الجزيرة:
2025-10-28@20:33:25 GMT

حزب الله أمام العاصفة

تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT

حزب الله أمام العاصفة

قامت إسرائيل كعادتها بقصف الأراضي اللبنانية في منطقتي البقاع شرقا ومنطقة الهرمل شمالا، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، بذريعة استهدافها مواقع ومصانع أسلحة تابعة لحزب الله، حيث اتسمت هذه الغارات بالكثافة، ووصلت إلى شمال لبنان بعيدا عن جنوب نهر الليطاني الخاضع لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي.

قبل أيام من هذه الغارات العنيفة، حلقت مسيرات إسرائيلية بكثافة لافتة في سماء بيروت وفوق السراي الحكومي، والقصر الجمهوري، في استباحة متعمدة واستفزاز مقصود للدولة اللبنانية.

إسرائيل يد قذرة للسياسة الأميركية

مجريات ومآلات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أكدت مستوى "الوصاية" الأميركية على إسرائيل، وأنها أعجز من أن تضرب في الإقليم إن كان في سوريا، أو لبنان، أو اليمن، أو إيران دون ضوء أخضر ودعم أميركي سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ما يبيح القول إن إسرائيل قاعدة أميركية متقدمة في الشرق الأوسط، وذراع قذرة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.

المبعوث الأميركي الخاص لسوريا، ولبنان، توم باراك، صاحب الباع الطويل في متابعة السياسة الأميركية والمصالح الإسرائيلية، عاد للتأكيد مجددا في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أن "إسرائيل قد تتحرك عسكريا من جانب واحد، إذا استمرت الحكومة اللبنانية في التردد بتنفيذ قرارها القاضي بحصر السلاح بيد الدولة".

هذا الموقف كان إشارة وتوطئة لاستئناف إسرائيل عملياتها العسكرية، وقصفها المكثف أهدافا متعددة في عمق الأراضي اللبنانية، والأهم أن القصف الإسرائيلي العنيف على لبنان في منطقتي البقاع شرقا والهرمل شمالا، جرى أثناء وجود نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس في تل أبيب.

إذًا، هي رسالة أميركية إسرائيلية مزدوجة للحكومة اللبنانية ولحزب الله، أنهما جادتان بتهديداتهما، وأنهما- أي واشنطن وتل أبيب- تصران على نزع سلاح حزب الله بالقوة العسكرية، إن لم تقم الحكومة اللبنانية بذلك، وهي التي ألزمت نفسها بقرار في الخامس من أغسطس/آب الماضي، بحصر السلاح بيد الدولة، تحت الضغط الأميركي، وكلفت الجيش اللبناني بوضع خطة لإتمام ذلك قبل نهاية العام الجاري 2025.

إعلان

الحكومة اللبنانية بدورها مترددة في اتخاذ خطوات تنفيذية في مواجهة حزب الله ونزع سلاحه، خشية أن يؤدي ذلك لاقتتال داخلي أو حرب أهلية مع إصرار حزب الله على رفض تسليم السلاح، وربطه ذلك بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وامتناعها عن اختراق السيادة اللبنانية.

وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل بقوة وبدعم أميركي واضح لها، حيث تطالب واشنطن بنزع سلاح حزب الله أولا، ومن ثم النظر في انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ما يحشر لبنان في عنق الزجاجة، وبين دفتي القصف الإسرائيلي والحصار الأميركي، وبين الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي المدمر للبلد.

الشرق الأوسط الجديد

الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، تتسقان وتنسجمان مع بعضهما البعض لإعادة رسم الشرق الأوسط بالقوة، وفقا لمعايير جديدة متحررة من موروث الجغرافيا السياسية التي أنشأت الدولة القومية بعد الحرب العالمية الثانية، ومتحررة من فكرة سيادة الدول والقانون الدولي، وهذا ما كان ظاهرا في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة.

يعزز هذا التوجه، الحديث المتكرر لكل من ترامب ونتنياهو عن صناعة السلام بالقوة؛ أي عبر فرض الإرادات وليس على قاعدة القانون الدولي أو السلام مقابل استعادة الأراضي المحتلة، وليس حتى على قاعدة السلام مقابل السلام، كما ذهبت إليه الاتفاقيات الأبراهامية صنيعة الرئيس ترامب، بمعزل عن مآلات ومصير القضية الفلسطينية.

