية، والسيدة ثريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية.
وفي عصرنا الحديث، فإن دورها أصبح أكثر وضوحاً وتقنيناً في دولة المؤسسات. لقد أصبحت عنصراً أكثر فاعلية، تشارك في جميع المجالات لبناء مستقبل أفضل للمجتمع. فهي المربية والمثقفة والمعلمة، والطبيبة، والمهندسة، كما شغلت مناصب مهمة في المجتمع منها المناصب التشريعية والسياسية.
إن تمكين المرأة والاعتراف بقدراتها يضمن تقدماً حقيقياً في المجتمع، مما يتطلب تكاتفا بينها وبين الرجل لخلق بيئة داعمة تحترم حقوقها وتطلق طاقتها الكاملة لتحقيق نهضة شاملة، فكما قال السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - :" إنّ الوطن لا يُحلّق من دون المرأة"، لذا حظيت المرأة العُمانية بالاهتمام الكبير والتمكين منذ النهضة المباركة التي هيأت لها الدولة كل سبل الارتقاء في كافة المجالات وبعناية ورعاية فائقة من السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - إذ فتحت أمامها فرص التعليم كافة بمختلف مراحله ومستوياته، والعمل في مختلف المجالات والميادين، والمشاركة في مسيرة بناء الوطن، وقد تجسد ذلك على نحو واضح منذ تولي السلطان الراحل الحكم في البلاد في عام 1970م.
وحظيت المرأة بمكرمات سامية رفيعة، تقلدت خلالها العديد من المناصب وحملت حقائب وزارية في مجلس الوزراء. بالإضافة إلى وجودها في مجلس عمان، حيث أثبتت حضورها الفعّال في العمل البرلماني، من خلال وجودها في مجلس الشورى ومجلس الدولة كممثلة للشعب وصاحبة رأي وموقف في القضايا الوطنية والقوانين التشريعية. وسجّلت المرأة العُمانية حضورها كذلك في السلك الدبلوماسي وحملت رسالة السلام لسلطنة عُمان في مختلف دول العالم وتمثيل سلطنة عُمان بالصورة المثالية والمشرفة في بناء جسور العلاقات الوطيدة مع دول العالم. والمرأة العُمانية حظيت بتقدير وثقة دولية مشرفة، فقد انتخبت على المستوى الدولي كعضوة في اللجان الدائمة، فعلى سبيل المثال ولا الحصر تم انتخابها بالإجماع عضوة في اللجنة الدائمة للجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي (IEA).
كما تمتعت المرأة العُمانية بالمزيد من الحقوق والتمكين في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، حيث أولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - اهتمامًا واضحًا بمشاركة المرأة العُمانية في التنمية الوطنية ودعم دورها وتمكينها في مختلف المجالات، فقد أكد جلالته بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد على أهمية مشاركة المرأة في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها. كما أكد السلطان هيثم - حفظه الله ورعاه - حرصه على أن تتمتع المرأة العُمانية بحقوقها التي كفلها لها القانون العُماني وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب في مختلف المجالات. فحقوق المرأة العُمانية مصانة في النظام الأساسي للدولة، حيث ينص النظام الأساسي للدولة على المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، حيث نالت المرأة العُمانية حقها من التعليم، والصحة، والعمل، والمشاركة في اتخاذ القرار. وحرص النظام الأساسي العُماني على إيجاد مكانة مهمة للمرأة للحفاظ على حقوقها. فصدرت المراسيم السلطانية التي تنص على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل دون تميز في كل المجالات، وقد تجسد ذلك "من خلال تفضل جلالته - أبقاه الله - بإسناد جملة من المناصب الحكومية العليا إلى عدد من نساء عُمان المجيدات، تقديرا من جلالته لإمكاناتهن وقدراتهن في أداء المهام الموكلة لهن في تحقيق رؤية عُمان المستقبلية بإخلاص وإتقان. وتجاوبت المرأة العُمانية مع هذا الاهتمام، فساهمت في التنمية الشاملة وأكدت مسؤولياتها إلى جانب الرجل في مختلف الأنشطة. إن ما تحقق للمرأة العُمانية من إنجازات وما نالت من حقوق في إطار التشريعات والسياسات التي أرستها مسيرة النهضة المباركة لسلطنة عُمان لهو دليل على أهمية الدور الذي تقوم به.
وإيمانا من الدولة بهذا الدور العظيم للمرأة العُمانية، فقد خصصت يوما للاحتفاء بها في يوم 17 من أكتوبر من كل عام، ليكون يوما للمرأة العُمانية تتويجا لمساهماتها وإبرازا لدورها الريادي في دفع عجلة التقدم بمختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية، والعلمية، والسياسية.
