في مؤشر خطير على تدهور الأمن الغذائي في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، كشفت وثيقة رسمية صادرة عن شركة المحسن إخوان للتجارة عن نفاد مخزون القمح كليًا من مطاحن وصوامع البحر الأحمر بمدينة الحديدة، وتوقفها عن العمل، وسط اتهامات لوزارة الاقتصاد في حكومة صنعاء الحوثية بتجاهل التحذيرات السابقة ورفض إدخال شحنات جديدة من القمح، ما ينذر بأزمة غذائية خانقة تهدد ملايين السكان.

وقالت الشركة، في مذكرة رسمية موجهة إلى القائم بأعمال وزير الصناعة بتاريخ 22 أكتوبر الجاري، إنها سبق أن نبهت إلى قرب نفاد المخزون وضرورة السماح بدخول شحنات جديدة، إلا أن الوزارة تجاهلت تلك التحذيرات، مشيرة إلى أن "المخزون نفد كليًا يوم أمس، وتوقفت المطاحن اليوم بشكل كامل".

وأكدت الشركة أنها تخلي مسؤوليتها عن أي نقص في إمدادات السوق واستقراره، محمّلة السلطات الحوثية كامل المسؤولية عن تداعيات الأزمة.

الناشط الحقوقي رشيد البروي، الذي نشر الوثيقة على صفحته في "فيسبوك"، أكد توقف مطاحن البحر الأحمر عن العمل منذ مساء الثلاثاء، مشيرًا إلى أن هذا التوقف "ينذر بشلل تام في إمدادات السوق المحلية وعجز عن تلبية احتياجات المحافظات"، محذرًا من أن "الإنتاج المحلي من القمح في الجوف لا يغطي سوى 4% من الاستهلاك الوطني".

ويأتي توقف المطاحن في ظل قرار حوثي سابق بحظر استيراد القمح من الخارج، بحجة دعم الإنتاج المحلي، في وقت لا تغطي فيه الزراعة سوى نسبة محدودة جدًا من الطلب، ما تسبب في اضطراب إمدادات الدقيق وارتفاع الأسعار وتزايد قلق المواطنين حيال مستقبل الأمن الغذائي.

وتزامنت هذه التطورات مع تحذيرات أطلقتها أكثر من 30 منظمة دولية ومحلية من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، الذي يشهد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم.

وقالت المنظمات، في بيان مشترك، إن "نصف سكان اليمن يواجهون الجوع، بينما يعاني نصف الأطفال دون سن الخامسة من سوء تغذية مزمن"، مشيرة إلى أن محافظتي الحديدة وتعز تواجهان مستويات حرجة من سوء التغذية، مع توقعات بارتفاع معدلاته بين 15% و30% خلال العام المقبل.

وحذّرت المنظمات من أن 18 مليون يمني سيواجهون مستويات متأزمة من الجوع مطلع العام 2026، بينهم أكثر من 41 ألفًا معرضون لخطر المجاعة، في ظل استمرار القيود الحوثية على عمل وكالات الإغاثة، ومنع حركة النساء العاملات في المجال الإنساني دون مرافقة ذكور، وهو ما يعيق وصول المساعدات إلى المحتاجين.

ويرى مراقبون أن رفض سلطات الحوثي إدخال شحنات القمح وتقييد العمل الإنساني يمثلان سياسة ممنهجة لفرض مزيد من السيطرة على الموارد والأسواق، واستخدام الغذاء كورقة ضغط سياسي واقتصادي، على حساب ملايين اليمنيين الذين يواجهون شبح المجاعة في واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية قسوة في العالم.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

