الجغرافيا المقدّسة بين أطماع إسرائيل ومكانة السعودية
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
منذ أن أعلن قادة إسرائيل الأوائل أن مشروعهم القومي لا يكتمل إلا بالسيطرة الرمزية على أرض الميعاد، لم تتوقف العين الصهيونية عن التحديق في الجغرافيا العربية بوصفها خريطة مقدّسة أكثر منها خريطة سياسية.
واليوم، حين يتحدث متطرفون من أمثال "بن غفير" و"سموتريتش" بلغة التهديد للسعودية، فهم لا يخاطبون دولة بقدر ما يخاطبون "المكان"، المكان الذي يشكّل وجدان مليار مسلم، وحيث تتقاطع السماء بالأرض في مكة والمدينة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا السعودية؟ ولماذا تعود إسرائيل مرة بعد أخرى لتلوّح بجغرافيا الحرمين، في الوقت الذي تملك فيه علاقات متقدمة مع عواصم عربية أخرى؟
الجواب يتجاوز السياسة إلى البنية العميقة للفكر الصهيوني ذاته. فإسرائيل لا ترى في السعودية مجرد مركز نفطي أو قوة إقليمية صاعدة، بل تراها "الرمز الأخير" الذي لم يُكسر بعد في الوعي الإسلامي. فمكة والمدينة ليستا حدودًا جغرافية، بل حدودًا للروح والعقيدة، ووجودهما الحرّ المستقلّ عن إرادة تل أبيب يعني أن العالم الإسلامي لا يزال يحتفظ ببؤرة مقاومة رمزية ضد التطبيع الشامل والهيمنة الغربية.
حين يهدد أمثال بن غفير وسموتريتش بضرب الكعبة أو "استعادة" المدينة المنوّرة، فإنهم يستدعون من اللاوعي الديني اليهودي سردية "الطرد من الجزيرة" بعد عهد النبي محمد، محاولين قلبها إلى مبرّر تاريخي لاستعادة ما يعتبرونه "حقًا توراتيًا".
هذه اللغة لا يمكن فهمها إلا بوصفها امتدادًا لعقيدة ترى في الوجود العربي الإسلامي خطرًا وجوديًا على مشروع إسرائيل الروحي قبل السياسي.
من منظور فلسفي، فإن الصراع هنا لم يعد صراعًا على الأرض، بل على المعنى. فبينما ترى السعودية في الحرمين الشريفين مركزًا للتوحيد والاعتدال الروحي، تراها إسرائيل كجغرافيا نائمة تحت إمكان السيطرة الرمزية، إذا ما أُجبرت المملكة على الدخول في دائرة التطبيع. في المقابل، تمثل السعودية المعقل الأخير الذي يمكنه قلب ميزان القوة الرمزية في المنطقة، فقبولها أو رفضها للتطبيع يعني ترسيم حدود جديدة بين ما هو مقدس وما هو مستباح.
تبدو إسرائيل اليوم وكأنها تتعامل مع الجغرافيا كما يتعامل الساحر مع المرآة، يريد أن يرى نفسه فيها كصورة كاملة لا يكتمل انعكاسها إلا حين تنكسر رمزية مكة والمدينة. ولهذا السبب، لا يكفّ خطاب اليمين الصهيوني عن إثارة الخيال العدواني تجاه السعودية، لأنهم يدركون أن كسرها هو إعلان انتصار رمزي على الإسلام نفسه.
لكن التاريخ يعلمنا أن الجغرافيا المقدسة لا تُخضعها التكنولوجيا، ولا تُهينها الصواريخ. فكما صمدت القدس في وجه الحملات، ستبقى مكة والمدينة عصيتين على الطمس، لأنهما ليستا مجرد مدينتين، بل مركزًا للروح الإنسانية التي تقف في وجه من يريد تحويل الإيمان إلى سلعة، والمكان إلى غنيمة.
وهكذا، فإن تهديدات بن غفير وسموتريتش ليست سوى انعكاس لعقدة إسرائيلية أزلية أمام الجغرافيا المقدسة التي لا تُقهر. أما السعودية، فهي تدرك أن الصراع لم يعد على حدود، بل على رمزية البقاء نفسه، وأن من يحاول أن يطأ أرض الحرمين بعقيدة القوة، إنما يسير على رمال ستبتلعه قبل أن تطاوعه.
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السعودية إسرائيل الحرمين الشريفين التطبيع بن غفير وسموتريتش
إقرأ أيضاً:
روبيو يزور مركز التنسيق المدني العسكري في إسرائيل
زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، منذ قليل، مركز التنسيق المدني العسكري الذي افتتحه الجيش الأمريكي في إسرائيل، وفقا لوكالة سكاي نيوز عربية.
وعلى صعيد آخر، استمرارا لسلسلة الاعتداءات وأعمال العنف التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني في الضفة الغربية، اعتقلت قوات الاحتلال الوحشية أسيرًا محررًا من طولكرم.
ووفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة الموافق 24 أكتوبر، أسيرا محررا من ضاحية ارتاح جنوب مدينة طولكرم.
وذكرت مصادر محلية أن قوات الاحتلال اعتقلت المحرر مالك سعادة جلاد "50 عاما"، بعد مداهمة منزله في الضاحية وتخريب محتوياته.
كما أقدم مستعمرون فجر اليوم، على إحراق عدد من مركبات المواطنين في بلدة دير دبوان شرق مدينة رام الله.
وأفادت مصادر فلسطينية، بأن مستعمرين هاجموا منطقة التل في دير دبوان، وأشعلوا عددًا من المركبات المركونة أمام منازل المواطنين.
وفي طوباس، نقلت وفا، اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة الماضية، لمخيم الفارعة جنوب طوباس.
وأفادت مراسلة وفا، بأن قوات الاحتلال اقتحمت المخيم من مدخله الشمالي بدوريات عسكرية عدة، وانتشرت قوات من المشاة في أزقته.
ولفت إلى أن قوات الاحتلال داهمت منازل عدة، ثم انسحبت باتجاه حاجز الحمرا دون التبليغ عن اعتقالات هناك.