فيوم 17 أكتوبر يعني الكثير لكل امرأة عُمانية، فهو مناسبة وطنية تجسد مكانة المرأة العُمانية وتسلط الضوء على مساهماتها وإنجازاتها في التنمية في مختلف المجالات قديماً وحاضرا.
وفي هذا اليوم نقف وقفة فخر واعتزاز أمام إنجازات المرأة العُمانية التي قدمتها لوطنها عبر التاريخ. المرأة العُمانية كانت ومازالت مثالا للعطاء وقدوة للأبناء، يستلهمون من إنجازاتها دروساً في العطاء والمسؤولية وحب الوطن، وتزرع في نفوسهم الثقة بالنفس وتعزز الإيمان بان كل فرد في المجتمع قادر على أن يكون له دور فاعل ويحدث فرقا في بناء المجتمع، كل في مجاله وحسب قدراته.
ولا يسعني في هذا اليوم الميمون، إلا أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات بمناسبة يوم المرأة العُمانية لسيدة عمان الأولى السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية - حرم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظهما الله ورعاهما.
ونعبر عن فخرنا وامتنانا لاهتمامها الكريم بدعم المرأة العُمانية وتمكينها في مختلف الميادين. وأن رعايتها للمرأة العُمانية مصدر إلهام لكل عُمانية تسعى للعطاء والبناء في ظل النهضة المتجددة. كل عام والمرأة العُمانية تزداد رفعةً وسموًا وتمكينًا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل يجوز للمرأة أن تصلى فى المكتب أمام الرجال؟..الإفتاء تجيب
هل يجوز للمرأة أن تصلى في المكتب أمام الرجال؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة، إنه يجوز للمرأة أن تصلي بحضرة الرجال الأجانب، ولا إثم عليها، ولا يجوز لها تأخير الصلاة عن وقتها، ولا يجزئها الجلوس مع القدرة على القيام، وإذا صلت بحضرة الرجال الأجانب فإنها تُسِرُّ في الصلاة مطلقا، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية.
ويجدر التنبيه على أنه يتحتَّم على الجميع -رجالا ونساء- رعاية ما تنظمه الجهات الإدارية في تنظيم أماكن الصلاة وتقسيم أدائها خلال أوقاتها؛ دفعًا للإخلال بنظام العمل مع الحفاظ على حق أداء الصلاة.
صلاة المرأة أمام الرجال
ونوهت أن الصلاة إِنَّما تكون صحيحة إذا استوفت أركانها وشروطها، وقد حصر الفقهاء أركان الصلاة وشروطها على تفصيل بين الفقهاء في ذلك، ولم يَعُدّ أحد منهم استتار المرأة عن أعين الرجال ركنًا ولا شرطًا لصحة الصلاة.
وقد دلت الأدلة الشرعية على جواز اجتماع الرجال والنساء للصلاة في مكان واحد، منها:
ما ورد عن أَنس بن مالك رضي الله عنه أنه قالَ: «صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» رواه البخاري في "صحيحه"؛ قال الكشميري في "فيض الباري على صحيح البخاري" (2/ 412، ط. دار الكتب العلمية): [ويستفاد من الأحاديث: أنَّ النساء كُنَّ يحضرن الجماعات في المكتوبات والعيدين مطلقًا] اهـ.
وما ورد عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه: أَنَّه لما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقًّا، فقال: «صَلُّوا صَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا». فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. أخرجه البخاري في "صحيحه".
وقد كانت النساء يصلين في مسجد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ليس بينهن وبين الرجال ساتر ولا حجاب؛ فعن أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
جهر المرأة بالقراءة
وإذا تقرر جواز صلاة المرأة بحضرة الرجال فإنَّ الأولى لها أن تصلي الصلوات كلها سرًّا لا جهرًا، ولا فرق في ذلك بين الصلاة الجهرية والسرية.
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 248، ط. المكتب الإسلامي): [قال أصحابنا: والمرأة لا تجهر بالقراءة في موضع فيه رجال أجانب. فإن كانت خالية، أو عندها نساء، أو رجال محارم، جهرت] اهـ.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني في "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" (1/ 146، ط. دار الفكر): [(والمرأة تخالف الرجل) حالة الصلاة (في خمسة أشياء).. (و) الثالث: أنها (تخفض صوتها) إن صلت (بحضرة الرجال)] اهـ.
أما بخصوص مشروعية صلاتها جالسة مع قدرتها على القيام؛ فقد أجمع الفقهاء على عدم صحة صلاة القادر على القيام في الفرض إذا صلى قاعدًا، وأجمعوا على صحة صلاة القادر على القيام في النفل إذا صلى قاعدًا.