المخلفات شريان الاستدامة والاقتصاد الدائري

د. معمر التوبي -

قبل عدة سنوات خضتُ تجربة تدريس مقرري «الهندسة البيئية» و«الطاقة المتجددة» لفصلين كاملين، ورغم أنني غير متخصص في هذه العلوم بقدر ما أرى نفسي متخصصا في الهندسة الميكانيكية المتقدمة التي ترتبط بأنظمة التحكّم الآلي والحاسوبي والذكاء الاصطناعي، ولكنني لم أخيّب حدسي في قدرتي على التفاعل الإيجابي مع هذه المقررات العلمية الجديدة نسبيا في حقلي الأكاديمي؛ فوجدت نفسي مستمتعًا بكل ما يخص البيئة الذي شمِل مكامن الطاقة المتجددة وطرق استغلالها والبيئة وما تخفيه من طاقة وتحديات، ولعلّ هذا ما ولّد في داخلي الشغفَ المتواصل أن أعمل مؤخرا على بحث يتعلق باكتشاف عيوب «توربين الرياح» «Wind Turbine» -أحد أهم مصادر الطاقة البديلة والمتجددة- عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي. يتعلق حديثُ مقالنا عن المخلفات التي يمكن تحويلها إلى طاقة نظيفة؛ فتهدف في صميمها إلى بلوغ مرحلة الاستدامة الذي يمكن أن يرتبط بمفهوم الاقتصاد الدائري، ولم أكن بعيدا عن لب هذا الموضوع عبر افتتاحية المقال بذكر تجربتي مع مقررات هندسة البيئة والطاقة المتجددة؛ إذ لا تنفصل البيئية بما تحويه من أشياء مثل المخلفات «النفايات» وفرص تحولها إلى طاقات ومنتجات متجددة؛ فما زلنا نبحث عن حلول تتيح لنا فهمنا للبيئة واكتشاف طرق التفاعل معها والاستفادة من موادها، وأحد هذه المواد «المخلفات» التي يمكن أن ننظر إليها بصورة إيجابية.

قبل أن نتناول الشق العلمي في موضوعنا فيما يخص المخلفات وآلية تحويلها إلى طاقة صديقة للبيئة؛ سنحتاج أن نعرج بشكل موجز في تأويل مفهوم «الاقتصاد الدائري» ومغزى «الاستدامة» في هذا النوع من الاقتصادات؛ إذ ثمّة اختلاف بين «الاقتصاد الخطي» و»الاقتصاد الدائري؛ فيُقصد بالاقتصاد الخطي الاقتصاد التقليدي الذي يبدأ بالاستخراج والإنتاج وينتهي بالنفايات غير المفيدة التي تضر البيئة وتنتج انبعاثات ضارة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، ومثال ذلك كل ما يمكن أن يخطر في بالنا من منتجات نستهلكها بشكل يومي لا نجد لها نفعا بعد الانتهاء منها إلا بالتخلص منها، وفي حين نجد أن الاقتصاد الدائري يعتمد مبدأ الاستدامة؛ فيواصل المنتج رحلته الإنتاجية دون توقف عبر حلقة مغلقة تعيد إنتاج المنتج في دورته الاقتصادية -عبر إعادة التدوير-؛ فإما أن يتحول إلى منتج جديد أو طاقة مفيدة؛ فيساهم في تقليل الانبعاثات الضارة الصديقة للبيئة. في مقالنا الحالي، سنركّز على هذا النوع من الاقتصادات، ولكن في حيّز علمي نتناول فيه تحقيق الاستدامة عن طريق تحويل المخلفات بأنواعها الكثيرة إلى منتجات وطاقة مفيدة. سيصبّ تركيزنا على تطبيقات عملية تخص هذا القطاع شهدتها بنفسي في بعض المختبرات وما تعكسه تجارب أحد الزملاء المختصين الذي عمل في هذا الحقل العلمي، وكذلك سنعرج إلى توسيع رقعة النقاش لنرى بعضا من الدراسات المرتبطة بقطاع معالجة المخلفات وأهدافها البيئية والاقتصادية المستدامة في سلطنة عُمان؛ فيهمنا أن ندرك أن سلطنة عُمان وفقَ رؤيتها الوطنية «رؤية عُمان ٢٠٤٠» تعتمد التوجّه إلى الاقتصاد الدائري وتفعيل قيمة المخلفات الزراعية والصناعية وتقليل الطمر والردم.

كما أوجزنا في تفسير ما يُقصد بالاقتصاد الدائري، فكذلك لا أظن أنه من المستحب أن ننطلق في رحلة حديثنا عن المخلفات وسبل تدويرها وتحويلها إلى طاقة ومنتجات نافعة قبل أن نعرّف القارئ -بشكل مختصر- على المخلفات التي يمكن أن نطلق عليها أيضا بالنفايات، ورغم ما تحويه مصطلحات مثل «المخلفات» أو «النفايات» من اشمئزاز وانعكاس سلبي كونها موادَ ومخرجات غير نافعة في صورتها الظاهرية؛ فنحتاج إلى التخلص منها وتقليلها عبر وسائل عدة منها الحرق والردم، وفي حين أن هذه الوسائل المتبعة في التخلص من النفايات ضارة بالبيئة وذات تكلفة مالية على المدى البعيد لما تُحدثه من أضرار للإنسان والبيئة بعموم عناصرها الحيّة والجامدة؛ فإن التوجهات الحديثة أعادت فهم العلاقة مع ما نطلق عليه «مخلفات ونفايات» لتضعها في عداد المواد المفيدة وفقَ

مقتضيات الاستدامة وبروتوكولات الاقتصاد الدائري. تتعدد النفايات ويمكن أن نذكر بعضا منها مثل: النفايات البلدية الصلبة -سواء المنزلية أو التجارية-، النفايات الصناعية -البتروكيميائية والأغذية-، النفايات الطبية والدوائية، النفايات ذات التصنيف الخطير -المذيبات، الأحماض، زيوت ملوثة، وبطاريات-، الزراعية -مخلفات النخيل وبقية الأشجار-، مخلفات البناء والشوارع، ومخلفات المرادم نفسها ذات الأثر السلبي على البيئة.