فبنيامين نتنياهو الذي يقود حكومة يمينية متطرفة فاجأ العالم، كما الدول العربية، بتصريحه الشهير الذي أشار فيه إلى أنه في "مهمة روحية تاريخية لأجل إسرائيل الكبرى"، كما فاجأ العالم بعدوانه على قطر الدولة الوسيطة والحليفة للولايات المتحدة الأميركية، في رسالة واضحة للمنطقة؛ أن إسرائيل لا يحدها قانون أو أعراف، وأنها يمكن أن تذهب بعيدا في رعونتها لتحقيق أهدافها الغيبية المسيانية، المتعلقة بإسرائيل الكبرى والمسيح المخلص.

في ذات السياق وبطريقة مقززة جاهلة بتاريخ المنطقة؛ أشار المبعوث الأميركي لسوريا ولبنان توم باراك في تصريحات له إلى أن منطقة الشرق الأوسط ليست "دولا" بالمعني الغربي أو القومي المعتاد، بل هي عبارة عن "قبائل وقرى وعائلات.."، وأن رسم الحدود وفقا لمفهوم القومية ولخرائط سايكس- بيكو، لم يعد صالحا "ولم ينجح" في صناعة الاستقرار والسلام على حد قوله.

هذا يشير إلى أن واشنطن وتل أبيب ما زالتا معنيتين بالاستمرار في إعادة رسم الشرق الأوسط الجديد، لتكون فيه إسرائيل سيدة المنطقة برعاية أميركية حتى تتفرغ واشنطن للسياسة الدولية في مواجهة الصين، وكذلك روسيا التي بات ينظر لها كتهديد وشيك لأمن القارة الأوروبية انطلاقا من حربها على أوكرانيا.

البداية من لبنان

إسرائيل التي فشلت في تحقيق أهدافها عبر المقاربة العسكرية في قطاع غزة، قد تذهب وبدعم أميركي لاجتراح مقاربة مزدوجة للتعامل مع غزة والمنطقة على حد سواء، فالفشل في غزة لا يعني بالضرورة انصراف إسرائيل والولايات المتحدة عن تحقيق أهدافهما بإعادة رسم الشرق الأوسط وفق المسارات التالية:

إعلان تثبيت وقف الحرب أو القصف على غزة، واستكمال تنفيذ خطة ترامب لإنشاء وصاية دولية على الفلسطينيين بعد نزع سلاحهم وترويضهم، وإن لم يكن ذلك متاحا؛ بسبب رفض حركة حماس والقوى الوطنية الفلسطينية، فإن إسرائيل قد تلجأ عمليا لإدارة الحصار على القطاع دون الحرب، وتعطيلها مسار الإعمار لاستدامة الأزمة الإنسانية واستنزاف الفلسطينيين والمقاومة في قطاع غزة. تعزيز التمدد الاستيطاني في عموم الضفة الغربية، وخنق الفلسطينيين في المدن والقرى وعزلهم عبر البوابات الأمنية، في وقت يتم فيه تقويض السلطة الفلسطينية كعنوان وطني وتحويلها إلى إدارة محلية وشرطية، تمهيدا لضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها. تحويل الزخم العسكري من غزة إلى لبنان، للضغط على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، واستنزاف الحزب أمنيا وعسكريا عبر القصف الجوي، ما قد يجر المشهد إلى تصعيد، وربما حرب وصدام مباشر بين حزب الله وإسرائيل. الولايات المتحدة الأميركية تتولى بدورها الضغط على بغداد لنزع سلاح الحشد الشعبي والأطر المسلحة المدعومة من إيران، وهذا المسار بدأ واقعيا منذ عدة أشهر، ما قد يفضي لاشتباكات بين الحكومة العراقية بدعم أميركي، وبين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة بدعم إيراني. ترى إسرائيل وأميركا ضرورة البدء بتقويض قوة حزب الله اللبناني، وتفكيكه كمشروع مقاومة مجاور لحدود فلسطين الشمالية، وكأخطر جبهة خارجية تهدد إسرائيل، لا سيما إذا تمكن من ترميم نفسه واستعادة عافيته العسكرية والأمنية والتنظيمية بعد الضربة التي تلقاها في حرب إسناد غزة 2023-2024. إذا نجحت إسرائيل في لبنان، ونجحت أميركا في تقويض قوة الفصائل الحليفة لإيران في العراق، فهذا سيمهد بدوره الطريق لمحاصرة إيران وربما توجيه ضربة عسكرية لها؛ بهدف تغيير نظامها أو إضعافها ودفعها لتعديل سلوكها وإستراتيجيات أمنها القومي، عبر تخليها عن دعم حلفائها وأصدقائها ممن يرفعون شعار المقاومة في المنطقة، وتخليها عن المشروع النووي ومنظومات الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

في هذه الحالة يصبح استهداف حزب الله ونزع سلاحه، في عين إسرائيل ضرورة لتأمين حدودها الشمالية، ومدخلا مهما لإضعاف إيران وضربها في مقتل، بعد حرمانها من أهم حلفائها والأقرب إلى جغرافيا فلسطين المحتلة.