ننطلق في محور موضوعنا الرئيس عبر استعراضٍ واقعي وعملي لعدد من مشروعات معالجة النفايات التي عمل عليها زميلي الدكتور شبيب الراشدي؛ فكانت مشروعاته تصب في صالح تحقيق الاستدامة الاقتصادية عن طريق معالجة النفايات وإعادة تدويرها. نأتي إلى عرض عدد من النفايات وما يرتبط بها من مشكلات وحلول كما تعامل معها الراشدي؛ فكانت البداية مع مخلفات النخيل وطموح تحويلها إلى فحم حيوي «Biochar»، فأظهرت المشاهدات المختبرية أن مع تسخين المخلفات النباتية -تحديدا مخلفات النخيل- وتعريضها لدرجة حرارة منخفضة -تقدّر ب٢٥٠ درجة سيليزية- يكون الكربون عرضة للتحلل والميثان عرضة للتحفيز -يعد مفيدا لتقنية الهضم اللاهوائي «Anaerobic Digestion»-، ومع درجات حرارة عالية تصل إلى ٧٥٠ درجة يمكن أن يتحول إلى فحم يخزن الكربون ويقلل انبعاثات الغازات الدفيئة؛ فيساهم في تحسين مردود الطاقة الحيوية وتوفير محسّنات للتربة؛ فخلصت الدراسة إلى أن آلاف الأطنان من مخلفات النخيل في عُمان يمكن استغلالها لإنتاج «البيوجاز» عبر تقنية «الهضم اللاهوائي»، وفي هذا الشأن، صمم الفريقُ البحثي هاضما بسعة 7.2 متر مكعب لإجراء التجارب، وأثبتت النتائج إمكانية إنتاج الغاز الحيوي واستخلاص السليلوز من هذه المخلفات. كذلك أمكن للفريق البحثي أن يستخرج من مخلفات النخيل طلاءات حاجزية مضادة للتآكل لألمنيوم الفويل؛ لتكون بدائل محلية صديقة للبيئة؛ فتقلل الاعتماد على الكيماويات المستوردة الضارة، وأُنتِجَ فحمٌ زراعي منخفض الملوثات عن طريق إعادة تدوير مخلفات النخيل بالإضافة إلى النفايات البلاستيكية. في سبيل الوصول إلى الهيدروجين الأخضر، أمكن للراشدي وفريقه البحثي إنتاج الهيدروجين الأخضر من بقايا الطعام -التي تحولت إلى نفايات غير صالحة للاستهلاك والأكل- بواسطة التخمير المظلم باستعمال جسيمات Fe₃O₄ النانوية وبكتيريا مختزلة للحديد؛ فساهم في تسريع التحلل ومضاعفة إنتاج الهيدروجين ليتحول إلى وقود نظيف قليل التكلفة.كذلك النفايات الطبية المُعالجة، نجد لها دورا باعتبارها من النفايات التي يمكن تحويلها إلى وقود بديل في مصانع الأسمنت؛ فيغطي ما يقدّر ب 12.75% من احتياجات الطاقة لتلك المصانع وفق ما أشارت إليه دراسة لباحث عُماني وفريقه « Al-Wahaibi, M., & Baird, J., 2024» بعنوان «Potential of solid recovered fuel production from autoclave treated healthcare waste in Sultanate of Oman» « إمكانيات إنتاج الوقود الصلب المستعاد من النفايات الطبية المعالَجة بالأوتوكلاف في سلطنة عُمان « نُشِرت في «Journal of the Air & Waste Management Association». في دراسة أجريت في سلطنة عُمان -عبر باحثين معظمهم من جامعة السلطان قابوس- « Jellali, S., Charabi, Y., Usman, M., Al-Badi, A., & Jeguirim, M., 2021»- بعنوان « Investigations on Biogas Recovery from Anaerobic Digestion of Raw Sludge and Its Mixture with Agri-Food Wastes: Application to the Largest Industrial Estate in Oman» «دراسات عن استرداد الغاز الحيوي من الهضم اللاهوائي للحمأة الخام ومزجها مع المخلفات الزراعية-الغذائية: تطبيق على أكبر مدينة صناعية في سلطنة عُمان» ونشرت في «Sustainability» استعملت تقنية الهضم اللاهوائي على الحمأة الناتجة من محطات معالجة مياه الصرف الصناعي مع إضافة مخلفات زراعية وغذائية، وأظهرت النتائج أن إضافة المخلفات الزراعية زادت من إنتاج الكهرباء إلى 82.2 جيجاواط ساعة في غضون 20 عامًا، وقللت انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 70,602 طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وكذلك بيّنت الدراسة جدوى اقتصادية قوية مع فترة استرداد لا تتجاوز 7 سنوات، وأكدت هذه الدراسة فعالية هذا الاستغلال للمخلفات في تحقيق الاقتصاد الدائري الذي يعتمد مبدأ الاستدامة.