إذًا، تحولت المعركة مع حزب الله إلى مسألة أمن قومي لإسرائيل ومصلحة إستراتيجية لواشنطن لاتصاله بإيران وبفكرة إعادة رسم الشرق الأوسط، وكلما تأخرت إسرائيل في ذلك، أصبح من العسير عليها لاحقا أن تنجز ذلك الهدف؛ لأن الزمن يلعب لصالح إيران وحزب الله في لبنان.

نتنياهو الذي قُيِّدت يداه نسبيا في غزة بعد سنتين من القتال الذي لم يحقق له النصر المطلق، يحتاج لمعركة أخرى تعيد له مجده الشخصي، وتحقق له طموحه السياسي كأعظم قائد تاريخي لدولة إسرائيل التي يعمل على توسيع حدودها الجغرافية في سوريا، ولبنان كأولوية مرحلية، وكمدخل جيوسياسي لإعادة رسم الشرق الأوسط من جديد، ما يجعل الأيام والأشهر القادمة أكثر سخونة وربما أكثر دموية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الأراضی اللبنانیة الحکومة اللبنانیة رسم الشرق الأوسط قطاع غزة حزب الله

إقرأ أيضاً:

كريمة عوض: أحداث الشرق الأوسط في طريقها للتصعيد.. ومصر في مهمة صعبة في غزة

 

أكدت الإعلامية كريمة عوض، مقدمة برنامج "حديث القاهرة"، أن أحداث الشرق الأوسط في طريقها للتصعيد، مشيرة إلى أن مصر تواجه مهمة صعبة للغاية في غزة، في ظل التطورات المتسارعة في الإقليم، ومحاولات أطراف عدة إعادة رسم خريطة النفوذ من جديد.

 

 

كندا تترأس مجموعة دول السبعة وعليه فإننا نتعاون عن قرب مع مصر في الاستجابة للوضع في الشرق الأوسط باحث سياسي: الموساد يقيد يد ترامب من حل صراع الشرق الأوسط

وأضافت كريمة عوض، خلال تقديم برنامج "حديث القاهرة"، المٌذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، : "الصحافة الأمريكية قالت إن إيران تحاول إعادة إحياء حلقة النار حول إسرائيل، وبدأنا اليوم نرى تفسيرات واقعية لذلك، من خلال تحركات أذرع إيران في المنطقة"، موضحة أن تصريحات خليل الحية، القيادي في حركة حماس، جاءت لتؤكد أن الحركة لن تضع سلاحها ما دامت هناك اعتداءات إسرائيلية، وأن سلاحها لن يُسلَّم إلا للدولة الفلسطينية، وهو ما يتناقض تمامًا مع ما ترغب فيه الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأشارت كريمة عوض، إلى أن مصر اقترحت تجميد سلاح حماس بدلاً من نزعه، مع وضع ضمانات، إلا أن المقترح لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن. كما لفتت إلى أن إسرائيل تتهم حماس بالمماطلة في تسليم جثامين الرهائن الثمانية، وأن الحركة أعلنت استعدادها لتسليم خمسة منهم فقط.

ونوهت كريمة عوض، بأن مصر تبذل جهودًا إنسانية ضخمة في غزة، بعد موافقة إسرائيل على دخول فريق مصري بمعدات للمساعدة في استخراج جثامين الرهائن الإسرائيليين، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي في إطار مساعي القاهرة للحفاظ على وقف إطلاق النار واستقرار الأوضاع، رغم خطورة المهمة وصعوبتها على الأرض.

مقالات مشابهة

  • رسالة من الجالية اللبنانية في مشيغن الأميركية إلى الخارجية.. ماذا فيها؟
  • السفير ماجد عبدالفتاح: سياسات إسرائيل التوسعية تهدد استقرار الشرق الأوسط
  • ماذا يكشف وقف إطلاق النار في غزة عن الشرق الأوسط الجديد؟
  • شيخ الأزهر: لا سلام فى الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
  • دولة تتصدر تداول العملات في الشرق الأوسط
  • تحطم طائرتين تابعتين للبحرية الأميركية وسقوطهما في بحر جنوب الصين
  • مواجهة جديدة قد تشعل الشرق الأوسط
  • كريمة عوض: أحداث الشرق الأوسط في طريقها للتصعيد.. ومصر في مهمة صعبة في غزة
  • خبير استراتيجي: إيران تبحث عن موقع جديد في الشرق الأوسط بعد تراجع نفوذها