رغم ما نلحظه من تقدّم علمي وكفاح بحثي وتطبيقي في قطاع معالجة النفايات وإعادة إنتاجها إلى طاقة نظيفة؛ فإن التحديات ملحوظة أيضا استنادا إلى ما قرره بحث لزميلي -السابق- في الحقل الأكاديمي الدكتور «أوكيدو» وفريقه « Okedu, K., Barghash, H., & Nadabi, H., 2022» بعنوان «Sustainable Waste Management Strategies for Effective Energy Utilization in Oman: A Review.» «إستراتيجيات إدارة النفايات المستدامة من أجل الاستعمال الفعّال للطاقة في سلطنة عُمان: مراجعة» المنشور في « Frontiers in Bioengineering and Biotechnology»؛ فخلصوا إلى ضرورة البحث عن استثمارات كبيرة، وإحداث تطوير أكبر في البنية التحتية، ورفع الوعي المجتمعي فيما يخص فرز النفايات ودعم الابتكار التقني. بجانب ما يمكن للأبحاث والدراسات أن تعكسه من حلول وتحديات؛ فإننا كذلك نعوّل على ثقافة المجتمع في التعامل مع النفايات والمخلفات بكل أنواعها؛ حيث لا يمكن أن يقتصر الدور في معالجة هذه النفايات على الباحثين والمؤسسات المختصة، وإنما يمتد الدور ليشملنا جميعا عبر ممارسات بيئية سليمة وبسيطة لا تتطلب جهدا ولا تكلفة مالية، ويتأتى ذلك أولا عبر تثقيف أنفسنا بسبل التعامل مع النفايات اليومية على الأقل في داخل منزلنا؛ فمثلا من السهل أن نستغل بقايا الطعام وخصوصا الخضار والفواكه الفاسدة وقشورها لتكون سمادا عضويا لأشجار حديقة منزلنا عبر عدة طرق منها وأبسطها دفنها تحت الأشجار لما تحويه من عناصر عضوية مفيدة للتربة والأشجار، أو تحويلها إلى سماد عضوي مباشر عن طريق تخزين نفايات الطعام المذكورة آنفا في وعاء تخزين يخلط فيه -بوجود نفايات الطعام- كمية من التربة وأوراق الأشجار والمحافظة رطبا عليه لعدة أشهر؛ فيتحول بعدها إلى سماد عضوي مفيد للأشجار. كذلك الحال مع الأوراق الخفيفة والثقيلة -الكرتون- بالتبرع بها أو نقلها بمقابل مالي إلى شركات ومصانع متخصصة في إعادة تدوير هذه الأوراق، وهذا حال المخلفات الزجاجية والبلاستيكية؛ فنساهم في حفظ البيئة واستدامتها كما نساهم أيضا في التحوّل إلى الاقتصاد الدائري.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • «أطباء السودان»: نفقد 3 أطفال يومياً في الفاشر جراء الجوع والحصار
  • منظمة الصحة العالمية تحذر: غزة لا تزال تواجه مجاعة رغم وقف إطلاق النار
  • الزراعة: نعمل على تشجيع المزارعين لزيادة المساحات المزروعة بالقمح
  • رئيس «الغذاء والدواء»: المملكة توظّف الذكاء الاصطناعي لصناعة مستقبل رقابي أكثر كفاءة وجودة للأدوية
  • رئيس “الغذاء والدواء”: المملكة توظّف الذكاء الاصطناعي لصناعة مستقبل رقابي أكثر كفاءة وجودة
  • تكدس النفايات يفاقم الأزمة الإنسانية والبيئية في غزة
  • وزير خارجية النرويج: عرقلة إسرائيل دخول المساعدات لغزة انتهاك صارخ للقانون الدولي
  • مدير مكتب المبعوث الأممي في صنعاء لبحث آخر التطورات في اليمن
  • المخلفات شريان الاستدامة والاقتصاد الدائري